سوريا: ما تبقى من الأسد

صبحي حديدي

سوريا: ما تبقى من الأسد

صبحي حديدي

إذا كانت صواريخ «تاو» المضادة للدروع، والعمليات الانتحارية ضدّ حواجز عسكرية محورية لقوّات النظام السوري، وتشكيل «جبهة الفتح» من اتحاد مجموعة فصائل مسلحة معارضة (أبرزها «جبهة النصرة» و»أحرار الشام»)، هي أبرز الأسباب القريبة التي تفسر حجم وسرعة انتصارات المعارضة السورية في محافظة إدلب ومحيط سهل الغاب؛ فإنّ أبرز الأسباب البعيدة يتمثل في طراز خاصّ من التوافق الإقليمي (لكي لا يذهب المرء إلى درجة الحديث عن تفاهم واتفاق) بين تركيا وقطر `والسعودية. وهذا توافق لم تسهّل إيران استكماله، من خلال تطورات الموقف في اليمن، وتمدد نفوذ طهران في المنطقة، فحسب؛ بل كذلك لأنّ الانفتاح التركي ـ السعودي اتخذ في الآونة الأخيرة منحى أعلى من حيث تنسيق الردود على تحديات المنطقة.
من جانب آخر، إذا كان صحيحاً أنّ الرياض لا تمارس اليوم، أو لم تعد تمتلك، نفوذاً مباشراً، وملموساً بالمعنى العسكري، على فصائل إسلامية محددة ضمن صفوف المعارضة السورية؛ فإنّ من الصحيح، في المقابل، أنّ انخفاض مقدار «الرهاب» السعودي إزاء الإسلاميين عموماً (وهو الخيار الذي كان قد تسيّد السياسة السعودية خلال الأشهر الأخيرة من حكم الملك عبد الله بن عبد العزيز، خاصة بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر)، قد أطلق يد الدوحة وأنقرة في تمكين اتحاد الفصائل الإسلامية من جهة أولى، وفي تفعيل ذلك الاتحاد عسكرياً في المقام الأول، ثمّ سياسياً أيضاً، من جهة ثانية. ولا يتكامل هذا المشهد، في ديناميته العسكرية على الأقلّ، إلا إذا احتُسبت أيضاً انتصارات المعارضة السورية في الجبهة الجنوبية، حيث تمّ اختراق مواقع النظام في بصرى الشام، وحُرّر معبر نصيب مع الأردن.
غير أنّ تطورات أخرى، على صعيد النظام ذاته، كفلت لهذه الانتصارات أن تُنجز بسرعة، وعلى نحو صاعق أحياناً، ومفاجىء غالباً. فثمة، أولاً، مؤشرات على شروخات جدّية في بنية المؤسسة الأمنية ـ العسكرية للنظام، تجلّت في الإطاحة بعدد من كبار ضباط الأمن، إقالةً أو تصفية؛ واتضح، ثانياً، أنّ صفة البذخ التي تعتمدها إيران في دعم ميليشيات «حزب الله»، عسكرياً ولوجستياً، مقابل حال البؤس والإفقار والانحطاط التي تعيشها وحدات النظام وميليشياته، قد هبطت بمعنويات الموالين إلى حضيض غير مسبوق (في هذا الصدد، كان شريط الفيديو ـ الذي يلتقط أبرز ضباط الأسد، الملقب بـ»النمر»، وهو يستجدي الدعم، قبل أن تنسحب قواته كيفياً وعشوائياً ـ نقلة دراماتيكية ترددت اصداؤها السلبية على نطاق واسع في صفّ النظام).
كان واضحاً، استطراداً، أنّ هذه التطورات، وخاصة اقتراب المعارك من منطقة الساحل، حيث القرى التي تقطنها غالبية من أبناء الطائفة العلوية؛ ومن سهل الغاب، الذي يُعرف بلقب «مخزن الشبيحة»؛ واقتران الوضع بكرّ من قوى المعارضة، وفرّ من النظام وميليشياته… سوف تمارس ضغوطاً إضافية أشدّ على جبهة النظام الداخلية، وستُلحق الأذى بما تبقى له من رصيد في بعض الأوساط الشعبية، خاصة تلك التي ظلّت مقتنعة بأنّ آل الأسد هم أفضل ضمانة لاستمرار «استقرار» سوريا، وتعززت قناعتها بسبب تماسك النظام النسبي طيلة أربعة أعوام.
وبهذا المعنى، فإنّ تشديد البعض على أنّ هذه التطورات تعني بداية النهاية للنظام، أقرب إلى تحصيل الحاصل في نهاية المطاف؛ إذْ أنّ بداية طيّ صفحة 41 سنة من حكم «الحركة التصحيحية» كانت قد بدأت، فعلياً، في آذار (مارس) 2011، حين اختار بشار الأسد الرصاص الحيّ في ملاقاة متظـــاهري درعا السلميين. هي مرحلة الخـــواتم، إذاً، في ما تبقى من نظام الاســتبداد والفساد والفاشية العارية؛ والأيام حبالى يلدن وقائع حاسمة، في كلّ ساعة، وكلّ يوم!