(الحشد الشعبي) بيان من هيئة علماء المسلمين بالعراق

هيئة علماء المسلمين بالعراق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: 

فبعد إقرار مجلس النواب الحالي يوم أمس السبت (26/11/2016) ما يسمى (قانون هيأة الحشد الشعبي)، وهو قانون خطير من حيث المضمون والشكل وطريقة الإقرار، ويفتح بابًا جديدًا من أبواب الشر الكثيرة المشرعة على العراق وأهله والمنطقة، ولم يأت هذا القانون بجديد من حيث واقع ما يقوم به الحشد من استهداف للعراق والعراقيين بذريعة (محاربة الإرهاب)، وإيغاله في اتباع السياسات الطائفية الحاقدة وانتهاج الطرق الاستئصالية، وانتهاكاته لحقوق الإنسان الموثقة محليًا ودوليًا، ومن حيث كونه استنساخًا فجًّا لتجربة إيرانية سيئة الصيت، وامتدادًا لمنظومة الحرس الثوري، وأداة حكومية مكملة لمهامها الطائفية العابرة للحدود.

ويمكن في هذا الصدد تسجيل النقاط والمخاطر السياسية والقانونية والعسكرية والإنسانية الآتية على هذا القانون:

1.  ذكر القانون الأسباب الموجبة لتشريعه، ونص فيها على أنه شُرّع ((تكريمًا لكل من تطوّع من مختلف أبناء الشعب العراقي دفاعًا عن العراق... وكل من يعادي العراق ونظامه الجديد والذين كان لهم الفضل في رد المؤامرات المختلفة...)). وهذا النص يدل على أن القانون قد سُنّ ليتعامل مع واقع الحشد كما هو الآن، وليس واقع الحاجة الوطنية، وأنه مجرد تكريم لميليشيات الحشد، فبدل أن يعمل على إحداث التوازن في الجيش وجعله من جميع المكونات العراقية؛ تم زيادة الطين بلة بإنشاء تكوين رديف تطغى عليه الطائفية بشكل مطلق. ولن يسعف القانون أنه جعل من أسباب تشريعه ((تكريم كل من ساهم في بذل دمه في الدفاع عن العراق من المتطوعين والحشد الشعبي والحشد العشائري))؛ حيث إن واقع التجارب السابقة يثبت بلا شك أن كل المسميات الأخرى من خارج الحشد هي لمجرد إضفاء الصفة الوطنية عليه مثل: (الحشد العشائري) أو (الحشد الوطني)؛ ولن تكون لها علاقة بالمؤسسة الجديدة ولن تستطيع دخولها، وإن دخلتها ستكون مجرد غطاء لتمرير صفة غير حقيقية عن طبيعة الحشد الطائفية. ولن يسعف القانون أيضًا النص في إحدى مواده على أن: ((تتألف قوة الحشد (الشعبي) من مكونات الشعب العراقي وبما يضمن تطبيق المادة (9) من الدستور)). فواقع جميع المؤسسات الأخرى لم يتحقق فيها هذا الشرط، ومنها على سبيل المثال (جهاز مكافحة الإرهاب)، الذي أضحى جهازًا طائفيًا بامتياز، مع ارتهان قراره لجهة خارجية، فما بالك بـ(الحشد) المعروف أين تأسست ميليشياته وبمن ترتبط.

2.  ينص القانون على فك ارتباط منتسبي الحشد الشعبي من أطرهم السياسية والحزبية والاجتماعية، وهذا أمر لن يتحقق بسبب هيمنة الميليشيات الطائفية التابعة لأحزاب السلطة عليه، وليس متصورًا تحلل هذه القيادات فضلًا عن الأفراد من التزاماتها السياسية والحزبية، وهو ما لم يتحقق سابقًا في المؤسسة العسكرية الرئيسة نفسها (الجيش)، التي مازالت تعاني من أصل تأسيسها الميليشياوي، فضلًا عن المؤسسة السياسية، فما بالك بتكوين ميليشياوي من الأصل. وليس بعيدًا عنا حوادث: (البصرة) و(مدينة الصدر) في سنوات ماضية، عندما انحازت مجموعات من الجيش والشرطة إلى الميليشيات وسلمت أسلحتها وتجهيزاتها العسكرية لها.

3.  أطاح التصويت على القانون بمبدأ التوافق السياسي الذي تعارفوا عليه في تشريع القوانين واتخاذ القرارات بين مكونات العملية السياسية، الذي طالما كان مدخلًا لتمرير قوانين مضرة وفقًا لمصالح سياسية خاصة ومكاسب حزبية ضيقة. وهذا يؤكد إن من يسمون بـ (ممثلي المكون السني)؛ هم مجرد لوازم تكميلية لتأطير الصورة فحسب ومنحها الشرعية، وأنه يمكن الاستغناء عنهم إذا ما اقتضت الحاجة. وهذا ما حصل في دليل جديد على هيمنة المتنفذين بالحكم وإعراضهم عن مبدأ التوافق الذي يدعون الالتزام به.

4.  يتحدث القانون عن تشكيل عسكري للحشد الشعبي يرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة بشكل مباشر، أي أنه لا سلطة لوزارة الدفاع ولا لقيادة العمليات المشتركة عليه. بالرغم من أن القانون ينص على أن الحشد هو جزء من القوات المسلحة العراقية، لكنه يعني أنه عمليًا لن يرتبط من حيث التنظيم والتجهيز والتدريب بوزير الدفاع، ولا يمكن عزو ذلك إلى أنها من مقتضيات التنظيم في مدة الثلاثة الأشهر المقررة لذلك؛ فالمفروض بسياقات العمل أن وزير الدفاع هو الشخص المخوّل لممارسة القيادة والسيطرة بصفته القائد المباشر لجميع تشكيلاته.

5.  ومما يرتبط بالنقطة السابقة فإن تشكيلات الحشد لا ترتبط برئاسة أركان الجيش في وزارة الدفاع، وهذا الارتباط معلوم أن له آثارًا من حيث التجهيزات وتحريك القطعات والترقيات ونحوها. وهو أمر غير متحقق في هذه الحالة، فضلًا عن نقاط أخرى مهمة من بينها: عدم جواز رفع راية غير العلم العراقي وارتداء الزِّي العسكري الخاص بالجيش العراقي، وهذان الأمران غير متحققين أيضًا، وغير مُتصوّر تحققهما أخذًا من واقع ما يجري على الأرض.

6.  نص القانون وواقع (الحشد) على الأرض يدلان على أنه قوة رديفة للقوات المسلحة، ومن شروط هكذا قوة أن تكون سندًا للقوة الرئيسة فقط واحتياطًا لها، بينما واقع (الحشد) يقول بخلاف ذلك فهي قوة ذات عقيدة قتالية مختلفة تمامًا عن العقيدة المفترضة للقوات المسلحة، وكذلك تمتعها بقدرات أفضل من حيث التسليح والتجهيزات والمعدات.

7.  نص القانون على أن: ((يخضع هذا التشكيل للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي ما عدا شرط العمر والشهادة)). وهذا استثناء خطير جدًا وسابقة لم تعهدها المؤسسة العسكرية، وتخل إخلالًا كبيرًا بطبيعة عمل المؤسسات العسكرية القائم على تراتيب منضبطة من أبرزها اقتران التدرج العسكري فيها واستحقاقات الرتب العسكرية؛ بعاملي العمر والشهادة.

8.  نص القانون على أن: يتم تكييف منتسبي ومسؤولي وآمري هذا التشكيل وفق السياقات العسكرية من تراتبية ورواتب ومخصصات وعموم الحقوق والواجبات؛ تنفيذًا للأمر الديواني بشأن الحشد رقم (91) الصادر في 22/شباط/2016، الذي نص على أن ((يكون الحشد تشكيلًا عسكريًا مستقلًا وجزءًا من القوات المسلحة العراقية، ويرتبط بالقائد العالم للقوات المسلحة... وأن يتألف التشكيل من قيادة وهيئة أركان وألوية مقاتلة)). وهذا ما حصل في وقتها حيث أصدرت قيادة (الحشد) تعميمًا لكل تشكيلاته؛ لتحديد أسماء أمراء الألوية، وصدرت عدد من الأوامر الديوانية لعدد منهم؛ الأمر الذي سيفسح لأفراد الحشد من المدنيين أو العسكريين السابقين ولوج المؤسسة العسكرية واستلام مناصب الآمرية والقيادة فيها بدون إلمامٍ بأي دراسات عسكرية منهجية أو تخرجٍ من المعاهد والكليات المختصة، التي تتيح لهم التدرج في الترقيات وفق سياقات الترقية المعتادة في المؤسسات العسكرية. وفي هذا هدم لأساسيات البناء الصحيح والسليم للقوات المسلحة ومؤسساتها وتعريض أمن البلاد وأرواح المواطنين لأخطار كبيرة.

9.  يعطي القانون ميليشيا الحشد صفة رسمية وغطاءًا قانونيًا، يمكنه من التحرك خارج العراق تحت غطاء تشكيل حكومي رسمي تابع للقائد العام للقوات المسلحة، ويضفي عليه الحصانة اللازمة لمشاركته في أعمال قتالية خارج حدود العراق لخدمة أهداف لا تتفق بالضرورة مع مصالح العراق، كما هو حاصل الآن في سوريا على سبيل المثال لا الحصر، وكل ما يحتاجه (الحشد) حينها هو موافقات من الجهات المستفيدة من ذلك. ويشكل هذا الأمر خطورة كبيرة ليس على العراق فقط، وإنما على الدول العربية والاسلامية، فهو ليس شأنًا عراقيًا فحسب؛ حيث إن قوات (الحشد) هي قوات عقائدية تتصرف من وحي انتمائها المذهبي الطائفي، وليس من وحي انتمائها الوطني، وستحقق في العراق الحالة نفسها القائمة في لبنان، حيث تم تقويض الدولة اللبنانية لصالح (حزب الله)، الذي بات مسيطرًا على القرار فيها، بالذريعة نفسها التي يراد من أجلها شرعنة (الحشد).

10.  من شروط قانون الخدمة العسكري ألا يكون المنتسب محكومًا بجنحة أو جناية، وهذا ما لا يمكن توفيره في أفراد هذه الميليشيات ولا ضبطه؛ بسبب أن تشكيلها أساسًا قام على استيعاب أعداد كبيرة بدون التزام بأي ضوابط معينة توفي بهذه الشروط.

وخلاصة ما تقدم يمكن القول: إن (الحشد) أصبح بفضل هذا القانون تكوينًا عسكريًا عقائديًا يتمتع باستقلال تام عن القوات المسلحة، ويستفيد من كل إمكانات الدولة التسليحية وبقية أنواع الدعم المادي ليتحوّل إلى أداة ضاربة باسم القانون وبذريعة محاربة الإرهاب، وتسخير أغلب موارد البلد لهذا التكوين، وترك غالبية الشعب العراقي يعاني من الفقر والمرض وسوء الخدمات. 

وإن هذا القانون هو الرصاصة الأخيرة للإجهاز على المؤسسة العسكرية العراقية التي نخرتها الميليشيات منذ تأسيسها، ولاستبدال الأمن العسكري والوقائي بالأمن الميليشياوي؛ استعدادًا لمرحلة ما بعد معركة الموصل، واستهانة صارخة بعشرات التقارير الدولية التي وثّقت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها الميليشيات المكوّنة (لهذا الحشد) خلال العامين الماضيين، وهذه شرعنة صريحة تتجاوز السجل الإجرامي الحافل (للحشد)، وصفعة في جبين المجتمع الدولي – إن كان له جبين أصلًا - الذي يقبل بشرعنة ميليشيات إرهابية وتحوّلها إلى قوات نظامية تمارس الإرهاب بكل أشكاله وبحماية القانون.

  الأمانة العامة

27 صفر/1438هـ

27/11/2016م

وسوم: العدد 696