أنا مسلم.. رضيت بجوار الله

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

مسرحية من مشهدين

أنا مسلم.. رضيت بجوار الله

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

المكان:  في حينا

الزمان: في رمضان

الأشخاص:  أهل حينا ( الحاج علي ... أبو فارس .. أبو تيسير )

المشهد الأول :

المصلون يخرجون من المسجد أفرادا وجماعات

الحاج علي :  أشهد أن لا  إله إلا الله  وأن محمدا رسول الله , اللهم تقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا يارحيم  .. آمين .

أبو فارس : تقبل الله طاعتكم يا حاج علي

الحاج علي :  منا ومنكم .. كيف انتم مع شهر الصيام ؟

أبو فارس :  أرأيت اليوم ماذا حدث في التراويح ؟ هل هذه أخلاق المسلم الصائم المصلي !!؟
الحاج علي : والله يا أبو فارس كله يعود إلى الجهل بأمور الدين , وبطبيعة هذا الدين , وعظمة هذا الدين , لأن الإقبال على الدنيا بجشع ينسي المؤمن الآخرة وما ينتظره فيها .
أبو فارس : صدقت ... إي والله هو الجهل بهذا الدين , رجل جاء إلى المسجد إلى بيت الله ليصلي وصار في

 ضيا فة رب العالمين  ينبغي له أن يتأدب بآداب المسجد  لأن هذا ليس بيته  ولا دكانه  هذا بيت الله لكل عباد الله !.

الحاج علي : يا أخي   المؤمن يمتاز بحساسية فريدة لكل صغيرة وكبيرة من أمور الحياة  سواء في بيته أو في عمله أو في مسجده .

ابو فارس : ياحاج علي .. المسلم يأتي إلى المسجد للعبادة والصلاة وطلب الرحمة والتوفيق من الله فهو ليس في نزهة  ليس في بستان ولا منتزه ولامكان للتسلية حتى يزاحم ويشاغب ويرضى ويزعل ..

الحاج علي : هذا صحيح  الواحد منا بحاجة لأن يعرف ويدرك أنه في رحاب الله ومعيته واي تصرف واي حركه محسوبة له او عليه

ابو تيسير : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحاج علي وابو فارس : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

ابو تيسير : تقبل الله طاعتكم.. صحيح الجو في المسجد حار  ولكن الإنسان وهو في ضيافة الرحمن تنتعش روحه , يشعر بالسرور والسعادة مع أهله وأحبابه من المسلمين وهم يصلون  ويتلون القرآن ويكبرون ويسبحون وكلهم أمل بمغقرة الله ورحمته

الحاج علي   :  هذا ما كنا نتحدث عنه  , في الحر يتذكر المرء حر جهنم فتنفر روحه من كل عمل يؤدي إليها ويقبل على الطاعة والعبادة كما يتذكر الضعفاء الفقراء الذين لا يملكون ما يرد عنهم شر الحر او البرد فيسال الله العافية ويشكره على النعمة

 أبو فارس : تمام .. يجب أن يستحضر المؤمن هذا المعنى عند شعوره بالحر  صدقت والله يا حاج علي
الحاج علي :  ليس هذا فحسب حتى البرد حتى المرض حتى الوعكة أو الشوكة التي تصيب الإنسان تكون دافعا له كي يتذكر نعمة الله عليه ويتذكر إخوانه من أصحاب البلاء , فيكون بذلك موصول دائما بالله ومعتصم بحبله المتين  فيساعد الضعيف  ويعين المسكين ويرحم اليتيم  و و و

ابو تيسير : عندما يشعر الإنسان بحلاوة النعمة  يشكر الله عليها ويحمده على نعمه الكثيرة التي لاتعدّ ولا تحصى ويشارك غيره فيها ليكون شاكرا  بحق يالإحسان والصدقة وبذل الخير  وكله بأجره وثوابه

أبو فارس :  لا فض فوك يا أبا تيسير  صدفت ( وبالشكر تدوم النعم )
الحاج علي : لقد وصلنا إلى البيت تفضلوا نكمل حديثنا عندنا  تفضلوا  أهلا سهلا
يدخل الجميع مع الحاج علي إلى بيته

تسدل الستارة    انتهى المشهد الأول

المشهد الثاني

غرفة مضاءة   نوافذ مفتوحة  التهوية جيدة  الجميع جلوس

الحاج علي : أهلا وسهلا  ومرحبا   كنا نتحدث عن حساسية المسلم تجاه إخوانه فيحال الصحة والمرض والفقر والغنى  والبؤس والنعيم  يحمد الله عز وجل ويشكره ويتذكر إخوانه ممن أصيبوا مثله أو اشد منه ويطلب العون والعافية له ولإخوانه  كما يرجو الأجر والثواب  والمدد من الله تعالى له ولجميع المسلمين

أبو تيسير :  ولكن بني آدم إنسان تمر عليه  أوقات عصيبة  وظروف قاهرة تخرجه عن طوره

الحاج علي : نعم  الله عز وجل يريد أن يكون المرء إنسانا بصفات الإنسان  وطبيعة الإنسان  يريد منه أن يبتعد عن الحيوان  وتصرف الحيوان ومتطلبات الحيوان من أكل وشرب  ومرتع فقط  يريد منه أن يكون إنسانا بلحم ودم ونفس وروح يريد منه أن يسمو فوق متطلبات الحيوان البهيم   وإلا كيف يمتاز عنه ويسمو عليه إذا تصرف مثله !!؟

أبو فارس :  بل كيف يكون جديرا بكرامة الله عز وجل , الله يقول : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرممن خلقنا تفضيلا ) سورة الإسراء

وارسل لرعايته وهدايته الرسل  وأنزل الكتب والشرائع ليتمسك بها فلا ينجر وراء حيوانيته بل يسمو بروحه إلى أنسانية مكرمة مرعية معتنى بها

أبو تيسير : الذي أعرفه أنا  أن المسلم الحق لا يرى سعادته إلا في سعادةالآخرين  ولا ينعم بنعم الله إلا بمشاركة إخوانه المسلمين  بها , أما إذا عاش لوحده  وتصرف لوحده فإن الرهق والتعب والبؤس والشقاء يرا ه  مفروشا أمامه أينما ذهب وكيفما توجه
الحاج علي : لهذا فإن أخانا هذا الذي تأفف في المسجد من الحر  وضايق غيره من المصلين بل وأساء إلى مجموعة منهم بتصرفه  وكأن المصلين هم المسؤولون عما أصابه من الحر والضيق

إنه أخطا بحق نفسه وبحق إخوانه وبحق المسجد وعليه الإستغفار والتوبة والإعتذار

أبو فارس : ورسولنا الكريم وجهنا صلى الله عليه وسلم توجيها إنسانيا بليغا عندما فال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه  )

الحاج علي : بهذه المناسبة أحب أن أذكركم بقصة الصحابي الجليل عثمان بن مظعون هل سمعتم به ؟

أبو تيسير : تفضل يا حاج علي تفضل هات.. حدثنا

الحاج علي : عثمان بن مظعون رضي الله عنه صحابي جليل وله مكانة في قومه فلما أسلم تعرض له كفار قريش بالأذى ليصدوه عن دينه   والقصة باختصار أن عثمان أراد أن يهجر مكة وكفار مكة ويفر بدينه وإيمانه

أبو فارس :  لاحول ولا قوة إلا بالله  كم من المسلمين يفرون بدينهم إلى الله ويتركون الأهل والمال والولد

ابو تيسير : هل هذا تصرف إنساني أن يؤذى الرجل من أجل معتقده ودينه بل ويقتل في أحيان كثيرة أو يسجن ولا أحد يعلم عنه شيئا

ابو فارس : هذا منتهى الإنحطاط الأخلاقي والإنساني الذي يأباه حتى الحيوان الأعجم  فالناس يولدون أحرارا ويتوجهون بالفطرة السليمة إلى خالقهم  ورازفهم  ومعينهم  فكيف يمنع الإنسان من هذا !؟
الحاج علي : وهذا ما كان يعتقده الصحابي الجليل عثمان بن مظعون وكل إخوانه من المسلمين لذلك قرر أن يفر بدينه
وفي الطريق لاقاه أحد كبار المشركين وعلى ما أذكر اسمه المطعم بن عدي  له صولة وجولة وسيادة في قريش

قال لعثمان : أين تريد يابن أخي ؟ قال له عثمان : أريد أن أهجر مكة وأفر بديني لأن قومك زعماء مكة يمنعونني من عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام

أبو فارس : حسبنا الله ونعم الوكيل  هل لامه المطعم بن عدي ونهره وطلب منه أن يبقى على دينه السابق  يبقى على عبادة الأصنام والخضوع للأزلام  ؟

الحاج علي : لا...لا .. بل رقّ له لأنه يعرف قدره  فقال له : مثلك لا يخرج مكرها من بلده

أبو تيسير : هل يبقى إذن يتحمل الأذى والعذاب والهزء والسخرية ؟

الحاج علي : قال له المطعم بن عدي : ارجع يابن أخي ولك علي أن أمنعك من أهل مكة  أرجع وأنت في جواري

أبو تيسير : الله أكبر .. الله أكبر قلب الكافر يأبى الظلم ولا يرضاه لأبناء بلده !!
أبو فارس : هذا لأن المطعم بن عدي يعرف قيمة الرجال وأقدارهم وأوزانهم لذلك كبر عليه أن يخرج رجل مثل عثمان من بلده مكة بسبب معتقده

الحاج علي : قال المطعم بن عدي لعثمان : ارجع يابن أخي وانت في جواري ولن ينالك أذى أو مكروه

رجع عثمان مع الرجل حتى وصلا الكعبة وعندها زعماء قريش فنادى المطعم بأعلى صوته : هذا عثمان اراد الفرار من مكةبدينه وقد أجرته فهو في جواري من آذاه فقد آذاني ومن تعرض له فقد تعرض لي , هذا فليعلم شاهدكم غائبكم

أبو فارس : الله أكبر .. الله أكبر .. وماذا فعل عثمان بعد ذلك ؟
أبو تيسير : لا شك أنه كان يسير ويتجول في مكة آمنا   لا يتعرض له أحد بأذى أو سوء 

الحاج علي :ولكن عثمان الرجل المؤمن المسلم كان يمر في طرقات مكة ودروبها فيرى إخوانه المسلمين المؤمنين الضعفاء يتعرضون لأبشع أنواع الأذى والتعذيب الوحشي وهو آمن معافى لأنه في جوار المطعم بن عدي

 أبو فارس :  والله هذه نعمة من الله أنعمها عليه
الحاج علي : لآ.. لا.. اصبر قليلا   ألم أقل لكم أن المسلم المؤمن يتميز بحسا سية خاصة عالية تجاه نفسه وتجاه إخوانه ؟

أبو فارس: نعم قلت ذلك   إذن ماذا فعل سيدنا عثمان وهو يرى إخوانه يتعذبون وهو آمن لا أحد يناله بسوء ؟

الحاج علي : فكر عثمان .. فكر مليا  ثم خرج بنتيجة على كل مسلم أن يتدبرها

أبو تيسير : وإلى أين وصل يا حاج علي وما هي النتيجة التي خرج بها بعد طول عناء وتفكير ؟

الحاج علي :قال بإيمان وقوة يقين : اسير أنا في طرقات مكة ودروبها آمنا بجوار كافر وإخواني من المسلمين يعذبون ويؤذون ؟ والله إن هذا لنقص كبير في إيماني  نعم إنه نقص كبير في إيماني

أبو تيسير : متفكرا متمتما : إن هذا لنقص كبير في إيماني .. ثم ينتفض .. الله أكبر .. الله أكبر ,.. وماذا فعل يا حاج علي ؟
الحاج علي : ذهب على الفور إلى المطعم بن عدي وقال له : لقد رددت عليك جوارك !  فال المطعم بن عدي متعجبا :

ولم يابن أخي !! هل آذاك أحد ؟  هل تعرض لك أحد ؟ قال عثمان  لا   لقد رددت إليك جوارك    ورضيت بجوار الله وحده
أبو فارس : بأعلى صوته   الله أكبر .. الله أكبر .. هذه عزة المسلم التي نبحث نحن عنها  نعم جوار الله وحده فقط

ونعم بالله .. ونعم بالله
أبو تيسير : ما أعظم هذه اللفتة الإيمانية الراقية لو أننا عملنا بها وتمسكنا بها بصدق ويقين لما كان حالنا هكذا
نلهث وراء الشرق والغرب نطلب منهم الحماية والرعاية والمعونة وننسى ربنا ورعاية ربنا  لوأنا قلنا جميعا : رضينا بجوار الله   رضينا بجوار الله   لكان رصيدنا من العزة والكرامة يسع الإنسانية كلها

أبو فارس : ماذا فعل المطعم بن عدي وماذا كان رده

الحاج علي :  المطعم بن عدي سيد في قومه ورجل عاقل قال لعثمان : يابن أخي أنا أجرتك عند الكعبة أمام زعماء قريش فهلم بنا إلى الكعبة ورد علي جواري أمام زعماء قريش  كما أجرتك أمامهم   قال عثمان أفعل

 أبو تيسير : ماذا حدث بعد ذلك ؟

الحاج علي : ذهب عثمان مع الرجل حتى وصلا الكعبة وحولها زعماء قريش  قال المطعم بن عدي : هذا عثمان يزعم أنه ردّ إلي جواري  أليس كذلك يا عثمان ؟ قال عثمان نعم رددت عليه جواره  ورضيت بجوار الله وحده

أبو فارس : لا شك أن كفار قريش قد فرحوا بذلك ؟

الحاج علي :  نعم فرحوا وقاموا من فورهم وتجمعوا على عثمان يضربونه ويركلونه ويشتمونه حتى أدموه وجرحوا له عينه   والمطعم بن عدي ينظر مشفقا على عثمان
أبو فارس : الم يفعل له شيئا ؟
الحاج علي : وماذا يفعل ... تقدم من عثمان بعد المعركة غير المتكافئة وقال له : لقد كنت في مأمن وأنت في جواري يا عثمان   لقد كانت عينك في غنى عن كل هذا

أبو تيسير : وماذا قال له عثمان ؟ هل أظهر له ندمه ؟
الحاج علي : لا .. على العكس .. بل قال له بعزة المؤمن : والله إن عيني السليمة لمشتاقة إلى ما أصاب أختها في الله

إن عيني السليمة تغبط أختها على ما أصابها في سبيل الله

 أبو فارس : والله إنه لدرس جدير بالتفكير والآقتداء , وماذا قال المطعم بن عدي بعد كل هذا ؟
الحاج علي : لم يقل شيئا    لوى عنان فرسه وهو يقول في دهشة وعجب :

لم ار في حياتي أحدا كأصحاب محمد ثباتا ويقينا    لم أر في حياتي أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا

تسدل الستارة    انتهى