محمود الزهار

د. كمال غنيم

في لقاء خاص مع الدكتور محمود الزهار حول كتاباته القصصية

أجرى اللقاء: د. كمال غنيم

"رواية (الرصيف)… محاولة الهروب إلى المستقبل 

السياسة حالة طارئة على نفس الأديب ومشاعره 

كل عمل إبداعي هو نسيج من خيوط الخيال والواقع والتمني "

كتب الدكتور محمود الزهار قصة الرصيف عام 2002 بعد قصته الأولى التي نشرها بعنوان "في أعماق صخرة"، وتحكي قصة الرصيف حكاية الشاب الفلسطيني "محمود الفائز"، الذي يسير في فضاء القصة من ليبيا مرورا بمحطات الإسكندرية والقاهرة، وصولاً إلى تل أبيب، وقد وضع في مخيلته هدفاً واحداً، نستطيع أن نستكنه خفاياه من خلال علاقاته العابرة في أرصفة المحطات وفضاء السيارات والقطارات، ونحن هنا نحاول من خلال هذا اللقاء إلقاء الضوء على أبعاد هذا العمل.

من أنت ؟
محمود الزهار، من حي الزيتون بغزة، أمضيت طفولتي في مدينة الإسماعيلية بمصر، حتى عام 1958، أنهيت الثانوية العامة عام 1965، والتحقت بكلية طب عين شمس وتخرجت في 1971، وعدت إلى غزة عام 1972، وعملت في مستشفيات الشفاء وخانيونس حتى 1974 ، وحصلت على الماجستير في الجراحة العامة من مصر في فبراير 1977 ، وعدت إلى غزة 4 مارس 1977 لأعمل في مستشفى خانيونس والعريش ثم الشفاء بغزة، فُصلت من عملي عام 1982، وعملت بالجامعة الإسلامية عام 1985 .

تفاجأ الجمهور برواية ( في أعماق صخرة ) عندما نُشرت في مطلع الثمانينات ، ما مدى علاقتكم بالأدب والقصة ؟

علاقتي بالقراءة سبقت الكتابة، وهذه وتلك سبقت حصولي على الثانوية العامة، ففي عام 1962 كتبت رواية ( في ظل الله)، وفي 1963 رواية (الحريات الحمر)، وفي نفس العام رواية (عز الدين القسام)، و(البشر والقدر) ولم تنشر جميعها، وفي عام 1971 كتبت مسرحية ولم تنشر، وفي عام 1982 كتبت رواية (في أعماق صخرة ) وتم نشرها ، وفي عام 1985 كتبت رواية (الرصيف) ولم تنشر حينها، وتمت إعادة صياغتها، ونشرت عام 2002 ، وكتبت سيناريو فيلم (عماد عقل) في عام 2000، وأعيد الآن كتابة (عز الدين القسام) التي كتبت عام (1963-1964)، لقد شعرت بقيمة ما جاء فيها، حيث ربطت الحدث التاريخي بأسماء تاريخية مع بعد درامي ، أشعر كلما قلبت صفحاتها التي قُرضت أطرافها أنها تستحق القراءة ولكن بوعاء جديد .

وكتبت في صعيد بعيد عن الأدب عدة كتب، منها: ( التدخين في قطاع غزة وبلائه ومآسيه) عام 1987 وتم نشره، وترجمت كتاب ( الحرب المقدسة) للكاتب الألمـاني ( فلهم دايتل )، وتم نشره عام 1997 ، ونشرت كتاب ( إشكاليات الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر )، ثم ( كتاب إشكاليات مجتمعنا المعاصر: دراسة قرآنية ) في أيلول 1998.

( السياسي عندما يطغى على الأديب ) ما شعورك تجاه ذلك ؟
في تصوري أن السياسة حالة طارئة على نفس الأديب، ومشاعره، السياسة واقع مفروض، يجب التعامل معه بعلمية غاية في الصراحة والوضوح ، وكلما كان الموقف مبنيا على معلومات، كلما نجحت الخطوة السياسية، وإذا زادت مساحة التحليل عن المعلومة ازدادت مساحات الخطأ .

أما عالم الأديب -ولا أراها كلمة تنطبق عليّ- فهو عالم خاص جداً، ينشأ ويتطور في داخل صاحبه، تتفاعل فيه المشاعر والمشاهد الحقيقية والمفتعلة بدرجات متفاوتة، وتنشأ شخصيات وأحداث، وهو أمر لا يجب أن يكون في السياسة؛ اللهم إلا الأمل… وهو شعور ليس له ملامح.

ولذلك أشعر أن هناك انفصال تام بين الأدب وبين السياسة، ومن يجمع بين المجالين فإنه يعيش حالتين منفصلتين، إلا من بعض تجارب أو أحداث يعيشها السياسي تعرض نفسها على العمل الشعوري والوجداني.

لمن تكتب ؟
أكتب لمن يريد أن يقرأ مشاعري لحظة سجلت هذه المشاعر .

لماذا تكتب ؟
أكتب ما أحس، وما أرى أن معرفة الناس له يفيدهم .

كيف تكتب ؟

كيفية الكتابة مختلفة، فكل موضوع متعلق بظرفه، ولكن تبدأ الفكرة صغيرة جداً ، وأعطيها الوقت الكبير، فتصبح ككرة الثلج كلما تدحرجت كلما كبرت ، وكلما ازدادت السنون كلما نضجت، ثم توضع على هيئة عناصر، وتصبح الصورة واضحة تماما من أولها حتى آخرها، ثم أبدأ الكتابة، فتكون الفترة اللازمة لإنجاز العمل صغيرة نسبيا .

هل تركت قضية تأخر النشر أثرها على طقوس الكتابة وسيرورتها ؟
بالتأكيد، فلغة طالب الثانوية وثقافته وتجربته ورؤيته تغيرت اليوم، ولكن الشحنة الشعورية لطالب الأمس أقوى وأكثر أثرا من اليوم، فعندما أعيد قراءتها تتجدد العاطفة، ولم يبق سوى الثوب الذي يكسو الشحنة العاطفية حتى تخرج .

ما الهاجس الحقيقي وراء كتابة رواية (الرصيف)؟
ليست هناك هواجس، ولكنها فكرة… أي فكرة تشكل محور موضوع، وتنضاف إليه صور متناثرة من تجارب عديدة، تجد في المحصلة من يجمع خيوطها متعددة المصادر ومختلفة الألوان لتصنع ثوبا .

هل كان ( تبرير المقاومة ) هدفا من أهداف رواية (الرصيف) ؟
الحقيقة أن عام 1985 شهد مواجهات عامة في قطاع غزة، وكنت أحد أطراف هذه المواجهات، ففي نوفمبر 1981 خضت في الجمعية الطبية مع كل أعضائها مواجهة مع الاحتلال عرفت بانتفاضة الجمعية الطبية ، وفي مارس 1982 كانت مواجهات عنيفة عرفت بثورة المساجد، فُصلت على أثرها من عملي في مستشفى الشفاء بغزة ، وكانت المقاومة غير متكافئة ، فكانت رواية (الرصيف) عام 1985… وفيها ما يوحي بمحاولة الهروب إلى المستقبل، لموازنة قوى الصراع .

أين الخيال من الواقع في رواية ( الرصيف ) ؟

لا أعتقد أن هناك حدا فاصلا بين الخيال والواقع في كتابة أحد حتى كتابات الخيال العلمي ، فإنها تنطلق من جزئية –بغض النظر عن حجمها- من الواقع المعاش والتجربة والرؤية. كل عمل إبداعي هو نسيج من خيوط الخيال والواقع والتمني .

هل تحاول أن تطور أساليب السرد وتقنياته في روايات قادمة ؟

لا أدعي أنني أعلم تفاصيل تقنيات العمل الأدبي كمن درس هذا وعاينه، ولكنني أحاول أن أكتب ما يمليه عقلي، وأعيد قراءته مرات، وأستمتع بهذه القراءة، فأضيف وأحذف، ثم يخرج العمل، فإما أن أدسه في الأدراج، وأحتفظ به، وإما أن أخرجه للناس، ثم أترك أهل المشاعر وأهل الخبرة ليشرحوا هذا العمل راضيا بكل ما أسمع .

ما هي مشاريعك الكتابية القادمة ؟
أنا الآن أعيد كتابة ( عز الدين القسام ) المكتوبة بالقلم الرصاص على دفتر مدرسة مكتوب عليه: "مدرسة فلسطين الثانوية – ثانية علمي أول ، 1383هـ 1963-1964م" !!

أشعر أنها إذا خرجت بثوب أكثر جمالا ستكون شيئا مفيدا