أكاذيب كبرى لزعيم "حزب الله" في لبنان

د. أنور مالك

كل ألم وحسرة صار الكذب في السياسة عملاً مباحاً وحلالاً، بل يفرضه الساسة على أنفسهم وعلى غيرهم في أغلب الأحيان، وهذا ما يتنافى مع كل القيم الأخلاقية للإنسان عموماً وللمسلمين بصفة أخص.

أما لدى الشيعة في إيران وغيرها من دول العالم، فإن الكذب هو عقيدة دينية تأتي تحت عنوان "التقية" التي "من لا تقية لا دين له". لذلك فإن أكاذيب إيران وأتباعها لا تحصى ولا تعد، وإن كانت تمثل ثلاثة أعشار دينهم ففي واقعهم هي كل شيء.

كذَبَ حسن نصر الله كثيراً جداً، ولا يزال يكذب على اللبنانيين والشعوب العربية والإسلامية التي انخدعت ببطولاته الكرتونية ووطنيته المزيفة، وشعاراته البراقة التي يتغنى به حزبه الفارسي الإيراني في قلب العاصمة العربية بيروت.

لقد بحثت في تاريخ حسن نصر الله ووجدت أنه يتنفّس الكذب أكثر من الهواء، ويكذب على الناس أكثر مما يشرب الماء، ومن فرط هول الأكاذيب التي أغرق فيها لبنان والعالم العربي والإسلامي، صرت أبحث عن الصدق في تاريخ نصر الله علّني أجد ما يمكن أن يحسب على أصابع اليد الواحدة.

لو أردنا أن نحصي كل أكاذيب حسن نصر الله سواء في خطاباته أو قيادته لتنظيم "حزب الله"، أو ممارساته الدينية والسياسية والمسلحة، ما كفتنا المجلدات لحصرها، ولكن باختصار شديد نتعرض إلى أهم وأخطر ما كذب فيه حسن نصر الله، وبكل أسف أن هذا المعمّم الشيعي لا يزال يكذب ويعلم أنه يكذب والناس بدورهم يعلمون مدى كذبه.

انتصار وهمي في حروب مشبوهة

كذبة كبيرة في مسلسل الكذب الذي يمارسه حسن نصر الله، وهو التسويق لحرب يوليو/ تموز 2006 على أنها انتصار كبير حققته المقاومة اللبنانية على العدو الصهيوني في عدوان شرس على لبنان.

هذا غير صحيح بالمرّة، بل إن تلك الحرب هي هزيمة كبرى ونكراء مني بها لبنان، ولكنها في المقابل قدمت خدمات جليلة للجمهورية الإيرانية الفارسية. وإن كان حسن نصر الله يقصد أن النصر كان حليف الولي الفقيه في طهران فيما يخص تجاوزها لضغوطات دولية في ذلك الحين، فهذا صحيح، وهذه من الحالات النادرة التي صدق فيها. أما دون ذلك فيبقى مجرّد كذب للأسف صدقه بعض اللبنانيين ووجدت فضائيات عالمية سوّقت له.

لقد أدّت تلك الحرب إلى صدور قرار 1701 لمجلس الأمن الذي فرض على الجيش الإسرائيلي أن ينسحب للخط الأزرق وتنسحب قوات "حزب الله" إلى شمالي نهر الليطاني، وتنتشر قوات الجيش اللبناني في المنطقة، كما يتمركز بين الطرفين 15000 جندي من قوات حفظ السلام "اليونيفيل".

من ناحية الخسائر لا توجد أرقام حقيقية عن قتلى تنظيم "حزب الله"، وإن كان عدد قتلى الحرب نحو 1200 شخص بينهم 500 عسكري حسب بعض التسريبات، والجرحى قارب 4200 جريح، فضلاً عن البنى التحتية والدمار الذي حلّ بالبلد. وإن كان معيار الانتصار في الحروب لا يقاس بالخسائر المادية والبشرية بقدر ما يقاس بالنتائج المحقّقة، وكل ما تحصلت عليه "إسرائيل" جراء حرب تموز/يوليو 2006 يؤكد أنها انتصرت انتصاراً باهراً وحققت كل ما كانت تصبو إليه.

لكن قد يسأل القراء عن سبب ترويج الصهاينة للهزيمة في حروب ينتصرون فيها؟

نؤكد أن الترويج للهزيمة هو ديدن اليهود عبر التاريخ، فقد أنقذهم الله من طاغية ذلك العصر، فرعون، ورغم ذلك رفضوا دخول القرية لأن فيها قوماً جبارين. وهو ما يثبت أن عقدة الخوف صارت عقيدة لدى اليهود منذ آلاف السنين.

كما أن السياسة الإسرائيلية دائما تستثمر في التهديدات والمخاطر الخارجية على الوجود اليهودي من أجل كسب الدعم الدولي فقط، وفي هذا السياق نذكر مثلاً أن جوناثان غولدبرغ رئيس تحرير صحيفة (ذي فوروارد) اليهودية قال: "وحدة الرأي العام اليهودي والأمريكي في دعمه إسرائيل ناجمة عن المحرقة، وعن فكرة أن إسرائيل من دون دعم تواجه خطر الموت".

كما أن الجنرال بيليد، وهو من ضباط أركان إسرائيل، قال: "لم يكن هناك إنسان يجرؤ أو يمكنه أن يضع وجود إسرائيل موضع بحث"، ولكنهم بالرغم من كل ذلك واصلوا – حسب بيليد طبعاً- "تغذية الشعور بالنقص كما لو كنّا شعباً ضعيفاً صغيراً يعيش في قلقٍ دائمٍ وخوف من الإبادة كل لحظة".

لقد كذب حسن نصر الله على اللبنانيين لما أوهمهم بأن المقاومة انتصرت، وهي عكس ذلك تماماً؛ فالذي انتصر في تلك الحرب هي إيران فقط التي تمكنت من رفع الضغط الدولي عليها على خلفية مشروعها النووي. وانتصرت "إسرائيل" التي حققت ما تريده من خلال حماية حدودها عبر قوات أممية على غرار جبهة الجولان. والخاسر الأكبر هو لبنان الذي فقد أبناءه وتدمرت قراه في حرب لا ناقة له ولا جمل فيها، ولا يزال رهينة مليشيات "حزب الله" التي تتحرك وفق إملاءات ملالي إيران فقط.

نجل نصر الله قتل في حانة وحوّله إلى شهيد

كذبة أخرى تورط فيها حسن نصر الله، الذي سوّق لأتباعه والعالم الإسلامي على أنه فقد ابنه هادي في معركة مع الصهاينة، وراح الصفويون يتباهون بـ"زعيم عربي" قدم فلذّة كبده في المقاومة، على عكس ما عليه شأن أبناء بقية زعماء العرب الذين يرسلونهم لكبرى عواصم العالم للتسوّق والدراسة والأعمال وممارسة أشياء أخرى، على حساب أموال الشعوب والخزائن العامة لأوطانهم.

لا أحد كان يشكّ يوماً أن هادي حسن نصر الله لم يستشهد في معركة كما ادعى "حزب الله"، وأن مقتله كان في ملهى ليلى بسبب فتاة تدعى "بتول"، حيث تمّ طعنه من طرف أحد أبناء قادة تنظيم "حزب الله". هذه الحقيقة صادمة بالفعل ومفاجئة للكثيرين، حيث أن قنوات غربية أظهرت صور جثة نجل حسن نصر الله وهي مرمية على الأرض، وهذه الجثة تسلمها التنظيم في إطار عملية تبادل مع "إسرائيل".

أسرار ما حدث هي في جعبة حسن نصر الله والمغتال عماد مغنية وبعض قادة "حزب الله" في لبنان وإيران، وتفاصيل القضية تبقى مجهولة لحدّ الآن على الأقل، خصوصاً ما يتعلق بطريقة نقل الجثة إلى الجنوب، وكيف وجدت في مسرح المعركة إن كانت تلك الصور هي من أرض المعركة فعلاً، وهل المخابرات الإسرائيلية متورطة في مساعدة حسن نصر الله على كذبته أم أن الجيش الصهيوني وجد الجثة بعد نهاية "معركة" ولا يتحمّل المسؤولية عما جرى؟

وثيقة مسرّبة من جهاز الأمن الخارجي لمخابرات بشار الأسد منشورة في موقع "الخليج أونلاين"، تقول بخصوص فضيحة مقتل نجل نصر الله:

"في أواخر شهر أغسطس 1997 وقعت حادثة اشتباك بين عدة أشخاص لا يتجاوز عددهم العشرة من أبناء شخصيات بارزة في المقاومة اللبنانية، حول فتاة تدعى بتول كانت برفقة أحدهم في ملهى ليلي بالعاصمة اللبنانية بيروت لا يرتاده عامة الناس. وأدى ذلك إلى طعنات قاتلة بسكين في صدر وبطن الشاب المرافق للفتاة المسمى هادي، والذي لا يتجاوز عمره 18 عاماً. كما أصيب آخرون إصابات متفاوتة الخطورة.

وحسب المعلومات المتوفرة أن الجاني باستعمال الخنجر هو نجل قيادي في حزب الله، كما يوجد من بينهم نجل رئيس البرلمان اللبناني نبيه برّي. أما المجني عليه الذي كانت حالته حرجة للغاية هو هادي نجل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله وآخر يدعى هيثم مغنية الذي كان بدوره في حالة صعبة بعد إصابته بطعنة في عنقه.

من جهة أخرى أفادت محطتنا أنه تمّ التكتم على الحادثة بأمر من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ونقل الضحية هادي حسن نصر الله في سرية تامة إلى الضاحية الجنوبية. ليعلن بعد حوالي أسبوعين أن هادي نصر الله استشهد في معركة جبل الرفيع بعد مواجهات مع قوات الاحتلال الصهيوني".

الكلام واضح في وثيقة لجهاز مخابرات بشار الأسد الذي يوالي "حزب الله"، فلو كانت الوثيقة من طرف يعادي نصر الله لشككنا في المعلومات، ولكن أن تأتي من حليف فهذا يضع الكثير من علامات الاستفهام على قصة "استشهاد" نجل حسن نصر الله الذي كان على موعد زفافه من بنت تدعى بتول، حسب الرواية التي سوق لها الحزب.

عندما تحدثت عن الوثيقة في برنامج تلفزيوني على قناة "وصال" الفضائية ثم نشرت على الخليج أونلاين حصرياً، تحدّث الكثيرون عن القضية، ودارت العديد من الأسئلة حول ما حدث بالضبط، وطرحت عدة سيناريوهات منها أن حسن نصر الله أمر بنقل جثمان نجله إلى مكان، وبعدها قامت قوات من "حزب الله" بالهجوم على الجيش الصهيوني والذي ردّ على المهاجمين في معركة حامية الوطيس، ثم انسحبت قوات الحزب وتركت جثث لعناصر سقطوا في تلك المعركة وكانت بينها جثة هادي حسن نصر الله. وتوجد وثيقة تتحدث عن أن حسن نصر الله أمر عماد مغنية الذي اغتيل لاحقاً في العاصمة السورية، بالعودة من دمشق إلى لبنان وهو من أشرف على عملية تحويل هادي من قتيل حانة إلى "شهيد" مقاومة.

ويوجد من يحتمل أن ما حدث كان بالتنسيق مع المخابرات الإسرائيلية، في إطار عملية تلميع حسن نصر الله الذي يخدم الكيان العبري تحت شعار المقاومة؛ لأنه لا يعقل أن الجيش الصهيوني لم يكتشف أن الجثة عليها آثار الطعنات بالسكين، إلا إن كان قد حدث اشتباك بالأيادي بين المهاجمين من قوات "حزب الله" و عناصر الجيش الصهيوني أثناء الهجوم.

بلا شك أن مقتل نجل حسن نصر الله في حانة بسبب فتاة ليل، لو أذيع على هذا النحو سيكون له تأثيره البالغ على سمعة نصر الله وزعامته للتنظيم، ولكن أن يسوّق له على أساس بطل استشهد في معركة فقد خدم كثيراً نصر الله وجعل الكثيرين ينخدعون بمقاومته المزيفة.

تعتبر كذبة استشهاد نجل حسن نصر الله من أخطر الكذب الذي مارسه زعيم "حزب الله" وسوّق له في لبنان والعالم العربي، ولكن الحقيقة كشفتها مخابرات الأسد من خلال وثيقة تسرّبت وستأتي الأيام بتفاصيل أخرى بلا أدنى شك.

مقاومة مزعومة مع إسرائيل

يدّعي حسن نصر الله بأنه يقاوم "إسرائيل" وأنه يهدّد وجودها ويدافع عن لبنان وفلسطين، لكن في الواقع نجد أن "حزب الله" يخدم الصهاينة أكثر مما يمكن تخيّله، حيث أنه يؤكد الأطروحة الصهيونية التي دائماً تسوّق للخطر الذي يهدد الوجود اليهودي، وهو الأمر الذي ظل اليهود يعيشون به ويتلقون الدعم على مدار التاريخ.

عندما يأتي "حزب الله" ويهدد وجود "إسرائيل" والأمر نفسه يأتي من طهران على لسان رئيسها الأسبق أحمدي نجاد، فهي خدمات جليلة تقدم للصهاينة حيث يتحصّلون على دعم من كل القوى الكبرى وتتعاطف معهم شعوب العالم الغربي، وبقاء الأمر في دائرة الكلام قد لا ينفع لذلك يجب أن يزركش بحرب حقيقية وهي التي حدثت عام 2006، ومنذ تلك الحرب المشؤومة وتهديدات نصر الله يسوّق لها صهيونياً على محمل الجد، وهذا أكبر خدمة تريدها "إسرائيل" داخلياً وخارجياً.

هذه الحرب التي جاءت في ظرف دولي معين، يتعلق بالمشروع النووي الإيراني، وبفضل "حزب الله" استعمل الدم اللبناني للحفاظ على اللعاب الإيراني. كما أنها جلبت قوات "اليونيفيل" الدولية وبذلك حصّنت إسرائيل شمالها وأغلقته في وجوه المقاومين الفلسطينيين الذين كانوا يتسللون ويقومون بعمليات عسكرية في العمق العبري.

الحقيقة الثابتة التي لا شكّ فيها أبداً أن حسن نصر الله هو أكبر من خدم ويخدم "إسرائيل"، لأنه لو كان الأمر عكس ذلك لقامت المخابرات الصهيونية باغتياله والتخلّص منه نهائياً كما فعلت مع الكثيرين ممن يشكلون خطراً عليها.

وكما هو معلوم أن "إسرائيل" تعرف كل تحركات أمين عام "حزب الله" من خلال عملائها في الحزب، الذين بينهم من يحتلون مناصب عليا مثل محمد شوربة، مسؤول تنسيق العمليات الخارجية لتنظيم إيران في لبنان، وأيضاً نجد عملاء آخرين مثل محمد الحاج ومحمد العطوي وهما يشغلان مناصب عسكرية حساسة في الحزب.

هؤلاء من المعروفين فقط، وتؤكد مصادر استخباراتية أن "حزب الله" مخترق من رأسه حتى أخمص قدميه، ولا يوجد تنظيم مخترق في العالم مثل حزب حسن نصر الله الإيراني، وقد بلغت عملية الاختراق الدائرة المحيطة من أمينه العام، وحتى زعيمه أصلاً يعمل لصالح جهات خارجية، سواء مباشرة أو عبر بوابة طهران.

نصر الله يخطب على أتباعه في مناسبات معروفة لدى كل العالم، ويبقى في خطاباته لأكثر من ساعة بينها التي ظهر فيها شخصياً وأخرى مباشرة عبر الأقمار الصناعية التي يُتحكّم فيها من أمريكا حيث النفوذ الكبير للوبي الصهيوني. وتحديد مكانه لن يكلف سوى ثوانٍ معدودة، وأما قصفه فلا يكلف إلا بعض الدقائق فقط.

لكن "إسرائيل" لم تفعل، ليس خوفاً من الحزب أو إيران كما يتوهّم البعض، بل لأن وجود نصر الله هو أكبر خدمة لـ "إسرائيل"، وبقاؤه في الواجهة الإعلامية والعسكرية والسياسية مصلحة استراتيجية لا يمكن أن يستغني عنها الإسرائيليون أبداً.

كل التهديدات التي أطلقها "حزب الله" ضد "إسرائيل" لم تتجاوز الكلام الذي يخدم العدو أكثر، كما سبق أن ذكرنا. كما أنه لا يستطيع تنفيذ تهديداته مهما كانت ادعاءاته، فقوات حفظ السلام الأممية تفصل بين "إسرائيل" ولبنان، وإيران ليس من مصلحتها الدخول في حرب أخرى وهي التي تغرق في مستنقعات بسوريا واليمن والعراق وغيرهم، كما أنها في مسلسل مفاوضات مع الغرب حول برنامجها النووي، ومشروعها الصفوي يواجه تحديات كبيرة داخلياً وخارجياً لها تأثيرها البالغ على نفوذها.

توجد علاقات سرية ووثيقة بين "حزب الله" و"إسرائيل"، بينها المباشرة وأخرى تمرّ عبر طهران، والعداء المعلن بين الطرفين هو لذر الرماد في العيون فقط، كما أن العداء لأهل السنّة لدى "حزب الله" يحتل المرتبة الأولى دائماً وأبداً، على عكس العداء مع الصهاينة الذي يسوّق له حسب مصالح إيران، والحرب قد تتحوّل بين عشية وضحاها إلى حب ما دام سيكون على حساب العرب والمسلمين، هذا إن سلّمنا جدلاً بوجود عداء أصلاً بين الصهيونية والصفوية، رغم أن كل المعطيات تؤكد بأنهما وجهان لعملة واحدة.

 

اغتيالات غامضة لقيادات في "حزب الله"

حدثت عمليات اغتيال لبعض قادة تنظيم "حزب الله"، وسوّق لها حسن نصر الله على أن "إسرائيل" هي التي قامت باغتيالهم، وراح يستغلّ الحادثة لإبراز أن تنظيمه مستهدف من قبل المخابرات الصهيونية، وهذا كي يؤكد وجود العداء بين الطرفين، بما يتنافى مع الحقيقة القائمة التي تؤكد أن العلاقة بينهما وطيدة إلى أبعد الحدود، وما التصريحات النارية إلا لمخادعة عوام الشعوب الإسلامية فقط.

فقد اغتيل عماد مغنية بدمشق في 12/ 02/ 2008 وهو الذي لديه أسرار قضية مقتل هادي نجل حسن نصر الله في ملهى ليلي ببيروت، ثم حوّلوه إلى شهيدٍ حفاظاً على سمعة والده، ودعاية له في العالم العربي والإسلامي. كما أن العملية بحدّ ذاتها ما زالت غامضة ومشبوهة وتلاحق الشبهات كلاً من نظام الأسد وحسن نصر الله شخصياً.

في سياق تصفية لقيادي آخر، نجد وثيقة مسرّبة لمخابرات الأسد منشورة في موقع "الخليج أونلاين"، تكشف معلومات خطيرة عن واقع "حزب الله" وما يعانيه زعيمه نصر الله بعد تورّطه في الحرب على الشعب السوري:

"يعيش حزب الله وسماحة السيد حسن نصر الله خلال هذه الفترة ضغوطات كبيرة من بعض الأطراف في قيادة الحزب والمقاومة اللبنانية بسبب مواقفه الداعمة سياسياً وعسكرياً لسورية في معركتها مع قوى الشر العالمية.

من أبرز الذين يقودون حملة مناهضة توجهات السيد حسن نصر الله تذكر محطتنا اسم القائد العسكري حسان هولو اللقيس الذي لديه نفوذ قوي، واستشهد نجله في حرب تموز 2006. وقد طالب هذا الأخير صراحة في عدة اجتماعات بضرورة نأي حزب الله بنفسه بما يتوافق وتوجهات الدولة اللبنانية، وذلك بسحب قواته المتواجدة في سورية لأن ذلك كبده خسائر بعض القيادات البارزة وعناصر مهمة من قوات النخبة، وسيزداد حجم الخسائر مع مرور الوقت، وهذا الذي سيضعف قدرات الحزب العسكرية ويؤثر عليه داخلياً وإقليمياً.

ويرى المسمى اللقيس أن وجود الحزب في داخل سورية سيؤدي إلى اشتعال حرب طائفية في لبنان والمنطقة، خاصة بعد الظهور العلني، وهذا ما سيخدم الكيان الصهيوني.

ويؤكد هولو اللقيس في كل اجتماعات الحزب القيادية أن الجيش العربي السوري بإمكانه حسم المعركة لصالحه بعيداً عن التدخل المباشر لقوات المقاومة. وقد وصل بعضهم من الداعمين لسماحة السيد الأمين العام وعلى رأسهم نائبه الشيخ نعيم قاسم إلى اتهام اللقيس بالعمالة للصهاينة من خلال موقفه الذي يخدم المتآمرين على الدولة السورية.

ويواجه السيد حسن نصر الله هذه المعارضة التي لا تزال محدودة بصمود كبير، ورفض قاطع لأي عودة للوراء مما يجري في سوريا. والشيء المخيف لدى أنصار سماحة السيد هو توسع دائرة المعارضين له في قيادة المقاومة، وخاصة في حال تسريبها للإعلام، وهذا الذي يعمل عليه حالياً في حزب الله لتفاديه بكل الوسائل، حتى لا يكون تأثيرها سلبياً لدى الرأي العام اللبناني والعربي والدولي".

كانت الوثيقة قد حررت في 2012 تحت رقم 1971، أي بعدة أشهر قبل عملية اغتيال حسان اللقيس التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 2013، وكان حسن نصر الله من خلال بيان نعي باسم حزبه قد حمّل "إسرائيل" مسؤولية اغتياله كعادته ومن دون أي تحقيقات.

ما ورد في وثيقة مخابرات الأسد يضع زعيم "حزب الله" في دائرة الاتهام، ولا يستبعد أبداً أنه يقف خلف عملية التخلّص من هذا القيادي الذي سبّب له الصداع على خلفية الملف السوري.

لم يقتصر الأمر على حسان اللقيس، إذ إن وثيقة أخرى لمخابرات الأسد أيضاً تكشف بأن "حزب الله" يقتل كل من يتّهمهم بالعمالة والخيانة ثم يقيم لهم الجنائز الرسمية، ويقدم لأهاليهم التعويضات المالية على أساس أنهم سقطوا شهداء في المعارك مع "إسرائيل"، وطبعاً كل من يختلف مع حسن نصر الله فهو خائن وعميل، ويقتل فوراً، سواء بعملية اغتيال في كمين أو محاكمة صورية، ويجري إعدامه سرياً.

تؤكد مصادر أمنية أن أسهل تهمة يمكن أن توجه لقيادات "حزب الله" هي العمالة لـ "إسرائيل" أو أمريكا، لأنه لا يوجد قيادي واحد من هذا التنظيم ليس له ولاء لجهات خارجية، وهذا ما سبق أن أشرنا إليه في قضية الاختراقات.

في هذا السياق، نقلت معلومات مسرّبة من جهات لبنانية أن حسن نصر الله شرع في نهاية العام الماضي 2014 في فتح ملفات الجواسيس من أجل التخلص من المعارضين لتدخّله العسكري في سوريا على غرار ما جرى مع حسان اللقيس، وأيضاً من أجل أن يسوّق للرأي العام كعادته أن حزبه ما زال مستهدفاً من "إسرائيل".

مع أنه لا يوجد قيادي في "حزب الله" لا يعمل لصالح جهات أجنبية وأغلبهم جواسيس مع "إسرائيل"، إلا أن حسن نصر الله يختار الأشخاص الذين يعارضون توجهاته في توريط الحزب بالحرب السورية، والذين يطالبون بإعادة المقاتلين إلى لبنان وتجنيب بلادهم وتنظيمهم ورطة كبرى في المستنقع السوري.

مصدر مقرب من قيادات في "حزب الله" تحدث إلى أحد المواقع الإخبارية بتاريخ 02/ 01/ 2014، كشف أن معظم من قال الحزب إنه تمّ اغتيالهم داخل لبنان خلال السنتين الماضيتين، كانوا يعارضون استمرار زجّ الحزب في القتال إلى جانب الأسد في سوريا، وأنهم كانوا يحذّرون من النتائج السلبية الجمّة التي ستعود على الحزب في المستقبل في حال الاستمرار بدفع المزيد من العناصر نحو سوريا، مؤكداً أن هناك قيادات تم زجّهم قسراً في سوريا من قبل حسن نصر الله، وجرى اغتيالهم من خلال كمائن بغية التخلص منهم.

وحسب الموقع الإخباري، فقد حذّر المصدر كل من يعارض توجهات حسن نصر الله في حربه مع نظام الأسد من رفض الأوامر التي يتلقاها للذهاب إلى سوريا؛ لأن نهايته ستكون وشيكة.

ودلل على صحة كلامه، بالقول: "خلال الستة أشهر الماضية، لاحظنا أن قيادات الحزب الميدانيين المعارضين الذين ارتفعت أصواتهم ضد أمين الحزب وقبلهم كثر، تم اغتيالهم، ومنهم من تمت تصفيته بأمر من حسن نصر الله ".

وقال أيضاً: "لا تستغربوا إن شهدنا قريباً محاولة انقلابية من داخل قيادات داخل الحزب ضد أمينه العام، الذي ارتهن لأوامر ملالي طهران بالكامل على حساب أبناء بلده وطائفته، غير آبهٍ لمصير عناصره، ويقوم بتصفية قياداته في سبيل تمرير المشروع الإيراني في سوريا، ولبنان، والعراق".

هذا ما يؤكد المعلومات التي نشرناها من قبل، وتحدثنا عنها في وسائل الإعلام، والتي تبيّن أن حسن نصر الله يكذب في ملفات الجواسيس، ويستعملها من أجل التخلّص من كل قيادي يعارض توجهاته في سوريا أو علاقاته مع إيران. أما بياناته حول تورّط "إسرائيل" التي يذيعها دائماً بعد كل عملية تصفية فهي مكذوبة، ويراد منها تغليط الرأي العام في لبنان وغيره.

لم يتوقف حسن نصر الله عند تصفية قيادات "حزب الله" المعارضة له، بل تحوم حوله الشبهات في اغتيالات أخرى، وقد اتهم الحزب من قبل المحكمة الدولية المكلفة بالنظر في اغتيال رفيق الحريري بالضلوع في الجريمة، بالتنسيق مع قيادات عسكرية من نظام الأسد في سوريا. كما أنه تورط أيضاً في عمليات إرهابية بالخارج وله علاقات مع شبكات تهريب المخدرات وتبييض الأموال في كل أنحاء العالم.

كذبة الدفاع عن اللبنانيين في سوريا

سوّق حسن نصر الله لكذبة سمجة للغاية؛ تتمثل في أنه يدافع عن لبنان وشعبها بسوريا، وهي تتنافى مع الحقيقة القائمة التي لا يختلف فيها اثنان، فالحزب دخل التراب السوري بأمر من علي خامنئي مرشد الثورة الخمينية، وليس للدفاع عن لبنان أو اللبنانيين الذي لا يهددهم سوى نظام الأسد، بل إن تدخّله وضعهم في خطر حقيقي، بعد رد فعل المعارضة المسلحة على السبب الطائفي الذي دفع نصر الله لغزو سوريا والدفاع على نظام يقتل السوريين في حرب نجسة للغاية.

الحكومة اللبنانية أعلنت رسمياً، مطلع الثورة، أنها تلتزم الحياد، ولم تشارك حتى في بعثة مراقبي الجامعة العربية، حيث رأت أن مصلحة لبنان في الحياد، لأنه الحلقة الأضعف التي سيستعملها بشار الأسد بطريقة قذرة للحفاظ على كيان حكمه من التفكّك.

غير أن "حزب الله" لم يلتزم بقرارات الحكومة لأنه تنظيم أكبر من الدولة اللبنانية نفسها، ودخل سوريا ليقاتل في الصفوف الأمامية ضد الشعب السوري، وكي يوهم اللبنانيين ويضلّلهم قامت مخابرات "حزب الله" ببعض العمليات الإرهابية الموازية في لبنان أدت لسقوط ضحايا حتى تبرز مخاطر الجماعات السورية المقاتلة.

كان من بين هذه العمليات تلك التفجيرات والسيارات المفخّخة التي تبنتها تنظيمات مجهولة غير معروفة إلا في شبكة الإنترنت، ومن خلال بعض الحسابات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تبين لاحقاً أنها تابعة للمخابرات السورية أو مخابرات "حزب الله"، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، حساب "لواء أحرار السنّة– بعلبك" على تويتر، الذي تبنّى عدة عمليات وأطلق تهديدات تجاه المسيحيين اللبنانيين وطوائف أخرى، ولكن انكشف الأمر لاحقاً من أن الحساب يشرف عليه شخص يدعى حسين شامان الحسين، وينتمي تنظيمياً لـ "حزب الله".

لم يقتصر حسن نصر الله على كذبه بأنه يدافع عن اللبنانيين في سوريا، وأنه يحمي المقاومة في سوريا، وأنه يواجه إسرائيل في سوريا، وأنه سيحرر فلسطين من سوريا، بل وصل الأمر به لدرجة إنكار حقائق مذهلة للغاية، نذكر مثلاً زعمه من قبل أن حمص مستقرة ولا يحدث فيها أي شيء، في حين أن التقارير الدولية والصور والفيديوهات التي تنقل من هناك تتحدث عن جرائم وحرب قذرة يشنها حليفه الأسد على السوريين، ولقد وقفنا على ذلك في بعثة مراقبي الجامعة العربية.

لقد ورّط "حزب الله" اللبنانيين في حرب سوريا، وسيدفعون الثمن غالياً بسبب هذه الطائفية المقيتة التي يمارسها حسن نصر الله. وما يزعمه بأنه يدافع عن لبنان في سوريا يتنافى مع الحقيقة؛ لأنه يدافع عن إيران فقط، وهكذا لأجل طهران ظل "حزب الله" يجرّ لبنان إلى مستنقعات حروب لا يدفع ثمنها سوى الشعب اللبناني، الذي -للأسف- ما يزال بعضهم منخدعين بمقاومة حسن نصر الله المزعومة.

يجب التأكيد أن "حزب الله" تلقى الضوء الأخضر من "إسرائيل" لحماية نظام الأسد الحليف القوي وغير المعلن لتل أبيب، ولو لم تكن له ضمانات صهيونية بعدم استهدافه ما تجرأ على مغادرة معاقله المحصّنة في الضاحية الجنوبية، وهذ مؤشر آخر يؤكد أن "حزب الله" تنظيم إرهابي وصهيونيته أكثر من الصهاينة أنفسهم.

لقد أدى تدخّل "حزب الله" في سوريا إلى إشعال حرب نجسة في المنطقة سيتضرّر منها لبنان أولاً، وهو ما تدندن حوله إيران دائماً، التي صارت سياستها تعمل على تدمير الدول العربية والإسلامية بالحروب الطائفية، بعد سنوات قضتها في نشر تشيّع هو وقود مثل هذه الحروب المدمّرة للإنسان والأوطان والحيوان.

إيران تدرك جيداً أنه لا يمكنها أن تبني قوتها إلا بضعف دول الجيران، وأنه لن تتمدّد خمينيتها لتعيد أمجاد دولتها الفارسية إلا بتحطيم كيانات الدول العربية، ولهذا تصنع الحروب هنا وهناك، حيث ضحاياها من السنّة العرب والشيعة العرب وأوطان العرب فقط، وستبقى الدولة الإيرانية الصفوية تصدّر الخراب للعالم الإسلامي عبر مليشياتها المسلحة مثل "حزب الله" و"أنصار الله" وغيرهما، إن لم يغير الرعب والدمار مواقعه وتعاني داخلياً من تداعيات ما تنشر من جرائم تهدد الأمن والسلم العالمي.

الكيل بمكيالين مع الثورات العربية

يدّعي حسن نصر الله أنه يقف مع الشعوب ويدعمها في تقرير مصيرها، وطالما تغنّى أن الحرية من المقدسات لدى "حزب الله"، وأنه تنظيم يدافع عن الشعوب وثوراتهم ضد الغزاة والطغاة والبغاة من "التكفيريين" وغيرهم، على حد قوله. غير أنه مع ثورات "الربيع العربي" انفضحت عورات نصر الله، حيث تعامل مع الشعوب بطائفية مقيتة ونتنة للغاية.

في البحرين نجد حسن نصر الله يتحدث عن ثورة شعبية ضد حكم مستبد، ووسائل إعلامه تروّج لما تسميها بـ"ثورة البحرين"، وتدعمها وتحرّض عليها بكل الوسائل المتاحة لديها.

في اليمن، وقف حسن نصر الله مع الحوثيين وراح يصور الحرب الحوثية الطائفية على أنها ثورة الشعب اليمني ضد نظام حاكمٍ وطاغٍ.

في ليبيا نجد أيضاً نصر الله أيّد الثورة على العقيد معمر القذافي، وحرّض عليها، وباركها مع أن حلف "الناتو" من خاض المعركة ضد كتائب الطاغية القذافي.

في مصر أيضاً دعّم ثورة المصريين على نظام حسني مبارك، وتحدث أن الشعب المصري من حقّه أن يقرر مصيره ويختار من يحكمه. أما تونس فقد فاجأته ثورتها، ولا خيار له سوى أن يدعّمها ويصفق لها تماهياً مع الشعور الشعبي العام في تلك المرحلة.

أيضاً راح زعيم "حزب الله" يدعو إلى ثورات في دول أخرى منها السعودية، حيث طالما تحدثت وسائل إعلامه أو الأخرى التابعة لإيران عن "حراك" شعبي في المناطق الشيعية بالمملكة العربية السعودية، كما أن مخابرات الأسد تحرّكت في هذه المناطق وبتنسيق مع بعض المعارضين السعوديين في الخارج وأغلبيتهم من السنّة من أجل تحريك الشارع الشيعي في المنطقة الشرقية السعودية، وجرت محاولات لتصويرها على أنها ثورة شعبية ضد حكم آل سعود، غير أن التحركات باءت بالفشل، وبقي الأمر في إطاره الطائفي الذي لم يتجاوز "مناوشات" لم تقدم شيئاً لمخططات إيران في عمق المملكة العربية السعودية.

لو نظرنا إلى خلفية هذه المواقف لوجدناها طائفية بحتة، حيث إن ما يجري في البحرين هو حراك شيعي مدعوم من إيران التي تدعم أيضاً الحوثيين في اليمن، وهم من المحسوبين عليها لأسباب دينية بحتة. أما موقفه من القذافي فيعود أساساً إلى عملية اختفاء رجل الدين الشيعي اللبناني موسى الصدر في ليبيا، ويُتّهم القذافي بإعدامه. كما أن هذا الأخير قام بمحاولة تحريك ما عرف حينها بعودة الدولة الفاطمية في شمال أفريقيا لاحتواء الشيعة العرب، وطبعاً خارج أطر الدولة الإيرانية الفارسية، وهذا ما لم ولن تقبله إيران التي نصّبت نفسها وصيّة على الشيعة في كل أنحاء العالم.

بالنسبة للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك فهو معروف بعدائه لإيران، وأيضاً ما عرف في أواخر حكمه بخلية "حزب الله"، التي تمّ اعتقالها وكانت تتعرض للمحاكمة، وتسبّبت في جدل كبير بين حسن نصر الله وأركان نظام حسني مبارك.

ما يفضح طائفية نصر الله بامتياز، أنه لم يقف في سوريا مع الشعب الثائر، بل اصطف عسكرياً وإعلامياً وسياسياً ودينياً وطائفياً مع نظام الأسد، حيث راح يقاتل معه في الميدان، واقترف "حزب الله" المجازر العديدة في القصير وغيرها، وطبعاً السبب طائفي بحت، ولا علاقة له بمزاعم المقاومة أبداً. فالنصيرية مقربة من الشيعة، والأسد بدوره مدلل نظام الملالي في إيران.

كما أن الشعب الثائر في أغلبيته الساحقة من أهل السنّة الذين يعتبرون العدو الأول والأخير عند نصر الله وسادته في إيران، في حين يمارس التقية ويحاول بأقواله أن يكذب على الناس بعدم طائفيته، وطالما ذكر لفظ "الطائفة السنّية الكريمة"، مع أن السنة ليسوا طائفة، بل هم أمة في العالم، كما أنهم في عقيدة حسن نصر الله كفّار ونواصب يجب إبادتهم ومحوهم من الوجود.

اصطفاف حسن نصر الله مع ثورات الشعوب هي كذبة أخرى تضاف لأكاذيب دأب عليها على مدار سنوات، غير أن الواقع فضحها، لأن تنظيم "حزب الله" طائفي وإرهابي ويتحرّك وفق أوامر إيرانية وبما يخدم مصالح عنصرية وقومية لحكام طهران فقط، الذين حاولوا وبذلوا الكثير كي يحوّلوا ثورات "الربيع العربي" إلى "الربيع الخميني" في المنطقة.

خاتمة

هذه بعض الأكاذيب من مسلسل طويل وكبير لحسن نصر الله، والذي لم يصدق في حياته إلا مرة واحدة عندما تحدث منذ سنوات وأكّد أن "حزب الله" يرتبط بولاية الفقيه في إيران، وأنه لن يبقى لحظة واحدة في الحزب من دون ولاية مرشد الثورة الخمينية، وحول وجوده بأجهزة هذا الحزب فقد قال: "لو لم يكن لدي يقين وقطع في أن هذه الأجهزة تتصل بالولي الفقيه القائد المبرئ للذمة الملزم قراره".

أما مشروعه الذي يتبناه في لبنان، فقال نصر الله عنه: "المشروع الذي لا نتبنى غيره كوننا مؤمنين عقائديين هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني".

هذه حقيقة حسن نصر الله التي أقر بها بنفسه منذ سنوات، وأكد أنها لن تتغيّر أبداً، أما التصريحات المعلنة في إطار دبلوماسي وسياسي، سواء من إيران أو من "حزب الله"، فهي مجرد عمل طبيعي ويدخل أيضاً في إطار التقية والكذب والخداع الذي دأبت عليه إيران وشيعتها.

لن يستفيد اللبنانيون أبداً من "حزب الله"، بل سيغرقهم في حروب أخرى لأجل إيران تجر لهم الويلات، وعندما تغرق السفينة سيقفز نصر الله ومن معه ويهربون نحو "الولي الفقيه" لإكمال مشوار حياتهم، ولن يضيع سوى لبنان والشعب اللبناني في مستنقعات نجسة وعميقة لا قرار لها وتهدّد المنطقة برمتها.

نهاية "حزب الله" المدوية

 

لا يختلف اثنان أن تدخل "حزب الله" في سوريا هي مغامرة حقيقية ستكون نتائجها وخيمة على مستقبل هذا الحزب سواء في لبنان أو المنطقة وحتى العالم الإسلامي برمّته، وهذا ما أحسّ به بعض القادة من الحزب والطائفة الشيعية، لذلك هبّوا لانتقاد خيارات نصر الله التي ستدخل لبنان فيما لا يقدر عليه، دفعت هذا الأخير إلى تصفية بعضهم وتهديد آخرين وإبعاد بعضهم من صناعة القرار في تنظيم يتحكم في مصيره في الأول والأخير مرشد الثورة الخمينية بطهران.

بلا شك أن ما يقوم "حزب الله" إضافة للبعد الطائفي الذي يتحكم فيه عقيدته وعقدته، هو ردّ جميل لخدعة نظام الأسد في لبنان الذي قام بتجريد المليشيات الأخرى من سلاحها، ولما تمكّن خصوصاً من الجماعات السنّية أعاد للحزب بعض ما أخذ من سلاحه، بل دعّمه كي يبقى القوة العسكرية الوحيدة التي تفرض منطق إيران في لبنان وعلى حدود فلسطين.

لقد نجحت الآلة الإعلامية والدعائية الرهيبة في صيف 2006 من التسويق لـ "حزب الله" من أنه انتصر على "إسرائيل"، وطبعاً ساهمت تلّ أبيب نفسها بالترويج لذلك لحسابات استراتيجية، لما راحت تحقق فيما سمتها "هزيمة" أقرّ بها بعض مسؤوليها.

وهذا ينطلي على من لا يفهم النفسية الإسرائيلية التي تسوّق للهزيمة في أبسط الأمور، وذلك من أجل الحفاظ على الوجود، وانطلاقاً من نظرية بن غوريون التي أوصت بأن هزيمة واحدة ستنهي "إسرائيل"، وهذا يدخل في إطار الحرص الدائم على النصر مهما كان الثمن.

كما أن اليهود عبر التاريخ يريدون دائماً الظهور في مظهر الضعيف المضطهد المهدّد في حياته لأجل كسب التعاطف البشري وحتى الإلهي حسب معتقداتهم، وأيضاً لتبرير جرائمهم في حق الآخرين، ويكفي دلالة على ذلك أن الله أنجاهم من طاغية زمانه فرعون الذي انتهى به الأمر غريقاً في اليم، ورغم ذلك رفضوا دخول القرية لأن فيها قوماً جبّارين!

ما يجري في سوريا كان عبارة عن ثورة شعبية ضد نظام حاكم فاسد ومستبد، وتحول الأمر إلى صراع بين القوى العظمى، وها هو الشعب السوري يواجه الاحتلال الأجنبي المتمثل في إيران بحرسها الثوري ومليشياتها وشبكاتها الإرهابية التي جاءت من العراق ولبنان وأفغانستان وغيرهم.

مهما كانت الأسباب التي جعلت حسن نصر الله الأمين العام لـ "حزب الله" ينال دور "البطولة" ويتوّج في الشارع العربي بذلك خلال مرحلة معيّنة لعب فيها المزاج الشعبي دوره بسبب الهزائم المتتالية والغطرسة الصهيونية التي بلغت قمّتها، إلا أنه خسر كل شيء لما دخل على خطّ الحرب ضد الشعب السوري الذي يطالب بالحرية والكرامة، وبطريقة طائفية مقيتة فضحت نوايا هذا الرجل وحزبه لدى الرأي العام.

لم يقتصر أمر خسارة معنوية لكل ما كسبه "حزب الله" وزعيمه لدى عوام المسلمين ممن يجهلون الحقيقة الصفوية المهيمنة على نصر الله ومن يتحكمون في قراراته، بل إن دخوله في محرقة سورية أدى إلى خسارة عسكرية تمثلت في سقوط آلاف المقاتلين بينهم قادة ميدانيين من قوات النخبة، وهو الذي لم يحدث له من قبل، حتى في عزّ حربه مع "إسرائيل" إن تجاوزنا أنها حرب لم تكن مزعومة.

هذا الحزب الذي ظل يهدّد الكيان العبري دائماً –إن سلمنا جدلاً بذلك– يغرق في حرب تستنزف قواته وعتاده العسكري. إلى جانب أن الأمر بلغ بالكثيرين من العرب والمسلمين درجة التحسّر على إفلاته من النهاية في حرب 2006، بعد أن صار يبيد الأطفال والنساء وتحت شعارات طائفية مقيتة ظهرت من خلال الفيديوات المسرّبة.

سوريا لن تعود كما كانت مرتعاً للمشروع الصفوي الإيراني مهما غرقت إيران في المستنقع بجندها ومرتزقتها. ولن تعود كما كانت مجرد معبر سلاح وتموين لـ "حزب الله" مرة أخرى بعدما ولغ في دماء السوريين لحد الهوس الطائفي، لأن النظام السوري انتهى شعبياً وفعلياً ولم تعد له سيطرة إلا على مناطق معدودة بدعم مليشيات أجنبية.

ما يجري هو نفخ في الرماد فقط بمغامرة غير محسوبة العواقب حسب المتابعين من بعيد، لكنها محسوبة كثيراً من طرف إيران في اطار ما يخدم خياراتها مع المجتمع الدولي من جهة، ومن جهة أخرى تصدير الخراب والإرهاب في المنطقة.

الحرب الإقليمية بوقود سنّي شيعي لن تكون في صالح الغرب وأمن "إسرائيل" حتى وإن حاولوا إنقاذ الموقف بما تسمى "الحرب على الإرهاب"، ولن يسمحوا بها أن تتصاعد أكثر في ظل وجود أنظمة خليجية بدورها لا تريد أن تتحول المنطقة إلى صراع يهدّد الجميع بلا أدنى شك.

لهذا تبقى مغامرة "حزب الله" تدخل بدائرة ربح الوقت في إطار استراتيجية غربية لا هدف لها سوى أمن "إسرائيل" من جهة الجولان لتبقى آمنة كما كانت على مدار أربعين عاماً، ولن يتحقق ذلك إلا بدخول "حزب الله" على الخط كما فعل من قبل في الجنوب حيث جلب قوات اليونيفيل وبما قلّم أظافر المقاومة الحقيقية التي كانت ترهق الكيان العبري.

بما تقدّم يمكن هضم المغامرة البائسة لحسن نصر الله التي ستكون ضريبتها غالية جداً، وخاصة أن كل المبررات التي قدمها لا يصدقها حتى أتباعه الذين يرون ما يجري هو مجرّد تجاذبات دولية وقودها الآن "حزب الله" وأطراف أخرى ممن تستعمل دوماً في اللحظات الحاسمة من عمر العالم الإسلامي، وطبعاً ستطوى صفحته بنهاية لا مكان لها سوى مزبلة التاريخ.

*) كاتب وباحث ومراقب دولي لحقوق الإنسان

وسوم: العدد 625