الهدف الحقيقي والهدف الوهمي

محمد جلال القصاص

الهدف الحقيقي والهدف الوهمي

محمد جلال القصاص

[email protected]

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومَن أحبه واتبع هديه، وبعد:ـ

يمارس "المخالف" بآلة الإعلام "الحصرَ الوهمي" على الثائرين عامة والإسلاميين خاصة. ذلك حين يتحدث عن "وقف عجلة الإنتاج" ـ أو تراجعها ـ بسبب الثورة، أو بسبب قدوم الإسلاميين للحكم > وتأتي تفاصيل في هذا الإطار، كالسياحة، يقولون: تحقق 11% من الدخل القومي، ويسترزق منها "عشرون مليوناً"!!، وإن جاء الإسلاميون للحكم توقفت السياحة و"خربت" بيوت الملايين من الناس.!!

 ويستجيب قومنا لهذا الحصر الوهمي، ويتحدثون عن السياحة، وعن خططٍ لتنمية السياحة. وبعضهم يتنزل ويحاول التلفيق للتوفيق بيننا وبين "المخالفين".

ويمارس "المخالف" الحصر الوهمي بطريقة أخرى، ذلك حين يفتعل حالة من التوتر الأمني والفكري، بفك قبضة الأمن ، وهي كما هي قوية لم تنقص شيئاً، والخارجون على الأمن بقطع الطريق في بعض الأماكن قطاع محدود العدد جداً وليس ممن يثور في الميادين بل ممن صنعتهم يد الآثمين في جهاز الداخلية من قبل. وقد رأينا أن "المخالف" حين عزم على ضبط الأمن ضبطه.

 ويفتعل توتراً فكرياً برمي حجر من وقت لآخر في الساحة النخبوية يهيج به النخبة ومن ورائهم العامة، فمرة يتحدث "الجمل"، ومرة يتحدث "السلمي"، ويأتي بضعيف لا يضبط الأمور، ومرة ، ومرة... .

 وتكون الجملة الضمنية التي تتلى علينا هي أن علينا أن نسعى للاستقرار، على الثورة أن يكون هدفها الاستقرار، لا التغيير الحقيقي، والاستقرار في أقرب وقت ممكن، وإلا فهو الانفجار، وحرق البر الأصفر والبحر الأخضر ، ويستجيب قومنا، فيصيحون .. ويبكون .. خوفاً على مصرنا.. ويشتدون في مناشدة الجادين بالسير إلى "الاستقرار".

ويقف "المخالف" ويشير ـ من خلال آلته الإعلامية ـ إلى تراجع الاقتصاد، وينادي بأن السبب هو عدم الاستقرار. يستعجل الناس للاستقرار بخياراته المطروحة كي تتحرك عجلة الإنتاج، ويستجيب قومنا.

هيا معي نصعد سوياً إلى السطح وننظر للساحة الفكرية ونحاول أن نستوضح ما يحدث، نتعرف على أطراف الصراع، وطبيعة الصراع، وأدوات الصراع، وأهدافه، والتائهين عن أهدافهم .. السائرين لأهداف وهمية. والمغرضين ممن هم في الميدان لأغراض أخرى.. كالباعة المتجولين..

بدهيات:

من البديهيات أن الثورة تغيير، ليس فقط للنظام، بل تغيير وجه مجتمعٍ كامل، ولا يتم التغيير بين يوم وليلة، بل لابد أن يأخذ بعض الوقت. فلابد من التغيير .. ولابد من الصبر.

ومن بديهيات الصراع في واقعنا المعاصر أن أدوات الصراع تغيرت ولم يعد "السلاح" هو الأداة الوحيدة، بل صار آخرها، والخداع أو "الإدارة من الخلف" هي طبيعة "المخالف"، فنحن نخوض صراعاً مع "المخالف" الخارجي وأتباعه في الداخل، بأكثر من وسيلة، و"المخالف" لا يبدأ بسياسة الصدام المباشر، وإنما "الإدارة من الخلف". فعلينا أن نصبر، وعلينا أن نستعد بما نستطيع من قوة، وعلينا أن نعلم أننا بالفعل في ساحة "الصراع" متعددة الوسائل.  

ومن بديهيات الصراع أن "المخالف" له هدف، ولا تهمه الوسيلة التي يصل من خلالها لهدفه، المهم أن يصل للهدف بأقل تكلفة. وهدفه أن نبقى مصدراً للمواد الخام، وأن نبقى سوقاً استهلاكية، وأن تبقى قواعده على أرضنا، وأن يسير في البر والبحر والجو آمناً مطمئناً. !!

ونحن وهو لا نلتقي.فتابع ومتبوع، أو منتج ومستهلك. سمها كما تشاء، ولكننا في الأخير لسنا شيئاً واحداً ، ولا يمكن أن نكون سواء، بل لابد من غلبة أحدنا على الآخر.ولابد من تبعية أحدنا للآخر، ولا يعطينا ـ هو ـ أسباب تمكين أبداً. وإنما يخادعنا.

فالحال هو الصراع. وطبيعته هي الخداع، وساحته كل المجالات، وأدواته: كل شيء يمكن أن "تصارع به"، حتى السلام، وسيلة من وسائل الصراع التي تمارس ضدنا. اللهم سلام الغالب القاهر الذي يفرض ويملي شروطه.

الاقتصاد والسياحة والحصر الوهمي وصولاً لهدف وهمي ()الاستقرار)

بمتابعة البرامج التي تتحدث عن الاقتصاد، نجد أنهم يحصرون الاقتصاد في السياحة، وكأن الاقتصاد فقط السياحة،والحقيقة أن هؤلاء إما أنهم لا يعرفون، أو أنهم يعرفون وفقط يريدون إثارة الغبار على الإسلاميين، واستعداء الناس عليهم.

في الاقتصاد عدة أمور نبين من خلالها الحصر الوهمي الذي يمارسه "المخالف" في إطار الصراع مع الهوية الإسلامية، وفي إطار دفع المجتمع لهدف وهمي وهو الاستقرار يصادر به ثورتهم:

منها: أن الاقتصاد قطاعات، بعضها معني بالمنتجات الأولية( المواد الخام والمواد الزراعية)، وبعضها معني بالصناعات التحويلية (السلعية.. الاستهلاكية)، وبعضها خاص بالخدمات (التجارة، والنقل، والبنوك والتأمينات والأسواق المالية، والسياحة)، فالسياحة جزء من عدد من الأجزاء التي تشكل قطاع واحد من قطاعات الاقتصاد، وليست هي الاقتصاد كله.

ومنها أن: الاقتصاد مرتبط بالسياسة ومرتبط بالتعليم، فالسياسي هو الذي يسن القوانين المتعلقة بالاستثمار، والحراك السياسي مسؤول عن إيجاد "فرص التسويق"، والتجارة البينية بين الدول، والجمارك، وعن توجيه رأس المال لقطاع دون قطاع، ومسؤول عن سياسة التعليم الداعمة للاقتصاد.. ونحو ذلك مما يشكل عملية الاقتصاد. فلا اقتصاد قوي بلا سياسة صحيحة.

ومنها: أن قطاع الخدمات تضخم الآن، وأصبح الاقتصاد خدمي بالدرجة الأولى، ويجدر الإشارة إلى أن أماكن الإنتاج بعدت الآن(الصين وكوريا)، وأصبح استيراد البضائع يعتمد على  قطاع "النقل والمواصلات".. وخاصة النقل البحري بين الدول، بل وتصدير المواد الخام (من الوطن العربي) يعتمد ـ أيضا ـ على قطاع النقل ، والذي ينقل لنا ما نستهلك (الواردات) وما نصدر هو "المخالف"، فهو يستثمر في "قطاع النقل"، ويسيطر على البحر بأساطيله، وقواعده، يستثمر هو في قطاع النقل، ويشكل خطراً على أمننا القومي بقطاع النقل. 

هذا فضلا عن "الفجوة الغذائية" فنحن لا ننتج كل ما نأكل. بل نستورده.

 ولك أن تتخيل الآن أين الخطر؟!

في السياحة؟؟

أبداً، في القطاع الاقتصادي كله، إننا في حالة استباحة اقتصادية، وفي حالة استضعاف اقتصادي.

ومنها: أن التعليم (وهو الورشة التي تنتج الاقتصاد)، في واد والاقتصاد في وادٍ آخر، فالتخصصات التي تتخرج من الجامعات لا تناسب سوق العمل، فضلاً عن كفاءة من يتخرج، مما أوجد البطالة الحقيقية والمقنعة (العمل في غير التخصص الدراسي). والتعليم عندنا كله نظري، وثقافة المجتمع لا تقيم وزناً للفنيين، وإنما للخدميين (طب، صيدلة، شرطة، عسكر)، والتعليم الفني نظري هو الآخر. والبحث العلمي متخلف، وسبب تخلفه الرئيسي قلة النفقة عليه، لا قلة الباحثين الأكفاء.

ومن هنا نعرف أن إصلاح الاقتصاد يتطلب أولاً إصلاح دائرة السياسة، ثم التعليم، ثم نأتي للاقتصاد بتفصيل ونرصد الإمكانات المتاحة (الموارد)، ونرصد المطلوب، ثم نعمل. والسياحة جزء من أجزاء، والسياحة لا تكون فقط على الشواطئ بل منها أنواع كثيرة يتحدث عنها من يتكلمون، ويمكن الإفادة منها في تعريف الناس بقيمنا وحضارتنا، لا بأن نقدم لهم أعراضنا يعتدون عليها، والمال الذي يخرج من السياحة: أين يستثمر؟!، علينا أن نعرف.

ليس المقصود هو الحديث عن إصلاح الاقتصاد، وإنما فقط أردت أن أعطي صورة أكبر وأوضح للمتحدثين في الاقتصاد حين قصروه على السياحة، وحين قصروا الحديث في السياحة على سياحة العري، وحين أغفلوا أن السبب الرئيس في تخلف الاقتصاد هو وجود المفسدين في السياسة، فأفسدوا التعليم وأفسدوا الاقتصاد، وجاءوا يتحدثون عن غيرهم بما بهم.  وعن وضعهم "الاستقرار" هدفاً للثورة أو للمجتمع كله الآن كي تعود عجلة الاقتصاد. وكأنها كانت تجري ووقفت بالثورة، إننا كنا ـ ولا زلنا ـ في حالة استباحة اقتصادية.. استضعاف اقتصادي... ولن يحل الأمر "الاستقرار" بل رحيل المفسدين.. التغيير الشامل .. هدف الثورة الأصلي.

إن المشهد لا علاقة له بإصلاح الاقتصاد، وإنما جزء من التصدي للهوية الإسلامية. وحلبة من حلبات الصراع بين هويتين. ويدلك على هذا طبيعة المتحدثين في الموضوع، من ناحيتين: من ناحية أنهم غير مختصين في الاقتصاد، ومن ناحية أنهم يكررون ما يتم الرد عليه، أملا في متعثر لا يستطيع الإجابة، أو في عثرة يسوقونها، فليست حالة من البحث عن الإصلاح، وإنما من الصد والدفع .  وإن واجبنا الآن أن نبين للناس.. نبين لهم:

أن فساد السياسة، أو وجود المفسدين في السياسة أدى إلى فساد قطاع التعليم وفساد قطاع الاقتصاد، تماماً كما أفسد أمْنَ الناس وحياتهم، وبالتالي فالقضية الأولى هي إصلاح السياسة، هي القضاء على المفسدين، هي أن يحكم البلد المصلحون. لا أن يستقر الوضع والمفسدون في أماكنهم، وبالتالي يبقى التعليم كما هو، ويبقى الاقتصاد كما هو، ويبقى الأمن كما هو.

إن واجب المرحلة أن لا نتعجل، وأن لا نتخلى عن هدف الثورة الحقيقي، وهو التغيير، إزالة المفسدين والمجيء بالصالحين المصلحين.