السودان: تعريب وتدويل… وإسرائيل!

رأي القدس

 تفاعل إعلان القوات المسلحة السودانية، أول أمس الأربعاء، عن تدمير طائرة إماراتية تحمل جنودا مرتزقة كولومبيين في غارة جوية على مدينة نيالا جنوب دارفور غربيّ السودان، فردّت أبو ظبي بتصريح لمسؤول ندّد بـ «الادعاءات الباطلة» التي تطلقها، حسب قوله، «سلطات بورتسودان»، في إشارة إلى الحكومة المعترف بها، والتي يدعمها الجيش السوداني وحلفاء له.

لقي الخبر تأكيدا من وكالة أسوشييتدبرس الأمريكية، ونقله إلى العربية مكتب وكالة الأنباء الألمانية في القاهرة، لكن الوكالتين لجأتا إلى الحذر في تسمية جنسية الطائرة العسكرية التي دمرت في مطار نيالا فقالتا إنه «يشتبه في أنها إماراتية»، ونقلتا عن مسؤولين عسكريين سودانيين ومستشار لزعيم المتمردين في دارفور، المتحالف مع «الدعم السريع»، خبر مصرع ما لا يقل عن 40 من المرتزقة المشتبه بهم من كولومبيا، وتدمير شحنة أسلحة ومعدات «أرسلتها الإمارات الى قوات الدعم السريع».

تعتبر مدينة نيالا، التي تعرّض مطارها للغارة عاصمة «الحكومة الموازية» التي شكّلتها قوات «الدعم السريع» وحلفاء عسكريون وسياسيون في 26 تموز/ يوليو الماضي، في خطوة تسعى فيها قوات محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد «الدعم» لتحويل النزاع مع الجيش إلى انقسام بين كيانين متوازيين.

لا يتعلّق الأمر فقط بالانقسام الجغرافي – السياسيّ الذي طال الأحزاب والحركات المسلّحة أيضا، بل بمسعى «الدعم»، وراعيته العربية الرئيسية، الإمارات، إلى محاولة تعزيز الحلف الذي أنشأته، وأشركت فيه دولا افريقية، بأمل منافسة حكومة الخرطوم على الشرعية العربية والدولية، وذلك لتحسين أوراق «الدعم» في التفاوض مع الجيش؛ وربما، للقفز بعيدا عبر خلق كيان سياسيّ جديد، كما جرى حين اضطرت الخرطوم للاعتراف باستقلال جمهورية جنوب السودان عام 2011، إذا توافرت الظروف الدولية المناسبة.

غير أن هذه الخطط شديدة الطموح لرفع سويّة قوات (حميدتي) إلى ما يشبه «دولة»، تصطدم بإشكالية متعاظمة الأثر وهي أن تلك القوات لا تكف عن البرهنة على انحطاط شديد يقرّبها من صفات العصابات الإجرامية، كما فعلت أول أمس الأربعاء، حين قامت بإعدام ما لا يقل عن 30 مدنيا سودانيا كانت قد خطفتهم في مدينة النهود في ولاية غرب كردفان، لأن ذويهم لم يستطيعوا تلبية مطالبها بدفع فدية معلومة.

قبل ذلك بيوم، ارتكبت «الدعم السريع» مجزرة فظيعة بقتلها 14 مدنيا وأصابت العشرات بجروح في قرية قرني شمال غرب مدينة الفاشر التي تحاصرها منذ أيار/ مايو الماضي، وذلك لأن هؤلاء حاولوا الهروب من المدينة المحاصرة. إضافة إلى المجازر فإن «الدعم السريع» تمارس، كما ذكرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في تقرير، أعمال «عنف جنسي على نطاق واسع، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، واحتجاز ضحايا في ظروف ترقى الى مستوى الاستعباد الجنسي».

والحال أن قوات «الدعم» لا تقوم فقط بمحاصرة المدينة، وقتل سكانها واغتصاب بناتها ونسائها، ولكنّها تقوم أيضا بمنع دخول المساعدات الغذائية إليها، وهو ما ألجأ العائلات لاستهلاك العلف أو النفايات، وبلغ نقص التغذية بين الأطفال مستويات مقلقة، بحيث صار قرابة 40% دون الخامسة من العمر يعانون سوء تغذية حادة، ما دفع برنامج الأغذية العالمي إلى التحذير من أن سكان الفاشر يواجهون خطر مجاعة وشيكا.

يصعب على متابع هذه الوقائع، في الظروف الحالية التي تعيشها منطقة «الشرق الأوسط»، ألا يلاحظ في مسعى قوات «الدعم السريع» لـ»الارتقاء» نحو وضعية الدولة، تشبّها حثيثا بالنموذج الذي تقدّمه حكومة بنيامين نتنياهو من العنصريين المتطرّفين المتحللين من تبعات القوانين الأممية والدولية.

تستمر قوات (حميدتي) في تأكيد تاريخها العنصريّ المشين حين كانت في طور ميليشيات «الجنجويد» ولكنّ الواضح أنها تطمح، بدعم حلفائها الإقليميين، أن تتشبّه بإسرائيل الإبادية، وأن تحظى بحصانتها من عقابيل أفعالها الفظيعة، وواضح أن هذا النموذج يتصادى في أذهان زعماء عديدين في العالم.

وسوم: العدد 1130