يا أولي البقية من حملة علوم الشريعة اجعلوا لله فيما تقولون بقية

زهير سالم*

هذا التطرف الأعمى الذي يضرب عالمنا الإسلامي ، بل العالم أجمع ، هو نوع من الجهل الساذج البسيط ينتجه ويدفع إليه جهل مركب ، تجسد في التاريخ الأوربي الوسيط بتحالف الكنيسة مع الإقطاع والسلطة ، فكان تحالفا خبيثا شريرا أنتج للإنسانية هذا الفصام الحضاري النكد على مستوى الفرد داخل النفس البشرية ، وعلى مستوى المجتمعات بكل ما تؤمن به وتسعى إليه ...

مضت القرون الأولى بأمة الإسلام ، ولم يستطع الحكام المسلمون على اختلاف دولهم ، وتباين التزامهم وتفاوت تقواهم ، أن يصادروا علماء الأمة فيوظفونهم في مجاراتهم ، ويجعلونهم في مكانة من يحرف كلمات الله ابتغاء مرضاتهم . وكما وجد في كل عصر من سماهم المسلمون عن وعي وبصيرة وهدى ( علماء السلطان ) فلم يخل عهد من عهود الإسلام ، ولا قطر من أقطاره من قائم لله بالحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، صداع بالحق ، إذا كلم صاحب السلطة كلمه وسلطان الله نصب عينيه ، فيبقى كل جبار أمام جبروت صاحب الجبروت في سقفه لا يعدوه . وكان عامة المسلمين يعرفون أهل الصدق هؤلاء بما حباهم الله به ، فتقبل منهم وترد على من عداهم من الدون الأدعياء.

وظلت أمة الإسلام تفخر ، كما نفخر نحن اليوم ، أن تاريخ الإسلام لم يشهد هذا التحالف الأصم بين القصر والمسجد ، كما شهد المجتمع المسيحي ذلك الحلف بين الجبروت والكهنوت .

من حق علينا اليوم أن نذكّر بكل الحب والود والتقوى كل أولئك الذين اعتادوا وطأ ( البلاط ) احذروا الانزلاق . اذكروا من أنتم ، لا تبيعوا دينكم ، ولا تبيعوا مروءتكم ولا تبيعوا إنسانيتكم ..

لا تبيعوا فكل ما يدفع لكم أو إليكم قليل حقير .

ولقد شهدنا خلال قرن مضى ، من فرط عقد الدولة الجامعة من حياة المسلمين ، نشوء تحالف مريب خبيث مماثل لما كان في حياة الغربيين ، بين طبقة من حملة العلم الشرعي الإسلامي ، وبين أصحاب السلطان ، بكافة أهوائهم واهتراءاتهم. وقد أدى هذا التحالف على اختلاف طبقاته وتوجهاته ، إلى حالة من النفور والقطيعة العميقة بين أجيال من أبناء الأمة ، وبين حكامها ، ونخبها ، وموئل الإرشاد والإصلاح فيها . وتجسدت هذه القطيعة في حالة من التمرد الخشن أو الحاد امتدت شروره وآثامه إلى كل أطراف الأرض , وتأذى من شررها الكثير من الأبرياء من بني الإنسان .

وبدلا من أن يقوم هؤلاء الحكام ، وجلهم من الطغاة المستبدين الفاسدين الذين لا يصلحون لا لدين ولا لدنيا ، ولا لضيف ولا لسيف ، بمراجعة سياسياتهم ، والارتقاء بتكوينهم العلمي والفكري ، وتحسين سلوكهم ، ومراقبة تصرفاتهم ، واستصحاب الصالحين الناصحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أهل العلم والنصح الصداعين بالحق ، من شعوبهم ، إن لم يفعلوا ذلك عن دين وتقوى فعن سياسة كياسة وحسن مدارة ؛ فإنهم أمعنوا في غيهم ، ولجوا في عدوانهم ، وبالغوا في الاستهتار بمشاعر مواطنيهم ، واستصحبوا الطغام والجهال وعبيد الدرهم من سفلة السفلة من الناس ، وحملوهم فوق رقاب الناس ، يسوّقون المزيد من الجهل ، ويجترون أكثر من روايات الزور والإثم ، ويجاهرون بالعداوة الله ورسوله وكتابه وصالح المؤمنين . ليزيدوا الشقة تباعدا ، والنار اشتعالا . وقد جمع أهل الختل والمكر هؤلاء بين قول الإثم وأكل السحت ، انتظارا منهم أن ينطلي ما يزينون على الناس . ...

يا أولي البقية من أهل الدين وحملة العلم ما لكم لا ترجون لله وقارا وأنتم ترون الإسلام يشوه وجهه الوضاح الجميل ، فتحرف عقائده ، وتنتقص شرائعه ، و يعدو عليه من شرار الخلق من لم يكن قادرا على الدفاع عن نفسه ..

يا أولي البقية من أهل الدين وحملة العلم أيرضيكم ما يجري على أمة الإسلام في العراق والشام واليمن ، ويقولون لك نتقي الفتنة ، ونقرا عليهم قول مولاهم (( أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ..))

أصمتٌ حتى تصل النار إلى دياركم ، ويحملكم ويحمل من في أعناقكم السيل زبدا طافيا فيلقي بكم السيل في واد سحيق ..

يا أولي البقية اجعلوا فيما تقولون وتفتون وتقدرون وترجون لله بقية ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 687