خيارات تركية أمام إعلان الحرب الأمريكية

زهير سالم*

الحروب لا تخاض بالخطابات ولا بالبيانات ..

يبدو أن الدولة التركية قد حوصرت أخيرا في المربع الذي تهربت من استحقاقاته طويلا ، مع أن هذه الاستحقاقات كانت لتكون أقل كلفة بكثير في الأعوام الأولى للحرب التي فرضت على المنطقة ، وظنها الكثيرون أنها مفروضة فقط على سورية وشعبها وثورته ..!!

ما آل إليه الوضع في تركية بعد اعتماد الرئيس الأمريكي ترامب سياسة سلفه بتسليح ميليشيات إرهابية متحالفة معها ، سيمتد ليشمل ، على المدى المنظور ، كل دول الشرق العربي . إن الذين لم يستمعوا جيدا إلى ( بدر قيس الخزعلي) وجيوشه وميليشاته المرخصة دوليا ، هم المريض الذي لا يريد أن يفتح نتائج تحليل المختبر خوفا مما قد يكون فيه .

بلا تجميل ولا تسويغ يمثل قرار الرئيس الأمريكي ترامب إعلان حرب بالوكالة على الدولة التركية . على الدولة التركية وليس على الرئيس أردوغان أو حكومة حزب العدالة والتنمية . هو إعلان حرب مفتوحة على تركية حاضرها ومستقبلها ووحدة أراضيها . 

إن الذين يظنون أن الحرائق تسير وفق الخطوط التي يرسمونها لها هم واهمون . وإن الذين لم يدرسوا تاريخهم القومي والوطني ، ولم يدركوا أن دولتهم الأم العظيمة ، إنما سقطت بفعل تلاعب الدول الغريبة بمكونات هذه الدولة من أرمن وبلغار ويونان ومن ثم من قوميين عرب أيضا ؛ لا بد أنهم مفرطون مضيعون ..

ست سنوات والكثيرون يتحدثون عن الحرب في سورية ، والحرب على سورية ، وعن الدمار في سورية . وصل إلى سورية كل أعداء المنطقة ، وأعداء عقيدتها وهويتها وثقافتها وإنسانها ، ولكنّ المتقاعسين ظلوا يتصرفون ، وما زالوا يتصرفون ، على أساس أن هذه الحرب إنما تعلن على سورية وإنسانها ، وليس على هويتها ولا على عقيدتها ..

ست سنوات ، كل النذر والمؤشرات تشير إلى إصرار دولي مبيّت على عزل دول الإقليم المستهدفة بهذه الحرب مع الشعب السوري . ست سنوات والشعب السوري الحر الأبي الذي كان رأس الرمح في هذه الحرب ، يستهدف من أعدائه بالتشويه ، والاتهام ، والتشويش على مطالبه العادلة ، ويحاصر من شركائه التاريخيين ، وشركائه بالاستهداف بتصديق قول الشانئين ، وبالمزيد من الإضعاف والخذلان ، فكم أطاعوا في هذا الشعب الحر الأبي قول دول العدوان؟! كم حرموه من سلاح يدفع به عن نفسه ، كم اتهموه أنه وأنه وأنه ..

واليوم حانت لحظة الحقيقة فهذه الولايات المتحدة تتحالف جهرة مع ميليشيات مصنفة على مستوى مجلس الأمن أنها إرهابية . ميليشيات تحمل مشروعا تفتيتيا لتركية كما لسورية على السواء . ميليشيات قتلت من الشعب التركي الشقيق على مدى العقود الماضية قريبا من خمسين ألف شهيد مدني بريء . ميليشيات لم تقنعها كل التقدمات الحقوقية المدنية والسياسية التي بذلتها الدولة التركية على طريق بناء مجتمع السواء المدني الموحد . 

الولايات المتحدة وهي الدولة البعيدة عن المنطقة جغرافيا وثقافيا وسياسيا تتخذ قرارها بتسليح أدوات القتل والتمزيق هؤلاء بعيدا عن رؤية دول المنطقة وقرارها ، وهو الأمر الذي ترددت هذه الدول في مثله طويلا – وما تزال – أمام الجيران وإخوة العقيدة والدم من الشعب السوري .

ولن يجدي أن تظل دول المنطقة واقفة بالباب الأمريكي ، وكأنه باب الله ، فالرئيس الأمريكي إنما استبق زيارة الرئيس أردوغان بقراره ، ليقول له إن موضوع اعتماد هذه الميليشيات محسوم ، وهو خارج جدول أعمال هذه الزيارة . واستباق الرئيس الأمريكي ترامب إلى إعلان قراره هذه ، وإعلان جنرالات البنتاغون أنهم مستعجلون في تنفيذه ؛ يثبت أن هذا القرار هو قرار الدولة الأمريكية وليس قرار الرئيس أو الإدارة الأمريكية . هو قرار الحكومة الدائمة في الولايات المتحدة ، مما يعني أنه قرار أمريكي استراتيجي مثله مثل قرار الولايات المتحدة التحالف مع الصهاينة أو التحالف مع الصفويين ، وهذا ما يجعل خطره أكبر ، والاستنفار للعمل على إسقاطه أوجب . 

ولن ينفع على طريق مقاومة هذا القرار ، أو مقاومة المشروع الذي يحمله هذا القرار ( تقسيم سورية وتركية ) ، التردد التقليدي بين الولايات المتحدة وبين الاتحاد الروسي ، كما حصل في أواخر العام المنصرم ، يوم تم التفريط والتضحية بالجميلة البهية حلب . أستانا لن تكون مخرجا ، ولن تكون ملجأ . وللتوضيح أكثر فيجب أن يحسم بوضوح أن هذه الميليشيات متحالفة مع الروس كما هي متحالفة مع الأمريكيين . محمية من الروس كما هي محمية من الأمريكيين . وفوق هذا وذاك هي معتمدة عند بشار الأسد معمدة من قبل الصهاينة المحتلين .

الروس والأمريكيون في منطقتنا يبحثون عن أدوات تحارب عنهم ولذا فإنه من القصور الكبير أن يظن البعض أن الروس والأمريكيين يمكن أن يحاربوا عنه ..!!

المعتدون فقط هم الذين يمشون إلى الحرب بإرادتهم وعلى أقدامهم ، أو بطائراتهم ومدرعاتهم كما مشى بشار الأسد في فتح النار على شعب اعزل ، وكما عدا على شعب سورية الروسي والصفوي من أتباع الولي الفقيه ..الشعوب الحرة لا تسعى إلى الحرب ولا تريدها ، ولكن خياراتها تنعدم بلا شك ، حين تُعلن هذه الحرب عليها ، وحين يسعى الأشرار لسلبها حريتها وكرامتها وهذا ما حصل منذ سنوات مع الشعب السوري ويحصل اليوم مع الدولة التركية بالقرار الأمريكي ، لمن يريد أن يقرأ أبعاده الحقيقية ..

كانت المعركة في سورية منذ اليوم الأول معركة المسلمين ومعركة العرب ، وكانت سورية خندق المواجهة الأول . ويومها كان يرد علينا الذين لا يعلمون كلما ذكرنا بهذا : وهل تريدهم أن يدخلوا حربا عنك وعن شعبك وعن دولتك وأن يهدروا مقدراتهم وأن يقعوا في فخ نصب لهم ؟!!!

واليوم وما زال في القوس منزع ، وما زال في خندق سورية الأول مجاهدون مقاومون صامدون يمتلكون إرادة القتال ...

يبقى خيار الدول المستهدفة بالحرب وبالعدوان وبميلشيات الولايات المتحدة الإرهابية أن تكف عن التردد ، وأن تحسم خياراتها بتبني قوى المقاومة بجدية ومصداقية وبعيدا عن القرار الروسي والقرار الأمريكي ؛ عليهم أن يفعلوا ذلك ليس دفاعا عن سورية وثورتها ووحدة أراضيها فقط بل دفاعا عن تركية ووحدة أراضيها ، ودفاعا عن كل الدول العربية وعن النظام العربي ، قبل أن يستدير بدر قيس الخزعلي ، وقبل أن يسبق سيف ترامب العذل..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 720