الترَّهل الفكري!!

زغلول عبد الحليم

الترَّهل الفكري!!

زغلول عبد الحليم

من أغرب مآسي الأمة انشغال الكثير من كتابها بقضايا التفكك والتشرذم، ولقد ساعد رجال الاستتشراق على نشر مثل هذه القضايا لتكون الأمة الكبيرة (محلك سر) بصفة دائمة وقد كان ! والسؤال المحير:

ماذا قدم لنا علم الكلام وقضاياه ؟!

ترف عقلي مذموم انتهى بنا إلى ترهل فكري، والأمم من حولنا مشغولة بالعلوم الكونية التي هي مفتاح الحضارة الحقيقي، والأمة الكبيرة مليار وأكثر من ثلاثة أرباع المليار مشغولة بقضية ابن الأشعث مع الحجاج !! مصيبة كبرى.

ماذا استفادت الأمة من تراكم مئات بل ألوف الدراسات عن الزنادقة والملاحدة والفرق الشاذة ؟! وضع في غاية الغرابة ويدعم هذا الاتجاه وينفر الدارس من البحث في العلوم الكونية بحجة قلة الموارد !!! الموارد فقط تكفي لدراسة ابن عربي والحلاج والسهرودي وقراءة المثنوي والتعبد به !! ماذا يطلق على هذا السلوك إلا أنه الترهل الفكري والانحطاط العقلي!!

نتعبد بالمثنوي والفتوحات المكية كلام هو الكفر بعينه ! (مولانا جلال الرومي)
و (الشيخ الأكبر ابن عربي) !! ما هذا البلاء ؟! وعلى طريقة أستاذنا "محمد جلال كشك" لا رومي ولا فلمنك !! أين نحن من عقيدتنا ؟

لقد تركنا العمل بما أمرنا به الشرع من النظر في خلق الله وعملنا بما أملي علينا فأصبحنا على ما نحن فيه من ترهل فكري ورقود لا نظن معه قيام قريب !

وقرأنا مؤخرا على النت أن هناك محاولات من جانب دولة الكويت لإعادة الحياة إلى البحث في العلوم الكونية أو إعادة فكرنا الحقيقي فكر ابن الهيثم، وجابر بن حيان، وابن النفيس بدلا من دراسة الزنادقة والملاحدة لعل وعسى أن يدفعنا هذا الجهد إلى ما هو أكبر منه.

لم تنفعنا مطلقا ترهات علم الكلام والدخول في المسائل الغيبية التي أمرنا الشرع ألا نتفكر فيها لأن العقل الذي أودعه الله فينا لم يؤهل أو يعد لمثل هذا الأمر الذي هو فوق طاقته.

لابد من تجديد هذا (العلم) الذي أضحى عبئا ثقيلا على الأفهام ولا يمد العقول إلا بما يرهقها ويوقعها في الحيرة والشك والإحباط.

لاشك أن العلوم الكونية هي المدخل الحقيقي للتقدم نحو فك لغز الحياة كما يقول العالم الكبير الدكتور مصطفى محمود يرحمه الله رحمة واسعة، وهو الذي أوقعه علم الكلام فيما وقع فيه ولكن الله سبحانه وتعالى وفقه إلى ما يحبه فانحاز على الفطرة وخاطبها فدلته على الخالق.

لا يصح في الأفهام أن تحكمنا قضايا علم الكلام التي صارت جزءا من تاريخ مضى له ما له وعليه ما عليه ولا يصح أن  ينشغل الناس بقصة النزاع الذي حدث بعد مقتل سيدنا عثمان رضى الله عنه وأرضاه.

لابد أن تنتبه الأمة إلى قضايا واقعها المرير الذي أضحى التعامل معه قطعة من العذاب والأقلام مشغولة مشغولة بقضايا مرت عليها  قرون طويلة.

الأمة الكبيرة مشغولة بقضية ابن الأشعث مع الحجاج !! والأمم الأخرى تغزو الفضاء وتزرع أسطح البحار ! ولا تزال شعوبنا محشورة في العلب المسماة بالشقق السكنية والأصل أن للمسلم سكن خاص تحترم فيه كل خصوصياته !! لا حول ولا قوة إلا بالله.

تتفق الأمة على العطور والأناقة والحفلات المليارات وتسكن معظم شعوبها القبور.

أمة تستهلك عقلها وجهدها في مناقشة قضايا مر عليها قرون ! ماذا نقول ؟!

وكما يقول المهندس الدكتور محمد إسماعيل الحسيني في كتابه القيم (الدين والعلم وقصور الفكر البشري):

"بعد أن انتهينا إلى كون الدين قضية علمية كلية يحوي بين دفتيه قوانين الحياة والعلم الفيزيائي لابد أن يكون المدخل إلى الدين مدخلا علميا ونستطيع أن نلخص ما سبق عرضه في الآتي:

-       إن الدين علم.

-       والمتكلم في الدين هو الله  - بكمالاته المطلقة – والذي أحاط بكل شيء علما.

والفكر القرآني هو فكر علمي وعقلي في المقام الأول والأخير" ص 422.

إنه كتاب يستحق الدراسة المتأنية. كتبه المؤلف 1419ه‍ - 1999م ونشرته مكتبة وهبة بمصر وقد حاز مؤلفه على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية ولا أدري لماذا لم يحصل مؤلفه على قلادة النيل العظمى ؟! سبحان الله.

ولماذا  لم يعرض هذا المؤلف لنيل جائزة الملك فيصل العالمية ؟

أدب الأستاذ نجيب محفوظ يستحق قلادة النيل العظمى ومثل هذا الكتاب العظيم لا  يستحق أن  يمنح قلادة النيل العظمى ؟

إنه مؤلف عظيم من طراز العلامة "محمود محمد شاكر" والفيلسوف العظيم "على عزت بيجوفيتش"

الأسماء الكبيرة في عالمنا تحيا على الهامش !

محمد الطاهر  بن عاشور، الفقيه العظيم من يعرفه، في بلادنا إلا أهل الاختصاص ؟!

محمد بن على الوزير، من يعرفه ؟ الأول تونسي والثاني من اليمن.

متى نكف عن قراءة الفنجان وطرق أبواب العرافات  ؟!

ولا حول ولا قوة إلا بالله