فراس حج محمد لجريدة الجريدة الكويتية: لكل زمن شعراؤه... والنقد يدور حول القدامى

محمد الصادق

Sfggj985.jpg

أصدر الشاعر الفلسطيني فراس حج محمد أخيراً، كتابه «الإصحاح الأول لحرف الفاء... أسعدت صباحا يا سيدتي»، وهو الكتاب التاسع عشر في سلسلة إصداراته الشعرية، والتي بدأها بأميرة الوجد، ومزاج غزة العاصف، منذ أكثر من 20 عاما. ومن عواصف السياسة إلى كتابة الغزليات، تنوعت مسيرة فراس الأدبية بين الشعر والسرد والدراسات النقدية، عبّر خلالها عن هموم وطنه، ومعاناة الشعب الفلسطيني. ومن القاهرة، تحدث فراس، في حوار مع «الجريدة»، عن مشروعه الثقافي المتكامل، ورؤيته للواقع الفلسطيني، وتشجيعه للأصوات الجديدة، مطالبا النقاد بأن ينتبهوا للجيل الجديد وما يقدمه من إبداع... وإلى التفاصيل:

- ربما أصعب ما يتحدث عنه كاتب أو شاعر هو البدايات، وسؤال التشكل المعرفي والكتابي غائم الإجابة، لأن الملامح لتلك الفترة لا تكون واضحة، وعندما يبدأ الكاتب في الانتباه إلى ذاته ووعيه بأنه ربما أصبح كاتبا أو أوشك أن يصبح كاتبا، يكون قد انشغل بتأثيث مرحلته الواقعية الحاضرة، والعمل عليها دون الرجوع إلى الخلف أو التفكير في البدايات. لكن في المجمل لا شك أن كل ما مر به الكاتب من ظروف اجتماعية وسياسية وثقافية منذ الطفولة حتى لحظة انبلاج الموهبة هي المسؤولة عن كل ذلك، فأنا في من كل شيء شيء، من كتب المدرسة إلى كتب المطالعة الخارجية وحكايات الجدة ومسامرة الوالد وأغاني الأعراس، كلها لها الأثر الذي لا يمحى، وتساهم في رفد الشخصية بعناصرها التي تشكلها.

- هو الكتاب التاسع عشر من سلسلة إصداراتي الشعرية والنثرية والقراءات النقدية، كتاب "وجدانيات"، ضمنته رسائل الصباح شعرية ونثرية، يتحدث عن تجليات العاطفة الإنسانية بين الرجل والمرأة، وبين الكاتب وقرائه، ففكرته تتمحور حول كيف تكتب غزلا في امرأة ما، على امتداد فترة طويلة، وكيف يتلقى القراء ذلك وهواجسهم وتدخلاتهم، ما يعني أحيانا نوعا من الفضولية التي قد تصل إلى الإزعاج أحيانا، وإن أمدت الكاتب أحيانا أخرى بالسعادة والفرح بما تعنيه من مشاركة وجدانية متسعة الحضور.

- يندرج الكتاب حول ما عرف بالأدب الشخصي، القائم على الاعتراف والحديث عن الذات بكل ما تحمل من سيئات ومواجهتها بحقيقتها بعد انقضاء تجربة ما، وهنا تكمن رسالته، وهي هل لنا القدرة على مواجهة الذات والاعتراف بأخطائها الكبرى والصغرى، قبل مواجهة الآخرين واتهامنا بشتى أنواع التهم، إضافة إلى أنني في الكتاب أردت التنفير من تلك العلاقات الشاذة التي يغوص فيها أكثرنا، وأخيرا هي رسالة تتعلق بحرية الكتابة، والذهاب في هذه الحرية إلى أقصى مدى ممكن، مواجهة للمجتمع أفرادا ومؤسسات.

- أتصور أن كل ما يكتبه الكاتب في مجموعه، شعرا ونثرا وحتى نقدا ومقالات اجتماعية وسياسية، يشكل مشروعه الثقافي الذي يعبر عن رؤاه وفلسفته، فالمسألة ليست شعرية أو نثرية. وإنما كل كتابة تحمل جزءا من هذا المشروع المتكامل الذي يعطي شخصية الكاتب المميزة في مسيرة الأدب المحلي أولا، وموضعه في الأدب القومي- العربي، ومن ثم العالمي ثانيا، وهذا مطمح كل كاتب، ومن هذا المبدأ لا يوجد كتاب أقرب للكاتب من كتاب آخر، وإنما كل كتابة مهما كانت، وكل كتاب مهما كان يجسد فكرة ما لا تكتب إلا بهذه الطريقة، أو هكذا ارتأى الكاتب أن يفعل.

- الحياة بحد ذاتها محزنة جدا، وهذا ما حاولت التعبير عنه في ديوان "ما يشبه الرثاء"، تبدأ بالبكاء وتنتهي بالبكاء، وما بين البكاءين سلسلة من المتاعب والمشاق، فلا يوجد في الحياة لذة إلا وفيها ألم وفيها نقص، ولا تدوم أي لحظة فرح فيها إلا قليلا. هذا بشكل عام للبشرية التي تعيش مصيرا أسود من الشقاء القدري الذي لا فكاك عنه إلا بالموت، ولذلك فإن أبجديات الواقع الفلسطيني ومصائبه تأخذ محلها ضمن هذا السياق من الوجع الإنساني العام وتذوب فيه.

- لا أحب عادة الأحكام العجلى التأثرية، وعندي قناعة أن لكل زمان دولة ورجالا، ومفكرين وشعراء وأدباء يعبرون عن مزاج المجتمع وقضاياه، ولكن كما يقال "المعاصرة حجاب"، فكثير من الأدباء والمفكرين وصناع الثقافة لا يعرف مدى أثرهم وحقيقة ما أنتجوا إلا بعد رحيلهم، فكأنه لا بد من وجود مسافة فاصلة بيننا وبين الآخرين لنرى جيدا. أقرأ كثيرا من النصوص وخاصة من الجيل الجديد، وهناك إبداعات في الشعر والقصة والرواية والنقد بالفعل تستحق النشر والقراءة والتعريف بها، ويكفي النقد دورانا حول الأدباء السابقين، فقد استنفد أدبهم بدراسات كثيرة، على الناقد، وخاصة الناقد الأكاديمي عليه أن ينتبه للجيل الجديد وما يقدمه من إبداع.

- لا أتقصد كسر التابوهات، وإنما هو التعبير عن حاجة في الذات، وأعتقد أنني نجحت إلى درجة أن القارئ أصبح أقل نقمة شخصية عليّ وعلى ما أكتب، بل ربما أكثر اطمئنانا، وتجاوز الصدمة الأولى، واعتاد القارئ على مثل هذه النصوص الشعرية والنثرية، فأخذ يقرأ ويفكر، وأحيانا يتجاوز الظاهر والسطحي إلى ما هو أعمق.

- لا أعتقد أن المجتمعات العربية كلها سواء في النظر إلى المرأة المبدعة، لكن بالمجمل هناك تقدم كبير في هذا الشأن، وكنت قد ناقشت هذه المسألة باستفاضة في فصل خصصته للحديث عن شعر النساء بعنوان "وهج المرأة الشاعرة" في كتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، وناقشت كثيرا من الأسئلة المتعلقة بحضور المرأة المبدعة في المجاميع الشعرية قديما وحديثا وفي الدراسات النقدية، فوجدت أن الفارق كبير بينها وبين الرجل المبدع، وحاولت تفسير ذلك وإرجاعه لعقلية الرجل الذي يميل إلى أدب الرجال أكثر، ما خلا حالات قليلة، وكذلك هناك أسباب تتعلق بالمرأة المبدعة ذاتها التي تحاول أحيانا أن تسعى إلى اعتراف الأدباء والنقاد الرجال، ولم تأخذ زمام المبادرة لتكون هي نقطة ارتكاز في كثير من الحالات.

- الشعر بحاجة، ككل فن، إلى الموهبة، لكن الموهبة وحدها لا تصنع شاعرا عظيما، لا بد للشاعر من الاجتهاد والتجريب وارتياد مناطق بكر ليكون مبدعا ذا بصمة خاصة وصوت مميز، يخصه وحده.

- الجعبة ملأى إن بقي في العمر بقية، للبناء على ما قدمت من شعر وقصة ونقد، فثمة كتب جاهزة للطباعة، وتنتظر فرصتها، عساها تجد سبيلها إلى النور قريبا.

مسيرة وإصدارات

يعد الشاعر فراس عمر "حج محمد" من مواليد مدينة نابلس عام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث، ويعمل حاليا مشرفا تربويا للغة العربية في مديرية التربية والتعليم جنوب نابلس، وصدر له شعرا: "أميرة الوجد"، "مزاج غزة العاصف"، "وأنت وحدك أغنية"، "الحب أن"، فضلا عن مجموعة "أناشيد وقصائد" (للفتيان والفتيات).

وفي النقد أصدر "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا"، وفي "ذكرى محمود درويش" دراسة، و"قراءة في كتاب قلب العقرب للشاعر محمد حلمي الريشة، ذلك المنتبه المختلف".

وله في النثر "رسائــل إلى شهرزاد"، "مــن طقوس القهوة المرة"، "دوائر العطش"، "يوميات كاتب يدعى X " (قصص وسرد )، "كأنها نصف الحقيقة" (قصص وسرد)، "شهرزاد ما زالت تروي" مقالات في المرأة والإبداع النسائي.

وسوم: العدد 985