الحارس

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

ماهر شاب تربى تربية حسنة ، اعتنى به والداه ليكون لهما ذخرا في الآخرة، ونشأ على خلق ودين وأدب، وبعد أن توفي والداه ،ضاقت به سبل العيش، وترك الدراسة في الجامعة ، وذهب يبحث عن عمل خارج بلده يستره .

الحاج جميل : رجل ميسور يمتاز بالذكاء والفطنة وحبّ الخير ، يملك بناية ضخمة ،يستفيد من إيجار شققها.

السيدة وهيبة : امرأة في العقد الثالث من عمرها، توفي عنها زوجها وتركها وحيدة، تعمل موظفة ، تمتاز بالأخلاق الحميدة ،والعفاف ، وقوة الشخصية، تسكن في شقة في بناية الحاج جميل .

المشهد الأول :

ماهر :يا الله ... أشعر بالجوع ، لقد هدّني البحث عن عمل ، لأرى ماذا يوجد في هذا المطعم ،يدخل ، يطلب من البائع سندويشا

البائع : أظن الشاب غريبا أليس كذلك

ماهر : نعم أنا لست من هنا  جئت أبحث عن عمل ،وإلى الآن لم أوفق .

البائع : وهل تجيد عملا معينا ؟

ماهر: لا، إنما أعمل أي شيء

البائع : وقد شعر بالعطف عليه ،أريد أن أساعدك هل تسمح لي ؟

ماهر : يا سيدي مشكور سلفا، تفضل

البائع : أعرف رجلا فاضلا يبحث عن شاب خلوق وأمين ليوظفه حارسا لبنايته ،هل تقبل مثل هذا العمل؟

ماهر : إذا كان مناسبا فلم لا ..العمل عمل ، والله الميسر

البائع : ونعم بالله ،أكمل طعامك ثم أدلك على مكانه.

المشهد الثاني :

صاحب البناية اسمه الحاج جميل

ماهر : أنا ماهر عبد الرزاق ، أرسلني إليك صاحب المطعم بخصوص العمل..

الحاج جميل : حسنا ..حسنا... تفضل اجلس ، وبعد سؤال واستفسار حدث اطمئنان ،قال الحاج جميل :هلمّ يا بني أدلك على المحرس ولتستلم عملك الجديد ، وفي صباح اليوم التالي

فؤاد : صباح الخير .. أنا فؤاد أسكن هنا أعمل سائق باص ،لعلك الحارس الجديد .

ماهر : نعم أنا هو ، هذا أول يوم ، اسمي ماهر

ثم كان السكان يمرون به ،ويتعرفون عليه مؤهلين مرحبين ،فشعر بالاطمئنان وقال : الحمد لله

الحاجة حفيظة : من السكان عادت تحمل سلة مليئة بالخضار والمواد التموينية

ماهر : أنا الحارس الجديد يا حاجة هاتي لأحمل عنك ، يبدو أنها ثقيلة

الحاجة حفيظة : سلمك الله يا بني ومتّعك بشبابك

ماهر : بعد الآن لا تتعبي نفسك ،فقط اطلبي ما تريدين وأنا أحضره لك

عاد إلى محرسه ،هذه الحاجة تذكرني أ مي عليها رحمة الله

وهكذا كان سكان البناية يتبادلون معه أطراف الحديث ويثنون عليه وهو لا يتوانى عن المساعدة والعون للجميع

المشهد الثالث :

ومرت الأيام وازدادت العلاقة مع السكان متانة وتعززت الثقة أكثر فأكثر

في المحرس : رنّ جرس الهاتف ،ماهر الو .. الو أهلا يا حاجة  ماذا تأمرين يا أمي ؟ انبوبة الغاز .. حاضر يا أمي أنا قادم

الحاجة حفيظة : فرغت انبوبة الغاز وأنا لا أعرف أركب واحدة جديدة

ماهر : حاضر يا أمي أنا اركبها

وعندما أراد أن يخرج

الحاجة حفيظة : خذ يا بني تذوّق طبخي سوف يعجبك أنا واثقة

ماهر: شكرا لك يا حاجة ولكن هذا كثير يكفي قبيلة سلمت يداك

الحاجة حفيظة :صحتين وعافية يا بني

ماهر: وهو يهبط الدرج  عافاك الله يا حاجة

وصل المحرس وجد الحاج جميل بانتظاره.

 ماهر: أهلا بك يا حاج جميل ما هذه المفاجأة

الحاج جميل : جئت اطمئن عليك

ماهر : الحمد لله أنا بخير شكرا لك السكان هنا ناس طيبون  مثلك يا حاج وأنا سعيد بخدمتهم ، سنشرب الشاي معا أليس كذلك  سوف احضّرها فورا.

ذهب الحاج جميل وجلس ماهر يتناول طعام الحاجة حفيظة

ماهر: فعلا طعام لذيذ لم اتذوق مثله بعد وفاة والدتي عليها رحمة الله ثم رفع صوته: شكرا لك يا حاجة حفيظة إنك فعلا ماهرة بالطبخ

السيدة وهيبة : السلام عليك يا أخي ، أراك تحدث نفسك !

ماهر : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،تفضلي

وهيبة : شكرا لك أردت فقط أن أسألك عن فاتورة الكهرباء هل وصلت ؟

ماهر: لا لم يصل شيء بعد يا سيدة وهيبة عندما تصلني أحضرها لك حالا  لحظة من فضلك أراك تحملين حملا ثقيلا دعيني أساعدك هاتي عنك اسبقيني

وجد الباب مفتوحا نادى يا الله 

وهيبه : أدخل يا أخي وأشارت إليه أن يضع الأغراض في المطبخ وقالت :  انتظر لحظة يا ماهر لا تذهب

دخلت السيدة وهيبه غرفتها

تلفت هو حوله وجد الباب مغلقا ، عجبا من اغلق الباب ،بدأت وساوسه تنشط .. لماذا اغلقت الباب ؟ ماذا تريد مني ؟ تذكّر قصة يوسف مع امرأة العزيز .. أعوذ بالله ..سأذهب ..صاح أنا ذاهب يا ست وهيبة فتح الباب وأسرع

وهيبة : من داخل الغرفة : لا تذهب انتظر لحظة ... خرجت وبيدها صرة لم تجد أحدا قالت: لا حول ولا قوة إلا بالله

ماهر في محرسه : أعوذ بالله ... ما الذي حدث ؟.... هل هذا معقول ؟...لا اصدّق ...استغفر الله ...إن بعض الظن إثم...

إنها امرأة عفيفة ومحتشمة وفاضلة... لعنة الله عليك يا شيطان

ثم صرف ذهنه عن هذه الوساوس وقال : الآن وقت الشاي ، سوف أ حضّر كاس شاي على الكيف

مساء أراد أن ينام ألا إن الوساوس داهمته من جديد وركّز تفكيره بالباب

ماهر : لماذا كان الباب مغلقا .. ومن الذي اغلقه ؟ ماذا كانت تريد مني ... لا بدّ أن أفضي بهذا الأمر لرجل ثقة  وإلا سوف أفقد عقلي ..ولكن أحدث من ؟ صاحب المطعم ... لا.. لا ، أحد الجيران ... لا... لا  سأحدث الحاجة حفيظة  ... ولكن .. نعم ..نعم لماذا نسيت الحاج جميل إنه أكثر إنسان أثق به .. ثم إنه يحبني وينصحني وهو مثل والدي .......  استغفر الله .. استغفر الله ... واستسلم لنوم عميق .

المشهد الرابع :

في الصباح :

وهيبة : صباح الخير ، كيف أصبحت ؟

كانت خلفها الحاجة حفيظة : صباح الخير يا بني

ماهر : صباح الخيرات ،الحمد لله ،بخير شكرا لكما

الحاجة : هيا يا وهيبة  لا تتأخري عن عملك...وذهبا

ماهر : الأمر محير ، لا بدّ أن أحدث الحاج جميل

أحد السكان : صباح الخير يا ماهر رجاء لي عندك طلب

ماهر : تفضل أنا في الخدمة

الجار: ربما يعود الولد من المدرسة مبكرا اليوم ولا أحد في المنزل ..فقط قل له أن يبقى عند الحاجة حفيظة حتى نعود

ماهر: حاضر ... ولكن الحاجة حفيظه ليست في البيت خرجت الآن

الجار : لا بأس الحاجة حفيظه لن تتأخر الآن تعود ، شكرا لك  رجاء لا تنس ، السلام عليكم

ماهر: وعليكم السلام  حاضر ... حاضر يا سيدي  الله معك  ثم دخل المحرس وشرع بإعداد الشاي ... وفجأة ..من ؟ الحاج جميل يا اهلا.. وسهلا  كنت أريد زيارتك بعد أن اشرب الشاي .. سبحان الله ! تفضل اجلس سنشربها معا

الحاج جميل : كيف حالك يا ماهر .. لقد اشتقت إليك.. الله يشهد يا ماهر أنك دخلت قلبي وصرت أحبك مثل أبنائي

ماهر: تسلم .. تسلم  وأنا أيضا أرى فيك شخص أبي ، فأنت هنا أبي ، ثم يضحكان  ، تفضل الشاي يا أبي جميل

الحاج جميل : كيف تسير الأمور ؟ هل يوجد متاعب ؟

ماهر : الحمد لله  لا متاعب ولا مشاكل كل شيء تمام ولكن....

الحاج جميل :ماذا يا بني ! أرى فمك مليء بالكلام ، هل من شيء؟

ماهر: يا حاج جميل أنت بمقام والدي وأعرف أنك تعاملني معاملة الوالد لولده ، فلا تؤاخذني ، ولا تفهمني خطأ  بصراحة  بالأمس  حدث معي كذا .. وكذا . ... وحدثه بالتفصيل وقد بدا عليه الإحراج

الحاج جميل : يضحك ... ثم يقول : لا بأس يا بني ، لا تقلق ، اطمئن تماما ، واترك الأمر لي ، ثم أردف بلهجة  مازحة : أليس عندك قهوة أم لا تريد أن نشرب قهوتك !؟

ماهر : ولو يا حاج جميل ، أنا روحي فداك ، لحظات وألذ فنجان قهوة لأحلى وأغلى والد.

الحاج جميل : بدأ يحدث نفسه ...وهيبه أعرفها جيدا ،لا يمكن أن تخطئ مثل هذا الخطأ ، وواضح أن ماهر بن حلال ، وابن أصل ، وأنه على خلق ودين ، ماذا لو... حسنا .. حسنا ، سوف أفكر بالأمر، لابدّ من التروي والله الموفق .

المشهد الخامس :

لقد عزم الحاج جميل على تنفيذ فكرته  فبحث الأمر، وقلّبه على الوجوه كلها واستشار خواصه دون ذكر الاسماء ، ثم ارسل زوجته عدة مرات لزيارة السيدة وهيبة وجسّ نبضها بحذر وهدوء ،

إلى أن حصل على إشارات مشجعة ، عزم على مواصلة عمله متوكلا على الله .

الحاج جميل : السلام عليكم يا ماهر ، كيف أصبحت ؟

ماهر : أهلا.. أهلا بالحاج جميل ، أحلى صباح والله ، تفضل ، أنا بخير ونعمة من الله ، كيف أنت يا والدي ؟

الحاج جميل : الله يرضى عليك يا بني ، جهّز الشاي ثم تعال سأتحدث معك بموضوع مهم وأرجو ان لا تردني خائبا

ماهر : حاضر .. ثواني وتجهز الشاي وأنا طوع أمرك

ضرب ماهر أ رباعه بأخماسه وهو يعدّ الشاي ، ما هو الموضوع المهم يا ترى

ماهر: الشاي جاهز يا والدي ،خير .. ما هو الموضوع المهم لقد اقلقتني

الحاج جميل : خير... خير إن شاء الله ، اسمعني جيدا يا ماهر  اعلم أني لا أريد لك إلا الخير ثم عرض عليه الموضوع مفصلا، ثم قال : سأعود إليك بعد إسبوع لأسمع منك الجواب

 ماهر : لا أدري ما أقول، لقد فاجئني ، كيف خطر على باله هذا الخاطر ، و.. وو... و ثم سلّم أمره لله ورضي باختيار الحاج جميل

وماهي الا أيام حتى صار ماهر زوجا للسيدة وهيبة ، وقد غمرتهما السعادة والأنس  .

وفي صباح جميل سأل ماهر زوجته :

ماهر: أ تذكرين يا وهيبه ذلك اليوم عندما أ وصلت لك الأغراض للشقة وقلت لي انتظر لا تذهب ودخلت غرفتك ، ماذا كنت تريدين مني

وهيبه : ضحكت من كل قلبها وقالت : هل خفت مني في تلك اللحظة  حتى هربت من الشقة بسرعة ؟ لا بأس سوف أقول لك ، كنت أريد أن أعطيك بعض ملابس المرحوم زوجي عندما لاحظت أنها تناسب مقاسك ، هذا كل ما في الأمر!

ماهر : ضحك ..وضحك حتى استلقى على قفاه، وقال : لقد خفت ذلك اليوم خوفا الله أعلم به .

وبعد مدة طلبت منه وهيبه أن يترك العمل في المحرس بعد أن اّ أمّنت له وظيفة في أحد مصانع البلدة ،وشجعته أيضا على استئناف دراسته في الجامعة

ماهر : الحمد لله على ما أعطى وأنعم ... إن فضله كان عظيما.

وسوم: العدد 739