تسليح الضفة الغربية هاجس إسرائيلي ورعبٌ فلسطيني
ما إن تقع أيُ عملية عسكرية فلسطينيةٍ في مدن الضفة الغربية أو قراها، أياً كان حجمها وأثرها، وقوتها وشدتها، وبعيداً عن المواقع العسكرية الإسرائيلية أو قريباً منها، وما إن كانت ألحقت في صفوفهم خسائر بشرية أو مادية، كبيرةً أو صغيرةً، ضد المستوطنين أو العسكريين، حتى تهرع المخابرات الإسرائيلية لشن أوسع عملية اعتقال وبحث وتمشيط في منطقةِ العملية وفي المناطق المجاورة لها، ليس بحثاً عن الفاعلين فقط، الذين ربما يكونون قد استشهدوا أو اعتقلوا، وإنما بحثاً عن أي قطعة سلاحٍ خلفها المنفذون، أو أخفوها بعيداً عن الأنظار، أو بقيت في حوزة آخرين ينوون استخدامها، ويخططون لتنفيذ عملياتٍ أخرى بها.
رعبٌ مهولٌ يصيبهم، وخوفٌ شديدٌ يسيطر عليهم، إذا توترت الأوضاع في الضفة الغربية، أو احتدمت الأحداث فيها واضطربت الظروف وآلت الأحداث إلى انتفاضةٍ متواصلةٍ، أو فعالياتٍ منظمة، تتخللها عملياتُ مقاومة تنظمها مجموعاتٌ وخلايا عسكرية، تعمل بسريةٍ تامةٍ وخفاءٍ شديدٍ، وتستخدم فيها أسلحة نارية، ولو كانت بنادق قديمة أو مسدساتٍ صغيرة، فضلاً عن القنابل والعبوات الناسفة وغيرها من وسائل القتال التي قد تحوز عليها المقاومة، فإنها أياً كانت فهي تخيف العدو وتربكه.
لا شئ كتسليح الضفة الغربية يخيف العدو الإسرائيلي ويرعبه، ويقلقه ويزعجه، فهو يعتقد بأن الضفة الغربية التي يطلق عليها اسم "يهودا والسامرة"، جزءٌ من المشروع اليهودي التوراتي القديم، وأنها تمثل قلب الممالك الإسرائيلية الأولى في "أورشاليم" و"شخيم"، وأنه بدونها لا تكون دولة عبرية، ولا تتشكل دولة اليهود وتكتمل، وأن القدس "أورشاليم" التي يؤمنون بأنها العاصمة الأبدية والموحدة لكيانهم، لا تقوم إلا إذا ارتبطت ب"يهودا والسامرة"، وكانت جزءاً منها، فهي أرض ممالكهم وموطن أنبيائهم، وعليها وقعت أكثر معاركهم، وجرت أغلب حروبهم، وفيها عاشوا طويلاً وعمروا كثيراً، واشتروا فيها عقاراتٍ وأراضي، وبنوا فيها معابد وشيدوا عليها مقابر تحتفظ برفاة ملوكهم وتوابيت أنبيائهم وزوجاتهم.
وعندهم لكل مدينة وقريةٍ فيها اسمٌ عبري قديم، يطلقونه عليها ويكتبونه باللغة العبرية على الشوارع العامة وإشارات الطرق السريعة، وهناك أصواتٌ يهودية تطالب بشطب الاسم العربي لكل البلدات "اليهودية" في "يهودا والسامرة"، وعدم الاعتراف بأي اسمٍ عربيٍ يطلق عليها، إذ أنهم يؤمنون بأن الضفة الغربية "يهودا والسامرة" أرضهم التي حباها الرب لهم، وأسكنهم فيها بعد طول غيابٍ وعذابِ تيهٍ، فينبغي أن تكون هذه الأرض لهم وطناً آمناً، وسكناً دائماً، لا يخيفهم فيها شئ، ولا يهددهم فيها أحد، أو يزاحمهم عليها عدو.
لهذا تركز المخابرات الإسرائيلية جهودها للكشف المبكر عن أي قطعةِ سلاحٍ ناريٍ في الضفة الغربية، فتراقب وتفتش، وتعتقل وتحقق، وتخترق وتتجسس، وتنصب المصائد والكمائن، وتُشَرُكُ الأسلحة وتفسدها، رغم علمها أن إمكانية امتلاك المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية أسلحة نارية صعبة للغاية، بالنظر إلى الإجراءات الأمنية المشددة، وأعمال التضييق والملاحقة والمداهمة والاعتقال، فضلاً عن صعوبة تهريب الأسلحة إليها، وذلك لعدم وجود جوارٍ رخوٍ أو مؤيدٍ للمقاومة في الضفة، حيث أنها محاطة بالعدو من جهة وبالمملكة الأردنية الهاشمية من جهةٍ أخرى، وكلاهما يحارب تسليح الضفة الغربية، ويخاف من امتلاك المقاومين والمواطنين لأي أسلحة تعتبر في نظرهم فتاكة، أو قادرة على إلحاق الضرر والأذى بالمستوطنين والجنود الإسرائيليين.
ومن جانبٍ آخر تقوم السلطة الفلسطينية بأهم عامل في الرقابة والمتابعة والملاحقة والمصادرة والاعتقال والمحاكمة، وتنشط أجهزتها الأمنية بالتنسيق مع نظرائهم الإسرائيليين في ملاحقة عناصر المقاومة، ومداهمة مقراتهم، واعتقال أفرادهم، وتفكيك خلاياهم، ومصادرة كل ما يجدونه في حوزتهم من أسلحة، علماً أن أسلحة المقاومة في الضفة الغربية بسيطة وقليلة جداً، فهي لا تتجاوز المسدسات وبنادق الكارلوستاف القديمة، وأحياناً بنادق كلاشينكوف الروسية، أو البور سعيدي المصرية، وبسبب قلتها ونذرتها، فإن خلايا المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، تقوم بنقل ما لديها من أسلحة من منطقة إلى أخرى لاستخدامها في العمليات المقررة، ثم إعادتها إلى مصدرها أو نقلها إلى مكان آخر للاستفادة منها في إحدى عملياتها.
وللسبب نفسه فقد أبدت المخابرات الإسرائيلية قلقاً شديداً من دعوة مرشد الثورة الإيرانية الإمام الخامنئي إلى تسليح الضفة الغربية، ولم تهملها ولم تنظر إليها بعفوية وبساطة، بل رأت فيها تطوراً خطيراً، ودخولاً إيرانياً مخيفاً على خط المقاومة في الضفة الغربية، واعتبرت أنها دعوة جادة وخطيرة، بالنظر إلى التجربة الإيرانية وتاريخها مع المقاومة العربية وخصوصاً حزب الله، وأن إيران ستكون جادةً في تنفيذ دعوتها، وستمضي قدماً في ترجمة تعليمات قائدها، خاصةً أنها تمتلك القدرة المالية والعسكرية، ولا تعوزها العقيدة القتالية، ولهذا فقد بادرت المخابرات الإسرائيلية إلى اعتقال العديد من العناصر المؤيدة لإيران، التي من الممكن أن يكون لها دور في تشكيل خلايا مقاومة، أو التخطيط لتنفيذ عملياتٍ عسكريةٍ، وصادرت أموالاً كثيرة اشتبهت في أنها من مصادر إيرانية، وأنها رصدت لبناء وتشكيل مجموعاتٍ عسكرية.
لا شك أن امتلاك المقاومة الفلسطينية للسلاح في الضفة الغربية سيغير المعادلة، وسيقلب الطاولة على رأس الإسرائيليين وحلفائهم، وسيربك من يؤيدهم ويساندهم، ويحميهم ويدافع عنهم، لكن السلاح في حاجةٍ إلى مالٍ به يشترى، وحليفٍ يزود أو يبيع، ويسهل ويمول، فضلاً عن رجالٍ يؤمنون بالفكرة، وأبطالٍ ينفذون الخطة، ويحسنون استخدام السلاح ضد العدو في مكانه وزمانه الصحيح.
فالضفة الغربية في قلب الكيان وتتداخل مع مدنه، وتقترب من مصالحه، وفي أحشائها تقوم المستوطنات والمعسكرات العسكرية، وفي قلبها تنصب الحواجز وتبنى المعابر، وعلى أرضها تشق الطرق وتعمر الجسور والأنفاق، الأمر الذي يجعل منها كلها أهدافاً للمقاومة سهلة وقريبة، ومرصودة ومعروفة، فضلاً عن أن السلاح في أيدي المقاومين يشعرهم بالعزة ويمنحهم القوة، ويشجعهم على القيام بالمزيد من العمليات، وتطوير ما بين أيديهم من سلاح، وتعميم المقاومة وانتشارها في مختلف مناطق الضفة الغربية.
وسوم: العدد 688