واشنطن بوست: إدلب قد تكون أكبر مآسي الحرب الأهلية السورية.. وهذه مآسٍ أخرى

واشنطن بوست

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا لمريام بيرغر، عن الأوضاع الإنسانية في محافظة إدلب، مشيرة إلى أنها قد تكون أسوأ كارثة إنسانية في الحرب الأهلية الطاحنة في سوريا منذ تسعة أعوام تقريبا.

وقالت إن محافظة إدلب شهدت رحيل 250 ألفاً في أسبوعين فقط، في الوقت الذي تدفع فيه قوات نظام بشار الأسد المدعومة من القوات الروسية نحو هجوم شامل على المنطقة الأخيرة التي تسيطر عليها قوات المعارضة و”هذه مأساة المآسي” لأن الكثير من السوريين قتلوا وجرحوا وشردوا واختفوا، مما يجعل من الصعوبة بمكان متابعة الوقت والجدول الزمني للأحداث. ومن هنا تحدثت الكاتبة عن خمس أزمات إنسانية أخرى مرت على سوريا منذ الحرب عام 2011.

محافظة إدلب يعيش فيها 3 مليون نسمة، والمنطقة الوحيدة التي ظلت تحت سيطرة المعارضة، وهي هيئة تحرير الشام التي تقسم بالولاء لتنظيم القاعدة. وأدى القصف الجوي والمدفعي السوري- الروسي إلى دفع آلاف من السكان للهروب فيما يصفها عمال الإغاثة بأنها أسوأ كارثة إنسانية في الحرب الأهلية السورية.

ويبحث السكان بيأس عن الطعام والمأوى والدواء. وتقوم القوات التابعة لنظام الأسد بقصف المحافظة منذ عدة أشهر، مما أدى إلى تشريد أكثر من نصف مليون نسمة، معظمهم يعاني من تشريده الثاني بعد خروجه من بلدته أو مدينته في مناطق أخرى من سوريا، وسيطر النظام على عدة قرى محيطة بمدينة إدلب، وعينه الآن مركزة على الطريق المار قرب معرة النعمان، جنوب إدلب وهي من كبرى التجمعات السكانية في المحافظة.

ودفع القصف الجوي والبري آلافا من سكان البلدة والبلدات الأخرى على الفرار باتجاه الحدود مع تركيا والتي تدعم مجموعات مسلحة وتستقبل نفسها 4 ملايين لاجئ سوري. ونقلت عن الطبيب شاكر الحميدو من معرة النعمان: “أقسم بالله أن الناس ينامون في العراء تحت الأشجار ودرجات الحرارة في الليل تصل للصفر” و”أنا مصدوم من حجم المأساة”.

وتجري عمليات التشريد في الشتاء الذي يعتبر من المواسم الباردة ولا يتمكن السكان من الحصول على الوقود الذي زادت أسعاره بشكل كبير. وزادت أسعار المواد الغذائية الأخرى مما جعل من الصعوبة على المشردين الحصول على ما يقيت أولادهم. أما المستشفيات والعيادات العامة فهي تكافح لتشغيل ما بقي لديها من معدات وعلاج المرضى.

الغوطة الشرقية

قبل خمسة أعوام، حاصرت قوات النظام الغوطة الشرقية، القريبة من العاصمة دمشق. وقبل الحرب كانت الغوطة تعد سلة غذاء العاصمة. وفي نيسان/ أبريل 2018، سيطرت قوات الأسد عليها بعد حصار طويل مات فيه الناس من الجوع ووصفه تقرير للأمم المتحدة بأنه “شكل بربري من الحرب”.

وتشير بيرغر إلى وضعية الغوطة التي كانت من المناطق التي شاركت في الثورة السلمية ضد الأسد. ومع مرور الوقت بدأت فيه الثورة تتجه نحو العسكرة وسيطرت القوات المعارضة عليها عام 2012. وساهمت دول المنطقة في مساعدة المقاتلين المعارضين لحماية مصالحها، وسيطرت القوى المتطرفة على طرفي النزاع في الحرب، مما زاد من معاناة السكان، وكان رد الفعل الدولي هو الصمت.

وفي عام 2013 فرض الأسد حصارا على الغوطة. وفي البداية استطاع السكان من خلال شراء المواد المهربة والاعتماد على توفيرها وما لديهم من مواد مخزنة. فيما قام المقاتلون بشن هجمات صاروخية ضد العاصمة. ومع مضي الوقت بدأت الحياة تضيق على أكثر من 400 ألف مواطن.

وفي أثناء هذا، تم التوصل لعدد من الاتفاقيات التي سمحت بوصول بعض المساعدات الإنسانية. ثم قرر النظام في عام 2017 شن هجوم استطاع السيطرة على مناطق استراتيجية في الغوطة، وأغلق مناطق التهريب. وبحلول تشرين الأول/ أكتوبر من ذلك العام أغلق آخر معبر للتهريب من دوما مما خنق المنطقة.

وقال ليلى بكرى (26 عاما) من الغوطة في تصريح للصحيفة من ذلك العام: “في الأيام الأولى كنا نستطيع تناول الحلوى وأعد ابنتي بقطعة منه لو تصرفت بطريقة جيدة” و”اليوم عندما تطلب أعطيها قطعة من الذرة”.

وفي ربيع 2018 تكثف القصف وقتل أعدادا كبيرة من السكان. وقال عمال الإغاثة إن عددا منهم قُتل في هجمات كيماوية، التي ينفيها نظام الأسد. وفي الوقت نفسه أصيب المجتمع الدولي بالشلل ولم يرد. ومع سيطرة قوات الأسد على الغوطة، كانت قواته قد فرضت “أكبر حصار في التاريخ الحديث وقامت بطريقة تدريجية بتركيع المقاتلين والسكان على حد سواء”، حسب تقرير للأمم المتحدة عام 2018. وكشف التقرير أن القوات التابعة للنظام والمجموعات المسلحة ارتكبت جرائم حرب واتهم الأسد بالتجويع المقصود وحصار 265 ألفاً من المدنيين.

الرقة

كان يسكن في الرقة الواقعة على الجانب الشمالي- الشرقي لنهر الفرات 400 ألف نسمة. وتعرف اليوم بالعاصمة السابقة لتنظيم “الدولة” الذي سيطر عليها من عام 2014- 2017 وفرض عليها نظامه المتشدد. وأدت المعركة التي خاضتها الولايات المتحدة والجماعات التابعة لها إلى تشريد 270 ألف شخص، وقتل 1600 بناء على تقرير لمنظمة أمنستي إنترناشونال في لندن. وتركت سنوات الحصار والحرب الدموية التي تبعت ذلك أثرها على الأطفال الذين نجوا من الحرب، ولكنهم خسروا طفولتهم كما قال طبيب في منظمة اليونيسيف في حينه.

الزبداني ومضايا

بلدتان واقعتان قرب العاصمة وكانتا في الماضي مناطق للسياحة قريبة من لبنان. وتعرضتا في الفترة ما بين 2015- 2017 لحصار قوات الأسد ومقاتلي حزب الله اللبناني. وبحلول عام 2016 أصبح سكان البلدتين هياكل عظمية من الجوع، فيما مات بعضهم من الجوع. وانتشرت صور المدنيين الذين لم يبق عليهم سوى العظام في الإعلام الدولي. إلا أن المفاوضات بين الجماعات الإنسانية والحكومة السورية أدت لتأخير وصول المساعدات للمحتاجين. وبالنسبة للناشطين فقد أصبحت مضايا رمزا لعبث الإغاثة الإنسانية التي تخلت عن المدنيين الذين وجدوا أنفسهم عالقين في فوضى الحرب. وفي عام 2017 تم نقل المدنيين والمقاتلين في البلدتين إلى إدلب في صفقة مع حكومة دمشق.

حلب

كانت حلب أكبر مدينة في سوريا، أما اليوم فهي مدينة أشباح تلاحقها صور الحرب وظلت مقسمة لمدة أربعة أعوام، حيث وقع القسم الغربي تحت سيطرة النظام، أما الشرقي فوقع تحت سيطرة المعارضة. وترتبط المعركة على حلب بالبراميل المتفجرة التي استخدمها الأسد وحلفاؤه مع القصف الروسي المنظم الذي قتل مئات من المقاتلين والمدنيين واستهدف أيضا المستشفيات. وتقدمت قوات النظام السوري شيئا فشيئا، فيما تمت استعادة مناطق أخرى من سوريا عبر صفقات مع المقاتلين. ووصف منير الحكيمي، الطبيب في جماعة إغاثة سورية حالة من بقي في حلب الشرفية بأنهم “كانوا مصدومين. وكانوا مجهدين عندما ركبوا الحافلات ورأيت عظام بعضهم بارزة بسبب عدم توفر العلاج الطبي لهم لأسابيع، وكان الجميع يعرفون أن الوضع سيء. وفي ذلك اليوم رأينا سكان حلب الأحياء الموتى”.

حمص

حدث حصار وقصف حي بابا عمرو في حمص عام 2012 والذي أثار قلق الصحافية ماري غولفين، التي قررت أن تكون هناك رغم المخاطر. وفي ذلك الوقت أدى هجوم قوات النظام على الحي إلى مقتل  عدد من سكانه بالإضافة لماري غولفين والمصور الفرنسي رينيه أوشليك. وقبل ساعات من مقتلها عن عمر يناهز 56 عاما، تحدثت غولفين مع برامج بريطانية وأمريكية ووصفت التجربة الفظيعة وهي تراقب طفلا سوريا عمره عامان وهو يموت. وعرفت حمص بعاصمة الثورة. ولم يستطع النظام السيطرة عليها إلا عام 2015 وأخرج من بقي من المسلحين والمدنيين المذعورين.

وسوم: العدد 857