العميان والفيل

حماد صبح

ألف ستة عميان الوقوف جنب الطريق ، واستنداء أكف العابرين ، وغالبا ما سمعوا عن الفيلة دون أن يروا أي فيل ، وكيف يرونه وهم عميان ؟! وحدث صبيحة يوم أن مر فيل من الطريق الذي يقفون جانبه . ولما علموا أنه  صار أمامهم سألوا سائق العربة التي يسحبها أن يوقفه ليروه ! وبديهي أنه لا قدرة لهم على رؤيته بعيونهم ، فقدروا أنهم يستطيعون معرفة جنسه من مسه بأيديهم . فوضع أولهم يده على خاصرته ، وقال : " حسن ، حسن . أعلم الآن كل شيء عن هذا الحيوان . يشبه الحائط تماما " . ومس ثانيهم نابه ، وقال : " مخطىء يا أخي ! لا يشبه الحائط البتة ، فهو مستدير وأملس وحاد . أشبه ما يكون بالرمح " . وأمسك ثالثهم بخرطومه ، وقال : " كلاكما مخطىء . كل من يعرف ولو شيئا واحدا يعي أن هذا الحيوان يشبه الأفعى " . ومد رابعهم يديه ، وأمسك بإحدى قوائم الفيل ، وقال : " يا لكم من عميان ! واضح أنه مستدير وطويل مثل شجرة " . وكان خامسهم فارع القامة ، وحدث أنه أمسك بأذن الفيل ، فقال : " أشد الخلق عمى يعلم أن هذا الحيوان لا يشبه أيا مما قلتم . يشبه تماما مروحة كبيرة " . وكان سادسهم كامل العمى ، فانقضى وقت حتى اهتدى إلى الفيل ، فأمسك بذيله وهتف : " يا حمقى ! فقدتم حواسكم تماما . الفيل لا يشبه حائطا أو رمحا أو افعى أو شجرة ، وأكيد لا يشبه مروحة ، وأي إنسان لديه ذرة عقل يعي أنه يشبه الحبل كل الشبه " .

وعندها تحرك الفيل قدما ، واستأنف العميان الستة الجلوس جنب الطريق ، والشجار في شأنه . وكل أعمى يزعم أنه عرف ماذا  يشبه الفيل ، ويسب الآخرين ؛ لأنهم لا يوافقونه رأيه . أحيانا يتصرف أصحاب العيون الصحيحة بذات الحماقة .

*الكاتب الأميركي جيمس بالدوين ( 1924 _ 1987 ) .

وسوم: العدد 837