قناة المخابرات… محاولة لإنكار النسب!

أرادوا أن يستروا مجموعة قنوات «دي أم سي» فكشفوا دور رجل الأعمال «محمد أبو هشيمة»، المنطلق بسرعة الصاروخ للاستحواذ على المشهد الإعلامي!

الجنين في بطن أمه، يعلم أن «دي أم سي» هي مجموعة قنوات تلفزيونية تدار لحساب السيسي، وتقوم عليها المخابرات الحربية، وهو الجهاز الذي ترأسه المذكور، في السنة الأخيرة من حياة مبارك قادماً من سلاح المشاة. وإذا سألت هذا الجنين المستكين في بطن والدته، من يملك قناة «دي أم سي»، سيكون جوابه: المخابرات!

لقد ثبت أنه رغم أن الإعلام المعارض في مصر لا وجود له، وكل الإعلام الموجود يجتهد في إثبات الحب العذري للسيسي، يخطئ ويصيب، لكن هذا لا يدفع أبداً لاعتباره إعلاماً معارضاً، إلا أن السيسي مع هذا لا يأمن جانبه، فضلاً عن أن يريد إعلاماً خاصاً يختار الذين يعملون فيه فرداً فرداً، وهو رجل بالرغم من هذا الانصياع الإعلامي لإرادته، فإنه وفي أكثر من مرة، يعلن عن حسده لجمال عبد الناصر على إعلامه!

الإعلام الخاص، ولحسابات كثيرة، رحب بحركة ضباط الجيش في سنة 1952، ومع ذلك فالثورة أنشأت إعلامها، وكانت جريدتا «الجمهورية» و»المساء»، بالإضافة لعدد من المجلات، ورغم هذا كانت عملية تأميم الصحف في سنة 1960، وسبق هذا فرض الرقابة، وبمقتضى فرضها فإن عسكرياً جاهلاً كان يدير الصحف، وكانت سلطته داخل دور الصحف أقوى من سلطة رئيس التحرير، وهو المنصب الذي ألغي عملياً لصالح هذا العسكري الجاهل، أو «الرقيب»!

السيسي لا يميل إلى عملية التأميم، لأن فاتورته مكلفة، وليس لأنه لم يعد يتسق مع روح العصر، فكل ما كنا نعتقد أنه لا يتسق مع روح العصر، حدث بما في ذلك الانقلابات العسكرية، فمن كان يظن أن انقلاباً عسكرياً سافراً يمكن أن يقع في مصر، وبرعاية أمريكية وأوروبية؟!

الحملة على ماسبيرو

والسيسي يريد أن ينسف حمامه القديم، ويفكك التلفزيون المصري المملوك له، لأن ميزانيته ضخمة، ولأنه لم يتدخل هو في اختيار العاملين فيه، وهو يريد أن يختار من يحكمهم بالواحد، والحملة على «ماسبيرو»، كان مدخلها بث حديث العام الماضي مع محطة تلفزيونية أمريكية، على أنه لهذا العام، وقيل يا داهية دقي، فكانت حملة لا تخطئ العين دلالتها، والمستهدف بها هو التمهيد لمهمة التخلص من هذا الجهاز!

وعلى ذكر هذا الحوار، فقد أعاد التلفزيون المصري إذاعته، وكان لافتاً هو ترجمة كلام السيسي، من اللغة السيساوية إلى اللغة العربية، حيث الاستعانة بمترجم، ولا نعرف ما هى الحكمة من هذه الترجمة، إلا لإثبات أن لغة عبد الفتاح السيسي من اللغات الحية، التي تصلح لترجمتها إلى اللغة العربية! كيف فعلها هذا المترجم؟ إنه بالتأكيد رجل كفوء ويستحق التحية!

ما علينا، فالسيسي ليس عبد الناصر الذي ورث نخبة تعامل معها، والمذكور يريد أن يصنع نخبته وبالواحد، ويشترط فيها ألا يكون العنصر المختار ذا خلفية سياسية، أو له سوابق في العمل السياسي، ولو كان من رجال مبارك، مثل مذيعة قناة «النهار»، التي أرادت أن تنتقل لقناة المخابرات، مصحوبة باضطهاد أهل الحكم لها، على نحو يوحي لحظة الانتقال أن «دي أم سي» قناة مستقلة، والدليل أنها تعمل لديها مذيعة خرجت من «النهار» بقرار من السلطة!

مذيعة «النهار» استضافت المعارض المصري الدكتور يحيى القزاز للتعليق على دعوة نائب في البرلمان بالكشف على عذرية طالبات الجامعات المصرية، بعد انتشار الزواج العرفي، ومما قاله «القزاز» أن هذا يتسق مع مرحلة على قمتها رجل قام بكشوف العذرية. يقصد بذلك مدير المخابرات الحربية، عبد الفتاح السيسي!

قصة كشوف العذرية حدثت في مرحلة حكم المجلس العسكري، عندما تم القبض على عدد من المتظاهرات، اللاتي خرجن من المعتقل وقلن إنهن خضعن على يد المخابرات الحربية لكشف العذرية، وكانت ضجة وصلت إلى أسماع منظمات دولية فنددت بالجريمة، واعترف مرتكبوها بأنهم أقدموا على هذا الفعل الفاضح حتى لا تخرج أي معتقلة وتقول إنه جرى فض بكارتها وهي رهن الاعتقال!

ومن باب الذكرى، فإن معظم الذين نددوا بهذا الحادث قد أيدوا الانقلاب العسكري بقيادة السيسي في يوليو/تموز 2013، ومن بينهم صديقنا الدكتور يحيى القزاز، ولا توجد من بين من تعرضن لهذه المهانة من رفضت الانقلاب الذي تزعمه أمر بالكشف على عذريتهن. كما لو كانوا في حالة سكر بين، وقد قد فاقوا الآن، فإذا بهم يتذكرون تاريخ الرجل، وبعد أن أورد البلاد مورد التهلكة!

لقد نُشر أن مذيعة «النهار» تم «تفنيشها» بعد حديث «القزاز»، وهي يبدو من ملامحها أنه فوجئت بهجومه على السيسي، فلا ناقة لها ولا جمل في الموضوع، ومن الجائز ألا تكون قد اختارته للمداخلة، أو أنها تعرفه أصلاً، وتركها للعمل في «النهار» أمر طبيعي للاستعداد لمرحلة الانتقال لقناة عبد الفتاح السيسي، وقد اعتبرت «مداخلة القزاز» رمية بغير رام، فكونها تم فصلها من «النهار» لأسباب سياسية، فالمعنى أن «دي أم سي» هي محطة تلفزيونية مستقلة!

اختصار اسم القناة

إنه نضال من أجل تعويم هذه القناة، رغم ما عُرف عنها بالضرورة، لدرجة أن من وقع الاختيار عليهم للعمل فيها، يعلنون ببساطة أنهم يعملون في قناة المخابرات، بل إن هذا صار اختصار اسمها وللتعريف بهويتها!

وفي سياق نفي الصلة، وإنكار النسب، كانت عملية دمج الشركة المالكة لـ «دي أم سي» في شركة «إعلام المصريين» المملوكة لرجل الأعمال محمد أبو هشيمة، الشاب الذي عرفه الناس، بزواجه من الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي، قبل أن يصبح مقرباً من حكم الرئيس محمد مرسي، ومن جماعة الإخوان، وإذ تحول مع المتحولين، وصار من مؤيدي العهد الجديد، فإن هذه سمة من سمات رجال أعمال، وباعتبار أن رأس المال جبان، ومحمد أبو العنين صاحب قناة «صدى البلد»، كان مقرباً من مبارك، وأحد نواب الحزب الحاكم، ومع ذلك فقد هرول مؤيدا لمرسي، وقناته الآن لا تذكر اسم الرئيس المختطف إلا مسبوقاً أو متبوعاً بـ «الجاسوس»!

نتيجة للعلاقة السابقة مع حكم الرئيس محمد مرسي، فقد اعتبر البعض أن أبو هشيمة هو واجهة لدول خارجية، وهو ينزل للملعب الإعلامي بشراء الكثير من المؤسسات الإعلامية، ولم تبدأ عملية الشراء بقناة «أون تي في» من نجيب ساويرس، ولم تنته بشراء جريدة «صوت الأمة». ولا يمكن لرجل أعمال مصري مهما كانت قدراته المالية أن يتولى الإنفاق على قناة تلفزيونية واحدة، مهما كان حجم ثروته!

لكن لأن الأداء في مصر عشوائياً تم فضح الجهة التي يمثلها رجل الأعمال الشاب، من خلال صفقة دمج قناة المخابرات، لتصبح تحت رعايته، وهي عملية لن تستر «دي أم سي»، وإن كانت كشفت «أبو هشمية»، ويمكن بالتالي فهم السياق الذي تم فيه جلب عمرو أديب من قناة مشفرة، إلى محطة «أو تي في»، وهو الانتقال الثاني الذي حدث له في حياته، عندما انتقل من «المشفرة» إلى «الحياة» في فترة حكم المجلس العسكري. يقولون إن صفقة شراء أبو هشيمة للحياة قد تعثرت، وأجزم أنا أنها ستكلل بالنجاح، فالمشتري ليس واحداً من آحاد الناس!

التطاول على الثورة

ويمكن أيضا فهم استضافة عمرو أديب لرجل الأعمال حسين سالم، وإظهاره وأسرته كما لو كانوا ضحايا الثورة المجرمة، وبسببها كانوا يتسولون في الخارج، وذلك لإعادة تدويره، بعد التسوية التي قام بمقتضاها برد جزء يسير من أموال فساده في صفقة صلح مع النظام بقيادة السيسي!

وهي صفقة تمت في أجواء جديدة، حيث لم تعد تجد سلطة الانقلاب نفسها مضطرة إلى إعلان تمسكها بـ «ثورة يناير»، وكانت من قبل ترى أن «3 يوليو» هو المتمم لـ 25 يناير، الآن يتم الجهر بالمعصية، فحسين سالم يعلن في قناة «أون تي في» أن ثورة يناير مؤامرة خارجية بقيادة الإخوان ودولة قطر، ويمر هذا الاتهام مرور الكرام، مع أن دستور الانقلاب ينص على أن يناير ثورة عظيمة!

لقد انتهت مرحلة التلفيق والإدعاء بأن الجيش هو من حمى الثورة، وبكلام حسين سالم فإنه يكون قد حمى المؤامرة الخارجية التي قام بها الإخوان وقطر.

كلام سالم ليس جديداً، فالمشير محمد حسين طنطاوي، المرشد الروحي لعبد الفتاح السيسي، كان قد أعلن أن ثورة يناير مؤامرة خارجية، غاية ما في الأمر أن كلام المشير جاء في شهادته السرية أمام المحكمة لتبرئة مبارك من تهمة قتل المتظاهرين، والجديد هو هذا الإعلان الرسمي، فلا ترى دولة السيسي في ذلك إهانة لمرجعيتها، فما كان لحسين سالم أن يتطاول على ثورة يناير إلا إذا علم أن هذا صار مباحاً، وهو رجل المخابرات بحسب تأكيد محامي الرئيس المخلوع!

لقد صار اللعب على المكشوف، ومع ذلك يغسلون سمعة «دي أم سي» قبل انطلاق بثها!

يقولون إن «دي أم سي» هي لمنافسة «الجزيرة». ونقول: ياما جاب الغراب لأمه!

صحافي من مصر

وسوم: العدد 689