التحديات العربية بعد النكسة الإيرانية!

سيد أمين

الأصعب من تداعيات النكسة غير المسبوقة التي تعرّضت لها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في 13 يونيو/حزيران الجاري، واغتيال إسرائيل معظم قادة الصف الأول الأكثر تأمينا واعتبارا، مع قصف العديد من المنشآت الإيرانية، لم يأتِ بعد، وستكون له عواقب وخيمة على المنطقة العربية والإسلامية.

يتمثل هذا “الأصعب” في حرمان هذه الدول من حق الاختيار بين الدوران في فلك إيران أو إسرائيل، فأصبحت كل الطرق تؤدي الآن إلى وجهة إجبارية واحدة نحو تل أبيب، وسوف يتسارع مسار التطبيع والتفريط بشكل مذهل على المسارات كافة.

التحديات ستطال الجميع في المنطقة العربية، حتى أولئك الذين كانوا يعتبرون أنفسهم حلفاء لإسرائيل، لأنهم من الآن فصاعدا، عليهم القبول بالتعامل على أنهم مجرد أتباع، ولم يعد بوسعهم سوى الطاعة العمياء، هذا إن استمرت إسرائيل في استخدام لعبة الوكلاء، ولم تقم بنفسها بإدارة الأمور، أو تقم باستبدالهم بوكلاء أكثر قبحا وفجاجة.

مصيبة هؤلاء الأتباع –وهو التعبير الأكثر انضباطا من اليوم فصاعدا– لا تقل فداحة عن المصيبة التي طالت وستطال “المارقين” عن الحظيرة الأمريكية والإسرائيلية، فقد ألف هؤلاء المارقون الكرّ والفرّ، والضربات الموجعة والنهوض منها، يتوجّعون ويوجِعون، وبالتالي فهم لم يكونوا يوما في موضع أفضل مما هم فيه الآن. أما “الأتباع” فقد فقدوا حتى سبل المناورة التي كانوا يلوّحون بها حينما يُطلب منهم ما يفوق طاقتهم، فيُبدون تقرّبا صوريا لإيران، فتخفّف الولايات المتحدة مطالبها، وأصبح هذا التلويح سلاحا لا يُقدّر بثمن.

مما لا شك فيه أن ما يسمى بـ”محور المقاومة” يعيش الآن أكثر وضعيّاته بؤسا منذ عقود، بعد هذه الضربات –إن توقف الأمر عند حدود الضربات– وبعد تكرار المشهد الموجع الذي حدث لـ(حزب الله) مع “الحصن الحصين الأم”، فقد افتقر هذا المحور إلى روافد دعمه العسكري والسياسي والروحي، وإذا قبلت إيران بالهزيمة ولم تُصدر ردا مباشرا موجعا، فهذا يعني زوال تأثيرها، لأنها لم تستطع حتى الدفاع عن نفسها، وبالتالي لا يمكنها الدفاع عن أذرعها، لذلك قد يصبح بقاء هذا المحور على ماهيته المنظمة الحالية ضربا من الإعجاز.

ولما كان “من السم يُصنع الترياق”، فإن كثرة تجرّع هذا المحور للسمّ والهزائم جراء التفوّق العسكري والاستخباري الشاسع بين قدراته وقدرات إسرائيل المدعومة من دول عدة غربية كبرى، منحه قدرة على سرعة التعافي، والصبر، والتكيّف مع أشدّ المحن.

ولذلك، فإذا استمر الضغط العسكري الإسرائيلي، قد يلجأ هذا المحور إلى التحوّل إلى تنظيمات سرّية، وهو الإجراء الذي تخشاه إسرائيل، إذ قد يتكرر معها ما حدث مع الفصائل الفلسطينية في غزة، وبالتالي هي بحاجة –مثلا– إلى وجود تنظيمي ظاهر لـ(حزب الله) في لبنان، كي تستهدفه أو تضغط عليه، كما تعثّرت مصالحها وخطواتها في جنوب لبنان. فقدان هذا الوضوح سيحدّ قطعا من سرعة خطواتها، لما للجنوب اللبناني من أهمية جيوسياسية كونه الحدّ المباشر الوحيد لها الآن مع العدو.

ومع ذلك، تبقى هناك في الحلف الشيعي مصادر قوة تحول دون موته، أهمها استمرار مرجعية “الإمام الفقيه” في موقفها من الكيان، فإن ذلك سيمنح الرعية زخما روحيا كبيرا للاستمرار، وبالطبع لن تقبل أي مرجعية دينية شيعية القبول باستمرار قضم الكيان للمقدسات الإسلامية، لأن هذا القبول يعني انهيار قداستها الروحية.

أيضا، فإن الشيعة في الجنوب اللبناني يقفون على خط تماس ملتهب مع كيان يتربّص بهم، وبالتالي حاجتهم إلى قوة مسلحة تحميهم منه هي حاجة وجودية، لا يمكنهم تصوّر العودة إلى ما قبل نشأة (حزب الله)، حين كانت إسرائيل تعربد في بلادهم كيفما شاءت، وهذا مبرر قوي لاستمرار المقاومة اللبنانية مهما كان الثمن، لأن وجودها ضرورة حياة.

وسوم: العدد 1128