إني لأشمت بالجبار

بدوي الجبل

إني لأشمت بالجبار  

للشاعر الكبير: بدوي الجبل

يا سَامِرَ الحَيَّ هَـلْ تَعنيـكَ شَكوانـا    رَقَّ الحَديـدُ ومـا رَقُّـوا لبَلوانـا

خَـلِّ العِتابَ دُمـوعاً لا غَنـاءَ بهـا    وعاتِـبِ القَـومَ أشـلاءً ونيرانـا

آمنتُ بالحِقـدِ يُذْكِي مِـنْ عَزائمِنـا    وأبْعَـدَ اللهُ إشـفاقـاً وتَحْنـانــا

ويلَ الشُعوبِ التي لَمْ تَسْقِ من دَمِهـا    ثاراتِها الحُمْـرَ أحقـاداً وأضغانـا

تَـرَنَّحَ الـسَوطُ في يُمنـى مُعَذِّبهـا    رَيَّانَ من دَمِها المَسفـوحِ سَكرانـا

تُغضِي علـى الذُلِّ غُفرانـاً لظالِمها    تـأنَّقَ الـذُلُّ حتى صـارَ غفرانـا

ثـاراتُ يَعْرُبَ ظَمأى في مَراقِدِهـا    تَجـاوزتهـا سُقـاةُ الحَـيِّ نِسيانـا

ألا دَمٌ يَتَنــزَّى فــي سُــلافَتِها    أستغفِرُ الثـأرَ بـلْ جَفَّـت حُميّانـا

لا خـالدُ الفَتحِ يَغزو الرُومَ منتصـراً    ولا المُثنّـى علـى رايـاتِ شَيْبانـا

أمـّا الشآمُ فلمْ تُبْقِ الخُطـوبُ بهــا    رَوحـاً أحـبَّ منَ النَُعمى وَرَيحانا

ألـمَّ والـليلُ قـد أرخَـى ذَوائِبَــهُ    طَيفٌ مـنَ الشَـامِ حيّانـا فأحْيَانـا

حَنـا علينـا ظِمـاءً فــي مناهِلِنـا    فأتـرعَ الكأسَ بالذكرى وعاطانـا

تُنضِّـرُ الـوردَ والرَيحـانَ أدمعُنـا    وتَسكُبُ العِطـرَ والصَهباءَ نَجوانـا

السامِرُ الحلوُ قـدْ مـرَّ الزمـانُ بـهِ    فمـزَّقَ الشَمـلَ سُمَّـاراً ونُدمانـا

قدْ هانَ من عهدِها ما كنـتُ أحسَبُـهُ    هَـوى الأحبًّـةِ في بغـدادَ لا هَانـا

فمَـنْ رأى بنتَ مروانَ انحنتْ تَعَبـاً    من السَلاسِـلِ يَرحَـمْ بنتَ مَروانـا

أحنـو على جُرحِها الدامِي وأمسحُـهُ    عِطـراً تَطيـبُ بهِ الدنيـا وإيمانـا

أزكى منَ الطِيـبِ رَيحانـاً وغاليـةً    ما سـالَ منْ دَمِ قتلانـا وجَرحانـا

هلْ في الشآمِ وهلْ في القُـدسِ والـدةٌ    لا تشتكـي الثُكـل إعْـوالاً وإرنانا

تلكَ القُبـورُ فَلَـو أنّـي ألِـمُّ بهــا    لـمْ تَعدُ عَينـايَ أحبابـاً وإخوانـا

يُعطي الشَهيدُ فـلا واللهِ ما شَهـدَتْ    عَيني كإحسـانِهِ في القَـومِ إحسانـا

وغايـة الجـود أن يسقي الثرى دمه    عنـدَ الكفـاحِ ويَلقـى اللهَ ظمآنـا

والحـقُّ والسيفُ من طَبعٍ ومن نَسَبٍ    كلاهُمـا يتلقَّى الخَطـبَ عُريانــا

*  *  *

قُلْ للأُلى استعبُـدوا الدُنيـا لسيفهـمُ    مَنْ قسَّـمَ النـاسَ أحراراً وعُبْدانـا

إنّي لأشمَـتُ بالجبّـارِ يَصرعُــهُ    طـاغٍ ويُرهقُـهُ ظُلمـاً وطُغيانــا

لعلّـه تبعـثُ الأحـزانُ رحمتَــهُ    فيُصبـحُ الوحشُ في بُردَيْهِ إنسانـا

والحُـزنُ في النّفْـسِ نبعٌ لا يمرُّ بهِ    صـادٍ منَ النفـسِ إلا عادَ رَيّانـا

والخيرُ في الكونِ لو عَرَّيتَ جوهرهُ    رأيتَــهُ أدمعـاً حَرّى وأحزانــا

سمعتُ باريسَ تشكُو زَهـوَ فاتِحهـا    هلاً تذكرتِ يـا باريـسُ شكوانـا

والخيـلُ في المسجدِ المحزونِ جائلةٌ    على المصلّيـنَ أشياخـاً وفتيانـا

والآمنيـنَ أفاقوا والقصـورُ لَظَـىً    تَهـوي بهـا النارُ بُنيانـاً فبُنيانـا

رَمى بها الظالمُ الطاغـي مُجلجلـةً    كالعارضِ الجَونِ تَهـداراً وتَهتانـا

أفدي المخـدَّرةَ الحسنـاءَ رَوَّعَهـا    منَ الكـرى قَـدَرٌ يشتـدُّ عَجلانـا

تَدورُ في القصرِ عَجلى وهيَ باكيـةٌ    وتَسحبُ الطيـبَ أذيـالاً وأردانـا

تُجيـلُ والنـومُ ظِلٌّ في مَحاجرهـا    طَرفـاً تُهدهـدُهُ الأحـلامُ وسنانا

فلا تَـرى غيـرَ أنقـاضٍ مُبعثـرةٍ    هَويـنَ فنـاً وتاريخـاً وأزمانـا

تلكَ الفضائِحُ قـد سميتهـا ظَفَـراً    هَـلا تكافأ يـومَ الـرَوعِ سَيفانـا

نُجابهُ الظُلمَ سكرانَ الظُبـى أشِـراً    ولا سـلاحَ لنــا إلا سَجايـانـا

إذا انفجرتِ مِـنَ العُـدوانِ باكيـةً    لطالمـا سُمتِنـا بَغيــاً وعُدوانـا

عِشرينَ عاماً شَربنا الكأسَ مُترعـةً    من الأذى فتَمَلّـيْ صِـرفَها الآنـا

ما للطواغيت في باريسَ قدْ مُسِـخوا    على الأرائـكِ خُدّامـاً وأعوانـا

اللهُ أكبــرُ هـذا الكـونُ أجمَعُـهُ    للهِ لا لـكِ تَدبيـراً وسُلطـانــا

ضَغِينـةٌ تتنـزّى فـي جَوانِحِنــا    ما كـان أغناكـمُ عنهـا وأغنانـا

*   *   *

تَفدي الشُموسُ بضَاحٍ من مشارقِهـا    هـلالَ شعبـانَ إذْ حيّـا بشعبانـا

دوّتْ بهِ الصرخةُ الزهراءُ فانتفضـتْ    رمـالُ مكـةَ أنجـاداً وكُثبـانـا

وسـالَ أبطَحُهـا بـالخيـلِ آبيــةً    على الشَكيـمِ تُريـدُ الأُفـقَ مَيدانا

وبالكتـائـبِ مـن فهـرٍ مُقنّعــةً    تُضاحكُ الشمـسَ هِنديّـاً ومُرّانـا

تَملْمَـلَ الفاتحونَ الصيدُ وازدلفُــوا    إلى السيـوفِ زُرافـاتٍ ووْحدانـا

وللجيــادِ صهيـلٌ في شَكائِمهـا    تكـادُ تَشـربُهُ الصحـراءُ ألحانـا

ألسـابِقـاتُ ومـا أَرخَوا أعِنتَّهــا    والحامـلاتُ المَنايـا الحُمرَ فُرسانا

سِفرٌ مـن المجدِ راحَ الدهرُ يكتُبُـهُ    ولا يَضيـقُ بـهِ جَهْـراً وإمعانـا

قرأتُ فيه الملـوكَ الصيدَ حاشيــةً    والهـاشـميينَ طُغـراءً وعُنوانـا

شَـدَّ الحُسـينُ على الطغيانِ مُقتحماً    فـزلـزلَ اللهُ للطغيـانِ بُنيانــا

نـورُ النبـوّةِ فـي مَيمونِ غُرَّتِــهِ    تكـادُ تَرشفُـهُ الأجفـانُ فُرقانـا

لاثَ العِمامـةَ للجُلَّـى ولسـتُ أرى    إلا العمائـمَ في الإسـلامِ تيجانـا

ياصاحب النصرِ في الهيجاءِ كيف غدا    نصـرُ المعاركِ عندَ السِلمِ خِذلانا

ترى السياسـةَ لونـاً واحـداً ويَرى    لهـا حليفُـكَ أشكـالاً وألوانــا

لا تسـألِ القَـومَ أيمانـاً مُزوّقــةً    فقـدْ عَيينـا بهـمُ عَهداً وأيمانـا

أكرمتُ عـن عَتـبٍ هَمَمْـتُ بــهِ    لو شـئتُ أوسعتُـهُ جَهراً وتبيانا

*  *  *

مـا للسفينـةِ لم تَرفـعْ مَراسيهــا    ألمْ تُهيّـئ لهـا الأقـدارُ رُبّانـا

شُقّـي العَواصِـفَ والظَلماءَ جاريةً    باسـمِ الجزيرةِ مَجرانا ومُرسانـا

ضُمّي الأعاريبَ من بَدو ومن حضَرٍ    إنـي لألمـحُ خلفَ الغيمِ طُوفانـا

يا مـن يُـدِلُّ علينـا فـي كتائبـهِ    نظارِ تطلعْ على الدنيـا سَرايانـا