التحقيق (2)

محمد توفيق بركات

تأليف: محمد توفيق بركات* 

المشهد الثالث

لقاء السجناء

شخصيات المشهد:

- الشباب الأربعة.

- أبو سامي: حارس السجن.

- أبو نذير: حارس السجن.

- المكان: السجن.

(الوقت ليل: صفان من الغرف الضيقة القصيرة المرقمة، في أعلى كل باب كوة مغلقة من الخارج بسقاط حديدي عريض وعلى كل باب قفل كبير. بين الصفين ممر مضاء بمصابيح ضعيفة ينتهي بباب حديدي كبير ورجل مسلح يذرع الممر جيئة وذهاباً، قاطعاً بضربات قدميه السكون العميق، وهو يعاود النظر إلى ساعته بين لحظة وأخرى، يفتح باب الممر ويدخل رجل مسلح).

الرجل الآتي: مرحباً (أبو سامي).

الرجل الأول: أهلاً (أبو نذير)، لقد تأخرت.

أبو نذير: سبع دقائق فقط، أعتذر

أبو سامي: خفت أن لا تجيء كما فعلت أكثر من مرة.

أبو نذير: اذهب الآن فالشاي جاهز.

أبو سامي: شكراً. عندنا زبائن جدد، هل علمت؟

أبو نذير: أخبرني أبو شكري بذلك، كم عددهم؟

أبو سامي: أربعة.

أبو نذير: أي أماكنهم؟

أبو سامي: في الغرف 6 ، 7 ، 13، 14.

أبو نذير: جيران متقابلون.

أبو سامي: رأفنا بهم فلم نفرق بينهم. ها ها ها!

أبو نذير: لا فرق بين البعد والقرب هنا. إن أحداً لا يعرف من بجانبه.

أبو سامي: هذا شيء ضروري، أنا رايح، هل يوجد اليوم تحقيق؟

أبو نذير: لا، فالرئيس يحضر الليلة حفلة ساهرة.

أبو سامي: إنهم يتمتعون ونحن نشقى. آه إنني أبيع عمري كله بليلة واحدة من ليالي الرئيس..

أبو نذير: عمرك رخيص! ها ها ها !

أبو سامي: تصبح على خير (يتجه نحو الباب).

أبو نذير: مع السلامة. نوماً هنيئاً.

(يخرج أبو سامي ثم يغلق الباب خلفه محدثاً صوتاً مجلجلاً).

أبو نذير (هامساً): لقد مضى، الحمد لله. اللهم سترك.

(ينتظر قليلاً ثم يتجه نحو الغرفة ذات الرقم 6 ويفتح الكوة في هدوء فيبرز رأس خالد).

أبو نذير: السلام عليكم يا أخ.

خالد: وعليكم السلام.

أبو نذير: تكلم معي بهدوء. هل أنت جائع؟

خالد: نعم.

أبو نذير: وكذلك أصحابك، أليس كذلك؟

خالد: لا أعرف عنهم شيئاً.

أبو نذير: أنا صديق. سآتيك بطعام وسأمر على أصحابك. هذه الليلة نوبتي حتى الفجر.

خالد: هل يوجد هنا صديق؟

أبو نذير: نعم، أنا لست مجرماً مثلهم.

خالد: جزاك الله خيراً

أبو نذير: هل لك توصية؟

خالد: أريد أن أكلمهم، خاصة ناجي.

أبو نذير: خفض صوتك سيكون لك ذلك إن شاء الله.

خالد: أنت رحمة من الله.,

أبو نذير: أتمنى أن يجري الله الخير على يدي.

خالد: شكر الله لك.

أبو نذير: سأعود بعد قليل إن شاء الله، ما اسمك يا أخ؟

خالد: خالد.

(يغلق الكوة، ويفتح الكوة 7 فيظهر رأس ناجي).

أبو نذير السلام عليكم.

ناجي: وعليكم السلام.

أبو نذير: ما اسمك يا أخ؟

ناجي : اسمي ناجي

أبو نذير: يريد خالد أن يكلمك.

ناجي: هل هو موجود هنا؟

أبو نذير: نعم. سأجمعكما قريباً. أنا لست عدواً، لكم أنا مسلم قبل كل شيء، وأريد أن أقدم خدمة لكم.

ناجي: أرجو أن يكون لك الأجر الجزيل عند الله.

أبو نذير: هل أنت جائع.

ناجي: منذ أن دخلت السجن لم آكل شيئاً. طعامي هو الماء.

أبو نذير: مجرمون.

ناجي: من ههنا غير خالد؟

أبو نذير: اثنان آخران، وهما في الغرف المقابلة، أما جارك فهو خالد.

ناجي: لا بد أنهم جائعون جداً.

أبو نذير: سأقدم لكم طعامي.

ناجي: وأنت؟

أبو نذير: أنتم صبرتم يومين لله. أفلا أقدر على تحمل الجوع بضع ساعات لله.

ناجي: جزاك الله عنا خير الجزاء.

أبو نذير: أعاننا الله على الخير.

(يغلق الكوة ويذهب إلى آخر الممر ويفتح حقيبة فيخرج منها طعاماً وعدداً من الأرغفة ويقسمها أربعة أقسام ويأتي إلى الكوة رقم 6 ويفتحها):

أبو نذير: يا خالد: (يقوم خالد فيظهر رأسه)

خالد: نعم.

أبو نذير: خذ حصتك من الطعام ولا تؤاخذني على التقصير.

خالد: قمت بما عليك دون تقصير، ولك الأجر إن شاء الله.

(يعطيه حصته ويغلق الكوة ويفتح رقم 7 فيظهر رأس ناجي).

أبو نذير: خذ يا أخي نصيبك وسامح على تقصيرنا.

ناجي: جدت بكل الموجود ولم تقصر. هل أعطيت زملائي؟

أبو نذير: أعطيت خالداً وسأعطي الباقين الآن.

(يناوله نصيبه ويغلق الكوة ويتجه نحو الصف المقابل فيفتح كوة الغرفة رقم 14).

(يظهر رأس زهير الذي قام حين سمع السلام).

أبو نذير: السلام عليكم.

زهير: وعليكم السلام.

أبو نذير: ما اسمك؟

زهير: زهير.

أبو نذير: أنت صاحب ناجي؟

زهير: نعم. هل هو هنا؟

أبو نذير: نعم، هل أطعموك شيئاً؟

زهير : لم أذق شيئاً غير الماء منذ يومين.

أبو نذير: هذا طعام لك. (يمد يديه بكمية من الطعام)

زهير: شكراً (يأخذ منه الطعام).

أبو نذير: أنا لست معادياً لكم. إني أكره الذين سجنوكم. إنهم وحوش. إذا أردتم شيئاً فدق ثلاث دقات خفيفة.

زهير: في مثل هذا المكان يوجد صديق؟

أبو نذير: (باسماً) واحة في صحراء.

زهير: الحمد لله.

أبو نذير: من أهم أصحابك؟

زهير: ناجي وخالد وسالم.

أبو نذير: إذن الذي يجاورك هو سالم.

زهير: سالم؟ كيف حاله؟

أبو نذير: حاله كحالك.

زهير: أعانه الله.

أبو نذير: إن شاء الله سيتيسر لك أن تحادثه بعد قليل).

(يغلق الكوة ويفتح الكوة المجاورة).

أبو نذير: السلام عليكم. (يظهر رأس سالم).

سالم: وعليكم السلام.

أبو نذير: سالم، أليس كذلك؟

سالم: (يهز رأسه): سالم.

أبو نذير: أصحابك بخير. كلهم هنا. جارك هو زهير.

سالم: الحمد لله. كيف حالهم؟

أبو نذير: أنتم مستوون في المعاملة. ألست جائعاً؟

سالم: بلى.

أبو نذير خذ هذا الطعام (يمد يده بالطعام)

سالم: شكراً (يأخذه منه).

أبو نذير: أنا صديق لكم. أطلب مني ما شئت.

سالم: جزاك الله خيراً. أريد أن أكلم (ناجي) وزميلي الآخرين.

أبو نذير: سأحاول تأمين ذلك إن شاء الله. انتظر قليلاً.

(يغلق الكوة وينتظر فترة ثم يتجه نحو غرفة ناجي).

أبو نذير: اللهمَّ سترك وعونك. (يفتح باب غرفة ناجي).

أبو نذير: أخرج بهدوء يا ناجي وتكلم مع زملائك بصوت خفيض. جارك هو خالد في رقم 6 والآخران في 13 و 14.

ناجي: لست أدري كيف أشكرك. أجرك على الله.

(يخرج ناجي بهدوء ويقف أمام رقم 6 فيفتح له أبو نذير الكوة، ثم يبتعد ليترك لهم حرية المناجاة).

ناجي: هنا خالد؟ (يظهر رأس خالد)

خالد: (بفرح شديد): ناجي!

ناجي: السلام عليكم ورحمة الله.

خالد: وعليكم السلام ورحمة الله.

ناجي: تكلم بهدوء. إن حارسنا نعمة من الله. أعتقد أن وضعنا متشابه. لنتكلم في القضايا الضرورية. كيف كان استجوابك؟

خالد: لقد تكلمت يا ناجي.

ناجي (مستغرباً): إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ألم نكن نتحدث دائماً عن ضرورة الإنكار في مثل هذه الأحوال؟

خالد: لقد خدعني المحقق.

ناجي: إنهم لا يتورعون عن أخس الأساليب. قل لي كيف خدعوك؟

خالد: قال لي المحقق إن زملائي تكلموا وإنه يعرف كل شيء.

ناجي: وهكذا خدعك؟

خالد: هذا سبب ثانوي. أما السبب الرئيسي فهو ادعى أن عنده صوراً لك.

ناجي: وما هو وجه الحيلة في ذلك؟

خالد: قال المحقق إن الصور التقطت لك في الملاهي والحفلات الماجنة.

ناجي: كذاب خبيث، كيف صدقته؟

خالد: قال لي إنه سيريني الصور.

ناجي: لماذا لم تطالبه بها؟

خالد: طالبته فماطل.

ناجي: ثم؟

خالد: في فترة المماطلة تكلمت.

ناجي: ماذا قلت له؟

خالد: أقررت بانضمامي إلى الجماعة.

ناجي: هل أقررت بشيء آخر؟

خالد: وبتاريخ انتسابي.

ناجي: فقط؟

خالد: هناك شيء أهم.

ناجي: وهو.

خالد: وهو أنك مسؤول عن مجموعتنا.

ناجي: سامحك الله. إذن أنت الذي أخبرت المحقق.

خالد: لقد انطلت عليَّ الخديعة بسرعة. كنت ساذجاً يا أخي.

ناجي: بما أنكم تكلمت فيجب أن نكون شجعاناً ونتحمل التبعة.

خالد: أنا السبب.

ناجي: إنك أخطأت، ولكنك لست السبب. السبب هو الذي دلَّهم علينا.

خالد: من تراه يكون؟

ناجي: هل في ذهنك أحد؟

خالد: لا أتذكر أحداً. لكن قل لي هل اعتقلوا جمالاً؟

ناجي: ولماذا يعتقلونه؟ إنه لم يكن معنا؟

خالد: أليس منطقياً أن يعتقل معنا؟

ناجي: أتشك فيه؟

خالد: بدأت أشك.

ناجي: أظن أنه بريء. إنهم لا يعرفون ما كان يدور بيننا. مما يدل على أن الذي دلهم علينا لا يحضر معنا.

خالد: ولكنه تغيب على غير عادته، مع أني رأيته في اليوم نفسه وذكرته بالموعد.

ناجي: إن وضعه المنزلي غير مستقر، وأهله يضايقونه، ويمنعونه أحياناً من الخروج، فربما منعوه.

خالد: ربما. ولكن الواقع أنني أنا الذي أخبرتهم بأنك المسئول عنا.

ناجي: الخطأ منك يا أخي، لا تحزن.

خالد: سيضغطون عليك.

ناجي: على الله توكلت. الآن لا حرج أن تتكلم عن كل ما تعلم ولا تذكر النشرات بحرف واحد.

خالد: إن شاء الله. (تذرف عيناه).

ناجي: نسأل الله الصبر. يا خالد هذا طريقنا، طريق المحنة والبلاء. إن ثمن الجنة غال.

خالد: كان الله في عوننا.

ناجي: سأذهب للقاء سالم وزهير. وداعاً. السلام عليكم.

خالد: وعليك السلام. رافقتك السلامة.

(يبتعد ناجي فيأتي أبو نذير ويغلق الكوة فيذهب ناجي إلى الغرفة 13 ويفتح أبو نذير كوتها ويبتعد)

ناجي: من هنا؟ (يظهر رأس سالم).

سالم: ناجي؟ أنت هنا؟

ناجي: السلام عليكم يا أخي.

سالم: وعليكم السلام ورحمة الله. كيف حالك؟

ناجي: بخير والحمد لله. تكلم بهدوء. الحارس صديق.

سالم: كيف خالد في قفصك؟

ناجي: الحمد لله على كل حال لندخل في الموضوع مباشرة بصوت منخفض.

سالم: هل عذبوك؟

ناجي: بالمعنى الصحيح للتعذيب لم يعذبوني بعد.

سالم: ماذا تتوقع؟

ناجي: اسمع يا سالم إنهم سيركزون علي.

سالم: وهل يعرفونك؟

ناجي: قد عرفوا.

سالم: عن أي طريق؟

ناجي: لقد تمكنوا من خداع خالد، فذكر لهم ما يكفي ليبدؤوا معي.

سالم: ما العمل؟

ناجي: أخبرهم بما تعرف عن لقائنا وعن وضعك وعن علاقتك بي.

سالم: كيف يمكن أن أفعل ذلك؟

ناجي: لا فائدة من الإنكار. ثم إنك لن تفيدهم بشيء. فقط ستكرر عليهم ما يعرفونه.

سالم: وأنت؟

ناجي: الآن استقروا على محاسبتي، فلا داعي لأن تلاقوا أي أذى لا فائدة منه. ولكن أكتم قضية النشرات، فهم لا يعرفون عنها شيئاً.

سالم: هل أنت متأكد من ذلك؟

ناجي: نعم. فخالد لم يخبرهم بخبرها.

سالم: هل تستطيع أن تتحمل؟

ناجي: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأرجو أن أعان.

سالم: هل جربت التعذيب من قبل؟

ناجي: لا، هذه أول تجربة، أسأل الله أن يصبرني. أخبرني يا سالم: هل الإسلام نعمة أو نقمة؟

سالم: نعمة طبعاً، أكبر نعمة.

ناجي: إذا كان الإسلام نعمة فيجب أن ندفع ثمنها، وإذا كان نقمة فيجب الخلاص منها.

سالم: يجب أن ندفع الثمن.

ناجي: والله المتسعان. أدعُ لي بالثبات. السلام عليكم.

(يبكي سالم في صمت).

(يأتي أبو نذير فيغلق الكوة ويتجه نحو الغرفة ذات الرقم 14 فيظهر رأس زهير ويأتي ناجي).

ناجي: أنت هنا يا زهير؟ السلام عليكم ورحمة الله.

زهير: وعليكم السلام ورحمة الله. أهلاً يا ناجي. كيف حالك؟

ناجي: الحمد لله، بخير، أرجو أن تكون بخير.

زهير : الحمد لله.

ناجي: كيف كان استجوابك؟

زهير: لقد أنكرت كل شيء.

ناجي: وعلى أي حال استقر الاستجواب؟

زهير: استقر على الشتم والتهديد.

ناجي: خبثاء. أساليبهم متنوعة. إنهم لطفاء أو وقحون حسب الحاجة.

زهير: لقد أحرجته حين طلبت منه الدليل على اتهام الجماعة بالعمالة.

ناجي إنهم تافهون حين يتهمون.

زهير: بم تشير الآن؟

ناجي: أشير عليك يا صديقي بالاعتراف!

زهيرك: بالاعتراف!؟

ناجي: نعم، أنصحك بالاعتراف.

زهير: ولكن ذلك مخالف للتعليمات.

ناجي: لا فائدة من النكران، فقد خدعوا خالداً، وأوهموه أنهم يعرفون كل شين واستخدموا أسلوباً دنيئاً لجره إلى الاعتراف؟

زهير: وكيف جروه إلى الاعتراف؟

ناجي: أوغروا صدره علي، وأوهموه أن لي عندهم صوراً وأنا في أوضاع مخالفة للخلق الإسلامي.

زهير: وتكلم؟

ناجي: تكلم ولكن إلى حد معين ولولا إصراره على رؤية الصور أثناء الاعتراف لتكم كثيراً، وحين لم يطلعوه على شيء قطع الاعتراف.

زهير: على كل حال له بعض العذر، إننا لم ندرب على أساليب التحقيق.

ناجي: هذه ثغرة يجب أن تسد.

زهير: ولكن التنبه لها كلف غالياً.

ناجي: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

زهير: بماذا اعترف خالد؟

ناجي: بأنه عضو في الجماعة، وبتاريخ انتسابه، وبأني مسؤول عنه.

زهير: مشكلة كبيرة.

ناجي: أشرت عليك بالاعتراف. فقط يجب أن يكون ضمن هذه الأمور. وإياك أن تتعرض للمنشورات.

زهير: بالمناسبة قل لي أين أخفيت الأوراق ساعة دخولهم الغرفة علينا؟

ناجي: وضعتها بسرعة في سلة المهملات الموجودة خلف الباب.

زهير: كيف لم ينتبهوا إليها؟

ناجي: حينما يفتح الباب تختفي السلة.

زهير: الحمد لله. لقد دهشت حين لم يعثروا معك على شيء، وكنت قلقاً جداً.

ناجي: لو أخذوها لفتحوا باباً لا يكاد يمكن إغلاقه.

زهير: الحمد لله.

ناجي: إن مفتاح الأمر كله سيكون معي. وعلى سكوتي تتوقف سلامة الجماعة.

زهير: أملنا فيك كبير.

ناجي: ادعوا الله لي بالتثبيت.

زهير: حفظك الله من كيدهم، ورزقك الصبر الجيل.

ناجي: وإياك يا أخي، والآن أرجو أن تسامحني عن كل خطأ يمكن أن يكون جرى مني نحوك.

زهير: ماذا تقصد يا أخي؟

ناجي: يحتمل أن لا نلتقي خارج السجن أبداً يا أخي.

زهير: لا قدر الله ذلك. نرجو الله أن يجمعنا قريباً.

ناجي: نرجوه ذلك. ولكننا لا نعرف القدر، إلا بعد وقوعه.

زهير: أراك متشائماً، هل أثر فيك السجن يا ناجي؟

ناجي: بل أنا متفائل، إننا نعيش ساعات امتحان، إن أعنا فيها بالصبر كان لنا أجر الأبرار. ولكن احتمال خروجي من السجن أمر قائم ما دمت صامتاً، فإذا تكلمت خرجت، وأنا لا أنوي الكلام بعون الله.

زهير: سأدعو لك دائماً.

ناجي: جزاك الله خيراً.

زهير: لماذا لم يحققوا معنا هذه الليلة؟

ناجي: إنهم في حفلة فاجرة.

زهير: لعنهم الله.

ناجي: تريد شيئاً؟

زهير: هل يمكنني الحصول على بعض الحبوب للصداع؟ إنني أشكو منه منذ الليلة الماضية.

ناجي: سأطلب من الحارس.

زهير: عجيب هذا الحارس، لماذا يساعدنا؟

ناجي: قال لي إنه مسلم يحبنا ويعادي هؤلاء.

زهير: إنه جريء

ناجي: لو لم يكن جريئاً لما أقدم على مساعدتنا. ولو توافرت الجرأة للكثيرين لتغيرت الأمور، إن العديد من أعوان هؤلاء ليسوا معهم بصدق، ولكنه النفاق والمصلحة.

زهير: غريب هذا الإنسان، كيف يعمل خلاف ما يعتقد لأجل المال؟

ناجي: هذه سمة الغالبية العظمى من هذا الشعب. قلوبهم معك وسيوفهم مع الحكام.

زهير: كما وصف أهل العراق للحسين رضي الله عنه!

ناجي: طبيعة البشر واحدة، وتبدل الأزمات لا يغري إلا القشور والأزياء. تصور أن أحدهم كان يضرب أحد الدعاة طاعة لرؤسائه ضرباً شديداً مبرحاً، فإذا غاب الرقباء انكب على يدي هذا الداعية يقبلهما ويبك..!

زهير: سبحان الله!

ناجي: إنني ذاهب يا أخي. لا تنسني من الدعاء. وادعُ بدعاء إبراهيم عليه السلام (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم).

زهير: سأفعل إن شاء الله، وأنت ادعُ لي.

ناجي:. جمع الله بيننا على الحق.

زهير: اللهم آمين.

ناجي: السلام عليكم ورحمة الله .

زهير: وعليكم السلام ورحمة الله. (تذرف عيناه بالدموع في هدوء وهو يشيع ناجي بنظراته) (يأتي الحارس ويغلق الكوة).

ناجي: (للحارس) صاحبي هذا يريد حبوباً للصداع.

الحارس: سأسعى! إلى إحضارها له إن شاء الله.

ناجي: جزاك الله خيراً.

(يتوجه إلى زنزانته ويأتي الحارس فيغلق عليه بابها وعيناه تهملان بالدموع).

*    *    *

المشهد الرابع

التعذيب

شخصيات المشهد:

- الشباب الأربعة،

- المحقق

- جبر

- أبو جاسم

- أبو عنتر

قائمون بأمر التعذيب

المكان: قاعة التعذيب

(باحة واسعة مضاءة. في وسطها آلة كبيرة مهيأة للصلب عليها، وعند قديمها خرطوم ماء متصل بحنفية، وعلى الأرض أسلاك كهربائية ممدة متناثرة، وحزمة من عصي الخيزران من مختلف الحجوم، ودولاب كبيراً من دواليب السيارات، وكرسيان من الخيزران مقعران، وعند الآلة الكبيرة أربعة رجال، أحدهم الرئيس الذي حقق مع الشباب المعتقلين، والبقية ذوو وجوه عابسة، لا يخفى على الناظر إليهم أنهم جلادون).

المحقق: يجب أن يتكلموا، مفهوم؟

(الثلاثة بصوت واحد): طبعاً يا سيدي.

المحقق: إذا تكلموا فٍأعطي كل واحد منكم جائزة. كونوا أشداء، ولا تأخذكم بهؤلاء المجرمين رحمة. مفهوم؟ لا مكان للرحمة هنا.

أحدهم: طبعاً لا مكان للرحمة هنا يا سيدي.

المحقق: يجب أن ينتهي كل شيء هذه الليلة. ليحضر رقم 6.

(يخرج أحد الرجال دون كلام ويغيب قليلاً ثم يأتي وخلفه خالد).

المحقق: والآن يا خالد يجب أن تقول كل شيء ولا داعي للتأخير. نريد نشرات وعليك أن تأتي بها ولو من السماء.

خالد: أية نشرات؟

المحقق: لا فائدة من الإنكار. أمامك بضع دقائق فقط ثم ندربك على أرقى الآلات.

خالد: لا علم لي بشيء.

المحقق: يا أبا عنتر عليك بهذا الوغد.

(يتقدم أحد الرجال من خالد وينهال عليه باللكمات، ثم يثني عليه بركلات شديدة من حذائه الغليظ فيهوي خالد على الأرض وهو يئن).

المحقق: ستتكلم أم لا؟

(يئن خالد ولا يجيب بشيء)

المحقق: ضعه يا جبر في الكرسي وأضربه عشرين جلدة.

(يأتي أبو عنتر والرجل الثالث فيحملان خالداً ويضعانه في الكرسي فترتفع رجلاه على حافة الكرسي المقعر، ثم يأخذ جبر عصا غليظة ويضربه على مختلف مواضع جسمه وهو يعد بصوت مرتفع، وخالد يئن تحت الضرب، ثم يتوقف أنينه قبل انتهاء العد عشرين).

جبر: تم العدد يا سيدي.

المحقق: تكلم يا خالد (لا تبدو على خالد أية حركة)

جبر: يبدو أنه فقد الوعي. أولاد المدن نواعم من عشرين ضربة نام! ها ها ها!

المحقق: ضرباتك ضربات أبطال يا جبر. افتح عليه خرطوم الماء حتى يتنشط.

(يفتح جبر صنبور الحنفية ويأخذ الخرطوم ويرش خالد بالماء وبعد قليل يتمطى خالد وهو يئن).

جبر: لقد أفاق يا سيدي.

المحقق: اتركوه قليلاً حتى يستريح، وأحضروا رقم 13 (يخرج الذي أحضر خالداً ليغيب ثم ليأتي ومعه سالم)

(يغمز الرئيس أبا عنتر فيصفع سالماً صفعتين قويتين).

أبو عنتر: يا كلب قف بأدب في حضرة الرئيس.

المحقق: الكلب أفضل منه، إنه خائن لشعبه والكلب مشهور بالوفاء.

أبو عنتر: هل تسمح لي يا سيدي بتمزيق لحمه؟

المحقق: يا سالم إما أن تتكلم وإما أن أخلي بينك وبين أبي عنتر ليقطعك إرباً إنه وحش!

أبو عنتر نعم وحش، شكراً يا سيدي، ها ها ها!

سالم: (وهو ينظر إلى خالد المتدلي من الكرسي): عن أي شيء يجب أن أتكلم؟

المحقق: هناك عدد من الأمور! أولاً هل أنت منتسب إلى الجماعة الإسلامية؟

سالم: نعم.

المحقق: بدأت تلين، العصا من الجنة، ها ها ها! منذ متى انتسبت إلى الجماعة؟

سالم: منذ سنتين.

المحقق: من الذي دعاك إلى الانضمام إليها؟

سالم: ناجي.

المحقق: ناجي رأس الفتنة. هل هو المسؤول عنك؟

سالم: نعم.

المحقق: كم عدد أفراد مجموعتكم؟

سالم: أربعة.

المحقق: عدد أسمائهم.

سالم: أنا وناجي وزهير وخالد.

المحقق: ألم يكن معكم غيركم؟

سالم: لا.

المحقق: إياك أن تتستر على أحد.

سالم: لا يوجد غيرنا نحن الأربعة.

المحقق: من تعرف من أعضاء الجماعة غير هؤلاء؟

سالم: الجماعة سرية ولا يعرف بعضنا بعضاً، إننا نعرف من نلتقي بهم فقط.

المحقق: بمن كان يتصل ناجي؟

سالم: لا أعلم.

المحقق: هل عندك شيء من النشرات؟

سالم: لا.

المحقق: وهل يوجد منها شيء عند ناجي؟

سالم: لا أعلم.

المحقق: بدأت تخفي علينا.

سالم: أقول لا أعلم حين لا أعلم، وعدم العلم لا يعني الإخفاء.

المحقق: على كل حال أصبح من الممكن التفاهم معك، سنتمم الحديث فيما بعد، خذه يا أبا جاسم وأطعمه فإنه جائع جداً.

(يأخذه الرجل الذي جاء به ليطعمه، ثم يرجع بعد قليل).

أبو جاسم: قلت لهم وسيحضرون له الطعام فوراً يا سيدي.

المحقق: (يهز رأسه) حسناً أحضر الرقم 14.

(يخرج أبو جاسم ويأتي بعد قليل ومعه زهير).

المحقق: (مشيراً إلى جبر) ضيف جديد.

(يقفز جبر ويركل زهيراً في جنبه وفخذه حتى يسقطه أرضاً).

جبر: (وهو يلهث): أهلاً وسهلاً!

المحقق: الذي لا يفهم بالحسنى يفهم بغيرها، انظر يا زهير إلى صاحبك، (يلتفت زهير وهو على الأرض ليرى خالداً في حالة مؤلمة (إذا لم تجب على كل أسئلتنا إجابة دقيقة فإن جبراً سيتوكل بك.

جبر: أرجو أن لا يتكلم يا سيدي لأنني أشتهي نهش لحمه.

(يجيل زهير بصره بين الحاضرين والآلات العديدة وهو صامت)

المحقق: يا زهير: هل أنت منتسب إلى الجماعة أم لا؟

زهير: نعم.

المحقق: ولماذا لم تعترف أولاً؟

زهير...

المحقق: تعرضون أنفسكم للضرب ثم تعترفون (يصمت قليلاً وهو مغتبط) منذ متى انتسبت إلى الجماعة؟

زهير: منذ سنتين تقريباً.

المحقق: من الذي اتصل بك ودعاك؟

زهير: ناجي.

المحقق: ناجي مخرب خطير.

زهير: ليس له ذنب، لقد دلنا على ما اختاره لنفسه.

المحقق: رجعنا؟

زهير: هذه هي الحقيقة.

المحقق: في الواقع أنتم تحتاجون إلى عملية غسل دماغ حتى تصلوا إلى مستوى العصر.

زهير: إذا كان الوصول إلى مستوى العصر يعني أن نؤمن بما تؤمن به فهذه مشكلة لا حل لها.

المحقق: لا حل لها؟ بل لها حل (مشيراً إلى جبر) الحل عند جبر.

جبر: نعم يا سيدي، (يتجه نحو زهير ويبدأ ضربه بكلتا يديه ورجليه).

المحقق: لا تتعب نفسك يا جبر.

جبر: (وهو يتوقف عن الضرب): إنها سعادة أن أضرب هذا المجرم (يأخذ عصا خيزران وينهال على يدي زهير ورجليه وظهره وزهير يحاول أن يتقي الضربات ويتخلص منها وهو يتلوى تحت الضربات الوحشية).

المحقق: كفى يا جبر.

(يتوقف جبر عن الضرب وهو يلهث)

المحقق: لنتابع يا زهير. من كان المسئول عنكم؟

زهير: (وهو يلتقط أنفاسه ويجيب بصوت ضعيف) ناجي.

المحقق: هل عندك نشرات؟

زهير: لا.

المحقق: هل توجد نشرات عند ناجي؟

زهير: لا أعلم.

المحقق: لقد لقنوكم جواباً واحداً أليس كذلك؟

زهير: لا علاقة لي بغيري. لقد أخبرتك بالذي أعرفه.

المحقق: هل أنت مستعد أن تشهد ضد ناجي ونكافئك على شهادتك مكافأة ثمينة؟

زهير: في أي شيء أشهد؟

المحقق: في أن عنده نشرات.

زهير: كيف أشهد على ما لا أعلم؟

المحقق: سنخرجك فوراً ونقدم لك مكافأة نقدية ممتازة، أليس هذا التعليل كافياً؟

زهير: لا يمكن أن أشهد شهادة زور.

المحقق: أنت مجنون، مجنون جداً. (بصوت عال): يا جبر اضربه عشرين.

(يأتي أبو جاسم وأبو عنتر يعاونان جبراً على وضع زهير في كرسي مقعر. ثم يضربه جبر عشرين ضربة على رجليه وهو يتأوه)

جبر: هل نزيد العشرين يا سيدي؟

المحقق: كفى. ضعوه بجانب زميله.

(يأخذونه ويضعونه بجانب خالد وهو في حالة يرثى لها).

المحقق: هاتوا رقم 7، واشتركوا جميعاً في استقباله.

(يغيب أبو جاسم قليلاً ثم يدخل القاعة وأمامه ناجي).

المحقق: أهلاً وسهلاً بالزعيم.

(يصفعه الرئيس على وجهه، فيهجم عليه الرجال الثلاثة وينهالون عليه بالأيدي والأرجل ويظلون يضربونه حتى ليحسبونه قد فقد وعيه إذ سقط على الأرض).

المحقق: هذا يكفي الآن، اصلبوه.

(يحمله الثلاثة وهو في شبه غيبوبة ويعلقونه على الآلة الكبيرة ويحزمون يديه ورجليه منفرجتين ويربطون وسطه بالآلة).

المحقق: أنعشوه حتى يحس بالطعم.

(يرش أبو عنتر الماء بالخرطوم على ناجي فيبلل جسمه كله، فيفتح عينيه ثم يجيلهما في الحاضرين وينظر إلى صاحبيه طويلاً).

المحقق: هل عرفت في أي مكان أنت؟

جبر: في الجنة! ها ها ها!

المحقق: يا ناجي إمّا أن تتكلم وإما أن نذيقك أصناف العذاب حتى تموت.

ناجي: (بصوت ضعيف): ماذا تريدون مني؟

المحقق: يجب أن تذكر كل ما تعرفه عن الجماعة.

ناجي: تقصد أفكار الجماعة؟

المحقق: لا أقصد الهذيان الفكري! أريد الأسماء. أريد التنظيم. أريد النشرات.

ناجي: أسماء من تريد؟

المحقق: أسماء الذين تتصل بهم ويتصلون بك. مثلاً من هو المسئول عنك؟

ناجي: أنا مسئول عن نفسي.

المحقق: يعني أنك لن تتكلم؟

ناجي: هذا جواب سؤالك.

المحقق: من هو رئيسك المباشر؟

ناجي: ماذا يهمك أمره؟

المحقق: هذا ليس من شأنك.

ناجي: لماذا يكون إذن من شأني أن أخبرك باسمه.

المحقق: ستتكلم رغماً عنك.

ناجي: لماذا هذا الحرص كله على أن أتكلم؟

المحقق: لأن التحقيق يجب أن يأخذ مجراه.

ناجي: ألا يمكن أن يأخذ التحقيق مجراه دون تدخل مني؟

المحقق: معلوماتك ضرورية لحسن سيره.

ناجي: في الحقيقة ليس في نيتي أن أتكلم.

المحقق: ستدفع ثمن سكوتك من شبابك ومستقبلك وحياتك أيضاً، إن أصحابك قد لانوا فاعتبر بهم يا ناجي.

ناجي: ألا تعتقد أن هذا السكوت ضروري؟

المحقق: بالعكس إن الكلام ضروري من أجلك أنت.

ناجي: إذا تكلمت فإن غيري سيدفع الثمن، وربما كان الدافعون أعداداً كبيرة ولن أنجو أنا على كل حال.

المحقق: بل أعدك بالنجاة. فلا تخف من شيء إن تعاونت معنا، إننا سنحميك.

ناجي: إنني أخاف من الله وحده، لأنني إذا تكلمت أوقعت الكثيرين من المؤمنين الأبرياء في أيديكم ليلاقوا النكال والعذاب، فأكون السبب.

المحقق: ولكنك مضطر إلى الكلام، ولن يعذبك الله على اضطرارك.

ناجي: أشعر أني أقدر على الصمت إن شاء الله.

المحقق: ولكنك ستنهار تحت التعذيب. عندنا أساليب جهنمية يا ناجي.

ناجي: إذا كانت أساليبكم جهنمية فلماذا تشكون اليهود إلى الأمم المتحدة لأنهم يعذبون العرب؟

المحقق: نريد إثارة الأمم المتحدة على اليهود.

ناجي: كيف يكون إذا عرفت هذه الأمم أنكم تعاملون شعوبكم معاملة أقسى من معاملة اليهود للعرب؟

المحقق: لن يعرف أحد ماذا يجري هنا.

ناجي: فإذا تسربت الأنباء؟

المحقق: عندنا قدرة على إخفاء الشمس في الظهيرة.

ناجي: بإغماض أعينكم أليس كذلك؟

المحقق: بل بإغماض أعين الآخرين. إنك لا تقدر بأسنا.

ناجي: على كل حال لا يمكن إخفاء الحقيقة إلى الأبد.

المحقق: في النهاية نفضل تسرب أخبار وسائلنا على ترككم أحراراً لتخريب العقول.

ناجي: كيف تسمحون لأنفسكم أن تكونوا أقسى علينا من اليهود على العرب؟

المحقق: خطركم علينا أكبر من خطر العرب على اليهود.

ناجي: آه لو يعلم الناس ما تقولون.

المحقق: إن الستار المضروب على هذا النوع من الأمور لا يخترق، وكل من يخرقه يجب أن ينتهي، ولذلك يا سيد ناجي من الخير لك أن تتكلم.

ناجي: لا داعي للمحاولة.

المحقق: إنك عنيد.

ناجي: لقد أخبرتك أن الحبل سينقطع عندي.

المحقق: وقلت لك إن عندنا وسائل الوصول.

ناجي: جرب، وأستعين بالله.

المحقق: لن تنقذك هذه الاستعانة من آلاتنا.

ناجي: أيها الرئيس إنك مغرور جداً بقوتك. اعلم أنك ضعيف، وسنقف معاً بين يدي الله الذي أستعين به الآن.

المحقق (موجهاً كلامه لأتباعه): لا فائدة من النصيحة، إنه لا يفهم، استعملوا معه النار.

(يشعل أبو جاسم سيكارة ويمتص منها نفساً عميقاً بتلذذ ويقترب من ناجي ثم يضع رأس السيكارة على رجل ناجي فينتفض ولكنه يسكت، ثم يكرر الجلاد العملية فيلصق السيكارة برجل ناجي فيصيح فلا يرفعها حتى يتأكد من انطفائها).

المحقق: يا ناجي لا نزال في أول الطريق. اضربوه بالسياط.

(يأخذ جبر وعنتر سوطين وينهالان على كل أجزاء جسم ناجي بالضرب وهو يتلوى من الألم).

المحقق: كفى (يتوقفون عن الضرب) ما هو رأيك يا ناجي؟ نستمر أم تتكلم؟ (يتوجع ناجي ولا يجيب).

المحقق: رشوا عليه الماء.

(يفتح جبر الماء بقوة على ناجي ويغسله من مفرقه إلى قدميه).

جبر: حمام الهنا يا شيخ.

المحقق: تكلم يا ناجي وأنقذ نفسك.(يصمت ناجي)

المحقق: شيئاً من الكهرباء يا جبر.

(يضع جبر سلكين في يدي ناجي ثم يوصل التيار فينتفض، ويكرر ذلك)

المحقق: نحن نتسلى معك الآن، ونريك بعضاً مما عندنا، وإذا لم تتكلم لا بد من تمديد فترة التعذيب بكل نوع مع التجويع الدائم حتى تتكلم.

جبر: أرجو يا ناجي أن تبقى صامتاً، دعني في لحظة سعادة!

ناجي (بصوت هامس): وحش.

جبر: اسمح لي يا سيدي أن أثبت له أنه صادق.

المحقق: افعل ما بدالك.

(يتقدم جبر نحو ناجي ويعض ساقه عضة حادة فيصيح ناجي من الألم ويتركه جبر حين بدأ الدم يسيل من مكان العضة ويكرر ذلك في الساق الأخرى فيتكرر صياح ناجي وسيلان الدم، وجبران نشوان جذلان).

المحقق: إنني ذاهب يا شباب، يجب أن يتكلم قبل الصباح، أخبروني إذا حدث شيء جديد.

(يخرج من قاعة التعذيب)

(يتقارب الجلادون الثلاثة ويتشاورون بصوت هامس حتى لا يسمع ناجي)

جبر: هل سيعاقبنا الرئيس إذا لم يتكلم هذا الشيخ؟

أبو جاسم: ربما.

جبر: لقد بدا الرئيس غاضباً جداً.

أبو عنتر: سنجرب عليه جميع الوسائل حتى يتكلم.

جبر: أشعر أنه عنيد جداً ولن يتكلم. لا فائدة من التعذيب.

أبو عنتر: لا نقطع الأمل.

جبر: إنه سيصمت حتى النهاية.

أبو عنتر: ولكنه يصيح من الألم، وهذا بداية الانهيار.

جبر: لا علاقة للصراخ بالعزم على الصمت. على كل حال سترون.

أبو عنتر: عندي حل.

أبو جاسم: هات.

أبو عنتر: ولكنه حل خطر.

جبر: أعتقد أنه لن ينفع أي حل.

أبو جاسم: يئست بسرعة يا جبر؟ لم أكن أظنك كذلك هات يا أبا عنتر.

أبو عنتر: لنتكلم بيننا بصوت يسمعه ناجي، ويظن أننا لا نريد إسماعه، ولنقل إننا سنضربه هذه الليلة كلها، ولن تشرق الشمس إلا وهو ميت أو متكلم.

جبر: ثم ماذا إذا لم يتكلم؟

أبو عنتر: نطبق ذلك عملياً.

أبو جاسم: حل رائع.

جبر: إنه حل خطر.

أبو عنتر: نعم إنه خطر، ولكنه سيثمر، ولن يستمر ناجي في الصمت إذا رأى فعلاً إننا جادون.

جبر: وإذا لم يتكلم؟

أبو عنتر: سنستمر في التعذيب المرعب.

جبر: أظن أنه سيموت.

أبو عنتر: لا أظن ذلك.

جبر: أؤكد لك أنه سيموت، وسيسبب ذلك مشكلة للدولة ولجهاز الأمن.

أبو عنتر: أنا أتحمل المسؤولية.

أبو جاسم: وأنا أشاركك.

جبر: وظيفتنا التعذيب وليس القتل. القتل يحتاج إلى ترخيص من الرئيس.

أبو جاسم: صار جبر رقيق القلب! يجب يا جبر!

أبو عنتر: هذا ما يظهر لي أيضاً.

جبر: لا علاقة للقلب بالموضوع. فقط أخشى المسؤولية.

أبو جاسم وأبو عنتر (معاً): على مسؤوليتي.

جبر: لكم ما تريدون.

أبو عنتر: سننفذ الخطة (يرفع صوته بحيث يسمع ناجي متظاهراً بأنه لا يزال في حديث هامس): وهكذا إذا بقي صامتاً فسيدفع الثمن.

أبو جاسم (متشبهاً بأبي عنتر): يبدو أن التعذيب لن يجيد معه، سنضربه حتى يموت.

أبو عنتر: لن تشرق عليه الشمس إلا ميتاً.

أبو جاسم: لنبدأ.

(يأخذ أبو عنتر عصا غليظة وينهال ضرباً على وجه قدمي ناجي وناجي يصيح من الألم)
جبر: ابن الكلب.

أبو جاسم: سنجعله يعوي بدل الكلام.

(يخرج أبو جاسم من جيبه سكيناً صغيرة ويبدأ يغرز في يدي ناجي وأعلى صدره وفخذيه، وناجي يصرخ ويئن، والدماء تسيل، وأبو عنتر منهمك في الضرب على قدميه، وأبو جاسم يتسلى بإسالة الدم حتى خف صراخه وهم مستمرون، ثم توقف صراخه نهائياً، ثم توقف أنينه).

أبو عنتر: جاء دور الماء. (يرش عليه الماء).

أبو جاسم: لقد سكت.

جبر: أغمي عليه.

أبو عنتر: إنه خبيث، لقد سكت لتتوقفوا.. استمروا.

(يستمر أبو عنتر وأبو جاسم في الضرب وإسالة الدماء حتى تكونت بقع واسعة من الدم تحت قدمي ناجي، وناجي لا صوت منه، حتى مضت مدة).

جبر: انظروا لقد تغير لونه.

أبو عنتر: أصفر لونه من نزف الدم استمروا.

جبر: بل أخشى أن يكون مات.

(يتقدم نحو ناجي ويجس جسمه)

جبر: بارد كالثلج، لقد مات.

أبو جاسم: مات؟

أبو عنتر: غير معقول.

(يتقدم أبو جاسم ويضع أذنه على صدره فوق بقع الدماء المتجمدة).

أبو جاسم: لقد مات، الحق على أبي عنتر.

أبو عنتر: لم اكن أتصور أن يموت بهذه السرعة.

(يخرج جبر مسرعاً ويغيب قليلاً ثم يأتي خلف الرئيس).

المحقق: هل مات حقاً؟

(يسكت الجميع، فيقترب من ناجي ويجسه).

المحقق: لقد مات فعلاً نحن لم نؤمر بغير التعذيب، ولم يردنا أي أمر بالقتل.

جبر: لقد تحملا المسئولية معاً.

أبو عنتر: بل اشتركنا جميعاً. سيدي إنه كان يريد أن نقف عن التعذيب.

أبو جاسم: سيدي إننا نرجوك أن لا تعاقبنا نحن رجالك.

جبر: ولكن الخبر سيعرف.

المحقق: لا عليكم سأتدبر الأمر مع السلطات المختصة.

أبو عنتر: من الأفضل أن نعلن أنه انتحر في السجن.

المحقق: أنت مغفل، ولكن رفاقه يشهدون أننا قتلناه.

أبو عنتر: ما العمل إذن؟

المحقق: يجب أن يسكتوا عما رأوا.

أبو جاسم: هل هناك أمل في سكوتهم؟

المحقق: أمل كبير.

أبو عنتر: كيف؟

المحقق: دعوا الأمر لي.

أبو عنتر: عشت للثورة أيها المفكر العظيم!

أبو جاسم: هل كانت حياته تستحق اهتمامكم يا سيدي؟

المحقق: حياته كانت مهمة لأنه كان يملك معلومات ثمينة. كنا نريد أن يتكلم. لقد أضعتم علينا كنزاً ثميناً.

أبو جاسم: إذن أضعنا عليكم معلومات ثمينة يا سيدي؟

المحقق: نعم. إن الموضوع موضوع معلومات فقط. ومن جهتي لم يكن عندي مانع من أن يموت، لكن بعد الإدلاء بأسرار هامة.

أبو عنتر: نحن نستحق عقوبة كبيرة، ولكنكم مسامحون يا سيدي، ما أرق القلب الكبير!

المحقق: أنتم رجالي، ولن أتخلى عنكم لأجل مجرم مثل هذا، ثم إننا نحسب لكل احتمال حساباً.

أبو جاسم: شكراً لكم يا سيدي.

أبو عنتر: أنت ولي نعمتنا يا سيدي.

*    *    *

المشهد الخامس

حادث سيارة

الشخصيات:

* ثلاثة رجال.

* المكان: مقهى.

(ثلاثة رجال جلوس متحلقون حول طاولة، أمامهم الشاي، وقد نشروا جريدة بين أيديهم).

أحدهم: شباب اليوم طائش جداً. رحم الله أيامنا. لقد كان الشاب فيها عاقلاً متزناً.

آخر: هذا صحيح. أساليب التربية هي السبب. كانت تربيتنا تربية رجال. وأما هؤلاء..

الأول: تربيتهم تربية نساء. إنهم مائعون. رحم الله أيامنا.

الثالث: ما هي المناسبة؟

الأول: مناسبة الحديث هي هذا الخبر الغريب.

الثالث: ماذا يقول الخبر؟

الأول: إنه يحكي طيش شباب هذه الأيام وجنونه.

الثاني: اقرأه لنا.

(يأخذ الأول الجريدة، ويبحث عن المكان المقصود، ثم يقرأ لأصحابه):

(منذ أربعة أيام أقدم أربعة شبان على سرقة سيارة يملكها قريب لأحدهم وخرجوا بها من المدينة إلى جهة مجهولة، ويبدو أن الذي تولى سوق السيارة لم يحسن قيادتها جيداً، ففي أحد المنعطفات في طريق جبلي انزلقت السيارة وهوت في بطن الوادي. وقد تهشمت السيارة ومات جميع من فيها. وقد خرجت لجنة من رجال الأمن يصحبهم الطبيب الشرعي وتم الكشف عن السيارة والجثث. وكان الجميع يحملون ما يثبت شخصياتهم. وستقوم السلطات بتسليم الجثث إلى ذويهم).

الثاني: خبر رهيب.

الثالث: ومع ذلك فإنك لن تجد من يتعظ به.

الثاني: من هم الأربعة؟ لا أجد ذكراً لأسمائهم.

الأول: الأسماء مذكورة تحت الصورة. أنظر إلى صورتهم مع السيارة المحطمة.

الثاني: أعطني الجريدة.

(يناوله الأول الجريدة فيتمعن فهيا ويرفع حاجبيه مندهشاً):

الثاني: شيء لا يصدق، أحدهم جارنا، إنه زهير.. لا أصدق إنه اشترك في سرقة سيارة.

الأول: لا تصدق؟ والصورة؟

الثاني: ولكنه كان مستقيماً جداً.

الثالث: لا تغرنك المظاهر. العبرة بالعمل يا سيدي. العبرة بالعمل.

الثاني: لا بد أن في الأمر سراً.

الثالث: ماذا تريد أن تقول؟

الثاني: الحقيقة أنني لا أدري. لكنني لا أتصور مطلقاً أن يشترك جارنا في عمل شائن كهذا العمل. يخطر لي. يخطر لي مثلاً أن يجهل أن السيارة مسروقة. أما أن يشترك عن علم فهذا يشبه المستحيل.

الأول: لا مجال للتأويلات الغريبة. شاب من أبناء الحضارة سرق. ماذا في ذلك؟ ولماذا لا تصدق؟ فقط لأنه كان يتظاهر لك بالاستقامة لا قيمة للظواهر يا صديقي.

الثلاث: أكثر الناس يلبس لبوس الحمل ويخفي حقيقة الذئب.

الثاني: لو عرفتموه لغيرتم رأيكم. لا بد أن في الأمر سراً.

 

             

الهوامش:

* معتقل من عام 1976

(1) يقصد التحدي ويرفض المساومة، لا جدية طلب الانضمام.

(2) هذه هي وجهة النظر الشرعية الإسلامية، كما نصّ عليها العلماء استنباطاً من عددٍ من الأدلّة.