بعد إسقاط الطائرة الروسية أين سيرد بوتين

زهير سالم*

( كالثور يضرب لما عافت البقر ) ...

وأخيرا حزمت الدولة التركية أمرها وأخذت قرارها بالدفاع عن سيادتها، بعد محاولات كثيرة لإبلاغ الروس ومن قبلهم الأسديين أن الجدار التركي ليس واطئا ، فأسقطت الطائرة الروسية سوخوي 24 ، وقطفت ثمن هذا الموقف العزيز الكريم وطنيا وإقليميا عربيا وإسلاميا .

حكومة أردوغان التي لا بد أن تكون قد حسبت حساباتها بدقة ، مع قدر من المغامرة لا بد لصانع السياسة منه ، يصرون على أنهم استعملوا حقهم في تفعيل قواعد الاشتباك ، والدفاع عن حدودهم وسيادتهم .

التصريحات الإعلامية ( ونؤكد على الوصف بالإعلامية هنا ) المرتدة من حلفاء تركية العسكريين ( الناتو ) لا تمنح الموقف التركي جرعة من الثقة ، بله التشجيع والدعم .

الموقف الأمريكي الأهم يتردد بين الانسلال من المسئولية ، البنتاغون: ( إسقاط الطائرة يخص تركية وروسية وحدهما ) بمعنى أنه لا يخص الناتو ولا دوله ولا الولايات المتحدة . ومتحدث رسمي أمريكي ( الطائرة الروسية سقطت على الحدود ولم نتأكد أنها اخترقت الأجواء التركية ) أي أنهم لم يروا ( الميل في المكحلة ) وهي طريقتهم نفسها في التنصل من المسئولية القانونية الدولية عن كل الجرائم التي ينفذها الأسد ضد الشعب السوري ، وكان منها لمسئولية عن استعمال السلاح الكيماوي إذ ما زالوا يحققون . ثم نجد إلى جانب كل ذلك رشقة من التصريحات الأمريكية والأوربية تدعو إلى الاحتواء والتهدئة ، دون الاعتراف الصريح بحق تركية بالرد ، والتأكيد على أن تركية ليست في الميدان وحدها .

لسنا قلقين على مصير الناتو ، ولسنا معنيين بمعنى أن تكون دولة مثل تركية جزء منه وصاحبة أكبر جيش فيه ؛ ولكن السؤال الموضوعي الجاد في هذا المقام : ما هي حاجة دولة متنحية مثل الولايات المتحدة إلى حلف مثل حلف الناتو ؟! بل ما هي حاجة تركية إليه ؟! ، وكذلك ما حاجة دولة مثل فرنسة إليه ؟! وبالأمس كان الرئيس الفرنسي يقف في مؤتمره الصحفي مع أوباما ، وكأنه رئيس جمهورية من جمهوريات الموز ، بكل ما ظهر في عبارات جسد أوباما التي التقطها كل المتابعين ، والتي نطقت بها تعابير أوباما ويداه وجذعه وساقاه من استهانة ولامبالاة ..

المعنى الأخطر في تحلل ( الناتو ) أن يتم متزامنا مع دور روسي طاحش من خلال حلف طائفي جديد ، يعوض بوتين عن حلف وارسو ، ويخترق قلب ما يسمونه ( الشرق الأوسط ) في كل من سورية والعراق ولبنان ثم في اليمن عند مضيق باب المندب ، دون أن يوفر مصر التي يحلم المنقلب فيها بدور ما ..

أين وكيف سيرد بوتين ؟! سؤال جاد حقيق بالجواب ..

قد لا يجد بوتين نفسه شغوفا بتصعيد عسكري مع تركية تفتح عليه باب معركة لم يخطط لها ،. وإن عملية إلغاء زيارة لافروف إلى تركية ، أو وقف رحلات الطيران الروسية أو أي إجراء سياسي أو اقتصادي ليس هو الموقف الذي يقنع بوتين المتعطش إلى الغطرسة والطاغوتية التي تملأ عليه عقله الصغير وقلبه الأسود ...

العارفون بشخصية بوتين تضخم ذاته وعناده ونزوعه الفطري إلى الشر وحب السيطرة يدركون أنه لن يمرر عملية إسقاط الطائرة الروسية برد حقيقي يكون مؤلما لأردوغان حقيقية ، وكاسرا لشعوره الظفروي ومستعيدا للهيبة الروسية ؛ وإذا كان الرد الروسي المباشر على أردوغان في تركية سيكون مستبعدا ضمن المعادلة الحالية فإن الرد الروسي على إسقاط الطائرة الروسية الثانية سيكون على نمط الرد على إسقاط الطائرة السورية الثانية ، على نمط ردود كل الذين أصيبوا على يد داعش في سورية أو حول العالم ، سيكون الرد الروسي بتصلب أكبر ضد مشروع الثورة السورية ، و بقصف أكثر وحشية وهمجية على الشعب السوري على الأطفال والنساء والمدنيين من المستضعفين السوريين .

سوف يصعد بوتين قصفه ، ليس ضد داعش بالتأكيد ، فداعش لا يزال له دوره الوظيفي عند بوتين والولي الفقيه وبشار الأسد لإحكام الطوق الدولي والإقليمي على الشعب السوري وثورته ؛ وإنما ضد المدنيين السوريين . وضد أهالي جبل تركمان بشكل خاص ، وضد مشروع الثورة السورية على المستويين العسكري والسياسي ..

ليبقى السؤال الجاد المطروح على السيد أردوغان ، الذي لا بد أن يكون قد أخذ كل حذره للرد على الروسي على الأرض التركية ، وماذا أيها السيد الرئيس لو أن الرد الروسي كان تصعيدا محموما على الأرض السورية ؟!

كان من عادة العرب إذا أوردوا قطيع الأبقار الماء فلم تشرب عمدوا إلى ضرب الثور إشفاقا على الإناث وإبقاء عليها وتخويفا لها:

إني وقتلي سليكا ثم أعقله .. كالثور يضرب لما عافت البقر

نخشى أن الشعب السوري سيكون ثور العالم هذه الأيام وكل من كان بيده عصا ضرب ، أو حجر رجم ، وكل من عنده طائرة قصف ...؟!

وما يزال الرئيس أردوغان وشعب تركية الحر موئل حسن ظن السوريين وهو أهل لحسن التقدير والتدبير . والتصعيد بالتصعيد والبادئ أظلم .

هذا دون أن نذهب إلى ما ذهب إليه آخرون من أن الرد الروسي بالتنسيق مع إيران سيكون ضد العربية السعودية بوصفها المصدر الأول للإرهاب وضد قطر بوصفها الداعم للإرهاب . ويتوقع هؤلاء أن يخرج بان كيمون على العالم بعد مثل هذا الرد فيعبر عن قلقه ، ويخرج أوباما فيدعو إلى ضبط النفس ويطالب بلجنة تحقيق تشرح كيف اصطدمت القذائف الروسية بالأراضي العربية .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 643