إين الخلل؟

د. محمد الزعبي

مقتطع من مقالة مختلفة العنوان تعود إلى 21.8.14

سمحتلي الأحداث الجارية  بإعادة نشرها وبهذا العنوان

لايمكن لاحد أن ينكر أو يتنكر لخلل الممارسة الذي أصاب جناحي المعارضة الرئيسيين ، المدني والعسكري ، والذي أدى عمليا ( الخلل )  من جهة الى إطالة حرب الاستنزاف بين الثورة والنظام ، وبالتالي إراقة الدماء ومن جهة اخرى الى تقلص حجم ومساحة المواقع التي سيطرت عليها المعارضة الوطنية والجيش الحر ، ومن جهة ثالثة الى برود همة بعض الثوار ، وابتلاعهم الطعم  ( السم في الدسم ) الذي وضعه لهم  أعداء ثورات الربيع العربي ، من العرب وغيرالعرب ، ولا سيما طعم فوبيا الديموقراطية والآخوان المسلمين . 

هذا ويمثل الخلاف السني الشيعي ، والموقف المتباين لكلا الطرفين من ثورات الربيع العربي  ، الفخ الأكبر والأخطر الذي نصبه أعداء  هذه الثورات لوقف دومنو الربيع الديموقراطيفي في الوطن العربي عامة  وفي سورية والعراق ومصر خاصة ، ولحفر هوة عميقة من جهة بين القومية العربية والدين الاسلامي ، ومن جهة أخرى بين الأقلية والأكثرية داخل الوطن الواحد ، تلك الهوة التي زاد في عمقها وخطرها المتطرفون من كلا الطرفين ( داعش البغدادي ، وقاعدة الظواهري ، وشبيحة الأسد ، ومليشيات المالكي وولي الفقيه ) ، ولا سيما بعد وصول حافظ الأسد الى السلطة في سوريا عام ١٩٧٠ ، والخميني  في إيران   1979، والغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣  ، وهو ماانعكس سلبا على اداء الثورتين السورية ( منذ ٢٠١١ وحتى اليوم ) والعراقية ( منذ ٢٠٠٣وحتى اليوم ) ( والمصرية منذ تموز 2013 وحتى اليوم ) . 

 لايمكن لاحد أن  ينكر أو يتنكر، للعلاقة الجدلية (التأثير المتبادل أفقيا وعموديا) ) بين ثورة آذار السورية   ، وبين ماجرى ويجري في كل من مصر والعراق الامر الذي يعني أن  الموقف السلبي للقوى والأطراف المعادية لثورة الشعب السوري الديموقراطية  سوف يظل على حاله ، سواء في إطار الجيش الحر أو في إطار أية تسمية أخرى ،  من حيث استمرار أعداء الربيع العربي ، في الداخل والخارج ، بالعزف على  نغمة مكافحة الإرهاب ، وتدعيش الحراك الوطني الديموقراطي المرتبط بهذا الربيع ،  ولاسيما في مصر وسورية والعراق ، وبالتالي الحفاظ على الأنظمة الموالية للخارج   ( المالكي والأسد والسيسي ) المقبولة من ( روسيا وامريكا وإسرائيل وإيران )،  وبغض النظر عن التصريحات التضليلية لهذا الطرف او ذاك ، من الاطراف العربية والاسلامية والدولية ، و التي  ظاهرها الرحمة وباطنها الكذب والعذاب . إن ماتقوم به روسيا في سوريا اليوم هي الدليل العملي على مانقول .

     ان سحق وتدمير القوى الوطنية والقومية والإسلامية الفاعلة ، في الوطن العربي عامة ، وفي سورية والعراق خاصة ، ومنع وصول لهيب ثورات الربيع العربي الى الأنظمة التابعة لهم ، والحامية لمصالحهم ،  هو الهدف الحقيقي الكامن وراء هذا الموقف المتفرج للدول الكبرى ، على مذابح أطفالنا ، وتدمير بيوتنا ، والفتك  بأرواح رجالنا ونسائنا  ، وليس موقف الأنظمة القزمة الأخرى  ، العربية منها وغير العربية ، سوى الانعكاس الكاريكاتوري المضحك والمبكي   لموقف تلك الدول الكبرى بصورة أساسية . إن التذرع بداعش مرة ، وبالنصرة أخرى ، إن هو الّا الذريعة الواهية ، بل ورقة التوت التي تحاول تلك الدول المعنية التابع منها والمتبوع ، ستر عوراتها الأخلاقية والسياسية  بها . بل إن داعش بالذات ليست أكثر من " حصان طروادة " الذي تتلطى خلفه هذه الدول ( العظمى منها وغير العظمى ) وصولاً إلى هدفها الرئيسي في تدمير ثورات الربيع العربي وعلى رأسها ثورة آذار 2011  السوريةالتي باتت شعاراتها تقلق إسرائيل و حماة إسرائيل

إن الصورة القاتمة التي ذكرناها أعلاه ، تسمح لنا بأن نقول بصوت عال وواضح ، والكلام هنا موجه بصورة أساسية للمعارضة السورية ، في الداخل والخارج :  إذا كان الخيار بين التوافق أو المواجهة بين أطراف وأطياف هذه المعارضة ، فنحن ننصح كافة هذه الأطراف والأطياف ، أن يكون خيارهم جميعاً  ودو ن استثناء ، التوافق فيما بينهم ( ولو في إطار الحد الأدنى)  ،  والمواجهة المشتركة مع النظام القمعي الديكتاتوري الوراثي  لعائلة الأسد ، وذلك دون أن ينتظروا شيئا من الاخرين ، العرب منهم وغير العرب ، وهو ما يعني - عملياً- ضرورة تأجيل الخلافات السياسية والحزبية والأيديولوجية بينهم ، ( وهي خلافات موجودة ومشروعة ) إلى مابعد تحرير الوطن من  براثن هذا النظام الفاسد ، وإقامة البديل الديموقراطي ، حيث ستكون  عندها الأبواب مشرعة للتنافس الحر الوطني والسلمي والشريف بين كافة مكونات هذه المعارضة  ، دونما استثناء .

ان الاختلاف في الرأي بين الناس ، أيها الأخوة الثوار، هو أمر مشروع  ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ... من : البقرة 251)  ولكن  هذا الخلاف يجب أن يحمي الارض ( المجتمع / الوطن / الامة )  من الفساد ، لا أن يكون هو نفسه سببا لهذا الفساد ،  فالأرض هي بستان الإنسان ، وكلما تعددت ألوان الورود والزهور في هذا البستان كلما كان اجمل وأكمل  ، دعونا نختلف  ، ولكن دون أن نفترق  ، لتتعدد الورود والزهور ، ولكن في إطار وحدة البستان  ، فالمجتمعات البشرية ،  - أيها الإخوة - تشبه  يد الإنسان  التي تتمايز أصابعها ، ولكن هذا التمايز( هذه التعددية ) هو شرط عمل هذه اليد في تأديتها لوظيفتها في خدمة هذا الإنسان . لايهم أن يكون

 اسم الجناح العسكري من الثورة ، الجيش الحر ، أو الجيش الوطني السوري ، أو أي اسم آخر ، وإنما المهم هو أن يكون الثائر للثائر سواء أكان مدنياً أو عسكرياً ،  من  الثوار السابقين أو اللاحقين  ، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، وأن يكون هدف الجميع واحداً ، هو إسقاط النظام  الديكتاتوري الطائفي الراهن ، بكل مرتكزاته ورموزه  ، وإقامة  نظام وطني مدني ديموقراطي تعددي على أنقاضه. 

يمكننا ان نجسد الصراع الدائر اليوم حول ثورات الربيع العربي عامة ، وثورات مصر وسورية والعراق خاصة بالصراع بين مثلثين : مثلث عسكري قاعدته روسيا ، وضلعاه الآخران  إيران  والأسد ، ومثلث مدني قاعدته مبدأالمواطنة ، وضلعاه الآخران الدستور وصندوق الاقتراع النزيه والشفاف ، ومن المؤسف أن نرى بعض المثقفين العرب يطبّلون  ويزمرون لمثلث الديكتاتوريات العسكرية ، على حساب مثلث الديموقراطية المدنية ،  وتحت ذرائع واهية ماأنزل الله بها من سلطان  . ويبدو أن الصمت في بعض الحالات أبلغ من الكلام .

وسوم: العدد 654