هكذا تتحول بنسودا إلى زانية و”الجنائية” إلى محكمة منتهية الصلاحية في نظر إسرائيل وأمريكا

جدعون ليفي

ثمة معسكر كبير في إسرائيل، نصف الدولة تقريباً، مصدوم من حملة التشهير التي يديرها المعسكر الآخر ضد جهاز إنفاذ القانون. كل هجوم على المحكمة وعلى المدعية العامة اعتبر في نظر هذا المعسكر تهديداً للديمقراطية. المحكمة مقدسة في نظرهم وكل انتقاد لها سينزل كارثة. هم أبناء النور، مثلما وصفهم دان مرغليت في حينه، مقابل أبناء الظلام، من يدمرون القانون. المشاعر الليبرالية والديمقراطية تدعو إلى تأييدهم. هم المتنورون، لكن حان وقت اختبارهم الآن.

محكمة الجنايات الدولية في لاهاي يمكن أن تقرر هذا الأسبوع ما إذا كان يجب فتح تحقيق ضد إسرائيل وحماس بتهمة ارتكاب جرائم حرب. تتركز الاتهامات ضد إسرائيل في عملية “الجرف الصامد” والاستيطان وإطلاق النار على المتظاهرين قرب الجدار في قطاع غزة. والمدعية العامة باتو بنسودا قالت في السابق بأن هناك أساساً لإجراء تحقيق. عملية الانتقام لن تتأخر في القدوم. إسرائيل وأمريكا ترامب أعلنتا الحرب على المحكمة وعلى المدعية العامة. كل الوسائل محللة في هذه الحرب، من التشهير بالمدعية العامة، ونشر تلميحات عن ماضيها، وحتى التهديد بعقوبات شخصية شديدة على القضاة والمدعين العامين والمحققين.

القاضي ابن زانية وكذلك بنسودا. إسرائيل وأمريكا سيريانهما ما لم يرياه. طالما اكتفت المحكمة بأن تحاكم مستبدين وجنرالات أفارقة فإن قائدتي العالم الحر، الولايات المتحدة وإسرائيل، أيدتاها، ولكن عندما تجرأت على العمل ضدهما فإن الولايات المتحدة، بتشجيع من إسرائيل، شنت حرباً قذرة ضد المحكمة.

الاتهامات ضد إسرائيل شديدة، وهي ثابتة بدرجة لا مثيل لها. إسرائيل تعرف ذلك أفضل من بنسودا. لذلك، شنت حرباً ضد المحكمة وتحرض أمريكا عليها. وهي نفسها تركز حربها في مسألة صلاحية المحكمة في مناقشة الاتهامات ضدها. ومواضيع الإجراءات هي دائماً ملاذ الشرير. الأمر لا يحتاج إلى أن تكون قاضياً دولياً مشهوراً في لاهاي لمعرفة أن “يوم الجمعة الأسود” في رفح، الذي قتل فيه الجيش الإسرائيلي أكثر من 100 شخص معظمهم من المدنيين، كان جريمة حرب بإحدى عمليات “الجرف الصامد”. ولا يوجد أي قاض مشهور سيقول بأن نقل مئات آلاف السكان إلى المناطق المحتلة هو خرق فاضح للقانون الدولي. لا يوجد رجل قانون يخطر بباله أن قتل أكثر من 200 متظاهر وإصابة 8 آلاف تقريباً (لا أحد منهم مسلح أو يعرض حياة أحد للخطر، قرب الجدار في غزة الذي يسجن غزة) لم يكن عملاً إجرامياً.

شهادات قناصة الجيش الإسرائيلي التي عرضها هيلو غلزار (“هآرتس”، 4/3) لم تترك أي مجال للشك؛ على الإسرائيليين الأمل بألا تكون “لاهاي” قد قرأت هذه الشهادات.

إسرائيل والولايات المتحدة تفعلان الآن مثلما يفعل بنيامين نتنياهو ومؤيدوه ضد جهاز القضاء في إسرائيل. يشوهون مكانة المحكمة في لاهاي ويتهمونها بالتحيز السياسي. تخيلوا ما كان سيحدث لو كان نتنياهو يهدد بوقف راتب وحرية قضاته ومدعيه العامين مثلما تهدد الولايات المتحدة بتوجيه من إسرائيل.

كل ذلك كان يمكن تجنبه لو كان في إسرائيل جهاز قضاء حقيقي، وليس كاريكاتوراً عسكرياً، من أجل تقديم مجرمي الحرب للمحاكمة. عندما يتم إخفاء الأفلام القصيرة حول إعدام شخص معوق وعاجز، خلال شهر، ويعدمون أشخاصاً يتجولون بحرية ويعرف الجميع بأنهم لم يلحقوا بهم أي ضرر، فإن كل من يحب القانون يجب أن تشخص عيناه نحو “لاهاي”، ربما سيتم تحقيق العدالة هناك. أبناء النور كان يجب أن يكونوا هم الذين يقودون هذا النضال، ويدافعون عن المحكمة في لاهاي، بالضبط مثلما يدافعون عن المحكمة هنا، لكنهم لا يفعلون ذلك.

وسوم: العدد 883