هل يتحقق أخيراً "حُلم" الرد في الزمان والمكان المناسبين بعد "الرسالة الصاروخية"؟

محمد المذحجي

هل يتحقق أخيراً

"حُلم" الرد في الزمان والمكان المناسبين

بعد "الرسالة الصاروخية"؟

محمد المذحجي

منذ سنوات طويلة أصبح شعار «محور المقاومة» أي «الرد في الزمان والمكان المناسبين» مجرد حُلم لا يتحقق، ولا يزال الكيان الصهيوني ينفذ عملياته في «الزمان والمكان المناسبين» وبشكل موجع. ولا يتمكن حزب الله اللبناني من القيام بالرد سواء قبل انشغاله بالأزمة السورية ومنها في قضية اغتيال عماد مغنية، أو بعد تدخله المباشر في الحرب الدائرة في بلاد الشام.

بعثت إسرائيل رسالة صاروخية قوية لحسن نصر الله أولاً ونظام بشار الأسد ثانياً وإيران أخيراً، بأنها لن تقبل بحضور أخوات حزب الله اللبناني من الألوية الميليشاوية وعلى رأسها حزب الله السوري في منطقة الجولان وتحويلها إلى حقيقة على أرض الواقع وإرغام تل أبيب بقبولها. ومن جهة أخرى تخشى إسرائيل من إنشاء جبهة واحدة ممتدة من جنوب لبنان إلى القنيطرة التي يسيطر عليها الحزب اللبناني، ولا تريد تل أبيب أن تقترب المعارك الدائرة في سوريا من حدودها لأسباب أمنية وسياسية.

تم تعيين العميد محمد علي الله دادي الذي وصفته وكالة «فارس نيوز» التابعة للحرس الثوري بأنه أول قيادي عسكري إيراني يُقتل بنيران الصهاينة منذ ثورة 1979، بصفته نائباً لقائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، في سوريا ولبنان نظراً لخبرته العالية في الحروب غير المنتظمة، وكان يعمل بشكل مكثف لانطلاق العمل العسكري لحزب الله السوري بشكل رسمي واستبدال دوره بالدور الذي يقوم به حزب الله اللبناني حالياً. وتم اتخاذ قرار إنشاء ميليشيات مسلحة كحزب الله سوريا ولواء العباس وغيرها من الألوية من قبل قادة فيلق القدس والنظام الأسدي لسببين أساسيين، وهما، إنشاء المجموعات المسلحة غير التقليدية من أجل القيام بمهام سرية وحروب العصابات على غرار الميليشيات الإيرانية التي تعمل في إيران منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية كأنصار حزب الله وقوات الباسيج والميليشيات الشيعية العراقية وحزب الله اللبناني نفسه، أولاً، وتخفيف الضغط السياسي على حزب حسن نصر الله ووضع حد لاستنزاف قدرات الحزب انسانياً ومادياً وإنشاء غطاء سوري لتواجد قواته في سوريا، ثانياً.

وفضلاً عن المفهوم السياسي لـ»الرسالة الصاروخية» تمكنت إسرائيل من القضاء على أحد أهم قادة حزب الله وهو محمد أحمد عيسى، قائد الوحدات الخاصة للحزب في سوريا ولديه خبرة عالية في الحروب غير المنتظمة مع إسرائيل. وبعكس ما تروج له وسائل الإعلام الإيرانية والجماعات الموالية لها في لبنان، ليس لمقتل جهاد مغنية تلك الأهمية البالغة التي تروج لها بقدر الأهمية الميدانية والتكتيكية لمقتل العميد الله دادي وقائد الواحدات الخاصة للحزب.

ولا يقدر حزب الله اللبناني أن يأتي»بالرد في الزمان والمكان المناسبين» لا الآن ولا في الفترة المقبلة. يواجه حسن نصر الله انتقادات واسعة في الأوساط الشعبية والسياسية بسبب تدخله في المعارك الدائرة في سوريا وتحميل لبنان تبعات أمنية وسياسية كثيرة وانجرار المعارك إلى داخل لبنان. ولا يتمكن الحزب من الهجوم المباشر على إسرائيل بسبب وقوع الهجمة في سوريا وتوريط لبنان في حرب مدمرة أخرى نظراً للرد القاسي الإسرائيلي على لبنان، فضلاً عن أنه ليس لدى الحزب اللبناني القوة العسكرية الكافية لخوض حرب مباشرة جديدة مع إسرائيل بسبب انشغال جزء كبير من قواته في معارك سوريا. ومن زاوية أخرى لن يتمكن الحزب من الرد الانتقامي على أهداف إسرائيلية في الخارج بسبب ضرورة إعادة هيكلة جهاز العمليات الخارجية لحزب الله على أثر اختراق إسرائيلي كبير عبر محمد شوربة، الرجل الثاني في وحدة العمليات الخارجية التابعة للحزب، الذي كشف تفاصيل الجهاز للكيان الصهيوني.

وبالنسبة إلى الرد الإيراني لن يكون خارج القاعدة الأساسية التي تحكم العلاقات بين إيران وإسرائيل وهي تبقى العلاقات بين الدولتين في مستوى نزاع سياسي وتنافس إقليمي قابل للحل لا صراعاً أيديولوجياً ‏نارياً وغير قابل للحل، والدعاية العدائية الواسعة لها استهلاك عام وشعبوي وهي مجرد غطاء شعبوي ‏للعلاقات السرية. ‏فلهذا نرى تراجعاً واضحاً من التصريحات النارية الأولى بعد الإعلان عن مقتل نائب قاسم سليماني في القنيطرة. وقال القائد العام للحرس الثوري، اللواء محمد علي عزيز جعفري، في مراسيم تأبين العميد الله دادي «اليوم ‏وبفضل دماء هؤلاء الشهداء تنعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأفضل مستوى من الأمان ‏وتتمتع حدودها بالأمان التام، وكان العميد الله دادي يدافع عن الأمة الإسلامية». ‏وأكد جعفري في بيان أصدره في هذه المناسبة، أن الحرس الثوري سيستمر في دعمه للمجاهدين المسلمين في المنطقة حتى إزالة الكيان الصهيوني من الجغرافيا السياسية للمنطقة. وبدوره قال وزير الدفاع الإيراني، العميد حسين دهقان «موقف إيران ثابت، لأن المقاومة تعمل اليوم بالنيابة عن جميع المسلمين أمام الصهاينة والتيارات التكفيرية، وسندعمها بكل طاقاتنا وفي جميع الأصعدة».

ويظهر «تنعم الجمهورية الإسلامية بأفضل مستوى من الأمان» عدم وجود أي ضرورة للرد المباشر الإيراني لأنه سيهدد «الأمان التام» الذي تتمتع به حدود إيران. ويمكن الفهم من عبارة «كان العميد الله دادي يدافع عن الأمة الإسلامية» وتصريحات وزير الدفاع الإيراني أن حكام طهران سيختصرون تعاملهم مع «الرسالة الصاروخية» الإسرائيلية على مستوى تقديم الدعم للجماعات الموالية لها في سوريا ولبنان وبعض الفصائل الفلسطينية، والمطالبة المحتملة منها بالرد داخل الأراضي الفلسطينية.

ومن زاوية أخرى، إيران منشغلة بشكل كبير في المفاوضات النووية والمباحثات الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتعمل بشكل جاد على التطبيع التدريجي لعلاقاتها مع «الشيطان الأكبر» ولا تريد أن تفسد هذه المباحثات التي بلغت مراحلها النهائية تحت ظل رهانها الكبير على التوصل إلى اتفاق شامل مع أمريكا للتخلص من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها إيران والتي تفاقمت بسبب انهيار أسعار النفط خلال الأشهر الأخيرة.

وجاءت التصريحات الإسرائيلية لتخفيف الموقف على إيران سريعاً على لسان الجنرال المقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي، يعقوب عميد رو، حيث أعرب عن عدم علم إسرائيل بتواجد القيادي الكبير للحرس الثوري في القنيطرة، وأكد أن استهداف العميد محمد علي الله دادي يضر الكيان الصهيوني. لكن إسرائيل لن تقوم بضرب هدف دون العلم الكامل بتفاصيله حسب عادتها، ومستوى الشخصيات التي تم اغتيالها تنفي صحة التصريحات الإسرائيلية حول عدم علمها بتواجد الجنرال الإيراني، والهدف منها هو مجرد تخفيف الموقف الإيراني.

وفي النتيجة سيتم تأجيل تحقيق «الحُلم القديم» أي الرد في الزمان والمكان المناسبين إلى أجل غير مسمى، ومع أن إسرائيل حققت إنجازاً مهماً في «الزمان والمكان المناسبين» لكنها لا تتمكن من منع تواصل الدعم المادي والعسكري الإيراني لحزب الله عبر سوريا، أو وقف بدء عمل حزب الله السوري الذي بات وشيكاً.