مراقبون إسرائيليون: نتنياهو يواصل تفكيك إسرائيل بمواصلة الحرب ورفض الاندماج في المنطقة

وديع عواودة

الناصرة ـ «القدس العربي»:يصعد مراقبون في إسرائيل انتقاداتهم لحكومتها خاصة رئيسها نتنياهو، ويرون أنه يلعب بمستقبلها سواء على مستوى الاستمرار في حرب بدون هدف ورفض الانخراط في المنطقة أو على مستوى الداخل ومراكمة الفساد والاستبداد. في ذلك تقول الكاتبة المترجمة الإسرائيلية يوعنا غونين إنه مع نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد ثلاثة أسابيع من ذلك اليوم المشهود، كتبت في صحيفة «هآرتس» مقالًا عن العقد القائم بين الدولة ومواطنيها، ذلك العقد الذي يشكّل أساس كل نظام ديمقراطي، جاء فيه «جزء كبير من الشعور بالانهيار الوجودي الذي يشعر به كثيرون منا الآن، نابع من تفكك هذا الإطار المتخيّل. وأشرتُ إلى أنه إذا ما تخلّت الحكومة عن المخطوفين مرة أخرى، فإن ذلك سيكون خرقًا كاملًا للعقد غير المكتوب بين الدولة ومواطنيها، جريمة لن تقوم لها بعدها قائمة». وتقول غونين في مقال جديد في ذات الصحيفة إنه بعد عام ونصف، تبدو تلك الكلمات الغاضبة شبه بريئة، فالحكومة تنصّلت بالكامل من أي مسؤولية تجاه مواطنيها، ولم يقتصر الأمر على استمرار التخلّي عنهم، بل توسّع وتضاعف وأصبح طبيعيًا. مؤكدة أنه لا يوجد عقد، بل علاقة عنيفة بين سلطة فاسدة ومواطنين منهكين ولم يحدث فقط أن «لا قائمة قامت لها، بل بالكاد تم تسجيل أي أثر للخجل».

بقايا الوهم

وطبقا لغونين، هناك حدثان من الأيام الأخيرة حطّما ما تبقّى من وهم- إن تبقّى منه شيء أصلاً- حول وجود مسؤولية سلطوية في إسرائيل: أولًا، تحرير الجندي المخطوف عِدان ألكسندر، بمبادرة من الولايات المتحدة، من فوق رأس إسرائيل، وبالكاد من دون موافقتها. حتى دونالد ترامب، وهو شخص لا يُعرف عنه تمسّكه بمستوى أخلاقي رفيع، أدرك أن بنيامين نتنياهو يتصرف وفق اعتبارات سياسية ضيقة، وأن حكومته ملتزمة بتدمير غزة وإبادة سكانها أكثر بكثير من انشغالها بحياة مواطنيها أنفسهم. وتستذكر قول ستيف ويتكوف لعائلات المحتجزين إن واشنطن تريد استعادة الرهائن، لكن إسرائيل غير مستعدة لإنهاء الحرب أو بترجمة أخرى إلى العبرية: من وجهة نظر حكومتكم، الحرب هي الهدف، والرهائن هم عقبة. وتتابع: «في الوقت نفسه، كُشف قبل أيام عن الحقيقة الصادمة بشأن مقتل توم جودو في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد يوم قضاه هو وعائلته منسيين في منزلهم في كيبوتس كيسوفيم في غلاف غزة. فقد أخبر الضابط المحقق أرملته مؤخرًا، أن من أطلق النار على جودو لم يكن المسلحون، بل جنود الجيش الإسرائيلي، الذين سمعوا صوت طفلة في الغرفة الآمنة وافترضوا أن الحديث يدور عن عملية احتجاز رهائن».

وتعتبر المعلقة الإسرائيلية أن التنصل من المسؤولية والاستهتار العميق بحياة الإنسان يغلفان كل تفصيلة من هذه القصة: إطلاق النار من دون تفكير، من دون التأكد ممّن يُطلق عليه؛ اتخاذ قرار بتفعيل «إجراء حنيبعل» في وضع يُفترض فيه وجود رهائن؛ وإخفاء هذا الإخفاق عن العائلة والجمهور طوال نحو 19 شهرًا. وتقول إن جودو تُرك لمصيره، وتُخلي عنه، ثم أُعدم، وبعدها مُسح من الرواية وطُمست الحقيق- ولم يُحاسَب أحد، ولم يُطرح السؤال الجوهري: كيف ولماذا؟

دولة في انهيار

وتذهب لحد القول إن هاتين الحادثتين تشكّلان دليلًا إضافيًا على أن إسرائيل أصبحت دولة انهارت فيها كل البنى الأساسية المدنية والفكرية، ولم يتبقَّ سوى محاكاة زائفة لنظام حكم ظاهري. وتعتبر أن رئيس الحكومة ليس قائدًا بل هو عارض أزياء سياسي، غارق في حملة متواصلة من مقاطع الفيديو المنفصلة عن الواقع، والحكومة نفسها عبارة عن مجموعة مرعبة من المتطرفين المهووسين، والفاشلين المتملقين، والفاسدين المجرمين، الذين يتعاملون مع الدولة كأداة لتحقيق مصالح فئوية وأوهام ميسيانية غيبية، أما احتفالات الاستقلال، فأديرت بواسطة هولوغرامات لمطربين أموات. وتشدد غونين على أن مشروع نتنياهو لتفكيك الدولة اكتمل: المؤسسات انهارت، ضوابط التوازن تبخّرت، والتضامن الاجتماعي تلاشى، والدولة باتت تبدو كأنقاض ترفرف في وسطها راية. وتخلص للقول «وحين تخون الدولة مواطنيها مرة تلو الأخرى، من خلال مزيج من العجز والإهمال المتعمد، فإنها تتوقف عن أن تكون كيانًا اجتماعيًا، وتتحول إلى هيكل بيروقراطي أجوف، لا يعمل إلا على أبخرة ماضٍ متخيَّل. وإذا لم تكن الحكومة تفي بالتزاماتها ضمن العقد غير المكتوب، فلا سبب يدعو المواطنين إلى الاستمرار في الوفاء بالتزاماتهم. واستعارة على ما قاله الرئيس جون ف. كينيدي في خطابه أمام الأمم المتحدة: على المواطنين أن يفككوا الحكومة، وإلا فإن الحكومة ستفكك المواطنين».

نتنياهو يدفن

مستقبلنا في رمال قطاع غزة

تواصل أوساط إسرائيلية توجيه الانتقادات لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو على المستوى الخارجي أيضا المتعلق بمستقبل الحرب والعلاقة مع المنطقة، وانضم لهم الخميس الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب الجنرال في الاحتياط دكتور عاموس يادلين وزميله أودي أفينتال، وهما يقولان في مقال مشترك إن نتنياهو يدفن الإسرائيليين في رمال غزة. ضمن مقالهما المنشور في موقع القناة 12 العبرية يوضح يادلين وأفينتال إن زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط تعبّر عن رؤية أمريكية – عربية مشتركة للتقدم الإقليمي والازدهار الاقتصادي والتطور التكنولوجي المتقدم وازدياد التنسيق السياسي. ويعتبران أن إسرائيل أمام فرصة تاريخية لتستقل هذا القطار السريع الذي لا ينتظر في المحطة، بعد أن ألحقت إسرائيل ضرراً عسكرياً بالغاً بأعدائها، وبنجاح كبير، وبلغ استخدام الأدوات العسكرية ذروته، وخصوصاً في قطاع غزة. وكان الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك المعروف إسرائيليا بـ«نبي الغضب» قد حذر من أن حملة «عرفات غدعون» على غزة لم تهزم حماس وستورط إسرائيل في حرب استنزاف لا نهاية لها وكل ذلك طمعا بنصر مفقود وبسلامة إئتلاف حاكم فاشل.

وسوم: العدد 1126