سر الموجة الجديدة للهجوم على الإخوان المسلمين

زهير سالم*

سر الموجة الجديدة

للهجوم على الإخوان المسلمين

(( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ..))

زهير سالم*

[email protected]

ما أن أعلنت جماعة الإخوان المسلمين موقفها الواضح والحاسم من رفض رحلة ( موسكو ) التي سميت دعوة إلى حوار ، أو مبادرة ( لحل أزمة ) !! حتى انطلقت أصوات محمومة من هنا وهناك ، لا تناقش موقفا ، ولا تتساءل عن سر ، وإنما تنشر بأبجدية القاتل المستبد الفاسد سخائم صدور عمرها الجهل وأضناها الحقد واستبد بها على مدى الأيام عداء لله ورسوله ولصالح المؤمنين . إن أبسط ما يمكن أن نقول للمهرولين إلى موسكو أن ما يجري في سورية ليس أزمة ، ولا مؤامرة وإنما هو ثورة شعب يتطلع إلى العدل والكرامة والحرية ، ثورة ضد طاغية قتل واعتقل من السوريين حتى اليوم مليون إنسان وشرد عشرة ملايين .

لسنا ممن يضيق بالنقد، أو يرفض الاستماع إلى ما يقوله المخالف ، بل نحن – أبناء جماعة الإخوان المسلمين – نفرح بمن يهدي إلينا عيوبنا ونقدره ونشكره ، لأننا معنيون في الأصل بالبحث عنها ، لإدراكها وتدارك ما نقدر عليه منها . ولسنا في الوقت نفسه مدعي عصمة ، لا عصمة دينية ولا مدنية ، ولا نظرية ولا عملية ... ؛ وكل تصرفاتنا وقراراتنا اجتهادات بشرية تحت سقف شريعتنا وديننا ، يجوز عليها الصواب وأخوه ، ونحن فيما بيننا وبين أنفسنا أكثر حرصا على التناوب على هذه الاجتهادات بالتقويم والنقد والتمحيص ...

إن مبعث هذا النوع من أمواج البغي المتتابعة ، التي ما توقفت يوما خلال نصف قرن ، والتي لم تصدر أبدا عن عقل ورؤية ورأي ، كان دائما الجهل والغرور والطيش والشره و الطمع بلعاعات الدنيا من أموال بعض الطغاة تُشترى بها الأقلام الرخيصة لتوظف في مشروع للبغي والكيد آن لحامليه أن يدركوا عبثيته ، وارتداده في كل جولة من جولات الصراع الأبدي على باطلهم وزخرفهم ورغائهم .

منذ قرن مضى ورحى الحرب على الإسلام وأهله دائرة ، وكلما بزل لطاغية من الصغار قرن أو ناب ظن وخال وحسب أنه أصلب قرنا وأحد نابا من الذين سبقوه ، من فرعون وهامان وجنودهما في مساليخهم المختلفة على مر التاريخ القديم والحديث فقال (( لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ..)) ويردد الملأ من خلفه (( إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ..)).

في عالم الفكر كما في عالم السياسة يجد الممسخون في إهاب المدافعين عن قاتل مستبد مجرم مثل بشار الأسد ما يقولونه وما يموهون به مما يظنون به في أنفسهم القدرة على خداع الناس بإدمان الافتراء على المؤمنين الصادقين . وبعض هؤلاء من أهل الصَّغار يرون في الهجوم على مركب الصدق وأهله مهمة أسهل عليهم من الدفاع المباشر عن الجريمة والمجرمين ، فيستوطئونه مركبا ويجعلون منه منهجا وديدنا ثم لا يجدون في ساحة الطهر والنقاء أنقى ولا أطهر من ( جماعة الإخوان المسلمين ) الجماعة التي كانت الشوكة في أعين مموليهم ، والشجا في حلوقهم ، والأصلب والأبقى والأقدر على التصدي لجرائمهم وفضح خبايا نفوسهم . فتتكسر في حملات الهجوم على هذه الجماعة النصال على النصال ...

وفي هذه الأيام الطيبات المباركات التي شمرت فيها سوق ( الدفاع عن الحق ) ، وتكالب أهل الباطل على أهل الحق ، وتحالفوا وتآزروا واجتمعوا ؛ يقدر هؤلاء الجهلة المغرورون أن دائرة شرهم وكيدهم قد أُغلقت وأحكمت في عصر بشار الأسد وبراميله المتفجرة ، والولي الفقيه وعصاباته المتكاثرة ، وعبد الفتاح السيسي وتحالفاته القذرة ، وأنهم و مغلقيها قد باتوا في ربيعهم في عصر يحظون به برعاية نتنياهو وأوباما وبوتين والولي الفقيه وصغار الصغار في وقت معا ، وأنهم قد صاروا في صراعهم مع دعوة ( محمد رسول الله ) إلى ( نهاية التاريخ ) . وأن ربيع الشعوب قد خرف ، وأنهم قد خلا لهم جو للبيض والصفير ، فما عادوا يدركون ، أشرا وبطرا منهم ، لا ماذا يسطرون ولا كيف يكتبون ...

إننا و أبصارنا متعلقة دائما بالأجمل والأكمل والأعلى والأتم والتي نرشح لها شعبنا وثورتنا وجماعتنا ، ومع احتجاجنا الدائم على أي موقع نكون فيه حتى نرتفع عنه ارتقاء صُعدا ؛ نحرص على أن نعلّم هؤلاء الأغمار من أهل الجهل والغرور أن الشعوب والجماعات أقوى ما تكون عندما تنخرط في مصاع ،( صراع ) . وأن صراعنا مع قوى الباطل طبقا عن طبق هو صراع قدري تاريخي جدلي . حتى يزهق باطلهم ويذهب جفاء زبد سيلهم . وقد مضت سنة باقية في تاريخ أمتنا أنها أقوى ما تكون يوم يتكاثر عليها أعداؤها ، ويجلبون عليها كما قال المتنبي من قبل ( من كل لسن وأمة ) ، فإذا هذا الذي قدروه إثخانا في جراحها زيادة في قوتها وصلابتها وثباتها ، ُمنجزا لانتصاراتها . وهذا هو حال ثورات ربيعنا اليوم ، وهذا هو شأن رائدة هذه الثورة ، ورباط قلوبها ، جماعة الإخوان المسلمين في كل أقطارها .

إن هؤلاء الأدعياء الذين يحاولون اليوم قراءة المشهد السياسي في سورية وفي غير سورية ، ودور جماعة الإخوان المسلمين فيه ، بأعين الطغاة والمستبدين هم مجرد أتباع مهازيل داست سنابك خيلنا منهم من قبل الكثير .

في الفضاء الإعلامي والسوري منه بشكل خاص نسمع مع كل صباح نعيب غراب يجد مجده في التطاول على جماعة الإخوان المسلمين ، ونيلها بالافتراء والكيد وتكرار العزف على أوتار القتلة المستبدين واللصوص السارقين ، وكثيرا ما نغضي على ( عرير ) هذه الصراصير ثقة منا بوعي شعبنا ، وإيمانا منا أن البحر يضيّع كل ما يلقي أهل السفاهة عليه وفيه . ومع ذلك فلا بد للناس من إعادة الذكرى بتاريخ هذه الجماعة ودورها ومكانتها ومشروعها حينا بعد حين ،( فمن يسمع يخل...) كما قالت العرب ، ولا بد للنعل ، إن عادت العقرب ، أن تكون حاضرة .

تذكير بخطوط عريضة بين الماضي والحاضر

في سورية الحديثة الحبيبة ومنذ الاستقلال كانت جماعة الإخوان المسلمين الرائد السبّاق إلى كل ما هو حق وخير وجميل ، كانت جماعة الإخوان المسلمين دائما الرائد الذي لا يكذب أهله ، كانت الرائد و السابق الحضاري في أفق مشروع الأمة الحضاري ، والرائد والسابق الفكري الثقافي في فضاءات الفكر والثقافة ، والرائد والسابق السياسي في ميادين الرأي و السياسة ، وكانت الرائد والسابق المجاهد المقاوم حين عصفت رياح النكبة بأرضنا في فلسطين ، وكانت الرائد و السابق المحاور في جميع حلبات الحوار الديني أو المذهبي أو القومي أو السياسي ، وخلف كل عنوان من هذه العناوين سلة من الحقائق والوقائع لا يجحدها إلا مدع زنيم و أفاك أثيم . بصدق أعطت هذه الجماعة أمتها فبادلتها هذه الأمة صدقا بصدق وثقة بثقة وحبا بحب ووفاء بوفاء ...

ثم أرخى الليل سدوله على سورية منذ الثامن من آذار 1963 ، وتحولت سورية إلى مقبرة هامدة ، صمت فيها الكثيرون ونطق من شرفاء سورية من القليل الأقل الطيب ...

وكانت هذه الجماعة في مقدمة ركب هؤلاء الناطقين بالحق ، المدافعين عن العدل والمنددين بالباطل ، وكانت في المعركة تلك الأعلى صوتا ، والأكثر عددا ، والأصلب حضورا ، والأكثر تضحية ، من غير غمط لأحد ممن رفع صوتا في وجه ظالم أو قدم وضحى في شرف أو مكانة أو وطنية ..

تحولت الجماعة ، جماعة الإخوان المسلمين ، في جوف ليل الظلم إلى صخرة تحطمت عليها قرون الظالمين ، كما تحولت الجماعة إلى قلعة وحصن ودرع ورأس رمح والأبلغ من كل هذا معقد اعتزاز كل الشرفاء من السوريين ومعقد أملهم نكاد نقول أجمعين ...

ومع أن جماعة الإخوان المسلمين تنبهت قبل الجميع ومنذ خمسينات القرن الماضي إلى خطورة ما يمثله تهميش بعض الأقليات المذهبية ودعت إلى الانفتاح عليها ، وحسن رعايتها ودمجها ( راجع الدكتور محمد المبارك في كتيّبه تركيبة المجتمع السوري ) إلا أن هذا لم يمنعها أن تستشعر الخطر عندما كشر عن أنيابه . إن الذين يتهمون الإخوان المسلمين اليوم ( بالطائفية ) هم أقل من أن يميزوا بين من يمارس الجريمة وبين من يحذر منها ، أو يدل على مرتكبها ، ويفضح إثمه وينادي على جرائره .

وهم على المستوى السياسي أقل من يقرؤوا التاريخ ليعلموا أن الأمريكي الذي أسس للطائفية في العراق تحت عنوان ( السنة العرب ) قد تلقى درسه من الفرنسي الذي سبق للتأسيس لها في سورية تحت عنوان (حزب البعث العربي الاشتراكي) ، الحزب الذي يكتشف أمينه العام ( منيف الرزاز) المواطن العربي أنه لم يكن في الحقيقة إلا ( حزبا للطوائف ) .

إن الكاتب الذي يريد أن يكتب عن تاريخ الطائفية في سورية الحديثة ولا يمر على تاريخ ( اللجنة العسكرية ) ، ولا يتوقف عند ما تشهد به كل الإحصاءات بدلالتها الرقمية المحايدة والشفافة المخزية للطائفيين بكل طبقاتهم لهو شاهد زور باع نفسه وقلمه للشيطان الرجيم ...

ثم إن الذي يتهم جماعة الإخوان المسلمين بأنها من أدخل العنف إلى الحياة السياسية السورية ، لهو أعمى لا يقرأ التاريخ ، ولا يتابع الحاضر بكل وقائعه ومعطياته الموضوعية التي لا تخفى على من كان له قلب . فكل من يتتبع تاريخ هذه الجماعة يعلم أنها تاريخيا كانت دائما صاحبة مشروع مدني سياسي حواري تسوس أمورها بالتعامل مع مخالفيها بالحكمة والجدل بالتي هي أحسن . وأنها في حقبة الثمانينات كانت ضحية جريمة مركبة كالذي يشهد عليها حاضر هذه الأيام .

إن الكاتب الذي يتناول أحداث الثمانينات بالتأريخ ولا يربطها مباشرة بعملية بيع الجولان في السابعة والستين ، وتحويل ضباط الجيش السوري إلى متعهدي مزارع ومداجن ، ويشغل وزير دفاع سورية بتأليف الكتب عن فنون الطبخ وتنسيق الزهور ، يهين مهنة الصحافة بما فيها من وقار وشرف ورفعة .

لقد تأسست جماعة الإخوان المسلمين في سورية سنة 1946 ، وأثبتت حضورها الفكري والسياسي العملي منذ الأيام الأولى لتأسيسها . ومع اشتداد وتيرة الحرب الباردة ، وانتشار الأحزاب المؤدلجة التابعة للشرق والغرب وأحلافهما ، حافظت جماعة الإخوان المسلمين على حيادها ، وتمسكت بشعارها ( إسلامية ...إسلامية ... لا شرقية ولا غربية ) فلا وارسو ولا الأطلسي ولا ما سمي في مرحلة من المراحل زورا ( الحلف الإسلامي ) استطاع أن يستميل من جماعة الإخوان المسلمين عقلا ولا قلبا وهذا الذي يجعلها تدفع ثمنه حتى هذه الساعة الكثير ...

ويوم كانت الولايات المتحدة تحاول أن تستميل جماهير المسلمين في العالم الإسلامي بدعوة مباشرة للتحالف معها ضد ( الإلحاد الماركسي ) كتب الدكتور مصطفى السباعي مقاله الحاسم الفاصل ( احذروا هذه المؤتمرات ) حذر فيه من الاستجابة إلى الدعوات الأمريكية المغلفة التي تتذرع بالدعوة إلى التصدي إلى الإلحاد باسم الإسلام موضحا أبعاد الظلم الغربي الذي وقع على أمة الإسلام في كل الميادين...

نذكر جيل هذا العصر ومن يملك منبرا وقلما ويريد أن يتحدث عما يسميه ( الارتهان إلى الخارج ) أن يلامس فزع حافظ الأسد في الرد على الثورة الشعبية التي كادت تعصف به سنة 1980، إلى معاهدة الصداقة التي عقدها يومها مع الاتحاد السوفياتي مؤكدا ارتهانه للخارج كما يفعل ابنه اليوم في تسليم سورية للروس والإيرانيين ...

وفي الوقت نفسه لقد أثبتت جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها انفتاحا أصبح موضع الدرسو الأسوة والقدوة في الانفتاح على القوى السياسية الوطنية ، وفي الحرص على اللقاء على مهمات الأمور . فمنذ الخمسينات وحتى اليوم ظلت جماعة الإخوان تعقد التحالفات وتستجيب لدعوات التعاون على المصالح العليا ، والخير العام ، وفي كثير من الأحيان كانت تفعل ذلك لمجرد تقديم الدعم لبعض القوى الوطنية التي ترى في تقويتها مصلحة وطنية عامة دون أخذ لموضوع الندية بعين الاعتبار ...

وأخيرا فإنه لا يمكن لقارئ سياسي يعتبر نفسه كاتبا ومحللا سياسيا أن يقتطع الوقائع عن سياقاتها ، ومن ظروفها ثم يوظفها توظيفا مجتزأ مبتسرا إلا إذا كان قد باع قلمه وقبله عقله وقلبه للشيطان ...

(( وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ )).

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية