قوة الكلمات

حماد صبح

غنت إليزا دوليتل في الفيلم الموسيقي " سيدتي الجميلة " غضبى متسخطة من الأستاذ هيجينز : " " كلمات ! كلمات ! كلمات ! لا شيء سوى كلمات . صباحا ، ظهرا ، مساء .  كفى كلمات ! " . يا لإليزا دوليتل البائسة ! استعمل هيجينز الكلمات لتحويلها من صبية غضة إلى سيدة ناضجة . للناس ذوي الميول الأدبية أسلوب في استعمال الكلمات ، وفي قدرتهم أن يبزوا أي شخص في الكلام ، وأن يلفقوا به أي قصة . وهم ليسوا ذوي أسلوب متميز في استعمال الكلمات وكفى ، وإنما هم موهوبون أيضا في الثرثرة . ومن الناس من لا تستطيع أن تغلبه في كلمة ، ودائما لابد أن تكون لهم الكلمة الأخيرة في أي أمر . وهم في الغالب يفون بما يقولون ، وخذها مني كلمة شرف : واحدهم في جودة كلماته ، والجرعة المفرطة لديهم نوع من اللعب بالكلمات . والكلمات ضرورية في بعض المهن . المحامي مثلا يحتاج إليها لتحطيم الشهود ضد موكله وكسب القضية ، والصحفي يحتاج إليها لأداء مهنته ، وعضو البرلمان المحترم يوظفها ليجعل موقفه جليا بينا للمعارضة ، والمرشحون الراغبون في أن ينتخبهم الناس يستعملون الكلمات لجذب الناس إلى معسكرهم .والكاتب صاحب أعلى المبيعات يستعمل الورق والقلم لكسب الملايين من الدولارات ، وإذا بلغ قمة أعلى المبيعات عدة مرات يكون نجاحه قد اكتمل . ويظل مقدرا بصفته أحسن كتاب القرن أو أحسن كتاب هذا الجزء من العالم حتى لو استبان تاليا أن كتبه ليست سوى محض إخفاق أدبي . وحول كتاب السيناريو الكتب إلى أفلام ، وأنتجوا منها مسلسلات بعد مسلسلات ، وتتمات بعد تتمات ، وحولوا الممثلين إلى  أصحاب عقارات  . وتنسب عبارات إلى شخوص الأفلام ، وهي في الحق من كلمات كتاب السيناريو إلا أن الكلمات تستعمل أحيانا كثيرة في جلب الألم والضرر للناس ، فبعضها تنفذ طعنته  إلى صميم نفوس الصغار ، وقد ينفجر طفل حساس باكيا إذا لمناه لوما قاسيا في الوقت الذي يكون فيه محتاجا إلى كلمات رقيقة حنون تعينه على إدراك أساليبه الخاطئة . ويحتاج المراهق العاصي إلى كلمات حازمة ليفهم أننا قد نضطر إلى وضعه في بيت الأحداث الجانحين إن لم يبدل أساليب سلوكه .  

وقال بعضهم إن وجها صبيحا  مثل وجه هيلين ملكة طروادة كفيل بتحطيم أمة ، وبعض الناس يختلف مع هذا القول ، ويعتقد أن ألف كلمة تنزل ألف سفينة إلى البحر . وعلى كل حال لا سبيل إلى نكران قوة الكلمة المكتوبة ، والكلمات التي استعملها قادة الأمم دفعتها إما إلى الفوضى وإما إلى الحروب ، ونفس الكلمات صنعت التاريخ ، وغيرت مجراه . إذن ما مدى أهمية الكلمات ؟! الكلمات مهمة ، ولكن في أوقات معينة وأحوال معينة ، وقوتها لا تكمن فيها في ذاتها ، ولكن في أسلوب صياغتها معا ، وفي الحالة الذهنية للذين يستمعون إليها . إنها تحدث تغييرات عجيبة إذا قيلت في الوقت المناسب ، وفي الموقف المناسب ، وإلى المستمعين المناسبين .  

*موقع " مقالات لطلاب المدارس العليا " الإنجليزي .  

وسوم: العدد 966