القنفذ وابن آوى

حماد صبح

شارك القنفذ ابن آوى في زراعة أرض ، وحدث أن نزل فيها بعض البدو  ، وحين زارها الاثنان ألفيا معيز أولئك البدو ترعى غلالها مع ما ترعى من عشبها ،

فقالا للبدو الغرباء : يا أصدقاءنا الأعزاء ! أخطأتم في حقنا . اقلعوا خيامكم من حقولنا ، هداكم الله سبيل الرشاد !

فأجاب البدو : لن نرحل منها .

فتعاظم هم الشريكين ، وقال ابن آوى يوما للقنفذ : لنقترع ! والفائز يركب ظهر الآخر ، وبعدها نغير على معيز هؤلاء البدو!

فرد القنفذ :  توكل على الله !

واقترعا على قشة قصيرة ، ووقعت القرعة على القنفذ ، فتعين أن يكون مطية لابن آوى ، وبادر هذا وحط السرج على ظهره إلا أنه ما درى كيف يركب لملامسته للأرض ،

فقال القنفذ : كيف تريد أن تركبني  ؟! أنا صغير جدا ، قصير جدا ، ينبغي حط السرج على ظهرك ، أنت كبير وطويل .

فقال ابن آوى : حطه فوقي إن كانت هذه رغبتك !

ولاءمت قامة ابن آوى السرج ، وحط القنفذ قدمه فيه  ، وهتف : أجيد استعمال المهماز !

وأمسك بالزمام ، ووثب فوق ظهر ابن آوى ، واندفعا للإغارة على معيز البدو الراتعة في حقولهما  . ورفع البدو أبصارهم ، وشاهدوا القنفذ فارجا ساقيه فوق ابن آوى ، فأهابوا بكلابهم السلوقية ، فاندفعت عادية نحو ابن آوى والقنفذ ، فريع ابن آوى ، وقال للقنفذ :

يا عم ماندا ! أتوسل إليك أن ترخي زمامي لأهرب بسرعة ، أحس بأن الكلاب تنقض علي .

فشد القنفذ الزمام بقوة مضاعفة ، وقال : اهدأ ! لن ينقضي اليوم بدونك .

وعلى هذه الحال تابعا سبيلهما ، وبلغا نهرا ، فعبره ابن آوى ، ووقع القنفذ على الضفة ، وسارع بالتواري أسفل روث بقرة ، وابتعد ابن آوى عن مرمى البصر . وكان البدو حينئذ يحتفلون في مخيمهم بعرس ، وعثرت النسوة اللاتي مضين للم الحطب على القنفذ لابدا أسفل الروث ، فالتقطته عجوز قائلة : يا عدونا اللدود ! جاء بك الله !

ثم إنها تركته ، هي أيضا تريد أخذ نصيبها من وليمة العرس ، وخلفت سلوقيا لمراقبته حتى تؤوب إلى المكان ثانية ، فأقعى أمام  القنفذ ، وسمعه يقول : أصابتك لعنة الله أنت أيضا يا تعس ؟! شبع إخوانك عظما وكسكسيا وأنت مُقعٍ تراقبني ! خذني معك لآكل من نقانق العيد الكبير ! انظر ماذا تراقب ؟ تراقب شوكا .

وبعد ما قال ذلك أشرع أشواكه الواخزات ، فقام الكلب وذهب ليقول للعجوز : تعالي وابحثي  عن غيري ليراقب لك لفيفة الشوك !

أنا  أيضا أريد أن آخذ نصيبي من وليمة العيد .

فرجعت إلى القنفذ الذي أخذ يبكي حين رآها ، فاستفهمت : ما يبكيك يا ماند ؟

فقال : أخشى أن تضعيني في إبريق ، وتعلقيني في مكان مرتفع لقتلي والتخلص مني .

قالت : وحياة أمك يا تافه إن هذا ما سأفعله بك  .

ووضعته في إبريق ، وعلقته في عمود الخيمة ، فأكل حتى شبع ، ولما رجعت لرؤيته ألفت قوائمه مشرعة في الهواء ، فخالته مات ، وبسطت ثوبا باليا انطرحت فوقه ونامت ، فقام وقطع حبله وهرب .

*موقع " قصص وأساطير قصيرة " الفرنسي .

وسوم: العدد 849