بياع البعر

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

مسرحية من ثلاثة مشاهد

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

المشهد الأول

الأشخاص: الأستاذ صطوف رئيس المكتب  .. الأستاذ باسل العمر .. الأستاذ أبو كامل .. الفراش مأمون

المكان : غرفة مكتب عادية في مبنى بلدية .. خزائن مليئة بالأوراق والملفات والدوسيات .. ثلاثة طاولات مكتب

الموظفون الثلاثة كل وراء مكتبه منهمك بعمله , يدخل الفراش مأمون وبيده صينية القهوة

مأمون : السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة أسعد الله صباحكم , أحسن فنجان قهوة للأستاذ صطوف  تفضل , ويضعه على الطاولة أمامه

صطوف : شكرا يا مأمون أصلي ..أنت أصلي يا مأمون

مأمون : يقدم القهوة للأستاذين الآخرين ثم يلتفت إلى الثلاثة ويقول :

الحقيقة أن هذه الغرفة الوحيدة في الدائرة المسكونة بالذوق .. كلها ذوق يا ذوق

الجميع يضحكون

باسل :  ابن  حلال مأمون هذا

صطوف : ابن حلال وابن أصل كمان

أبو كامل : هذا واضح من قهوته

يضجكون

باسل : هل سمعتم آخر اشاعة ؟

صطوف : اشاعة أم حقيقة ؟

باسل : اشاعة

أبو كامل : وماذا تقول هذه الإشاعة ؟

باسل : تقول أن سيادة المدير أبو عزمي سوف ينقل من البلدية إلى الوزارة

أبو كامل : ومن رئيس البلدية الجديد ؟

صطوف : (عم بيفصلوه ما جهز) (بس صار جاهز لحالو بيجي)

يضجكون

أبو كامل :  ومن صاحب هذه الإشاعة يا سيد باسل ؟

باسل : والله هذا الذي سمعته (ويا خبر بفلوس بكرة ببلاش)

صطوف : صدقت ... ولكن  أبو عزمي في الحقيقة يا جماعة لا يعّوض

أبو كامل : معقول !!؟ بعد كل الإصلاحات التي أجراها في المدينة وفي البلدية !!؟
حرام  .. دعوه على الأقل يستمتع فيها , ويرى نتيجة عمله  !!

باسل : يقولون ــ ويتكلم بصوت هامس ــ أن الحزبيين غير مسرورين بوجوده في البلدية , قطع رزقهم , ولذلك يحاولون التخلص منه  !

صطوف : هذا شيء مؤكد فهو إنسان نزيه وشريف  وهم يريدون أن (يبلعوا) (وينهبوا) وأبو عزمي لايمكنهم من ذلك
ابو كامل : هذا سبب رئيسي للتخلص منه وعلى الأخص أن البلدية مرتع خصب للحرامية واللصوص

باسل : على كل حال فليستلم البلدية من شاؤوا فعملنا معروف (وما لهم عندنا خبزة)

صطوف : لم يبق في البلد مكان ولا دائرة ولا مؤسسة إلا أفسدوها وأدخلوا فيها الفساد والفاسدين

فجأة يفتح الباب ويدخل الأستاذ أبو عزمي السلام عليكم  حياكم الله كيف أحوالكم ؟

الجمبع : وعلبكم السلام ورحمة الله وبركاته  وقفوا   تقدموا منه    صافحوه  ثم قدم له صطوف كرسيا وقال : تفضل أجلس    أهلا وسهلا

باسل : كيف الحال أبو عزمي    والله زمان

أبو عزمي : منذ أكثر من شهر وأنا أنوي زيارتكم في غرفتكم , فأنتم أعزاء على قلبي كما تعلمون , ولكن الأعمال والمشاغل لم تمنح الفرصة

صطوف : تسلم يا أبو عزمي ,اهلا وسهلا بك في كل وقت   ويا ليتك تزورنا في بيتنا  أبو كامل : إي والله  منتشرف بزيارتك يا أبو عزمي والله يشهد

أبو عزمي : زادكم الله شرف    ولكن يا أخوان أحمل لكم خبرا مزعجا بعض الشيء

ياسل : خير ... خير أبو عزمي ؟

أبو عزمي : لقد فعلها الأوباش .. تمكنوا من إقناع الوزارة لإبعادي عن البلدية ونقلي إلى مكان آخر

صطوف : نقلك.. مكان آخر ... فعلوها أولاد الكلب .. ولكن قسما لن أدع البلدية تخلو لهم .. سأكون شوكة في حلوقهم ما استطعت إلى ذلك سبيلا

أبو عزمي : هون عليك .. هون عليك لا تستطيع مواجهتهم   ولكن إذا هبت العاصفة علينا أن نتجنبها لا أن نواجهها
باسل : الله كريم  وهو لهم بالمرصاد (بحوله وقوته سبحانه)

تسدل الستارة .. تخف الأضواء ... موسيقا حزينه

المشهد الثاني

ترفع الستارة .. الغرفة ذاتها مضاءة فيها :

الأستاذ باسل .. صطوف... أبو كامل

يدخل الفراش مأمون وكالعادة بيده صينية القهوة

الفراش مأمون : السلام عليكم .. أسعد الله صبحكم

     لم يرد عليه أحد

صطوف : هل وصل رئيس البلدية الجديد ؟

مأمون : هو في شعبة الحزب (عم بد شنوه)

باسل : وهل عرفت من هو ؟ مأمون : نعم    " التحفة "

الثلاثة بصوت واحد :  "التحفة " !!!

أبو كامل : يغني ويرقص (وحلو ياليل احلو ... ويا فرح اوصل للجو)

التحفة    فعلا   تحفة    مبروك يا جماعة  !!

صطوف :  (فعلا صار بدها رقصة)

باسل : لماذا كل هذا التبرم ! ومما يشكو التحفة ؟ حزبي .. وكلمته مسموعة... ومحبوب من الرفاق

صطوف : ويده طويييييلة سوف تصل إلى كل شيء

باسل : في هذه الحالة ما علينا إلا أن ننتظر ساعة الخراب (إذا وسد الأمر...)
صوت ضجة وجلبة في البهو الفراش مأمون ينظر ثم ...

مأمون : وصل التحفة يا جماعة    ثم غادر الغرفة مسرعا بعد أن أغلق الباب خلفه عن عمد
صطوف بخبث : ما العمل ؟ هل سنذهب ونسلم عليه ونرحب به ونبارك له ؟

باسل مستنكرا : ماذا؟ نسلم عليه !!كأنك صدقت أنه " تحفة "

أبو كامل : لامرحبا به ولا بالذين أرسلوه !!

فجأة يفتح الباب ويطل عليهم التحفة

التحفة : مرحبا يا رفاق 
الحميع ردوا عليه ببرود : مرحبا

 التحفة : سوف آخذ من وقتكم بضع دقائق   اجتماع في غرفة الرئيس لو سمحتم ويمضي ..

الجميع يضحكون : رفاق .. رفاق دفعة واحدة

تم اللقاء على خير وأعلن التحفة نفسه رئيسا للبلدية  وسارت الأمور برتابة

وبعد مدة أسبوعين أو ثلاثة

صطوف : أرأيت يا أستاذ باسل ؟ التحفة يتقرب مني ويرغبني ويمنيني وأنا أعرف قصده 

باسل : داروا سفهاءكم

يدعوني للإنتساب للحزب ! عال والله (بعد الكبرة جبة حمرة)
باسل : وما كان ردك ؟
صطوف : يخسأ هوّ وحزبه  هل أدخل إلى وكر الفساد بقدمي !!؟

قلت له أعتذر  أنا لا أحب التحزب .. هكذا مرتاح

أبو كامل : إذن لا تنسى كل يوم صباحا أن تحمل في جيبك بعض حبات لوجع الراس

باسل : ولم يا سيد أبو كامل ؟

أبو كامل :  هكذا ... لقد بدأ وجع الراس والمضايقة للأستاذ صطوف منذ الآن

صطوف : سيدي لكل مشكلة حل   لا تقلقوا  أنا مستعد له

أبو كامل : هذا التحفة فعلا كومة فساد متنقل .. حزبي من العيار الثقيل ... وله ذيل ثخين يجيد استعماله ... لا ذمه .. لاأخلاق .. لاضمير  وهناك من يدعمه ويسانده
باسل : عصابة ... عصابة تجيدالتخطيط للنهب والسلب ولا تشبع ولا تحسن إلا النهب والسلب وما يتبع ذلك من أذية

وبعد شهر أو أكثر بقليل

صطوف : لقد بدأ هذا التحفة يضايقني فعلا ولا أستطيع مجاراته  ولا أستطيع ردعه

ولكي أرتاح ليس أمامي إلا حل واحد  فكرت فيه مليا  وأقنعت نفسي بتنفيذه

باسل : وما هو يا سيد صطوف ؟

صطوف : الاستقالة ...

أبو كامل وباسل معا : ماذا ... الاستقالة ... هل تنوي الاستقالة !!؟

صطوف : نعم .. لماذا أتحمل المشاكل ووجع الراس بدون فائدة ؟  عصابة متنفذة لا يمكنني مواجهتها
باسل : ولكن يا أستاذ صطوف كيف ستدبر أمورك فأنت صاحب مسؤولية ( بيت   وزوجة    وأولاد) ولا تجيد عملا آخر  ولا تملك مالا تستعين به

صطوف : الله المستعان المهم أبتعد عن هذه البؤرة الفاسدة

أبو كامل : وماذا ستعمل ؟

صطوف : يضحك .. أعمل ... يا سيدي سأعمل في بيع البعر!!

وهي فكرة طارئة .. نعم سأبيع البعر أنفع وأشرف من وظيفة مع التحفة ورفاقه اللصوص
باسل : ماهذا الكلام يا سيد صطوف   فكر فيها شويه  دوزنها

صطوف : لقد فكرت وقررت وغدا سترى كيف أحول البعر إلى تبروالزبل إلى ذهب وساجعل قيمة هؤلاء اللصوص أقل من البعر بكثيييير  والأيام بيننا !!!   

باسل: ولكن .. بعر !! بيع البعر !؟  أجننت ؟

صطوف :  بيع البعر إي  لماذا أنت مستغرب ؟ قل لي من أنفع وأكثر فائدة   هؤلاء الذين لهم أشكال بني آدم من الأزلام   أم البعر ؟ قل .. أجب

أبو كامل : إي والله كل عشرة من هؤلاء المذكورين لا يعادلون بعرة .. بعرة واحدة

باسل : قل كل أربعين ببعرة ولا تخف يا رجل  ...يضجكون

تسدل الستارة

المشهد الثالث

دكان عادي في صدر السوق , عليه لافتة معلقة بالبنط العريض:

(محلات صطوف المرزوق لبيع البعر والسماد العضوي)

صطوف :  واقف بباب الدكان , يمر به الناس , يقرأون اللافتة , يهزون رؤوسهم ويذهبون وعلى وحوههم ابتسامة ...

مأمون الفراش : مرحبا أستاذ صطوف .. مبروك المحل .. ماذا تنوي أن تبيع فيه ؟ يقرأ مأمون اللافتة  معقول .. معقول يا أستاذ صطوف ... بعر !!؟

صطوف : إي بعر ... البعر يا مأمون ولا وظيفة في دائرة رئيسها " التحفة "

مأمون . معك حق .. التحفة وأزلامه كلهم لا يساوون بعرة .. بعرة واحدة

صطوف :  ها.. ها  هذا أنت قلت ذلك بلسانك

مأمون : يهز رأسه .. "ماشي " على رأيك البعر أنفع منهم

أحد المارة : اين هذا البعر ؟  وكيف تبيعه ؟

صطوف: ساعة .. ساعة واحدة  ويبدأ الإفتتاح... وسوف ترى ما يسرك

الرجل يدخل إلى الدكان .. الجدران مزينة بصور كبيرة لأشجار وأزهار ونباتات

خضراء .. شيء جميل .. بدأنا نرى اشكال جديدة تعرض في السوق غير تلك الأشكال... يضحك .. ثم يغادر ..

بعد أقل من ساعة تأتي سيارة متوسطة الحجم محملة بأكياس وعبوات بلاستيكية  تفرغ حمولتها في دكان صطوف وتصفف بشكل جميل ولافت  يضع صطوف لافتات دعائية بشكل بارز :

البعر هو الذي يفيدك

أحد السماسرة في السوق :   يصرخ بأعلى صوته : بعّرلو.. بيعطيك

آخر يرد عليه : جاء زمن البعر ... ولى زمن القهر

ثالث: يغني   (يا بعر مين يشتريك +++ وللحبيب يهديك)

وبدأ الاحتفال العجيب وتجمع الناس ينظرون ويضحكون ويعلقون بعبارات لاذعة ذات دلالة واضحة

بعر تحفة ... يا تحفة

البعر + زهر= نضارة
كومة بعر ولا هالحقارة ... ويشير إلى مجموعة من الأزلام

صطوف: يثبت لافتة أخرى فوق بضاعته :

بعر بلدي مائة بالمائة

بعر رسمي من الاصطبلات الرسمية

أحد أبناء السوق : (ما في عندك كيماوي؟)

يرد عليه آخر : البعر أصلي .. خالي من الكيماوي

صطوف : يضع أعلانا جديدا :

بعرنا ... خالي من الشوائب
أحد المتطوعين للدعاية : تريد زهرا .. تريد وردا .. تريد فلا .. تريد ياسمينا  بعّرلو ... بيعطيك

رجل مسن : من قلة البعر .. حتى صار يباع في المحلات !!

يرد عليه آخر : من( خمسين سنة )ونحن نعاني من البعر

يرد ثالث : هذا بعر حقيقي وأصلي  وليس مثل ... باقي البعر

امرأة عجوز معها ابنتها : (والله ..عندنا هالفل والياسمين لازملون شوية بعر) 

ابنتها تسأل : وهل ينفع هذا البعر لأزهارنا يا أمي ؟

الأم : هذا الذي ينفع وليس اولئك .... وتلتفت باتجاه الأزلام

الجميع .. جميع أهل البلدة وجدوا فرصة للتنفس والتعبير عما في دواخلهم أمام هذا الدكان الذي يبيع البعر

الأستاذ باسل :  وقد حضر الإفتتاح: ماذا فعلت يا صطوف   لقد أشعلت ثورة  !!
أبوكامل : يا ويلك من التحفة يا صطوف

صطوف: لا تخاف .. بيسكت بعلبة بعر

يضحكون

أحد الظرفاء : عندك بعر ملوكي !؟

صطوف : (جايينا بكره) عندنا بعر جمال  يقضي على الأعشاب الضارة

صطوف :  يضع اعلانا مكتوب عليه :

اشتر علبة بعر واحصل على صورة (منظر طبيعي) من الحجم الكبير

أحد الظرفاء : ابتدا مفعول البعر  يا بلدي  ... بعرلو..  باسل : أخشى أن تكون هذه يا صطوف ثورة صامتة

أبو كامل : اسمها ثورة بالبعر   ضد الظلم والقهر

مجموعة من الأزلام : يسمعون التعليقات   يتميزون غيظا   يتقدم أحدهم من أحد الظرفاء المعلقين ويحاول الاعتداء عليه

المواطن الظريف : أنت مالك .. هل بعر عليك أحد؟ ...هل أنت بعر ؟

اجتمع الناس حول الأزلام  هرب الأزلام مذعورين وسط ضحك الناس وصيحاتهم : 

بعرلو .. بعرلو وكترلو .. بعرلو .. بعرلو ...

تسدل الستارة   انتهى