د. حسام الشاذلي لـ"الشرق" : الدعم الإسرائيلي شجع السيسي على تدمير الاقتصاد المصري

عبد الحميد قطب

الحضور الأوروبي في شرم الشيخ منح النظام حرية انتهاك حقوق الإنسان

النظام اعتمد منظومة الاقتصاد المسموم للقضاء على الطبقة المتوسطة

اللوبي الصهيوني رسخ مساندة الولايات المتحدة للانقلاب العسكري

السيسي وظف آليات محترفة وخططا ممنهجة لتحقيق أهدافه

المعارضة مقصرة في القيام بدور نحو صناعة التغيير المرتقب

التغيير فرض كوني وجزء لا يتجزأ من منحنى صناعة الحياة

صناعة التغيير تتطلب هيكلا قياديا ورؤية تخطيطية

‏أكد الدكتور حسام الشاذلي المستشار السياسي والاقتصادي الدولي، أن هناك تطورات عظيمة وجليلة تطرأ على الحالة المصرية في منعطفها التغييري الجديد، وأن القمة العربية الأوروبية الأولى التي عقدت في شرم الشيخ الأيام الماضية، تعد أحد أهم معالم هذا التغيير، باعتبارها الحدث الذي يجب الوقوف عنده بكل تمحيص وتفحيص، لافتاً إلى أن وجود المفوض العام للمجموعة الأوروبية مع قادة أوروبا في شرم الشيخ خلال هذه الفترة التي بلغت فيها انتهاكات حقوق الإنسان في مصر مبلغا لم تعرفه مصر طوال تاريخها الحديث تاركة بصمة للدماء والقتل والإعدامات غير المبررة على كل صفحة من كتاب تاريخها السياسي المعاصر، لهو حدث جلل ويعتمد ضم المجموعة الأوروبية لحظيرة الداعمين الدائمين لنظام الشرق الأوسط الجديد بقيادة السيسي في مصر.

السياسة الأمريكية والأوروبية

وقارن الشاذلي في تصريحات خاصة لـ"الشرق" بين مساندة الولايات المتحدة للانقلاب العسكري في مصر منذ يومه الأول باعتبار ذلك اتجاها سياسيا راسخا تدعمه مجموعات الضغط الأمريكية وعلى رأسها اللوبي الصهيوني، وبين السياسة الخارجية للمجموعة الأوروبية التي تحكمها أبعاد مختلفة وتحيطها خطوط حمراء لم تتغير منذ أمد بعيد يأتي على رأسها تحجيم الدعم السياسي المباشر للدول التي تؤصل لانتهاكات حقوق الإنسان والتي لا تملك نظما قضائية مستقلة وفاعلة.

وأوضح الشاذلي أن مؤتمر شرم الشيخ رسخ لمفهوم خطير ومحور تغييري غير مسبوق متمثل في إعادة الصورة الذهنية التي صنعتها الإدارة الأمريكية إبان حكم بوش الابن، وبعد تفجيرات مركز التجارة العالمي، بأن قواعد حقوق الإنسان والقانون الدولي لا يجب أن تطبق على كل شعوب الأرض، وأن الحرب المزعومة على الإرهاب يمكن أن تكون ذريعة لكل الانتهاكات وعلى كل المستويات، واليوم يخرج السيسي ليضع حجر أساس جديدا لهذا المفهوم السياسي القاتل بطرح تفسير مختلف للإنسانية متعلق بحقوق الإنسان، هذا المفهوم يفرق بين مصر ودول المنطقة وبين الغرب ومفاهيمه الراسخة والمقننة، وهو تطور خطير يتم تأصيل مبادئه في حضور أهم المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم .

إخفاق المعارضة المصرية

ورأى الشاذلي أن هذا التغيير المحوري المهم يؤكد على مدى إخفاق المعارضة المصرية وفصائلها المختلفة في القيام بدور حقيقي في صناعة التغيير المرتقب نحو تحرير مصر من حكمها العسكري الديكتاتوري، مبيناً أن غياب التأثير الدولي للمعارضة واختفاءها الكلي من قاعات المفاوضات الدولية المحترفة مع بقاء مبادرات الهواة وخطابات المناجاة كممثل رئيسي للعمل الدولي جعل من الحالة المصرية حالة أحادية يسيطر عليها النظام المصري بصورة شبه كاملة، بل ويطور من أطروحاته السياسية ومن مكاسبه على كل الأصعدة.

وتساءل الشاذلي عن إستراتيجية الخروج من الأزمة، ومعايير وآليات الحلول؟ مشيراً إلى أن ذلك السؤال طرحت له إجابات عديدة منذ الانقلاب العسكري في مصر في ٢٠١٣.

واعتبر الشاذلي أن التغيير فرض كوني وجزء لا يتجزأ من منحنى صناعة الحياة، ولكن يبقى السؤال الرئيسي دائما كيف يمكن صناعة التغيير أو إدارته نحو الأهداف المرغوبة والمحددة؟

وأكد الشاذلي على أن الحل يكمن في بناء جيل جديد من القيادات الشابة المؤهلة والمؤثرة والتي يجب أن يتم إعدادها وفق برنامج زمني مكثف ومدروس.

صناعة التغيير

وبين الشاذلي، أن صناعة التغيير المستديم تتطلب هيكلا قياديا ورؤية تخطيطية تدعمها آليات تنفيذية واضحة، وأن المبادرات التغيرية السطحية كالمبادرات قصيرة الأمد أو الهاشتجات المصاحبة للأحداث المؤثرة هي آليات مهمة لتحريك الشارع ولكنها لا يمكن أن تصنع كتلة تغيرية محركة تسقط نظاما ديكتاتوريا قمعيا يملك كل أدوات الحكم والسياسة، بل على العكس إن التركيز على تلك المبادرات قد يؤدي إلى وأد الحالة التغييرية الحقيقية وإعادة الكرة إلى ملعب القيادات التي تمتهن وتبدع في إستراتيجية بقاء الحال كما هو عليه سواء بحسن نية أو بسوئها.

وشدد الشاذلي، على أن مصر في حاجة إلى بناء جيل جديد محترف ومدرب في الخارج والداخل من خلال برنامج زمني مكثف ومدروس يعمل على محاور تغييرية محددة على الصعيدين المحلي والدولي وبآليات مدروسة ومعايير للتقييم والإنجاز، تقوده رؤية جديدة ومتطورة تُناسب تلك القدرات الاستخباراتية الجبارة لدى النظام وحلفائه، موضحاً أن التغيير الحقيقي والمستدام لا يتحقق بالصدفة، ولا تؤصل له مبادرات مكررة منتهية الصلاحية وذات فاعلية زمنية محدودة.

آليات السيسي

وأشار الشاذلي، إلى أن السيسي وظف ونظامه آليات محترفة وخطط ممنهجة مكنت النظام الحاكم من تحقيق غالبية أهدافه المرحلية بصورة لا تخفى على محترف ولا تغيب عن متخصص، ويمكن تلخيص تلك الآليات والخطط الإستراتيجية في بعض الخطوط العريضة كما يلي:

أولا: القمع الممنهج.. استخدم النظام الحاكم سياسة قمعية غير مسبوقة لم تعرفها مصر في عصرها الحديث، فباتت أعداد المعتقلين تزيد عن الـ60 ألفا والشهداء بالآلاف، أضف إلى ذلك نظام التعذيب الممنهج في السجون وأعداد المختفين قسريا وهؤلاء الذين تمت تصفيتهم بعد اختطافهم، إضافة لآلاف الأسر المنفية والفارة من جحيم الانقلاب.

ثانيا: تمكن السيسي من بناء منظومة اقتصادية خطيرة وجبارة، لم يستطع حاكم مصري على مر العصور أن يمررها في مصر وهي منظومة الاقتصاد المسموم، تلك المنظومة التي تركز على تحسين صورة الاقتصاد الكلي مع تجاهل تأثير آلياتها على حياة المواطن، وأن المنظومة تدفع ثمن النمو الاقتصادي من حياة المواطنين ومن قوتهم وتقضي على الطبقة المتوسطة تماما، وتستخدم القمع لتمرير أي قرارات اقتصادية متطرفة.

ثالثا: تمكن السيسي ونظامه الحاكم من منح مصر عضوية النظام الدولي الجديد، حيث باتت العديد من الدول الكبرى تعتبر مصر شريكا فيما يعرف بالحرب على الإرهاب، كما باتت مصر صمام أمان لأوروبا فيما يتعلق بتدفق اللاجئين، وخاصة في ظل العلاقات المتوترة مع تركيا وشركائها الأوروبيين، كما أن الدعم الإسرائيلي غير المسبوق للسيسي ونظامه ضمن لمصر الحصول على قروض بلا حدود وكذلك تمرير أي اتفاقيات للتسلح أو الاستثمار على جميع المستويات. 

وسوم: العدد 814