وحدة التراب.. والمصير

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

مسرحية من مشهدين

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

المشهد الأول :

حافلة ركاب (باص ركاب عام )على طريق سفر بين حلب ودمشق

الركاب منهم من يتسلى مع صاحبه  ومنهم من يقرأ في جريدة أو كتاب  ومنهم من اختار النوم لحين الوصول

 السائق يدندن مع صوت المذياع

المذياع يقرع آذان الركاب بصوت مغن يقول :  الأرض بتتكلم عربي الأرض .. الأرض

فجأة يتوقف الباص

قال أحد الركاب : ما الأمر ؟

مساعد السائق : تفتيش .. أخرجوا الهويات .. واستعدوا .. حاجز طيار

جندي مدجج في باب الباص : كل واحد هويته بيده .. بسرعة

جندي آخر يصعد الباص , يدقق في هويات الركاب ثم يرميها في وجوه أصحابها

أحد الركاب : لم يعجبه تصرف الجندي أراد أن يعترض

الجندي : يدفعه إلى المقعد .. اجلس ( بلا فزلكة)

الراكب : يتميز غيظا يريد أن يفعل شيئا لكنه لا يستطيع , فيسكت على مضض

الجندي : يدقق في هوية أحد الركاب , ويسأله : من اين أنت ؟ 

الراكب : أنا من حلب !!

الجندي : أعرف يا وقح أسألك عن جنسيتك !!!

الراكب في دهشة : أنا فلسطيني  عربي   من مواليد  مخيم عين التل ــ حلب

الجندي بلهجة ساخرة : آه .. فلسطيني .. قولتلي .. ومن مخيم عين التل في حلب .. تفضل سيدي  تفضل انزل

الراكب : إلى أين ؟  ولماذا !!؟

الجندي : يدفعه برجله خارج الباص .. انزل ... ثم يقول لزميله : استلم .. فلسطيني

الجندي على الأرض :شّرف سيدي .. شّرف أهلا وسهلا .. ويبدأ بضربه ولكمه وشتمه ..

الجندي ينزل من الباص : يقول للسائق : اسحب .. الله معك

السائق: والرجل .. الا ننتظره ؟

الجندي: قلت لك  اسحب بسرعة

السائق : يتابع قيادة الباص ويقول.. ماذا فعل المسكين .. الله يكون في عونه

الركاب : في عجز تام  عن التعليق .. المفاجأة عقدت ألسنتهم

السائق : يرفع صوت المذياع من جديد  ما زال الصوت يردد: الأرض بتتكلم عربي .. الأرض

أحد الركاب معلقا : الأرض بتتكلم عربي , لكن هؤلاء لا يفهمون عربي .. لا يفهمون غير العبري

السائق : استرنا الله يسترك .. استرنا الله يخليك .. ويشير إلى صورة صغيرة فوق رأسه : انظر إلى الصورة .. إنها تسمع وترى .. والكلام يصل إلى أصحابه .. إنها صورة الرئيس ...

الراكب : غلب على أمره .. يلتفت حوله .. ثم يهمس قي أذن السائق باستهزاء : تشرفنا .. تشرفنا

أحد الركاب من الخلف يناشد السائق : أنا داخل على عرضك .. أسكت المذياع .. فهمنا .. الأرض بتتكلم عربي .. ونحنا ما لنا .. اسكته أخي أسكته

تسدل الستارة  وتطفأ أنوار المسرح  ويعطى الحضور فرصة لاستيعاب المشهد

المشهد الثاني :

في قسم التحقيق :

غرفة شبه مظلمة ـ يسلط الضوء على طاولة الضابط المحقق ـ الجدران مليئة بالدماء ـ حزمة من العصي خلف المحقق ـ دولاب سيارة بجانبه على الأرض ـ جلاد يقف متحجرا ينتظر أوامر الضابط المحقق

المحقق: أين المتهم يا عسكري ؟

عسكري : يفتح  باب الغرفة ويدفع إلى داخلها بشاب رث الثياب .. أشعث الرأس .. كث اللحية .. خائر القوى

المحقق : ما اسمك .. ولا

الشاب : اسمي محمود موسى رمضان

المحقق: يتمتم فلسطيني قذر  ثم يسأل : مواليدك

الشاب : مواليد حلب مخيم عين التل الفلسطيني  عام   1991

المحقق: شهاداتك   تحصيلك العلمي

الشاب : ثانوية عامة ...طالب في كلية طب الأسنان في دمشق

المحقق: قل لي منذ متى وأنت مع أولئك الكلاب ؟

الشاب : من تقصد سيدي ؟

المحقق: أنت عضو في حركة حماس قل لي متى انتسبت إليها  وكيف ؟

الشاب : ومن قال أني انتسبت لحركة حماس !!؟

الجلاد : يصفع الشاب من خلف بقوة  أجب سيادة المحقق يا كلب وبلا فزلكة

الشاب : يشعر بدوار شديد في رأسه من أثر الصفعة .. يلوذ بالصمت

المحقق: يبدو أنهم جميعا ماركة واحدة لا ينطقون حتى يعصرون  أطلق لسانه  يقول للجلاد

الجلاد : حاضر سيدي .. يبدأ بجلده بقوة بكابل نحاسي مجدول باتقان .. الضرب عشوائي  على الرأس ..على الوجه.. على الظهر , على الأرجل كيفما اتفق .. دون رحمة

الشاب : يتألم .. يتأوه .. يا رب .. يا رب .. ثم يغمى عليه

المحقق : صحيه لهالكلب .. صحيه

الجلاد : حاضر سيدي .. ثم يدلق فوقه دلوا من الماء

الشاب:  يصحو .. ينطق بالشهادة ( لا إله إلا الله ــ محمد رسول الله )

المحقق : يزداد غيظه .. ولاك كلب .. ما هي المهمة التي كلفتك بها حماس ؟

الشاب : أنا لا أعرف حماس ولا أعرف أحدا منها

الجلاد : يصفعه بقبضة يده بقوة على صدره .. أجب المحقق يا حقير

الشاب :  يتألم .. يا رب .. يا رب..

المحقق: هؤلاء الفلسطينيون الكلاب لا ينطقون حتى يدعسون ويفعسون بالأقدام .. ضعه في الدولاب

الجلاد : حاضر سيدي .. يكبل الشاب بالدولاب يسرعته التي تدرب عليها ثم يبدأ بجلده بالكابل المجدول على جميع أعضاء جسمه وبالأخص قدميه وساقيه  والشاب يستغيث بالله  ويصرخ من الألم

المحقق : أرح نفسك من العذاب .. واعترف  نحن هنا في سوريا الأسد   تقاريرنا لا تكذب .. وهذا التقرير أمامي يذكر أنك عضو في حماس ومكلف بمهمة

الشاب : أنا لا أعرف حماس .. ولا علاقة لي بأحد

المحقق : قلت لك تقارير سورية الأسد لا تعرف الكذب  واعلم أن دولة الممانعة بالمرصاد لكل متآمر اعترف أفضل لك .. اعترف

الجلاد : يواصل ضربه وجلده وهو يردد : اعترف.. اعترف.. اعترف..

الشاب : يغمى عليه من جديد وهو يقول يا الله .. يا الله .. يا رب ..

المحقق للجلاد : اشحطه إلى الزنزانه .. لعله إذا هدأ يتذكر شيئا

الجلاد : حاضر سيدي .. يشحط الشاب وهو مغمى عليه  ويرميه في زنزانة مظلمة

تسدل الستارة قليلا ثم ترفغ

بعد عدة أيام

الشاب الفلسطيني يمثل أمام محقق آخر

المحقق: اسمك.. سنك   تحصيلك العلمي

الشاب يرد عليه بما طلب

المحقق: يجب أن تعلم أنت وغيرك أن سورية الأسد  سورية الصمود والممانعة عصية على المؤامرات  قوية برئيسها وجيشها وحريصة على الدفاع عن قضايا الأمة وترابها وعلى الأخص القضية الفلسطينية التي هي الروح والقلب  لذا قررنا مبدئيا أن نخلي سبيلك لتعود إلى دراستك .. وإياك أن تمارس أي نشاط معاد وهدام   اتفهمني ؟

الشاب : نعم سيدي .. شكرا لك

المحقق: أخرس لم أفرغ من كلامي بعد ... أقول : ستبقى سورية عرين الأسد .. قلعة الحرية والأحرار هل فهمت ؟

الشاب:  فهمت سيدي ( يقول في سره : إنه أغبى من صاحبه بمئات المرات )

المحقق : لهذا .. حتى تعيش هنا  لا بدّ أن تحافظ على سلامة القلعة الأسدية واعلم أنه لا أحد سيحرر فلسطين إلا سيادة القائد المفدى الممانع الأوحد والعدو الأول لأسرائيل ومن خلفها

الشاب : سأفعل سيدي ( الاستماع إلى الأغبياء أقسى من التعذيب الوحشي )

المحقق : وكل المطلوب منك أن تفتح عيونك وآذانك على كل شاردة وواردة من تصرفات رفاقك في الكلية وتدون ذلك في تقرير لا يطلع عليه أحد غيرنا اطمئن.. وتحضره معك الشهر القادم .. مفهوم

اذهب الآن واسترح  ونحن آسفون لما جرى لك  ولكن هذه مقتضيات الحفاظ على سلامة البلد وسلامة قائده المفدى  أكررأسفي مرة أخرى .. مع السلامة لا تنسى أن تراجعنا نهاية الشهر القادم

الشاب : ولكن ..

المحقق: ما بك   ألم يعجبك كلامي ؟

الشاب : نعم يا سيدي .. ولكن لا أستطيع المشي .. فكيف أذهب

المحقق : يضحك .. الآن عندما تصبح في الخارج سوف تجري مثل البغل .. هيا انقلع ..

انتهى .. تسدل الستارة ... مؤقتا .. وسوف تسدل قريبا على النظام كله بإذن الله.