مكاشفة عن جماعة الإخوان المسلمين إلى كل من يهمهم أمرها

زهير سالم*

بطاقة عيد إلى طيبي النوايا الباحثين عن الحقيقة

أقوياء بإيماننا ، ورؤيتنا وعزيمتنا ، وثباتنا ، وبكل الخيرين من أبناء أمتنا

بكل الحب والصدق يخط رجل عاش خمسة وخمسين عاما مع جماعة الإخوان المسلمين ، عاشها بكل ما كان فيها من محنة وشدة ولأواء وصبر، هذه الإفادة أو الشهادة أو الاعتذارية ، وهو في أفياء يوم من أيام الله اسمه العيد ...

وعلى غير طريقة المدعين في مثل هذا المقام ، يعترف صاحب هذا الإفادة ، أنه لم يكن يوما صاحب قرار في هذا الجماعة ، وإنما كان على مدى عقود بحيث يسمع ويرى ، ويتفهم ، وأحيانا يقول ؛ ولكنه كان قد تعلم أن من ضريبة التعاون على البر والتقوى ، أن تكون في القوم وأنت ترى أنك على غير ما تقدر أنه الصواب ..

ويكتب هذه الإفادة كاتبها ، على غير إذن من إدارة الجماعة ، ولا اطلاع لها عليها ، ولا يدري أين ستقع ، هذه الإفادة من رأيهم . ولكنه يظن ، أنه في إطار هذه الجماعة المباركة ، وأضع خطين تحت وصف المباركة ، ظل هناك هامش عريض لحرية التعبير ، والبوح الذاتي ، يعبر فيها الفرد عن ذاته ؛ دون أن يخلّ ذلك بالتزامه بموقف جماعته ، أو حق إخوانه ...

وتأتي هذه الإفادة أو الشهادة الفردية للتفاعل ، مع سؤال كثر ترداده على ألسنة الكثيرين منذ انطلاقة ثورة الحرية والعدل والكرامة ، في بلدنا سورية ، وما يزال يتردد حتى اليوم : أين جماعة الإخوان المسلمين ؟

أين جماعة الإخوان المسلمين فيما يجري على الشعب السوري ، وهي التي كانت معقد الأمل ، ومحط الرجاء ، وموئل الثقة ، ومعوَّل المعولين؟!

 سؤال يطرحه البعض بحسن نية ، وسلامة طوية ، وإقراراً بمكانة الكبير ، بمفهوم أن الكبير هو من يتحمل المسئولية ، ويسارع إلى موطن الغرم والفزع ، ويطرحه آخرون على سبيل التقريع والتشنيع والتشويه وبواعث أخرى لا يهمنا من أمرها شيئا في هذا المقام . وبطاقتي اليوم هي للأولين فقط ، للذين يبعثهم على طرح السؤال ، ثقة غالبة ، و حسن ظن سابق ، وأمل وإشفاق ، مع شيء من قصور في حسن التقدير ...

وأبدأ هذه الإفادة بالقول ، وأنا أيضا ، ومن موقع من يسمع ويرى ، يمكن أن اسأل : وأين جماعة الإخوان المسلمين ؟! مؤكدا أن هذه الجماعة بكل ما خولها الله من نعمة وفضل كان يمكن أن تؤدي أفضل ، وأن تعطي أكثر ، وأن تسد ثغرة أكبر ، ولكن كل ذلك تحت سقف مما سأضيف.

ولكي لا يكون هذا المدخل مدخلا للجحود والنكران ، فإن من الضروري أن يقترن القول بالقول فأقول : إنه ومنذ انطلاقة هذه الثورة المباركة ، أدت هذه الجماعة بقواعدها وأفرادها وكوادرها وقيادتها أدوارا غير منكورة ، على كل صعيد . تعودنا دائما أن نقول أمام كل ما يتفضل الله به على أيدينا : ولله الحمد والمنة .

 ولم تكن هذه الجماعة ومن تربى في مدرستها يوما ،على منهج من يعمل ليذكر أو يعرف أو يقول أو يقال عنه . ولا أريد أن أفيض في ذكر مَن قدمت وما قدمت هذه الجماعة من الشهداء والتضحيات فأصل هذا الأمر بالنسبة إلينا : احتساب عند الله ..

وأعود إلى أصل الإفادة التي أردت أن أجيب بها على السؤال الكثير الترداد : أين جماعة الإخوان المسلمين في سياق ثورة الشعب السوري العظيم ...؟!

إن مما يجب أن أؤكد عليه في سياق الجواب على هذا السؤال، أن عظمة دعوة جماعة الإخوان المسلمين ، التي يناهز عمرها اليوم المائة العام ، إنما تُشتق من عظمة رسالة الإسلام العظيم . ومن الرؤية الجامعة التي اشتقتها مدرسة الإخوان ومؤسسها رحمه الله تعالى من دعوة الإسلام الجامعة ، في صيغته العصرية التي تليق بالقرن العشرين ، والتي نرجو أن تتطور لتليق بالقرن الحادي والعشرين.

ثم إن هذا الدعوة اكتسبت ألقها وقوتها مما ألقى الله في قلوب مؤسسيها وحملة رايتها من عزيمة وثبات وصبر ، وبما هيأ لها من رجال من أبناء أمة الإسلام ، يناصرونها ، ويؤيدونها ، ويدافعون عنها ، ولا يطيعون فيها عدوا ، على كثرة الأعداء ، وتواطؤهم ومكرهم ، وتمكنهم ، وشدة بأسهم ، وأفانين حربهم ...

ولكن الذي لم أقله في هذه الإفادة بعد ، وهي إفادة أو شهادة أتوجه بها فقط للناس الطيبين ، أن هذه الجماعة الصابرة المصابرة المحتسبة عانت على مدى قرن من الزمان من : حرب ومكر ، وقتل واعتقال وتشريد ، و تسلط وحصار وتضييق ، بما لا يمكن أن ينتظر منها المأملون أنها في مكانة القادر المقتدر الذي يمتلك الوسائل والوسائط والإمكانات ..

فعندما نسأل أين جماعة الإخوان المسلمين ؟!

 علينا أن نتذكر أننا في هذه الجماعة تعلمنا وعلّمنا ، ( أن هذا الدين لا ينتصر بالمعجزة ) ، وإنما ينتصر بالجهد والتعب والمشقة والمعاناة والتضحية والثبات ، وأن انتصارات الإسلام في معاركه الكبرى حتى في عهد سيدنا رسول الله كانت وحال الناس (( وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا )) . أو (( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ، فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء ، وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ))

وعندما نسأل أين جماعة الإخوان المسلمين ؟!

علينا أن نتذكر أن هذه الجماعة قد قدمت أفواجا من خيرة رجالها وأنصارها ، ما يزيد على مائة ألف شهيد في بضع سنين ، وهو فقدان لا بدا أن يترك ظلاله على بنيان جماعة نالها كل هذا من حرب الظالمين . ..

وعندما نسأل أين جماعة الإخوان المسلمين ؟!

 علينا ألا ننسى أن هذه الجماعة عاشت ، بقواعدها وكوادرها مهجرة مشردة ، لا يؤويها وطن ، ولا تقلها أرض ، منقطعة عن قواعدها ، وعن حاضنتها ، وقد نزل قدر الله الغالب بالكثيرين من قياداتها ، ونالت عوامل الزمن من الكثير عوامل قوتها ... ولكنها صمدت فلم تنكسر ولم تنحن ولم تلين .

وعندما نسأل أين جماعة الإخوان المسلمين ؟!

علينا ألا ننسى أن هذه الجماعة كانت وما تزال تعيش محاصرة ، مضيقا عليها ، يجتمع على حربها ، من أشرار أهل الشر البعيد والقريب . تُحسب على متكلمها الكلمة ، ويؤاخذ متصدقها على الدرهم قبل الدينار ، ظلمات من عوامل القطيعة والتضييق ، بعضها فوق بعض ، حتى حُق لهذه الجماعة أن تنشد :

ولو حملت صم الجبال الذي بنا .....غداة افترقنا أوشكت تتصدع

وعندما نسأل – أخي – أين جماعة الإخوان المسلمين ...؟!

علينا أن نذكر ، أن الذين ظلوا يرددون ، على مدى ثلث قرن ، عند كل صباح ، في مدارس الشام ( والقضاء على العصابة العميلة جماعة الإخوان المسلمين ) ، هم اليوم أبلغ مكرا ، وأكثر جندا ومؤيدا وناصرا ، وكلهم والغون في الكذب ، مؤتلفون عليه ، متعاونون على الإثم والعدوان ، وحرب الإسلام والمسلمين ، وأن مكر السيء لا بد أن يترك في العقول والقلوب آثارا ، ما زال بعض الناس يتخبطون في لجتها حتى اليوم ...

إن تقدمت جماعة الإخوان المسلمين قيل استفزهم الطمع . وإن تأخرت جماعة الإخوان المسلمين قيل قعد بهم الجزع . وفي جنبات أرضنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، سماعون لهم ، كما كان شأن مجتمع المدينة الأول (( وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ )) . وصدق الله العظيم (( وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ )).

ثم انضم إلى ركب أمواج الظلام : حسود قادح ، وغاب وسط اللجة المنصف المادح ؛ حتى صار القوم لو تعثر لهم جديٌ في أقصى الأرض صاح صائحهم : فتش عن الإخوان المسلمين . ((يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )).

أيها المسلم الناصح العاقل ..

أول أمرنا إيمان بربنا ، والتزام منهجه : (( وَقُلِ اعْمَلُواْ ..)) (( فَتَبَيَّنُواْ ..))

(( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ )) (( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )) ..

وإنه لمما يملأ قلوبنا ثقة بحسن وعد الله ن أن تظل هذه الجماعة ، ملأ السمع والبصر ، كلما حزب الناسَ أمرٌ ، أو نزلت بهم نازلة سألوا : أين الإخوان المسلمون ...أين الإخوان المسلمون

 ونرجو الله أن يؤهل هذه الجماعة الطيبة المباركة لأن تجيب بما يخولها من حول وطول وقوة وحسن تدبير ...

وأقول لجماعة الإخوان المسلمين :

قد رشحوك لأمر لو فطنت له ...فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

ومن عتب عليك فقد ظن فيك خيرا ، فلا تخيبوا رجاء الراجين ، ولا تردوا عتب العاتبين.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 685