حسين نصار

د.فواز دحروج

د.فواز دحروج / لندن

بعد فوزه بجائزة الملك فيصل..الدكتور حسين محمد نصار.. لغتنا قادرة على استيعاب تطورات العصر والعجز فينا!

 د. حسين نصار، أحد المثقفين العرب المهمومين بحال الثقافة واللغة العربية وهو الاهتمام الذي بدأ منذ فترة مبكرة من حياته حينما حقق ديوان «سراقة البارقي» وهو ما زال طالباً في الجامعة، بعدها حقق الكثير من هذه الدواوين وهو صاحب المقولة الشهيرة «لولا التعمق في اللغة العربية ما وصلت إلى رضاء العلماء بعلمي» ويرى كثيرون أن تمكنه اللغوي جعله يتقلد وظيفته الأكاديمية كأستاذ للغة العربية والدراسات الأدبية في جامعة القاهرة.

يرى «د. نصار» أن اللغة العربية بريئة من تردي أحوالها وأن عجزها هو ترجمة حقيقية لمعاناة وأزمة وعجز أهلها عن الابتكار ومواكبة تطورات العصر وأنها قادرة على استيعابها وهذه المعاناة لها اسبابها التي من بينها أيضاً الإعلام وبصفة خاصة الفضائيات التي تميل الى التقليد وسيادة المفردات اللغوية الغريبة، ويؤمن بضرورة الانفتاح الثقافي على الحضارات المعاصرة والبحث عن علاج للسلبيات التي تنال من ثقافتنا العربية وتحفيز مثقفيها على الاضطلاع بدورهم، والتعريب المدروس أهم حلول لهذه الأزمة، كما أنه يعلن موقفه المعارض لمنهج بعض الحكومات العربية
التي تريد تغيير مناهجها التعليمية من العربية للإنكليزية.. ومؤخراً بجائزة الملك فيصل التي يعتبرها جائزة عالمية وإشادة عربية بدوره وإسهاماته. لذلك التقيناه فكان الحوار الآتي: ‏

سألناه في البداية عن حصوله على جائزة الملك فيصل

فقال: أية جائزة تعتبر اعترافاً من المجتمع أو الجهة المانحة لها بأن المثقف أو الشخص الذي فاز بها قدم شيئاً يستحقها، وجائزة الملك فيصل ليست من مجتمع واحد لأن المحكمين فيها من بلاد عربية كثيرة وليسوا سعوديين فقط وكأنها اعتراف من هذه البلاد التي يمثلها هؤلاء المحكمون، كما أن حصولي عليها يشعرني أنني أعطيت وقدمت ما يستحق أن أحصل عليها وهي جائزة عالمية في مستواها واتجاهاتها وطريقة تحكيمها التي تقترب من تحكيم جائزة نوبل وبالتالي فهي تشعرني براحة وسعادة نفسية لقيمتها الكبيرة عربياً وعالمياً. ‏

 

معاناة اللغة العربية ‏


 من المسؤول عن تدهور وتدني مستوى اللغة العربية في بلادنا؟ ‏

 

   المسؤول هو عدم وعي المجمع بقيمة لغته الوطنية، ولننظر حولنا فمثلاً فرنسا تحترم لغتها بشدة فأصدرت قانوناً يمنع استخدام أية كلمة من أية لغة أخرى مادام لها مقابل اللغة الفرنسية، وإنكلترا أيضاً تطبق مبدأ «افقد مستعمراتي ولا أفقد شكسبير» وألمانيا لديها في كل بلاد العالم معهد باسم أديبها الكبير «جوته» فكل الدول المتحضرة والكبرى تعتز بلغاتها الوطنية، أما نحن فحالنا على العكس تماماً فمثلاً ألغينا كرسي الأدب الحديث الذي يطلق عليه كرسي أحمد شوقي، فيجب على
المجتمع العربي أن يستشعر هذا الخطر ويعي تماماً أن العربية سر وجوده. ‏

 

 وما تعليقك بشأن ما يتردد حول بعض الحكومات العربية التي في طريقها لتغيير مناهجها من العربية للانكليزية بحجة مواكبة ظروف العصر والتقدم؟. ‏

 أنا ضد ذلك، فنحن درسنا اللغة الانكليزية منذ «الحضانة» والصف الأول الابتدائي ودرسنا الفرنسية بالصف الأول الثانوي «بنظام الثانوية العامة القديم»وتخرجنا من الجامعة وأظن أن كل ذلك أتاح لنا ترجمة ومتابعة كل جديد في الكتب، فاللغة استخدام.. أما في مجال الدراسة الجامعية فلا يوجد لدي مانع إطلاقاً من وجود جامعة فرنسية أو ألمانية لأن من يلتحق بالجامعة يتراوح عمره بين 20­ 18 عاماً أي أصبح في سن نضج أي في مرحلة يمكنه أن يتأثر دون أن يذوب، أما الطفل الذي لا يتجاوز عمره 7 سنوات فإذا لم يستطع اتقان ونطق العربية بلهجة وطريقة سليمة فلن يتعلمها فيما بعد. ‏

 وهل في رأيك هناك دور للغة العربية في نشر العلوم والآداب؟

 

 بالنسبة للآداب فلغتنا العربية تقوم بدورها الكبير والمفيد لكن المشكلة بالنسبة للعلوم، ولذلك أدعو لإنشاء مكتب جديد من خلال جامعة الدول العربية بمشاركة الدول العربية يضطلع بمسؤولية الترجمة من أحدث المجلات والدوريات العلمية العالمية لأن دول العالم المتقدم لديها المجلات التي تنشر البحوث الجديدة التي يجب علينا الاشتراك فيها وترجمتها الفورية. ‏‏

الفضائيات والتعريب

 

 يرى بعضهم أن إعلامنا يؤثر سلبياً في لغتنا العربية، ما تعليقك؟ ‏

 أنا غير معجب بالفضائيات ولا حتى المصرية منها وبشكل عام كل التلفزيونات العربية مجرد تقليد لما يوجد في مثيلاتها العالمية، وبالنسبة لجيلنا فقد تربت عيوننا وآذاننا على يد عمالقة مثل أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وصباح ولم يكن بينهم من يرقص بهذه الطريقة التي نشاهدها الآن وكلها عري وللأسف فنحن نقلد بلداً عربياً أو بلداً أجنبياً بشكل سيئ، وللأسف أيضاً بعض المذيعات يتصورن أحياناً أن نطقهن أو إخراجهن للحرف العربي بشكل سليم هو لون من ألوان التخلف رغم أنه مطلوب، و حينما عملت مذيعاً في بداية حياتي كان معي محمد فتحي «بلبل الإذاعة» وعبد الوهاب يوسف وبعضهم كانوا خريجي أقسام انكليزي مثل صفية المهندس وحسني الحديدي وأنور المشري ومع ذلك لم يخطئوا في نطقهم للعربية وكنا نسمعهم ينطقون بلغة عربية سليمة وأعتقد أن المجتمع نفسه سبب انهيار لغتنا العربية في إعلامنا بحجة «المشاهد عايز كده»!. ‏

 في رأيك في ظل الواقع الذي نعيشه هل هناك ضرورة للتعريب؟ ‏

 هناك ضرورة ملحة في ذلك فنحن ننادي منذ 20 عاماً بتعريب التعليم والعلوم بهدف النهوض بمجتمعنا العربي وبأجيالنا لأن لغتنا ليست عاجزة عن مواكبة التطورات والقفزات العلمية الراهنة لكن العجز فينا ويجب ألا يفهم الآخرون أننا ندعو لمقاطعة اللغات الأخرى فلابد من معرفتها بدقة وبعمق حتى يمكننا فهم العلم بصورة شاملة وكاملة أما حينما ندرس لأبنائنا هذه العلوم يجب أن يكون ذلك بلغة عربية جيدة وللأسف فنحن نفتقد الوعي العام لدى جمهور المثقفين، فالعلماء يتحدثون وإذا لم يساندهم المجتمع فلن تجد جهودهم ودعواتهم للتعريب والتطوير أي صدى. ‏

مواكبة العصر ‏

 هل لغتنا قادرة على استيعاب مستحدثات العصر وتقنيات عصر المعلومات؟. ‏

 أرى أن اللغة لا تبتكر نفسها لكن المبتكرين هم أهلها فمثلاً لو لم يكن لدي تلفزيون فلن يصبح لدينا كلمة تدل عليه مما يضطرنا الى استحداث كلمة باستعارتها من لغة أخرى وكما سبق وأكدت فالعجز فينا. ‏

 

ولماذا يرى بعضهم وجود تعارض بين الانترنت والكمبيوتر وبين حفاظ الإنسان العربي على لغته وهويته الثقافية؟ ‏

 

أنا لا أرى تعارضاً في ذلك ولا بدمن إبراز قدرتنا على مواكبة تكنولوجيا العصر، ونحن جميعا­ كعرب­ نعاني قصورا في فهم لغة الانترنت لأنه لم يكن لنا دور في ابتكارها، وأعتقد أنناإذا استوعبنا لغة العصر ومبتكراتها فيمكننا أن نبتكر لأن هذه اللغة التي خرجت من الجزيرة العربية مع الإسلام ومواجهتها للحضارة العالمية الموجودة استطاعت أن تنقل خير ما فيها وتترجمه. ‏

 هل تستطيع المعاجم والقواميس العربية أيضاً أن تواكب هذه التطورات الراهنة؟ ‏

 

أعتقد أنه توجد نهضة راهنة في صناعة المعاجم والقواميس خاصة في الدول العربية في شمال افريقيا «تونس والجزائر و المغرب» وفي لبنان وهو ما سيفيد بالضرورة القارئ العربي ويزوده بما يحتاجه، لكن يبقى السؤال هل هذه النهضة أعطتنا كل ما نريد؟ والإجابة بالنفي طبعاً لأنه مازالت تنقصنا أشياء كثيرة ومازلنا في حاجة لقاموس تاريخي يؤرخ للغة العربية. ‏

ہ وما دور مجمع اللغة العربي في ظل هذه التحديات المحيطة باللغة العربية؟ ‏

 

 لا أنكر أن المجمع له دور فعال في الحفاظ على لغتنا ورغم أنه يبتكر كلمات قد لا تعجب المجتمع العربي لكنه يستخدمها بعد شيوعها فمثلاً كلمة «السيارة» عندما استحدثها المجمع وشاعت بين الناس و بدؤوا في استخدامها رغم أن هناك كلمات أخرى قد يبتكرها ولا يستخدمها الناس.. فالمجتمع هو الحكم، وللأسف هناك مصطلحات كثيرة دخلت لغتنا ونستخدمها بأسمائها الأجنبية مثل أسماء كل المكتشفات الحديثة والعبرة هنا في رأيي باستخدام المجتمع. ‏

 

دور المثقفين ‏

 

ما الظواهر اللغوية الراهنة التي تستوقفك وتلفت انتباهك؟ ‏

 

هناك ظواهر كثيرة منها أن المتكلم لايهمه أن يخطئ أو يصيب في الحديث ولا حتى يخجل من ذلك فقديماً كان المتكلم يخجل من أخطائه وكأنه ارتكب جريمة، وهناك ظاهرة أخرى أن بعضهم يستخدمون لغة أجنبية عند حديثهم مع أجانب عكس ما يفعل الفرنسيون والألمان الذين يتحدثون مع الأجانب بلغتهم أما العرب فيتحدثون بلغة الأجنبي ليقال عنه إنه قادر على ذلك!. ‏

 

ما تقويمك لواقع الثقافة العربية في الوقت الحالي؟ ‏

 

 الثقافة العربية في تراجع فإننا قد تأخرنا في الكثير سواء السينما أو الغناء أو المسرح مما سبب فجوة بيننا وبين الآخرين، منذ أيام عبد الناصر حينما حرمنا من تدريس اللغة الإنكليزية وهو ما نتج عنه انقطاع عن الحضارة الأوروبية وكان له مردوده فيما بعد، والكارثة الأكبر هي محاولة بعض الجهات الأجنبية أن تفرض علينا ثقافتها وبعضنا للأسف يقبل ذلك، كما نعاني من حالة فتور ثقافي عام لأسباب كثيرة أهمها انقطاع صلتنا بالحضارة الأوروبية بحجة عداوتها لنا، كما أن تغير قيمنا وتقاليدنا أصبح أمراً خطيراً ويجب أن نراعي أن الجزء الأهم لدينا الأسرة عكس أميركا التي لديها الفرد هو الأهم. ‏

 

وكيف ترى دور المثقف تجاه كل هذه التحديات الراهنة؟ ‏

 

يجب عليه أن يعرف ذاته أولاً معرفة دقيقة ثم يعرف أيضا تراثه ثم ينفتح على الثقافة العالمية، وأن يحسن الانتقاء منها وأن يواكب التطورات المعاصرة وألا يصبح أسير تراثه القديم وأن يمتلك رؤية حضارية ترى الحاضر بعيون المستقبل، وعلى المثقفين أن يحملوا المسؤولية بجدية لأنهم رواد المجتمع وعدم الانزواء حينما لا يجدون صدى لما يقولونه أو يكتبونه. ‏

 

بمناسبة حصولك على جائزة الملك فيصل ما أقرب هذه الجوائز لقلبك؟ ‏

 

حصولي على جائزة الدولة التقديرية عام 1986 التي اعتز بها حتى الآن لأنها أعلى جائزة مصرية في ذلك الوقت بينما جائزة الملك فيصل اعتبرها عالمية وهي الأخرى قريبة مني.‏  بعد فوزه بجائزة الملك فيصل..الدكتور حسين محمد نصار.. لغتنا قادرة على استيعاب تطورات العصر والعجز فينا!