منجية العبيدي

عبد الباقي خليفة

محنة الحجاب في تونس

منجية العبيدي رئيسة جمعية نساء ضد التعذيب بتونس

حوار:عبد الباقي خليفة

في ظل تحالف نكد بين سلطة متسلطة وشرائح شيوعية حاقدة وقعت المرأة التونسية ضحية الظلم والاضطهاد ونزعت منها أبسط حقوقها.. الحق في أن ترتدي الزي الذي يرضي ربها ويعبر عن هويتها وانتمائها ويحفظ لها كرامتها. وإزاء استمرار المأساة لسنوات وتفاقمها وتدهور حال المرأة التونسية  تشكلـت في الخارج إذ لا مجال لذلك في داخل تونس جمعية "نساء ضد التعذيب في تونس" للدفاع عن حقوق المرأة التونسية.. وكان هذا اللقاء مع رئيسة الجمعية: بداية نود التعريف بشخصكم وبجمعية "نساء ضد التعذيب".. أهدافها، والإنجازات التي حققتها أو تسعى لتحقيقها.

أنا تونسية، حصلت على الإجازة في الأدب الإنجليزي من كلية الآداب بتونس ثم على الماجستير في علوم الترجمة من جامعة وستمنستر بلندن.. متزوجة وأم لأربعة أطفال. اضطررت منذ تسع سنين للهجرة خارج البلاد بسبب المضايقات التي تعرضت لها من أجل إجباري على نزع الزي الإسلامي والتي وصلت إلى حد السجن والطرد من الوظيفة ومنعي من مواصلة الدراسات العليا. عملت بالتدريس والترجمة.. أرأس حالياً "جمعية نساء ضد التعذيب" التي تأسست منذ خمس سنين وأخذت على عاتقها مهمة إسماع صوت تلك الشريحة الواسعة من المواطنين الذين يتألمون في صمت.. ويتعرضون لشتى أنواع الإهانات من النظام الحاكم وأعوانه، لا مهمة لهم سوى ترويع الناس وإسكات أي بادرة احتجاج أو رفض للسياسات المعادية لهوية البلاد ولمصالحها الوطنية. ومنذ أن انطلقت الحملة الجديدة على لابسات الزي الإسلامي قبل ثلاث سنوات تقريباً أخذت جمعيتنا على عاتقها مهمة التعريف بمظلمة التونسيات فنظمت التجمعات أمام السفارات التونسية بالخارج وراسلت الهيئات الحقوقية والعلمية في هذا الصدد كما قامت بتوزيع البيانات التي توضح عمق المحنة التي تمر بها المرأة المسلمة خصوصاً بعد أن تجند جهاز البوليس الضخم لملاحقتها ونزع ما يرتضيه ضميرها من لباس.
وقد دعونا كل التونسيات بمختلف مشاربهن إلى اعتبار يوم 8 مارس، يوم المرأة العالمي، يوماً وطنياً للتضامن مع النساء المضطهدات في تونس، وذلك من خلال تغطية رؤوسهن والتصدي لتدخل الشرطة في خصوصيات المرأة. ولقي هذا النداء استجابة واسعة خاصة في الكليات والمعاهد الثانوية.

أما عن الاسم فقد اخترنا "نساء ضد التعذيب" بسبب الاستشراء الفظيع لهذه الآفة في مختلف مسالك السلطة فلا يكاد التونسي يمسك في قضية سواء ما تعلق منها بمواقفه السياسية أو حتى بالحق العام دون أن يتعرض للتعذيب في مخافر الشرطة والإهانة ويتجاوز الأمر في حالات المعتقلين السياسيين إلى التنكيل بالزوج أو الزوجة والأبناء والأقارب، الأمر الذي جعل استدعاء أي مواطن إلى مركز الشرطة بمثابة كارثة تحل به وبعائلته. وقد استشرى هذا الأمر إلى الحد الذي دفع منظمة حقوقية دولية إلى إصدار تقرير حول استشراء التعذيب في ظل الحصانة من العقاب، إذ لم تسجل إحالة مسؤول أمني واحد إلى العدالة رغم تعدد حالات الوفاة بسبب التعذيب. كما خلق انتشار التعذيب جواً من الرعب خيم على البلاد وعطّل أي محاولة للإصلاح. والتعذيب له أشكال حسية وأشكال معنوية منها المنع من الارتزاق بسبب الرأي أو أخذ زوجة زعيم سياسي مسجون ونزع لباسها بالكامل وتصويرها بالكاميرا على تلك الحالة للضغط على زوجها.. هل هناك تعذيب أشد؟ من هنا جاءت تسمية الجمعية التي اهتمت بمجال كان يعاني فراغاً في نسيج المجتمع المدني التونسي.

ما حقيقة ما يجري في تونس فيما يتعلق بحرية المرأة المسلمة؟

 تعتمد السلطة منذ تأسست غداة الاستقلال في دعايتها الموجهة إلى الغرب لاستدرار الإعانات وللاستقواء به على الرأي العام المعارض لسياساتها في الداخل على مسألة "تحرير المرأة"، وهو شعار أفرط الرئيس السابق بورقيبة في استعماله لخدمة أغراضه السياسية، والتقطته الأقليات الماركسية والعلمانية لاستعماله ضد التيار الإسلامي الذي نجح في تهميشها في مختلف مؤسسات المجتمع المدني وخاصة في الجامعة. ويمكن تلخيص الأيديولوجية النسوية الرسمية الماركسية في نص قانوني يتيم هو مجلة الأحوال الشخصية، أكسبته صفة قدسية مزيفة، ومنعت منعاً باتاً أي نقد له أو دعوة لمراجعة تأثيراته على وضع المرأة والأسرة التونسية عامة. ففي الوقت الذي تنظّر فيه هذه الأقليات لتاريخية النصّ القرآني باعتباره "حبيس الظرف الزماني والمكاني الذي تنزل فيه والذي تجاوز الزمن كثيراً منه"، بزعمهم الباطل فإنها تسبغ قداسة شديدة على نص قانوني شرع في بداية الخمسينيات من القرن الماضي ويمنع الاقتراب منه بما يشبه البقرة المقدسة عند الهندوس.

وقد انكشفت سطحية شعار (تحرير المرأة) وكذبه عندما ووجه بتحدي الزي الإسلامي. فهؤلاء نسوة تعلمن في المؤسسة التعليمية البورقيبية، واخترن عن طواعية واقتناع الالتزام بزي يرينه يتناسق أكثر مع هويتهن العربية الإسلامية. لم تستطع الأيديولوجية البورقيبية بعد أن صمت آذاننا طيلة نصف قرن بشعار تحرير المرأة أن يتسع صدرها لشيء من الاختلاف في الزي. فأصدر بورقيبة المنشور 108 الذي يلخص عدوان السلطة على قطاع واسع من النساء اخترن الالتزام باللباس الشرعي. وينص المنشور سيئ الذكر الذي بدأ العمل به في مطلع الثمانينيات واشتد في المدة الأخيرة بمناسبة العودة الكثيفة للالتزام بالزي الشرعي، ينبه إلى:

"ظاهرة أخرى تتمثل في الخروج عن تقاليدنا الهندامية المتعارفة لدى العموم وفي البروز بلحاف يكاد يكتسي صبغة الزي الطائفي!! المنافي لروح العصر، وسنة التطور السليم والتعبير من خلال ذلك عن سلوك شاذ يتنافى مع ما يفرضه قانون الوظيفة العمومية من واجب التحفظ وعدم التفرد والتميز عن عموم المواطنين". هذا النص يدل دلالة واضحة على درجة الارتباك والتدني التي انحدرت إليها دولة تدعي أنها جاءت بما لم يسبقها إليه أحد في العالمين من تحرير للمرأة وإعادة كرامتها!! لم تجد هذه السلطة إلا صفة الطائفية لتبرر حملة التصفية الدينية التي تمارسها ضد قطاع واسع من النساء.

وحتى إذا سلمنا بهذه الصفة (الطائفية) فهل تسمح القوانين والمواثيق والأعراف بمنع نساء طائفة معينة من ارتداء زي طائفتهن؟ لقد أعاق التسلط الأعمى والتحالف القائم بين شرائح الماركسيين الانتهازيين والسلطة هذه الأخيرة عن النظر بموضوعية وحيادية للمسألة. فقد كان حرياً بها احتضان الظاهرة واعتبارها تعبيراً عن هوية البلاد، ولكن على العكس من ذلك تركزت دعاية السلطة على اعتبار هذا الزي تعبيراً سياسياً لنساء حركة النهضة وجب القضاء عليه في إطار عملية استئصال هذه الحركة وهو ما زاد في شعبية النهضة.

هل لديكم أمثلة عن المعاناة التي تتعرض لها المرأة، إلى جانب موضوع الحجاب، مثل المنع من الدراسة، والعمل، والعلاج وغير ذلك؟

لا تزال المرأة التونسية رغم ما سُنّ من قوانين تعاني الحرمان من كثير من حقوقها الأساسية كحقها في التعبير والتنظّم ومن كثير من الحيف. ولعل أكثر أنواع الانتهاكات التي تتعرض لها النساء وأوسعها نطاقاً الاعتداء على حقها في اختيار نوع اللباس الذي ترتديه.

لقد شنّت السلطة التونسية حملة ضارية منذ أكثر من 10 سنوات على الملتزمات باللّباس الإسلاميّ، حتى بلغ الأمر بأعوانها أن نزعوا غطاء الرأس عن رؤوس النّساء في الطريق العام وفي المدارس والجامعات والمؤسّسات العموميّة والخاصّة والمستشفيات التي أوصدت أبوابها في وجوه الحوامل اللاّتي يأخذهنّ المخاض فيُمنعن من النزول بالمستشفيات والمصحّات بسبب ارتكابهنّ لجريمة "ارتداء اللّباس الطائفي" كما تسمّيه السلطات!.

إضافة إلى ذلك تعاني المرأة من جملة من الانتهاكات الأخرى لحقوقها، ومثال ذلك البطء الشديد في إتمام الطلاق الذي قد تستمر إجراءاته سنوات عدة بموجب ما يسمى مجلة الأحوال الشخصية "تتبهدل" فيها المرأة بين المحاكم وتحرم من حقها في استئناف حياتها الأسرية من جديد. كما تعاني المرأة من ازدواجية المهام الملقاة على عاتقها، ففي حين سعت السلطة إلى إخراجها إلى العمل باعتبارها يداً عاملة رخيصة لم توفر لها إمكانية الجمع بين عملها ورعاية أسرتها وأبنائها كما لم توفر للغالبية العظمى من العاملات التغطية الاجتماعية والصحية اللائقة إذ يشتغل معظم النساء في مصانع تفتقر إلى الحد الأدنى من المتطلبات بموجب عقود وقتية لا تتوافر على أدنى الضمانات.

وأدت سياسة التنظيم العائلي المنهجي مع ما تعنيه من استعمال مفرط لعقاقير منع الحمل وعمليات الإجهاض المتواصل وعمليات ربط الرحم إلى استشراء داء السرطان بين التونسيات كما برزت إلى السطح ظاهرة العنوسة بسبب عزوف الشباب عن الزواج الذي أصبح نظراً للظروف الاقتصادية وللقوانين الزجرية بمثابة مغامرة يستنكف كثير من الشباب عن خوضها.

إضافة إلى ما أدخلته السياسات الرأسمالية العشوائية من ظواهر شاذة مثل عزوف الأبناء عن إعالة الوالدين وخاصة الأم فانتشرت ظاهرة بيوت العجزة.

كيف واجهت المرأة المسلمة هذه الإجراءات بحقها، وكيف تقيمين دور المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان داخل تونس وخارجها بهذا الخصوص؟ وما موقف اليسار التونسي من موضوع الحجاب؟

الجديد في تفاعل المرأة التونسية الملتزمة بالزي الإسلامي في مواجهة الحملة الجديدة إصرارها على عدم العمل بفتاوى العلماء التي رخصت لها نزع الخمار من أجل طلب العلم أو إعالة أبنائها إذ سجلت الجمعية عدداً كبيراً من الحالات التي قام فيها هؤلاء النسوة برفع قضايا إلى المحكمة الإدارية (المحكمة العليا)، كما وكّلن عدداً من المحامين للحضور معهن في مجالس التأديب التي تعقد باستمرار في المعاهد الثانوية والجامعات للنظر في معاقبتهن. كما سجلت الجمعية حالات قامت فيها الطالبات والتلميذات بتحدي المسؤولين على تطبيق المنشور "الفضيحة" القاضي بنزع غطاء الرأس وتقصير الفستان إلى حدود الركبة وغادرن مقاعد الدراسة احتجاجاً على التعسف الذي ينالهن.

أما عن موقف الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان والمرأة فعدا بيان يتيم أصدرته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يطالب بإيقاف هذه الممارسات التزمت كل الجمعيات والأحزاب التي يسيطر على أغلبها بقايا مجموعة من قدامى الشيوعيين والشيوعيات الصمت المريب الذي انقلب في بعض الحالات إلى تحريض للسلطة على النساء الملتزمات بالزي الإسلامي. ففي بيان شهير اعتبرت مجموعة "نساء ديموقراطيات" وهي منظمة ماركسية صغيرة تضم أقل من خمسين امرأة تتبنى الأيديولوجية النسوية المتطرفة radical feminism وتحظى بدعاية ضخمة في الداخل والخارج، ناهيك أن السلطة التونسية منحتها حرية العمل واستعانت بها أيما استعانة في بداية التسعينيات في تبرير حربها على التيار الإسلامي، ومازالت هذه الجمعية تنفرد برفضها الاعتراف بحق الإسلاميين في الوجود السياسي، ولم يسجل خلال أكثر من عشرية تعرضت فيها زوجات المساجين السياسيين واللاجئين السياسيين بالخارج لشتى صنوف التنكيل، من حبس، وتعذيب، وتصويرهن بعد نزع كامل ملابسهن، وتجويع وإرغام على تطليق أزواجهن لم يسجل أن أصدرت هذه الجمعية بيان تعاطف أو دفاع عن هؤلاء النسوة..

أقول: في بيان لها نددت "نساء ديموقراطيات" بعودة ظاهرة الحجاب معتبرة إياها علامة تخلف وأرجعتها إلى تساهل السلطة وعدم انتهاجها سياسة صارمة! مما يعد تحريضاً ضد قطاع واسع من النساء. وجمعيتنا في الحقيقة لم تستغرب هذا الموقف، بل تعتبره متناسقاً مع الخلفية الأيديولوجية المعادية للهوية العربية الإسلامية للبلاد، ناهيك عن أنها اتخذت لها شعاراً "التانيت" إلهة القرطاجيين.

أما الأحزاب السياسية فقد امتنعت هي الأخرى عن إدانة الممارسات المنافية لأبسط حقوق المرأة، ولا ندري هل يعود ذلك إلى موقف أيديولوجي أم إلى عجز أصابها؟.

كيف تقارنين بين الموقف الألماني من الحجاب، حيث سمحت لامرأة من أصل ألماني بمزاولة عملها بحجابها، والموقف الفرنسي، المناهض للحجاب؟

 المتأمل في الموقف الفرنسي والتركي والتونسي من جهة ومواقف دول أخرى طرحت فيها إشكالية الحجاب من جهة أخرى يلحظ أن الموقف يعود إلى اختلاف طبيعة منظومة القيم العلمانية الحاكمة في كليهما، فمعلوم أن فرنسا تبنت نوعاً من العلمانية يعتبر نفسه صاحب رسالة هي القطيعة الكاملة مع التراث الديني، وعلمنة العالم أو نزع القداسة عنه وبلغ هذا الوهم أوجه في المقولة اليعقوبية الشهيرة: "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس". وفاقم من المشكل الفرنسي مع الدين الطبيعة الدموية الانقلابية للثورة الفرنسية. وإذا سلطنا الضوء على تونس، نرى أن الأمر لا يعدو أن يكون كاريكاتيراً سيئاً للموقف الفرنسي من الدين. فإذا كان مشروعاً إلى حد ما أن تحلم النخبة الفرنسية اللائكية، وهي صاحبة أول ثورة في التاريخ المعاصر، وحاملة مشروع الحداثة الغربي؛ إن كان مشروعاً لها أن تحلم بتغيير العالم وقد عجزت عن ذلك فما الذي يغري النخب المتطرفة في تونس بنفس الطموح؟ بعض قطاعات النخبة الشيوعية المتطرفة في تونس لا تخفي طموحها في إعادة تونس إلى عهود ما قبل الإسلام، من خلال خطة سمّتها خطة تجفيف ينابيع التدين، قامت فيها السلطة على الجانب الأمني باستئصال التيار السياسي الإسلامي، وعلى الجانب الفكري، ظهرت كتابات تحاول إعادة الاعتبار للإرث القرطاجني الوثني وللمسيحية الأغنوصية الرومانية. كما ظهرت كتابات أخرى تدعو إلى إعادة صياغة الإسلام في ثوب مسيحي كنسي منزوع من أي اهتمام بالجانب الدنيوي.

هل من مقارنة بين الأوضاع في تونس، مع غيرها من البلدان العربية بخصوص قضية النساء الملتزمات فيها، كالمغرب و الجزائر مثلاً.وهل تعتبر تونس أكثر قمعاً للحريات من تركيا البلد الذي يحظر فيه الحجاب أيضاً؟

 لا مجال للمقارنة بين تونس وبقية البلاد العربية في هذا الخصوص. أما بالنسبة إلى تركيا فصدقني، إن قلت لك إن المرأة التونسية تحسد نظيرتها التركية على ما تتمتع به من حرية بالمقارنة طبعاً. فيكفي أن الدنيا قامت ولم تقعد لأن امرأة محجبة في تركيا منعت من النيابة في البرلمان، بينما نظيرتها في تونس تمنع من دخول المستشفى لوضع حملها إن هي تمسكت بحجابها. وقد سجلت حالة التجاء زوجة سجين سياسي وأمام اضطرارها للعمل لإعالة أطفالها إلى صبغ شعرها بالبياض لتبدو عجوزاً كتعويض عن تغطية رأسها.

لماذا يغيب التقويم الموضوعي عند الحديث عن المرأة العربية، فيقع إبراز السلبيات أو المواقف التي يعتبرونها معيقة لتقدم المرأة أو تغمط حقوقها ويقع في المقابل إبراز الإيجابيات والإنجازات التي حققتها المرأة في دول أخرى؟

موضوع المرأة أحد الموضوعات التي اهتدى إليها المستعمر الغربي لاستعمالها كأداة من أدوات التغريب والعلمنة. ففي تونس مثلاً بدأ الحديث مبكراً عن نزع حجاب المرأة منذ بدايات القرن الماضي. ونظر مفكرو الاستعمار لاستعمال المرأة في تغيير عادات المجتمع، مما حمل مجموعة من النساء التونسيات على رأسهن السيدة بشيرة بن مراد، كريمة الشيخ محمد الصالح بن مراد، إلى تأسيس "الاتحاد الإسلامي للمرأة التونسية"، والذي حاول تأطير النساء التونسيات وحماية هويتهن.

اليوم يبدو أن الحملة تتجدد من جديد في المناطق التي لم تلحقها لوثة التغريب، وإن كنا لا نبرئ الواقع والتقاليد في تلك البلاد من بعض الحيف الذي تعانيه المرأة والذي لا نعتقد أن له أي علاقة بالإسلام، وإنما هي أعراف تكون في بعض الأحيان معارضة للدين نرجو أن تنجح النخب في هذه البلاد في تجاوزها مستعينة بالفهم الصحيح للإسلام وبإرادة التغيير والتطوير التي بدأت تبرز لدى النخب الإسلامية الجديدة وأيضاً لدى الطبقة الحاكمة حتى تقطع الطريق على القوى الشريرة التي تريد اختراق بيوتنا وأوطاننا ليس خدمة لقضية المرأة، ولكن خدمة لمصالحهم وأطماعهم القريبة والبعيدة.

هناك من يقول إن المرأة بين تصورين منحرفين لا يريان فيها سوى الجسد يدعو الأول لقمعها، ويدعو الثاني لابتذالها. كيف تشرحين هذه القضية من خلال التصور الإسلامي لها؟
<< هذا ما يريد دعاة الأيديولوجية النسوية الراديكالية المرتبطة بالدوائر الاستعمارية تصويره: لا حل لقضية اضطهاد المرأة وتخلف وضعها في العالم الإسلامي إلا من خلال الانطلاق الكامل من قيود الشرع والدين والتقاليد، ونسخ النموذج الغربي في أسوأ مظاهره. وهؤلاء في دأبهم هذا يزايدون حتى على الغرب نفسه، ففي قضية الاختلاط في المؤسسات التعليمية مثلاً في الغرب يترك الأمر لاختيار التلميذ ووالديه، إذ هناك مدارس مختلطة ومدارس خاصة بالبنات أو بالأولاد فقط، ولا ترى الجمعيات النسوية في ذلك ضيراً، بل يدور جدل متواصل بنّاء في الدوائر الغربية حول جدوى كل من النظامين. بينما في بلد مثل تونس فرضت الدولة بعد أن تسلم الشيوعيون وزارة التعليم نظام الاختلاط الكامل في المدارس، بل وصل الأمر إلى التوصية بتنظيم الجلوس في أقسام الدراسة بحيث يشترك في كل مقعد تلميذ وتلميذة. المشكل في التيار العلماني المتطرف في بلادنا انطلاقه من مسلمات يقينية ارتقت لدى دعاته إلى مستوى النصوص المقدسة التي لا تحتمل المراجعة، بينما هي محل أخذ ورد واختبار في مصادرها الأصلية في الغرب نتيجة تطور مقولات علم النفس التربوي وعلم الاجتماع. وفي حين يدور جدل نشط في أوساط الإسلاميين وبين مختلف تياراتهم حول موضوع المرأة في اتجاه منح المرأة مكانتها اللائقة بها التي قررها لها الإسلام، يعض التيار العلماني بالنواجذ على مقولات عفى عليها الزمن يتخذها مسلمات ولا يدير حولها أي حوار وهذا الجمود في تقديري، هو أبرز علامات وأسباب انحدار وأفول هذا التيار في بلداننا العربية.

في خضم عملكم المبارك إن شاء الله ما الذي تحتاجونه في نضالكم؟.

نحن وضعنا تحدياً نرجو من السادة العلماء والمدافعين عن كرامة الإنسان وحريته، وعن حقوق المرأة وعفّتها، وخاصة الجمعيات والشخصيات النسائية في العالم العربي والإسلامي دعمنا والوقوف إلى جانبنا لرفعه، ويتمثل هذا التحدي، في رفع الضيم عن المرأة التونسية المسلمة المتمسكة بهويتها، وتمكينها من ممارسة واحد من أبسط حقوقها وهو حقها في اختيار لباسها. أشكال الدعم المقترحة هي مراسلة الجهات الرسمية التونسية، ودعوتها إلى التخلي عن سياستها المعادية للمرأة، وإلغاء المنشور 108، إضافة إلى التدخل المكثف في وسائل الإعلام والكتابة في الصحف تعريفاً بمحنة المرأة المسلمة في تونس والاتصال بالجمعية لتنسيق أشكال أخرى من التحرك.

كيف تقيِّمين التناقض بين الإعلان عن "كرسي بن علي" لحوار الحضارات، وانعدام الحوار داخل تونس؟

بكلمة واحدة.. ندعو رئيس الدولة وهو يطمح رغم صغر حجم بلادنا إلى إدارة الحوار بين الحضارات أن يبدأ من أمام بيته فيدير الحوار بين أبناء الوطن الواحد داخل الوطن الواحد.

نساء ضد التعذيب بتونس

Women against torture in Tunisia

                   [email protected]