الصراع بين «حزب الله» والكيان الصهيوني بين الوهم والحقيقة

كانت «الرسالة المفتوحة للمستضعفين» التي أعلن فيها حزب الله اللبناني توجّهاته السياسية والفكرية عام 1985، بمثابة الوثيقة الأساسية الرسمية التي اعتبرها تحديدا لإطاره الأيديولوجي، وفيها دعا الحزب إلى تحرير فلسطين المُحتلة كاملة من النهر إلى البحر، وإزالة إسرائيل من الوجود.

لكن مضمون الوثيقة والواقع العملي لحزب الله تجاه إسرائيل، يختلفان جملة وتفصيلا، فبعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، أعلن حسن نصر الله في «بنت جبيل» أمام مئة ألف جنوبي، أن حزبه لن يشارك في أي عمل عسكري ضد إسرائيل من أجل تحرير فلسطين.وفي تفاهمات يوليو 1993، وأبريل 1996، تعهّد حزب الله بعدم ضرب أهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة ابتداء.

الأمر الذي يعني أن تحرير فلسطين والقضاء على الكيان الإسرائيلي خارج حسابات حزب الله، وليس كما أعلن في الوثيقة، وهو ما أكّد عليه من قبل، حسن روحاني الرئيس الإيراني الحالي والأمين العام لمجلس الأمن القومي سابقا، حيث قال:»حزب الله مقاومة تقتصر على الأراضي اللبنانية».

إنها التقيّة السياسية التي مارسها حزب الله بزعامة حسن نصر الله، الذي كان يلعب على عاطفة الشعوب الإسلامية، ومكانة القدس لدى المسلمين، تماما كما فعلت إيران التي صنعته في لبنان، وجعلت منه ذراعها العسكرية في المنطقة لتنفيذ أجندتها. لم يكن حسن نصر الله يوما مُستهدفا من قبل إسرائيل، التي لم تحاول اغتياله رغم معرفة تحركاته، فحزب الله بالنسبة إلى إسرائيل هو حارس الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، والقضاء عليه يعني أن تبقى هذه المنطقة رخوة، قابلة لاستقدام الجماعات الجهادية التي تبحث عن نقاط تماسّ مع العدو الإسرائيلي. حرب تموز 2006، لم تكن سوى أكذوبة روّج لها إعلام حزب الله على أنها انتصار ساحق على العدو الإسرائيلي، ولم تترتب عليها فائدة لصالح لبنان أو فلسطين، إنما كان المنتفع منها إسرائيل وإيران. فإسرائيل من خلال هذه الحرب سوّقت كعادتها للأخطار التي تتهددها وتحيق بها، ومن خلالها تتلقى الدعم وتُحقق المكاسب، وهذا شأن السياسة الإسرائيلية التي تستثمر التهديدات والمخاطر التي تهدد وجودها للحصول على الدعم الدولي، وهو ما صرّح به جوناثان غولدبرغ رئيس تحرير صحيفة «ذي فوروارد» العبرية، حيث قال: «إن وحدة الرأي العام اليهودي والأمريكي في دعمه إسرائيل ناجمة عن المحرقة، وعن فكرة أن إسرائيل من دون دعم تواجه خطر الموت». لقد ربحت إسرائيل من هذه الحرب حماية حدودها بقوات دولية «اليونيفيل»، وبذلك أغلقت الطريق وأمّنت حدودها ضد العمليات التي كانت تنفذها المقاومة الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي عن طريق لبنان.

أما إيران فهي أحد أبرز الأطراف الرابحة من حرب 2006، التي كانت حربا يخوضها حزب الله بالوكالة عن إيران، في ظرف كانت تُمارس فيه الضغوط الدولية والأمريكية على الملف النووي الإيراني، ومن ثمَّ كانت طهران بحاجة إلى استخدام ذراعها العسكرية في لبنان (حزب الله) لفك هذا الضغط عن الجمهورية الإيرانية.

متانة العلاقة بين حزب الله وإيران معلومة للجميع منذ نشأتها، وقادة الحزب لم يتوانوا في الانتساب لإيران وإظهار الولاء والانتماء والتبعية لها. فالناطق السابق لحزب الله إبراهيم الأمين يقول: «نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران».

وقال محمد حسين فضل الله المرشد الروحي لحزب الله: «إن علاقة قديمة مع قادة إيران الإسلامية بدأت قبل قيام الجمهورية الإسلامية، إنها علاقة صداقة وثقة متبادلة، ورأيي ينسجم مع الفكر الإيراني ويسير في سياسته نفسها». كما قال حسن نصر الله: «إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام، والدولة التي تناصر المسلمين والعرب. وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما إن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا». ويؤمن مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والإفريقية محمد صدر، على كلام نصر الله قائلا: «السيد حسن نصر الله يتمتع بشعبية واسعة في إيران كما تربطنا به علاقات ممتازة».

بعد أن كف حسن نصر الله وحزبه الجعجعة ضد إسرائيل – نظرا لأنه يتحرك في فَلَك السياسة الخارجية الإيرانية – بدأ قناعه بالتشقق، وأدركت الجماهير المؤيدة للحزب وزعيمه، أن تلك الحرب كانت تنفيذا لأجندات خاصة.

وزال القناع كلية عن وجه نصر الله وحزبه، بعد اندلاع الثورة السورية، وتوجه كتائب الحزب إلى سوريا لقمع الثوار والحفاظ على الحليف السوري. فالحزب يلعب دورا محوريا في الصراع الدائر في سوريا، ويعمل على تماسك نظام الأسد أمام كتائب الثوار. تدخُّل حزب الله في سوريا عسكريا يُعد خروجا صريحا عن السياق الوطني في لبنان، فكيف لحزب أن يتناول ملفا خارجيا بهذا الحجم دون الرجوع إلى الحكومة اللبنانية؟ السبب في الأساس أن لبنان قام على ركيزة تجميع الطوائف بدلا من انصهارها، فرَعَتْ الدولة المؤسسات الطائفية التي توسعت في أنشطتها إلى حد مخيف، وأعني حزب الله.

وكالعادة مارس نصر الله كذبه المعهود، حين ادّعى أن تدخّل الحزب في سوريا لمواجهة التكفيريين الإرهابيين، وحماية العمق اللبناني.

لقد كشف نصر الله عن طائفيته المقيتة، وأن معركته ليست مع الكيان الصهيوني، وإنما يخوضها ضد أهل السنة، عندما دعاهم إلى التقاتل معه على الأرض السورية تحت عنوان: «دعونا نتقاتل هناك ونُحيِّد لبنان، وهي بلا شك دعوة تُعتبر اعتداء على سيادة دولته».

أما الاقتحامات المتتابعة للمسجد الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة، فالسيد نصر الله في شُغُل عظيم عنها. وأختتم هنا بتصريح لضابط استخبارات إسرائيلي لصحيفة «معاريف» في سبتمبر 1997 قال فيه: العلاقة بين إسرائيل والسكان اللبنانيين الشيعة غير مشروطة بوجود المنطقة الأمنية، ولذلك قامت إسرائيل برعاية العناصر الشيعية، وخلقت معهم نوعا من التفاهم للقضاء على التواجد الفلسطيني، الذي هو امتداد للدعم الداخلي لحركتي حماس والجهاد.

وسوم: العدد 728