التحولات وانتهاك الحريات الدينية الخطاب الجديد لا يشفع لـ”تحرير الشام”

حسن إبراهيم

غيّرت “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وسهل الغاب، شمال غربي حماة، خطابها من التشدد إلى الاعتدال، بسياسة مرسومة مسبقًا مكّنتها من السيطرة عسكريًا ومدنيًا على المنطقة.

خطاب على لسان قائدها “أبو محمد الجولاني” وشرعيين فيها، حمل رسائل إلى الداخل والخارج، في محاولات لإقناع الغرب بأن “تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقًا) خلعت ثوب السواد والانتماء إلى التنظيمات “الإرهابية” المتشددة، قوبل بتذكير غربي بأنها “تنظيم إرهابي يثير القلق”.

الخطاب الذي تجرّد مؤخرًا من اللهجة “الجهادية” الحادة، حمل بعض التناقضات التي تمثّلت بمصطلحات لم يعهدها السامع والمتابع، وكانت على لسان “الجولاني” بأن المشروع في المنطقة هو “مشروع كيان سنّي” في حين تعيش في المنطقة مكوّنات من أديان وطوائف أخرى.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع باحثين في الحركات الدينية والجماعات “الجهادية” إمكانية أن يكون التذكير بالتصنيف “ضغطًا إضافيًا” على “الهيئة” لتقديم المزيد، وإمكانية أن يولد هذا “الضغط” انفجارًا أو سخطًا من “تحرير الشام”، في الوقت الذي ينتظر فيه الفصيل “مرونة غربية” لما اعتبره باحثون بمنزلة “مكافأة” للأدوار التي تقوم بها في المنطقة.

كيان استبدادي

أعادت اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية (USCIRF) تصنيف “هيئة تحرير الشام” على أنها “كيان يثير قلقًا خاصًا”، بسبب انتهاكاتها المستمرة للحرية الدينية في مناطق سيطرتها، وفق تقريرها السنوي الصادر في 25 من تشرين الثاني 2022.

وقالت اللجنة، إن حكم “تحرير الشام” الاستبدادي والمدفوع أيديولوجيًا، وتنافسها مع جهات عديدة للسيطرة على أجزاء من سوريا، يعرّض سكان شمال غربي سوريا المتنوعين دينيًا لخطر مستمر.

وأوصت اللجنة وزارة الخارجية الأمريكية بإعادة تصنيف “تحرير الشام” كـ”كيان يثير قلقًا خاصًا”، بسبب انتهاكاتها المستمرة للحرية الدينية، وبفرض عقوبات مستهدفة على قادة إضافيين في “تحرير الشام”.

وذكر التقرير أن “الهيئة” المنبثقة عن تنظيم “القاعدة”، ظلّت هي القوة الحاكمة والدينية المهيمنة في شمال غربي سوريا، وواصلت معاملة الأقليات بـ”وحشية”، وفرضت قيودًا على عبادة مسيحيي إدلب الأصليين وهجّرتهم، واستولت على ممتلكاتهم وكنائسهم.

ولفتت اللجنة إلى أن هذا الخطر بحق السكان المتنوعين دينيًا مستمر، رغم أن “تحرير الشام” قطعت علاقاتها الرسمية مع تنظيم “القاعدة”، وأطلقت حملة علاقات عامة نشطة لإعادة تسمية نفسها كسلطة مدنية شرعية.

تواصلت عنب بلدي مع المكتب الإعلامي لـ”تحرير الشام” لمعرفة رد “الهيئة” على تقرير اللجنة الأمريكية وموقفها من التصنيف، لكنها لم تتلقَّ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.

تضم قائمة المصنفين كـ”كيان يثير قلقًا خاصًا” لدى اللجنة الأمريكية عدة جماعات وكيانات وحركات من 15 دولة متفرقة في العالم هي: أفغانستان، بورما، الصين، إريتريا، الهند، إيران، نيجيريا، كوريا الشمالية، باكستان، روسيا، المملكة العربية السعودية، سوريا، طاجيكستان، تركمانستان، فيتنام.

تاريخ ورسائل.. تصنيف يلاحق “تحرير الشام”

نشأت “جبهة النصرة” (“تحرير الشام” حاليًا) في سوريا نهاية 2011، وهي فصيل تميّز بخروجه من رحم “القاعدة”، أبرز الفصائل “الجهادية” على الساحة العالمية، وأعلنت لاحقًا انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية.

ولا تزال “تحرير الشام” مصنّفة على لوائح “الإرهاب”، ولا يزال اسم “أبو محمد الجولاني” مُدرجًا ضمن المطلوبين لأمريكا، بمكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عنه.

خلال عام 2022، ظهر “أبو محمد الجولاني” بعباءة القضايا الخدمية، عبر زيارات لأهالي قرى وبلدات من أتباع الديانة المسيحية والطائفة الدرزية، وهم أحد مكوّنات النسيج السكاني في إدلب، ووجّه رسائل عديدة بعد سنوات من تضييق بعض فصائل المعارضة عليهم، ولا سيما “جبهة النصرة” (“تحرير الشام” حاليًا)، كما مرت بعض الحوادث دون تعليق من “الهيئة”.

وفي 19 من تموز 2022، زار “الجولاني” عددًا من الأهالي في قرى القنية واليعقوبية والجديدة أتباع الديانة المسيحية بريف مدينة جسر الشغور جنوبي إدلب، واقتصر الاجتماع على صور نشرتها مؤسسة “أمجاد” الإعلامية التابعة لـ”الهيئة”، دون عرض تسجيلات مصوّرة لفحوى النقاشات التي جرت خلال اللقاء، وذلك بعد أيام من حديث لـ”الجولاني” اعتبر أن المشروع في “المحرر” لم يعد مشروع ثورة ضد الظلم والطغيان فقط، إنما تحول إلى “كيان سنّي”.

وأُعيد افتتاح كنيسة “القديسة أنّا” في قرية اليعقوبية بريف إدلب الغربي للمرة الأولى منذ سيطرة فصائل المعارضة على المنطقة، في 28 من آب 2022، بحضور عشرات الأشخاص، وتعتبر من أبرز الكنائس وأكثرها شهرة وقدمًا، إذ رُممت على ثلاث مراحل تاريخية آخرها عام 1320 ميلاديًا.

مر افتتاح واحتفال مسيحيي المنطقة بعيد “القديسة أنّا” دون تعليق من “تحرير الشام”، ما وضع “الهيئة” وقياداتها أمام انتقادات بـ”تلوّنهم ومعاداتهم الفصائل سابقًا تحت شعار الإسلام”، عدا عن اتهامات بشرعنة “تحرير الشام” نفسها كـ”حامية للأقليات، وهي التي مارس عناصرها انتهاكات بحقهم”.

وفي 9 من حزيران 2022، التقى “الجولاني” بشخصيات ووجهاء من الطائفة الدرزية بقرى جبل السماق بريف إدلب الشمالي، خلال افتتاح وتدشين “مشروع بئر مياه”، وأطلق في لقائه وعودًا بإعادة أي “مظلمة” لأي شخص، مع عدم تعرض أي شخص “للضيم أو الظلم”.

وتابع “الجولاني” واصفًا نفسه بقوله، “نحن أهل الحق”، بعد أن طالب أحد الوجهاء بمساواة أهل المنطقة مع كل الناس، وعدم اعتبارهم طائفة مغايرة، فهم “مسلمون ولا يقبلون أن يوصفوا بأي وصف آخر”.

وذكر “الجولاني” آية من القرآن “لا إكراه في الدين”، وأكد عدم إجبار أي شخص على الدخول في الإسلام، كما برّأ نفسه وفصيله من أي اعتداء ومضايقات تعرض لها أهالي المنطقة سابقًا.

غابت تفاصيل البئر وماهيتها وتكلفة إنتاجيتها وعدد القرى التي تغذّيها عن التسجيل المصوّر الذي نشرته مؤسسة “أمجاد”، وانتهى بكلام لـ”الجولاني” بأنه لا يضمر أي أهداف سياسية أو مكاسب من زيارته، لتنشر “إدارة منطقة حارم” تفاصيل البئر وعدد المستفيدين منها بعد خمسة أيام من الزيارة.

الباحث في معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” آرون زيلين، المختص في شؤون الجماعات “الجهادية” بشمال إفريقيا وسوريا، قال لعنب بلدي، إن التصنيف كـ”كيان يثير قلقًا خاصًا” ليس جديدًا، إنما هو إجراء تقوم به اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية (USCIRF) كل عام، وإنها أدرجت “تحرير الشام” في هذه القائمة لأول مرة في كانون الأول 2020.

ويعتقد الباحث زيلين أن هذا مجرد دلالة على أنهم ما زالوا ينظرون إلى إجراءات “تحرير الشام” تجاه الأقليات على أنها “إشكالية”، مشيرًا إلى أهمية تسليط الضوء على وجود فرق بين الاجتماع مع قادة الأقليات، والسماح لهم بالصلاة أو ممارسة عقائدهم مقابل الحصول على حقوق سياسية فعلية أو عدم التعرض للمضايقة من قبل أشخاص عشوائيين.

ولا يرى الباحث زيلين أن هذا التصنيف يأتي كمحاولة من الولايات المتحدة بهدف ممارسة المزيد من الضغط على “تحرير الشام”، فهو مطبق منذ 2020، وهذا لا يقتصر على “الهيئة”، فهناك دول وكيانات أخرى مدرجة في هذه القائمة.

الحديث عن “المشروع السنّي” عززه “الجولاني” حين اعتبر أنه في حال خسرت “الثورة” ستحصل مصيبة على أهل السنّة في المنطقة وبالمحيط الإقليمي، ويتحولون إلى “أقلية مضطهدة”، وذلك في تصريحات له تتعلق بالشأن السوري، ومسار التقارب التركي مع النظام السوري، خلال لقائه مع وجهاء المهجّرين في مدينة إدلب، وفق تسجيل مصوّر نشرته مؤسسة “أمجاد” في 11 من كانون الثاني الماضي.

وقال قائد “تحرير الشام”، إن “المشروع الثوري في إدلب حدث استثنائي”، يملك قوة عسكرية وشعبية موحدة مع بعضها، وهو حدث لا يتكرر كل 50 أو 100 سنة، وإن مصير السوريين وأهل السنّة في محيط سوريا أيضًا مرتبط بقرارات تؤخذ في مناطق سيطرة “تحرير الشام”، على حد قوله.

الباحثة في الجماعات “الجهادية والمتطرفة العنيفة” روان الرجولة، ترى في حديث إلى عنب بلدي، أن قائد “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، يحاول إضفاء الشرعية على وجوده، ولكن مع كل المحاولات لنفي واقع التشدد من “جبهة النصرة” وحتى مع تغيير الأسماء، لا تزال الأيديولوجيا واحدة.

سوريا “ليست أولوية”

ظهور متكرر لـ”الجولاني”، ترافق بتغيير في سلوك “تحرير الشام” وخطاب قائدها وأبرز قياداتها وشرعييها، منذ إعلان “جبهة النصرة” انفصالها عن تنظيم “القاعدة” أو أي “كيان خارجي آخر” في تسجيل مصوّر بُث في تموز 2016، ولم تؤثر هذه التحركات في نظرة الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، تجاه تصنيفها.

وأعادت الولايات المتحدة، قبل أشهر، تذكير “تحرير الشام” بأنها في قائمة “الإرهاب”، حين طالبت “الهيئة” بسحب قواتها من مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” بريف حلب، في 18 من تشرين الأول 2022، على خلفية دخول قوات للأخيرة إلى عفرين.

وقالت السفارة الأمريكية في دمشق، عبر “تويتر” حينها، “نشعر بقلق بالغ من التوغل الأخير لـ(هيئة تحرير الشام)، وهي منظمة مصنفة إرهابية، في شمال حلب، يجب سحب قوات (هيئة تحرير الشام) من المنطقة على الفور”.

الباحث آرون زيلين ليس متأكدًا من أن “تحرير الشام” تفهم آلية عمل الولايات المتحدة الأمريكية وكيفية وضع السياسات فيها، على عكس الحكومة الخاصة بـ”الهيئة” والحكومات “الاستبدادية” في المنطقة، حسب قوله، حيث يمكن للقائد اتخاذ قرار يحسم كل شيء.

وأوضح زيلين أن هناك عملية سياسية كاملة في الولايات المتحدة وأوروبا، وتستغرق وقتًا أيضًا في مراعاة كل هذه التكاليف السياسية والاستراتيجية المختلفة، بالإضافة إلى وجود أجزاء مختلفة من الحكومة الأمريكية يُحتمل أن تكون مهتمة بأشياء مختلفة، لذلك في بعض الأحيان يمكن أن تصبح عملية صنع السياسات مفككة وغير متوافقة بالكامل من قسم إلى آخر.

ويعتقد الباحث المختص في الحركات “الجهادية”، أنه طالما استمرت “تحرير الشام” في مسارها الحالي، فمن غير المرجح أن يتغير الكثير من جانب حكومة الولايات المتحدة، لأن سوريا بغض النظر عن “تحرير الشام”، تحتل موقعًا منخفضًا جدًا في قائمة أولويات السياسة هذه الأيام.

الباحثة روان الرجولة، ترجّح أن تكون فكرة “الجهادية المتطرفة” غير عابرة للحدود، وإنما فقط داخل حدود سوريا، ولكن هذا لا ينفي أن تركيا وأمريكا تتعاملان مع “تحرير الشام” على أنها منظمة “إرهابية”، وأن عمليات التحالف الدولي في الشمال الغربي (مناطق وجود “النصرة”) هي نوعية جدًا وتستهدف قيادات “إرهابية أجنبية”.

ورغم تصنيف “تحرير الشام” على لوائح “الإرهاب”، ركّز التحالف الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، على استهداف “جهاديين” منضوين في تنظيم “حراس الدين” شمال غربي سوريا، إضافة إلى آخرين يتبعون لتنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” أو اعتقالهم، دون التعرض لقيادات في “تحرير الشام”.

الهيئة: تصنيف غير عادل

“تحرير الشام” اعتبرت عدة مرات أن إدراجها على قوائم “الإرهاب” هو “تصنيف غير عادل”، منها إجابة المكتب الإعلامي لـ”الهيئة” في مراسلة إلكترونية عن أسئلة عنب بلدي حيال تجديد التصنيفات للفصيل، وأحدثها من أستراليا في 17 من شباط 2022، بكونه فصيلًا “إرهابيًا”.

وقالت “الهيئة”، إنها أوضحت في مناسبة سابقة، أن تصنيفها على قوائم “الإرهاب” هو أمر سياسي محض، لا يعبّر عن حقيقة الأمر وواقع الثورة السورية، وغير مبني على “أدلة ملموسة”، وأن من “ارتكب المجازر وقتل الشعب السوري بالسلاح الكيماوي وهجّر ثلاثة أرباع الشعب بمساندة إيران وروسيا، هو من يستحق التصنيف، ولم يُصنف للأسف”.

“تاريخ أسود”.. قلب لوزة شاهدة

خطاب قائد “تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقًا) ووعوده برد أي “مظلمة”، و”عدم الإكراه في الدين”، وعدم اعتبار الطائفة الدرزية طائفة مغايرة، وعدم التعليق على فتح كنيسة “القديسة أنّا” وطقوس احتفال المسيحيين في إدلب، بدا مختلفًا عما قاله في لقاء أجرته قناة “الجزيرة”، في 27 من أيار 2015، ضمن برنامج “

“، الذي قدمه الإعلامي أحمد منصور من داخل الشمال السوري.

وأكد “الجولاني” حينها حماية القرى الدرزية والمسيحية في ريف إدلب، وإرسال دعاة إسلاميين إلى قراهم لتوضيح أخطائهم، بحسب تعبيره، ورأى أن “النصارى” سيخضعون لـ “الحكم الإسلامي” في حال أقيم نظام إسلامي في سوريا، متعهدًا بحمايتهم.

حديث “الجولاني” مع أبناء الطائفة الدرزية في حزيران 2022 لم يكن من حيث المكان، ومع قناة “الجزيرة” في 2015 من حيث الزمان، بعيدًا عن قرية قلب لوزة التابعة لجبل السمّاق، والتي جرت فيها مجزرة على يد عناصر من “جبهة النصرة” في 10 من حزيران 2015، حين قُتل حوالي 20 شخصًا من الطائفة الدرزية داخل القرية.

وذكرت “النصرة” بعد تلك الحادثة بأيام، أن ما حصل هو مشاركة عناصر بالحادثة، دون الرجوع إلى أمرائهم، مخالفين بوضوح توجيهات “القيادة”، مشيرة إلى أن “وفودًا من (النصرة) انطلقوا لتطمين أهالي القرية بعد الحادثة، مؤكدين أنه خطأ غير مبرر ودون علم القيادة”.

بما يتعلق بحديث “الجولاني” عن الكيان السنّي والاضطهاد، قالت الباحثة الرجولة، إن السنّة هم أكثر من تعرضوا للاضطهاد والقمع على أيدي المنظمات “الإرهابية الجهادية” (ذات التوجه السنّي) ومنها “النصرة” وتنظيم “الدولة”.

وأوضحت الرجولة أن “الجولاني” يحاول أن يروّج لشرعية وجوده، لكن بقاءه مرتهن بعملية التصنيف التي ستقوم بها الدول لمن هو إسلامي التوجه من ناحية العقيدة، وليس للإرهابي الجهادي المتطرف الذي يسعى لتطبيق نسخة متشددة من الشريعة الإسلامية بقوة السلاح والإرهاب، ويستهدف بالمكان الأول أهل السنّة.

وترى الرجولة أنه لم يعد هناك أي أقلية أو تنوع عرقي أو ديني في المناطق التي تسيطر عليها جماعات “إرهابية” كتنظيم “الدولة” و”النصرة”، لافتة إلى أن وجود “تحرير الشام” مرتبط بالمقام الأول بأي توافق تركي- روسي- أمريكي، وبالتالي هو مؤقت ومضبوط بشكل تام.

انتهاكات على أساس “ديني

تستمر المنظمات الحقوقية والإنسانية بتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها أبناء الطوائف والديانات الأخرى في مناطق سيطرة “تحرير الشام”، ورغم أنها انخفضت عن السابق، فإنها لا تزال موجودة.

مديرة قسم المعتقلين والمختفين قسرًا في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، نور الخطيب، قالت لعنب بلدي، إن “الشبكة” وثّقت 11 حالة اعتقال استهدفت مدنيين من الديانة المسيحية في محافظة إدلب من قبل عناصر “هيئة تحرير الشام”، بهدف الاستيلاء على أملاك تعود لأقربائهم أو ذوي أسرهم الموجودين خارج مناطق سيطرتها.

وأوضحت الخطيب أن “الشبكة” سجّلت 16 حالة اختطاف لمدنيين من الديانة المسيحية في محافظة إدلب من قبل عناصر مسلحين مجهولين، لم تتمكن من تحديدها معظمها، بهدف ابتزاز ذويهم ماديًا وإطلاق سراحهم مقابل المال.

وتقدّر “الشبكة السورية” أن أغلبية ممتلكات المدنيين من الديانة المسيحية في محافظة إدلب والتي يوجد أصحابها خارج مناطق سيطرة “تحرير الشام” قد تم الاستيلاء عليها من قبل “الهيئة” أو مُنع أقرباؤهم من الإشراف عليها.

وأضافت الخطيب أن “الشبكة” وثّقت ما لا يقل عن 53 حالة خطف، بينها ثلاثة أطفال وسيدة تعرض لها أبناء القرى ذات الأغلبية الدرزية في محافظة إدلب منذ مطلع عام 2012 وحتى آب 2022، وكانت “تحرير الشام” خلف 23 حالة منها، ونفذ تنظيم “الدولة” 16 حالة منها، و14 حالة كانت على يد تنظيمات “إسلامية متشددة أخرى”.

وتقدّر نسبة السكان من القرى الدرزية المتبقية في قراهم بحوالي 20% من أصل سكانها، أغلبيتهم العظمى من كبار السن، وشهدت تلك القرى أكبر موجة نزوح قُدّرت بحوالي 50% من السكان مطلع عام 2012 وحتى عام 2014، بسبب العمليات العسكرية والقصف الذي كانت تشهده محافظة إدلب عامة، وفق تقديرات “الشبكة السورية”.

ولفتت الخطيب إلى أنه بعد سيطرة التنظيمات الإسلامية، استمرت موجات النزوح نحو محافظة السويداء أو خارج سوريا بسبب عمليات الترهيب على خلفية طائفية التي تعرضوا لها من مختلف “التنظيمات الإسلامية المتشددة”، وأن “تحرير الشام” منعت ممارسة الدروز شعائرهم الدينية، وأغلقت مراكز العبادة الخاصة بهم، واستبدلت بها الجوامع الخاصة بجميع المسلمين في المنطقة.

“التنظيمات الإسلامية المتشددة” في محافظة إدلب مارست أنماطًا مختلفة من الانتهاكات بحق المدنيين السوريين من أبناء الطائفة الدرزية، بحسب الخطيب، وعلى وجه التحديد، لعب المهاجرون المنتمون لهذه التنظيمات دورًا أساسيًا في ذلك.

وأضافت الخطيب أن عمليات الترهيب بحق المدنيين من أبناء الطائفة الدرزية من أكثر أنماط الانتهاكات شيوعًا، تليها عمليات القتل التي غالبًا ما تأخذ شكل الاغتيال في ظروف غامضة، وأيضًا عمليات السلب من الطرقات.

كما يقوم المهاجرون في هذه التنظيمات بهذه الانتهاكات بدوافع التطرف الديني، كما شكّل الاحتكاك اليومي بين المهاجرين في التنظيمات أو خلاياها مع أبناء الطائفة الدرزية عاملًا أساسيًا في ارتفاع معدلات هذه الانتهاكات، حيث يتخذ المهاجرون من المناطق المحيطة بمناطق وجود الطائفة الدرزية في إدلب قواعد أساسية لوجودهم ونشاطهم، وفق الخطيب.

ومن أبرز انتهاكات “تحرير الشام” وبعض الفصائل (بعضها سابقًا وبعضها حاليًا)، حسب المنظمات، “الاضطهاد والخطف والأسر والتعذيب والتهجير والحرمان من المساعدات”، وإجبار الأهالي على إخفاء طقوس العبادة ومظاهر الديانة وممارستها في بيوتهم.

وذكرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية أن قرى الموحدين الدروز في جبل السمّاق تعيش حالة من عدم الاستقرار، وسط ما تشهده من عمليات خطف وقتل ومصادرة للممتلكات وتمييز في الحصول على الحقوق والفرص على أساس ديني، وذلك في تقرير نشرته في 18 من تشرين الثاني 2022.

وقالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا، إنها تلقت تقارير عن مصادرة أعضاء “هيئة تحرير الشام” للممتلكات، خلال الفترة بين كانون الثاني وحزيران 2022، وصودرت بالأساس ممتلكات الأفراد النازحين الذين يُعتقد أنهم يدعمون النظام السوري أو يعارضون “الهيئة”، بمن فيهم المسيحيون، وفقًا لـ”تقرير” اللجنة الصادر في 14 من أيلول 2022.

وذكرت لجنة التحقيق أن “المصادرة الموصوفة للأملاك قد ترقى إلى جريمة الحرب المتمثلة في النهب”، وأن “حقوق ملكية النازحين محمية أيضًا بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي، ويجب أن تحترمها جميع الأطراف دون تمييز”.

وسوم: العدد 1033