لقاء مع فضيلة الشيخ شعيب أرنؤوط

محمد فاتح قايا

clip_image001_bec2b.jpg

أجرى هذا الحوار الأخ العالم الباحث الأستاذ محمد فاتح قايا، من طلبة العلم المُجدين، في استانبول، ومن أخص تلاميذ فضيلة الشيخ الداعية المربي المجاهد محمد أمين سراج حفظه الله تعالى، حيث تلقى العلم عليه،في جامع محمد الفاتح، وقد حصل على درجة الماجستير في علوم الحديث ، وله أبحاث ودراسات وتحقيقات، وقد أجرى حواراً مع فضيلة الشيخ شعيب الأرناؤوط، في العام الفائت، في مكتبه في عمان في 29رمضان1427الموافق22/10/2006.وقد قرأ هذا الحوار على فضيلة الشيخ، وأقره على ما جاء فيه ، وختمه بتوقيعه.

والعلامة المحقق المحدث شعيب الأرناؤوط ولد في مدينة دمشق 1928وهو ينحدر من أسرة ألبانية الأصل كانت تقطن عاصمة ألبانيا، ثم هاجرت إلى دمشق سنة 1926 واستقرت فيها، وقد نشأ الشيخ نشأة دينية خالصة ودرس العلوم الشرعيَّة والعربية في مساجد دمشق ومدارسها. ومن الأساتذة الذين درس وتلمذ لهم : الشيخ محمد صالح الفرفور، والشيخ عارف الدوجي، والشيخ سليمان الغاوجي الألباني، وتفرغ للاشتغال بتحقيق التراث منذ سنة 1958، وقد تنوعت الكتب التي حققها أو أشرف على تحقيقها، فشملت كتب السنة، والفقه، والتفصسير، والأدب، ورحل إلى عمان منذ سنة 1982، وتابع عمله في ميدان التحقيق، حتى يومنا هذا.

ومن الأعمال التي حققها أو اشرف عليها: سير أعلام النبلاء، وشرح مشكل الآثار والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، وقد تخرج على يديه في صناعة التحقيق عدد من طلابه منهم: محمد نعيم العرقسوسي، وإبراهيم الزيبق، وعادل مرشد، وعمر القيام، وحمزة البكري، وغيرهم.

وآخر ما أصدره الشيخ بعد " مسند الإمام أحمد" في خمسين مجلداً، سنن الترمذي، وسنن ابن ماجه، وتحقيق كتاب الاختيار للموصلي مع تخريج أحاديث. حفظه الله وبارك في عمره ونفع به المسلمين.

وقد خصَّ الأستاذ محمد فاتح قايا، موقعنا بهذا الحوار، الذي ينشر لأول مرة، ونرجو أن يجد فيه القراء المتعة والفائدة والصراحة والوضوح.

فضيلة الشيخ شعيب ما رأيكم بالشيخ : محمد زاهد الكوثري؟

أعتقد أنه من العلماء المحقِّقين في السنة النبوية والفقه الإسلامي والتاريخ، وله في ذلك أبحاث تدل على علو كعبه في هذه العلوم. وله قلم سيَّال في العربية يُسامي فيها علماء العرب الذين يجيدون الكلام.

وله أبحاث دقيقة تتَّبع فيها الذين ضلَّ رأيهم، وكشف عن أخطائهم، وأبان عن انحرافاتهم بلغة علمية، مقرونة بالحجة والبرهان،وأكاد أجزم بأنه لم يكن أحد من أهل العلم يبلغ مبلغه في عصره.

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمده برحمته وفضله، ويحشره يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقا.

لكني أخالفه في بعض الأمور التي انتهى إليها وقال بها ودافع عنها.

أولاً: تعصُّبه لمذهب أبي حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ  ، وقد يكون هذا رد فعل للذين يتفلَّتون من مذاهب الأئمة الأربعة المتبوعة، ويتظاهرون بأنهم أقدر على فهم النصوص منهم،ويتكلمون في حقهم كلاماً غير لائق أن يصدر عن أهل العلم.

ثانياً: يغلب على ظني أنه لا يأخذ بمذهب السلف الصالح أهل القرون الثلاثة الأولى الذين يقولون بإثبات الصفات التي جاءت في كتاب الله وفي الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومذهبهم فيها إثبات الصفة ونفي الكيفية،  والشيخ يجنح في كثير منها إلى التأويل.

ثالثاً: ممَّا أخالفه فيه ما ذهب إليه في رسالته:" مَحق التقوُّل" من جواز الاستعانة بالنبي صلى الله عليه وسلم ،والسلف الصالح لم يكونوا يُسوِّغون ذلك.

ومما يحمد له دفاعه السديد عن الأئمة الأربعة المجتهدين المتبوعين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وأظن أنه كان يقول بما يقول به ابن قدامة المقدسي صاحب المغني ونحن نقول به أيضاً:" إن اتفاق الأئمة الأربعة المتبوعين حُجَّة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة".

وهل هناك أمور أخرى تعترض فيها على الشيخ؟

لا يعجبني فيه أيضاً ـ رحمه الله تعالى ـ ردوده على ابن تيمية متابعاً فيها بعض من سبقه من العلماء الذين امتلأت قلوبهم حسداً وبغضاً لابن تيمية، وكان ينبغي عليه أن ينظر في كلامه نظرة إنصاف، ويتحقق من المقولات التي تنسب إليه، ويحكم عليه بالخطأ والصواب فيما انتهى إليه ـ رحمه الله تعالى ـ ، لا أن يبدِّعه ويشتد في الأذية عليه.

وربما كان مرد ذلك الآراء التي كانت تصدر في حق أبي حنيفة من قبل أنصار السنة المحمدية في مصر، وهذا لا يعفيه من المسؤولية. فإنهم لا يمثلون ابن تيمية ولا آراءه ،والله يغفر لنا وله.

ما هي أمثل المناهج المتبعة في فهم الإسلام؟

إن مذهب الفقهاء في فهم الإسلام الذين يتحرَّوْن الصواب في المسائل التي يبحثونها أمثل المناهج المُتَّبعة التي ارتضيها لنفسي ولغيري من المسلمين ، لأنها تقوم على دقَّة علمية قوامها الكتاب الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس، وما إلى ذلك من المصادر التي يعتمدون عليها مثل المصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب.

وهؤلاء الفقهاء رحمهم الله تعالى لم يفرضوا على الناس أن يتَّبعوهم، بل قالوا: هذا ما انتهينا إليه ، فمن جاء بأحسن منها قبلناه ، وأخذنا به. ولم يكونوا يسوغون لمن عنده أهلية البحث ومَلَكَة الفقه أن يقلدوهم.

ومما يدلُّ على إخلاصهم في هذا أنهم لم يكونوا يتقاضون على علمهم الذي يبثُّونه بين الناس مالاً ولا نوالاً، بل كانوا يلتمسون الأجر من الله وليس من أحد سواه.

ما رأيكم فضيلة الشيخ بالمحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وجهوده العلمية في الحديث والفقه؟.

للشيخ ناصر جهود كبيرة في السنة النبوية الشريفة ، وأكثرها جيد، وله أغاليط في بعض أحكامه على الأحاديث جانبه فيها الصواب، وقد تراجع عن قسم غير قليل منها، وهو في الفقه ليس بذاك على طريقة أهل الحديث.

وغالب المسائل التي انتهى إليها متَّصفة بالشذوذ من قبل أهل العلم، منها قوله: بأنه لا يجوز أن يزيد الإنسان على ثماني ركعات في قيام الليل في رمضان.

ومنها: تحريمه الذهب المحلَّق على النساء.

ومنها:قوله بأن الزكاة ما تُنتجه الأرض محصور في أربعة أنواع فقط: في القمح ،والشعير، والتمر، والزبيب.

وأشياء أخرى لا يحضرني ذكرها.

وهذا يدل على أنه لم يتعاط صناعة الفقه، ولم يكن عنده مَلَكَة فقهيه.

وقد أخرج كتباً كان ينبغي ألا يخرجها بهذا الشكل، مثل إخراجه كتب السنن الأربعة محذوفة الأسانيد، وأفرد الصحيح منها عن الضعيف ، وأصدر الحكم عليها صحة وضعفاً كما انتهى إليه هو.

وهذا يدل على أنه قد فَرَض على قرائه أن يأخذوا برأيه في التصحيح والتضعيف، ولا يعفيه من ذلك ذكر المصادر التي تكلم فيها على هذه الأحاديث لأنَّ عامة القراء لا يبحثون في مثل هذا، وإنما يأخذوا برأيه وحكمه.

وهذا الذي صنعه هو الذي أوْجَدَ الفوضى العلمية بين الناس واختلافهم بين سلف وخلف ممَّا نتج عنه طعونات واتهامات وخروج عن الحوار العلمي الذي أباحه الإسلام.

 وأصل الفتاوى التي يريدون طبعها ،وحتى الآن لم يتيسَّر ذلك، وهي كما فهمت ـ من بعض من يعمل فيها ـ أسئلة متكررة وإجابات متكررة وقد التقطت من الكاسيتات ،وهي بلغة أشبه ما تكون عاميَّة، وفيها ما يُؤْخذ من قوله ويُرد، وهذا يُحتِّم على كل قارئ ألا يأخذ بكل أقواله ، بل يوازن بينها ، وبين أقاويل أهل العلم ويرجِّح ما استبان له الصواب منها.

وسوم: العدد 788