قدوم الملك

حماد صبح

كان بعض الصبية يلعبون في ملعبهم الخاص حين دخل المدينة بشير فوق جواد ينفخ بوقا ويهتف عالي الصوت : " الملك ! الملك سيمر من هذا الطريق اليوم ! تجهزوا لاستقبال الملك ! " ، فتوقف الصبية عن لعبهم ، ونظروا إلى بعضهم بعضا ، وقالوا : " أسمعتم هذا ؟! الملك قادم ! قد يطل من فوق السور ويرى ملعبنا . من يدري ؟! يجب أن نرتبه . ". كان الملعب في حال محزنة من القذارة ، تتناثر في زواياه قصاصات الورق ، واللعب المكسورة ؛ لأن أولئك الصبية كانوا مسرفين إهمالا . وأما الآن ، فأحضر أحدهم معولا ، وأحضر آخر مشاطة ، وركض ثالث لإحضار عربة يد من داخل الحديقة ، وطفقوا يعملون جاهدين حتى صار كل شيء نظيفا نسيقا . قالوا :" صار الآن نظيفا ! إلا أننا يجب أن نجمله ؛ لأن الملوك معتادون على الأشياء الجميلة ، وربما لا ينتبه الملك إلى نظافة ملعبنا لكونه يرى دائما النظافة حوله . " . فأحضر أحدهم أعواد أسَل جميلة ونثرها على أرض الملعب ، وصنع آخرون باقات من ورق السنديان وشُرابات الصنوبر وعلقوها على السور ، وانتزع أصغرهم براعم من نبتة القطيفة ونثرها في أرجاء الملعب ، وقال : " حتى تبدو مثل الذهب . " . ولما تم كل ذلك صار الملعب آية في الجمال ، فوقفوا ونظروا إليه ، وصفقوا مبتهجين ، وقال أحدهم : " لنحفظه دائما هكذا ! " ، فهتف الجميع : " نعم ! نعم ! هذا ما سنفعله . " . وانتظروا كل النهار قدوم الملك إلا أنه ما قدم . وقبل الغروب ، مر في الطريق رجل يلبس ملابس سفر بالية ، طيب الوجه متعبه ، وتوقف ليطل من فوق السور، ثم قال : " هل أدخل وأستريح فيه يا أعزائي الصبية ؟! " ، فأدخلوه مسرورين ، وأقعدوه فوق كرسي اصطنعوه من برميل خشبي ، وكسوه عباءة حمراء عتيقة ليشبه عرشا ، فانجلى عرشا حسنا . قالوا للمسافر : " هذا ملعبنا ! جملناه للملك إلا أنه لم يقدم ، وننوي الآن أن نحتفظ به جميلا هكذا لأنفسنا ! " ،فقال الرجل : " هذا حسن ." ، 

فأردف صبي :" لأننا نحسب الجمال والنظافة خيرا من القبح والقذارة . " ، فقال الرجل : " هذا أحسن . " ، وقال الصبي الأصغر : " وليستريح فيه المتعبون ! " ، فقال الرجل : " هذا أحسن شيء ! " . وقعد فوق الكرسي واستراح ، ونظر إلى الصبية بعينين مفعمتين حنوا ، فأحاطوه ، ، وأخبروه كل ما يعلمون عن الجِراء المولودة في البيدر ، وعن عش السُمًنة ببيضاته الأربع الزرق ، فهز رأسه ، وفهم كل ما أخبروه حول تلك الأشياء . وبعد قليل سألهم كوب ماء ، فجلبوا له ماء في أجمل كوب تزخرفه عروق ذهب ، فشكرهم وقام ، وانساب في سبيله إلا أنه قبل انسيابه وضع يده لحظة فوق رؤوسهم  ، فنفذ دفء لمستها إلى أفئدتهم . ووقفوا يراقبونه إذ ينساب وئيد الخطا . كانت الشمس تغرب ، وترسل أشعة ضوئها مديدة مائلة عبر الطريق . 

قال أحد الصبية : " يبدو متعبا جدا ! " ، وقال آخر : " لكنه كان طيبا جدا . " ، 

وقال أصغرهم :" انظروا ! كيف تأتلق الشمس على شعره ! تبدو شبه تاج ذهبي ! " .  

*الكاتبة الأميركية لورا ريتشاردز ( 1850 _ 1943 ) .  

وسوم: العدد 958