د. عماد الدين خليل(2)

محمد صالح حمزة

أجراها : محمد صالح حمزة   مع     د. عماد الدين خليل

لعلّ ضيفنا اليوم أكبر من تعريفنا له.. فقد عرفتْه ساحاتُ العلم: داعية ومفكّراً وأديباً، يرفدُ جهده المكتبة العربية ألواناً من المعارف في التاريخ والنّقد والشّعر والمسرحيّة.. الخ.

بقي صوته ينطلق من بلاد الرافدين استمراراً لتلك الأنوار التي أشرقت من مدارس الكوفة والبصرة وبغداد.. تحمل الضياء إلى أرجاء المعمورة مبصّرة العالمَ الذي كان يتخبّط في ظلمات الشّرك والجهل والتّخلّف..

من نينوى.. من الموصل.. من بلد "الرجل الصالح" شرّفنا هذا الصوت الصالح: صوت الدّكتور عماد الدّين خليل.. فلتصْغ إليه الأفئدة والعقول والنّفوس:

1- هل لكم أن تقدّموا للقرّاء بطاقتكم الشّخصيّة؟

أ.د عماد الدّين خليل

ـ ولد في الموصل-العراق عام 1939م.

ـ متزوّج وله ولدٌ (1973م) وابنتان (1979م) (1986م).

ـ هواياته المفضّلة: المطالعة والرّياضة.

2- دراستكم: الشّهادة ـ سنة التّخرّج ـ مكان الدّراسة

ـ حصل على الدّكتوراه في التاريخ الإسلامي بدرجة الشّرف الأولى من كلية آداب جامعة عين شمس-القاهرة 1968م.

3- العمل الحالي، ونبذة عن مجالات العمل السابقة.. وأبرز إنتاجاتكم الأدبية والفكرية

ـ عمل مُعيداً فمدرساً فأستاذاً مساعداً فأستاذاً في جامعتي الموصل وصلاح الدين (وهو يعمل الآن في قسم التاريخ بكليّة تربية جامعة الموصل).

ـ تولّى الإشراف على مكتبتي الجامعة المركزية والمتحف الحضاري، وترأّس شعبة التراث في المديرية العامة لآثار المنطقة الشّماليّة.

ـ درّس وأشرف على العديد من طلبة الدّراسات العليا (الماجستير والدّكتوراه)، وشارك في مناقشة العديد من الرّسائل.

ـ أُعلن أستاذاً مكرّماً عن كليّة آداب جامعة صلاح الدّين عام 1989م، وأستاذاً أوّلاً عن جامعة صلاح الدين عام1990م.

ـ اختير عضواً في العديد من اللجان العلمية في الجامعات التي عمل فيها، ورئيساً للجنة الترقيات العلميّة في كليّة آداب جامعة صلاح الدّين (1989-1990م)، كما انتُخب عضواً في مجلس جامعة صلاح الدّين ممثّلاً عن التدريسيين (1989-1991م).

ـ شارك في العديد من المؤتمرات والنّدوات العلمية والمواسم الثقافيّة في مختلف بلدان العالم.

ـ حاضر في عدد من الجامعات والمؤسسات العربية والإسلاميّة والعالميّة.

ـ أنجز العديد من الأعمال والمواد العلمية لبعض المؤسسات والموسوعات.

ـ شارك في صياغة مناهج التاريخ والآداب لعدد من الجامعات.

ـ اعتمدت بعض مؤلّفاته كتباً منهجية في العديد من الجامعات العربية والإسلاميّة.

ـ كُتب عن أعماله العديد من رسائل الدّبلوم العالي والماجستير والدّكتوراه في عدد من الجامعات العربية والإسلامية.

ـ تُرجمت بعض مؤلّفاته إلى عدد من اللغات وبخاصة الإنكليزية والفرنسية والتركية والاندونيسية والأرديّة.

ـ أنجز عدداً من البرامج والمسلسلات الفكرية والتاريخية لعدد من الإذاعات العربية.

ـ كُتب عن أعماله (خارج الأكاديمية) العديد من المؤلفات والدّراسات والبحوث والمقالات والبرامج الإعلامية التي تناولت واحداً أو أكثر من مجال التاريخ أو الفكر أو الأدب.

ـ أجرى العديد من اللقاءات الصحفيّة والإذاعيّة والتلفزيونيّة للحوار في هموم الفكر والأدب والتاريخ والمنهج والقضايا المعاصرة، وتحدّيات الواقع والمستقبل.

ـ كتب في بضع وسبعين دورية ومجلّة وصحيفة في مختلف أقطار العالم.

ـ عمل عضواً في (رابطة الأدب الإسلامي العالمي) و(المعهد العالمي للفكر الإسلامي) و(المجلس العالمي للبحوث الإسلامية) و(الهيئة العلمية للكليّة الأوربيّة للدراسات الإسلامية).

ـ اختير عضواً في الهيئات الاستشاريّة والتحكيميّة لعدد من المجلاّت في البلدان العربية والإسلاميّة، منها: (المسلم المعاصر) في مصر، (الإنسان المعاصر) في لبنان، (المنعطف) في المغرب، (الدراسات الإسلاميّة) في باكستان، (إسلاميّة المعرفية) في ماليزيا، و(مجلّة التاريخ الإسلامي) في الهند.

ـ ألّف ستين كتاباً في مجالات التاريخ وفلسفته، والمنهج، والفكر، والأدب (دراسة ونقداً وتنظيراً وإبداعاً). وقد نُشر معظم هذه المؤلّفات في العديد من بلدان العالم.

وفيما يلي قائمة ببعض هذه المؤلّفات:

 

الأعمال التاريخية

مؤسّسة الرسالة-بيروت

1- ملامح الانقلاب الإسلامي في خلافة عمر بن عبد العزيز

مؤسسة الرسالة

2- عماد الدين زنكي

مؤسّسةالرسالة-دار النفائس

3- دراسة في السيرة

دار العلم للملايين-بيروت

4- التفسير الإسلامي للتاريخ

دار القلم-دمشق

5- نور الدين محمود: الرجل وتجربته الإسلامية

مؤسّسة الرسالة

6- الإمارات الأرتقيّة في الجزيرة والشام

المكتب الإسلامي-بيروت

7- في التاريخ الإسلامي: فصول في المنهج والتحليل

المكتب الإسلامي

8- ابن خلدون إسلاميّاً

دار الثقافة-الدّوحة

9-حول إعادة كتابة التاريخ الإسلامي

دار الثقافة

10- المستشرقون والسيرة النّبويّة

دار الثقافة

11- تحليل للتاريخ الإسلامي: إطار عام

دار القلم-دمشق

12- المنظور التاريخي في فكر سيّد قطب

 

ب- الأعمال الفكريّة

مؤسّسة الرسالة

1- مقال في العدل الاجتماعي

دار العلم للملايين

2- مع القرآن في عالمه الرّحيب

دار العلم للملايين

3- آفاق قرآنية

مؤسّسة الرسالة

4- مدخل إلى مواقف القرآن من العلم الحديث

مؤسّسة الرسالة

5- العلم في مواجهة الماديّة

مؤسّسة الرسالة

6- مؤشّرات إسلامية في زمن السّرعة

وزارة الأوقاف-الدّوحة

7- حول إعادة تشكيل العقل المسلم

دار الثقافة

8- في الرؤية الإسلاميّة

دار الثقافة

9- حوار في المعمار الكوني

النّدوة العالمية للشّباب الإسلامي

10- قالوا في الإسلام

المعهد العالمي للفكر الإسلامي

11- مدخل إلى إسلاميّة المعرفة

وزارة الأوقاف-الدّوحة

12- رؤية إسلامية في قضايا معاصرة

دار الفرقان-عمّان

13- القرآن من منظور غربي

مؤسّسة الرسالة

14- الإسلام والوجه الآخر للفكر الغربي

 

ج. الأعمال الأدبيّة

مؤسّسة الرسالة

1- المأسورون (مسرحيّة)

مؤسّسة الرسالة

2- في النّقد الإسلامي المعاصر

مؤسّسة الرسالة

3- فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر

مؤسّسة الرسالة

4- الطّبيعة في الفن الغربي والإسلامي

مؤسّسة الرسالة

5- جداول الحبّ واليقين (شعر)

مؤسّسة الرسالة

6- معجزة في الضّفة الغربية (مسرحيّات ذات فصل واحد)

مؤسّسة الرسالة

7- خمس مسرحيات إسلامية (ذات فصل واحد)

مؤسّسة الرسالة

8- محاولات جديدة في النّقد الإسلامي

دار الاعتصام-القاهرة

9- الشّمس والدنس (مسرحية)

دار المنارة-جدّة

10- العبور (مسرحيات ذات فصل واحد)

مؤسّسة الرسالة

11- الإعصار والمئذنة (رواية)

مؤسّسة الرسالة

12- المغول (مسرحيّة)

مؤسّسة الرسالة

13- مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي

مؤسّسة الرسالة

14- الفن والعقيدة

الإنتاج الذي تعتزّون به أكثر من غيره.. ولماذا؟

ـ هناك جواب تقليدي معروف مستمدّ من عبرة "كلّهم أبنائي" وبالتالي فإنّ المؤلّف لا يكاد يُفرّق بين نتاج وآخر لأنّه أنجزها –ابتداء- بنفس الدّافع الملحّ الذي يجعله يحرص على أن يقول ما عنده في هذا السياق المعرفي أو ذاك.

ومع ذلك فثمّة كتب –بالذّات- لها في نفسي اعتزاز متميّز، ربّما بسبب موضوعها الذي تعاملت معه، وربّما بسبب القناعة الشّخصيّة بأنّها حقّقت -إلى حدّ ما- مقاربة لما كنت أحلم به قبل الإقدام على تأليفها، وربما للظروف النّفسية والفكرية، وحتّى الخارجيّة التي تشكّلت فصولها وكلماتها.

على أيّة حال فإنّني أستطيع أن أشير هنا مجرّد إشارة إلى بعض هذه المؤلّفات:

في التاريخ: دراسة في السيرة، التفسير الإسلامي للتاريخ، ملامح الانقلاب الإسلامي في خلافة عمر بن عبد العزيز، نور الدين محمود: الرّجل وتجربته الإسلامية، تحليل للتاريخ الإسلامي.

في الفكر الإسلامي: حول إعادة تشكيل العقل المسلم، حوار في المعمار الكوني، قالوا في الإسلام، مدخل إلى إسلامية المعرفة.

في النّقد والدراسة الأدبية: مدخل إلى نظريّة الأدب الإسلامي، فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر، الفنّ والعقيدة.

في الإبداع: مسرحية (المغول)، مسرحيّة (الهمّ الكبير)، رواية (الإعصار والمئذنة)، مسرحيات (العبور) ذات الفصل الواحد، ومن بين الأعمال القادمة أجد في روايتي (السيف والكلمة)، واحدة من أكثر أعمالي الإبداعيّة التي أعتزّ بها بشكلّ خاصّ.

آمال عزمتم على تحقيقها: ماذا تحقّق منها، وما الذي لم يتحقّق بعد؟

ـ أجدني مرغماً على تذكّر عبارة لتوفيق الحكيم في "سجن العمر": "لقد كانت قدرتي –دائماً- أقل بكثير من حلمي وطموحي.. وتلك هي مأساة الإنسان".

إنّ آمالي في الحياة تتمركز في شيء واحد: "الكتاب" الذي يلحّ موضوعه عليّ السّنين الطوال فلا يدعني أرتاح إلاّ بعد إنجازه.. ولله الحمد أولاً وأخيراً، فلقد أعانني –جلّت قدرته- على تحقيق الكثير مما كنتُ أودّ إنجازه عبر رحلة طويلة تبدأ في أواخر الخمسينيات، وتمضي لكي تُطلّ بمشيئة الله على نهاية القرن.

لقد أنجزت عبر هذه الرحلة حوالي الستّين مؤلّفاً، نُشر معظمها.. ومع ذلك فقد ظلّ هناك الكثير. وثمّة من بين هذه الكثير إغراءات أشدّ إلحاحاً من بينها كتابة "سيرتي الذّاتيّة" التي تجمّعت بين يدي معظم موادّها الأوليّة، وكذلك إنجاز عدد من الأعمال المسرحيّة والروائيّة فضلاً عن الدّخول إلى عالم القصّة القصيرة حيث أتممتُ إنجاز المجموعة الأولى. هذا إلى مشاريع كثيرة أخرى أسأل الله أن يُعينني على تنفيذها فيما تبقّى من عمر محدود، وعافية لا تكادّ تلبّي المطلوب.

الساحة الأدبيّة تعجّ بأدعياء الأدب ورافعي راية الحداثة، كيف تنظرون إلى هذا الواقع.. وماذا تقولون لهؤلاء؟

في كلّ زمن ومكان تبرز في الساحة الأدبيّة هذه النتوءات السّرطانية المنتفخة من أدعياء الأدب، فهي ليست أمراً جديداً، ولكن تقارب العالم وتزايد فاعليّة الخطاب الإعلامي أعطاهم فرصة لرفع أصواتهم. ولكنها فقاعات وتؤول إلى انطفاء، وفي النهاية لا يصحّ إلاّ الصّحيح.

ورافعو راية الحداثة ليسوا بالضرورة من الأدعياء، وإن كان التّيار يحمل في دفقه الكثيرين منهم، لاسيّما إذا تذكرنا أنّه يُعطيهم الفرصة للرّكوب بنزوعه إلى تدمير الثّوابت الفنيّة واللغويّة للأنواع الأدبية، وإلى تفكيك منظومة القيم الدّينية والخلقيّة والحضاريّة المشتركة، لكيما يلبث الإبداع أن يصير مركباً سهلاً للقادرين وغير القادرين، للبنّائين والهدّامين.. وللكبار والصغار معاً.

فقط يجب أن نتذكّر أن في تيار الحداثة عناصر وقيماً إيجابية يجب إلاّ نهملها أو نغضّ الطّرف عنها، لأنها تمثل إضافة قيّمة وإضاءة ضروريّة للنّشاط الأدبي في سياقيْ النقد والدراسة من جهة، والنوع الأدبي من جهة أخرى.

وعلى ما في بعض التّيارات من جموح، فإنّها انطوت على فرصة جيّدة لإضاءة الأعمال الإبداعية وضبط النّشاط النّقدي، وجعله أكثر موضوعيّة. ولنتذكّر -على سبيل المثال- بعض جوانب البنيويّة وإسهامها المؤكّد في هذا المجال.

على مستوى الإبداع ليس من المعقول أن تظلّ الأنواع على قوالبها القديمة المنحدرة عبر القرون.. صحيح إن هذه القوالب والتقاليد الجمالية هي حصيلة خبرة خصبة ومحاولات متواصلة للتحسين والإنضاج، إنّها –في نهاية الأمر- ليست قدراً نهائياً. وتجديد آلياتها وأنساقها وبنيتها الجمالية بين الحين والحين قد يمنحها إثارة ما، ويُعطي المبدع فرصة أوسع للاكتشاف والتجريب، شرط ألاّ تنجرف به شهيته للتغيير صوب تدمير الثوابت والمرتكزات، وتمييع المطالب الأساسية للنوع الأدبي.

أعداء الإسلام يتهمون الإسلاميين باحتكار الحقيقة وبالتالي نفي الآخر.. كيف تردّون على هذه الفرية، وما حكم الإسلام تجاه الرأي الآخر؟

أعداء الإسلام اتّهموا الإسلام ولا يزالون بألف تهمة وتهمة ومن بينها هذه التي تحكي عنها، وهم قد ازدادوا شراسة تحت مظلّة النّظام العالمي الجديد وويلات التّطبيع القادم مع العدوّ والتي تجد في "الإسلاميين" الترسانة الصّلبة التي تقف قبالة أهدافها وتلوي أذرعها لكي لا تمضي للإمساك برقبة الإنسان المسلم في كلّ مكان.

الظاهرة ليست جديدة، إنّها قديمة موغلة تمتدّ إلى البدايات الأولى لظهور هذا الدّين الذي قدّر له أن يظهر على الدّين كلّه بإرادة الله وجهود أجيال الدّعاة والعاملين في كلّ زمن ومكان. فليقولوا في الإسلام والإسلاميين ما يشاءون أن يقولوا –ومرة أخرى- فإنّه لا يصحّ إلاّ الصّحيح. ولطالما تساقطت مئات الشّبهات الباطلة وألوفها وطاشت سهامها ذات اليمين وذات الشّمال دون أن تصيب من الحقيقة الإسلامية مقتلاً، بل على العكس ما زادتها إلاّ صلابة وتفوّقاً. وبمجرّد نظرة سريعة على جغرافية العالم عبر اللحظات الرّاهنة فإنّنا سنجد، رأي العين، ما الذي تفعله هذه الحقيقة قبالة كلّ تصوّرات الآخرين ونظمهم ومذاهبهم التي راحت تتعرّض للتّداعي والانهيار الواحدة تلو الأخرى. ولن يكون بمقدور النّظام العالمي الجديد أن يُمسكها عن السّقوط، لأنّه هو نفسه –بقوّة قوانين الحركة التاريخية وسنن الله في العالم- لن يقدر على مواصلة البقاء بصيغته الشّاذة أحاديّة القطب.

أيّ احتكار للحقيقة هذا؟ وكيف ينفي الإسلام الآخر وتاريخه الطّويل وتقاليده المؤكّدة تقود إلى شيء واحد: إنّه ما من عقيدة في تاريخ البشريّة أتاحت الفرصة للآخر، على مستوى الحرية والتّحقّق، كعقيدة الإسلام؟

يكفي أن نتذكّر –والمجال لا يتّسع للإفاضة- كيف أنّ باحثاً متمرّساً كـ"السير توماس أرنولد"، المستشرق البريطاني المعروف، سهر لمدى أربعين عاماً على إنجاز كتابه المعروف "الدّعوة إلى الإسلام" الذي يتحدّث فيه عن سُبل انتشار الإسلام وتعامل المسلمين مع الآخر. ولم يكن يدع وثيقة أو مصدراً إلاّ وضع يده عليها لكي يصل إلى جملة من الاستنتاجات القيّمة حول الموضوع كان من بينها قوله: إنّه على مدى ثلاثة عشر قرنا من الزّمان لم يعثر على حالة واحدة أكره فيه غير المسلمين على اعتناق الإسلام!.

نتذكر قبالة هذا ما الذي فعلته الكنيسة الكاثوليكيّة في إسبانيا لحظة انتصار فرديناند وإيزابيلا على آخر المعاقل الإسلامية هناك: غرناطة.

لقد ذبحوا أمّة بكاملها وأتوا على دينها وتقاليدها وثقافتها وتراثها ووجودها المادي، من القواعد فلم يعد لها أيّ وجود عبر عقود معدودة من الزّمن.

لنتذكّر أيضاً ما الذي فعله الأمريكي بالهنود الحمر، والصّهيوني بالفلسطينيين، والفاشستي الإيطالي بالليبيين؟!

الشواهد كثيرة والبقع السوداء تملأ ساحات الآخرين.. أما في تاريخ الإسلام وواقعه فتكاد تكون استثناء لقاعدة أوسع بكثير.

الأمّة العربية الإسلامية تمرّ بمرحلة غاية في الدّقة والخطورة.. كيف تنظرون إلى ذلك؟ وما هو في رأيكم الدّاء.. وما هو الدّواء؟

ـ ليس ثمّة غير التّشبّث بكلمة الله وحبله المتين: كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي علّمنا كيف أن علينا التّمسّك بهما إذا أردنا ألاّ نضلّ أبداً..

واليوم، قبالة فتنة التّطبيع والانكسارات الدرامية أمام إسرائيل المغتصبة، قبالة التّفرّد الأمريكي الصّليبي المبطّن بالمشروع الصهيوني، والمتلفّع بالنظام الجديد ونهاية التاريخ.. اليوم يجد العرب والمسلمون أنفسهم بحاجة أشدّ إلحاحاً للتّشبّث بمشروعهم الإسلامي.. لحماية ذاتهم من محاولات التّدمير والإفناء.

إنّ العدو لا يرحم.. وها هو ذا يرفع الصّليب والنجمة السداسية مرة أخرى قبالة كلّ ما هو إسلامي أصيل في هذا العالم...

والتّحقّق بالمصير الموعود لا يُستجدى من الآخر.. وإنما يُنتزع انتزاعاً يُرغم الآخر على قبوله والاعتراف به من خلال المزيد من التّحصّن في خنادقنا، وتأصيل ممارستنا الإسلاميّة، وتوظيف جغرافيّتنا على مستوى الأرض والإنسان والطّاقات.. وتعميق ملامح المشروع البديل الذي سينقذ، ليس المسلم وحده من الفناء، ولكنّ الإنسان نفسه. وإلاّ فإن المعادلة لن تكون في صالحنا على الإطلاق.

ماذا يجول في الخاطر وتودّون أن تقولوه للقارئ؟

ليس ثمّة سوى الكلمة الأولى التي تنزّلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء: إقرأ!

إنها البداية الصّحيحة، وهي فعل إيجابي وليست أمراً بالنّفي، وكما قادت المسلم أوّل مرة إلى تشكيل فعله الحضاري المتميّز، فإنّها قديرة على أن تقودنا كرّة أخرى إلى استئناف الدّور.

إنها ليست نصيحة تقليديّة تُزجى للقرّاء ولكنّها أمر إلهي إلى كلّ مسلم في هذا العالم الذي يضيع فيه من لا يُحاول أن يبذل جهداً استثنائيّاً في قراءة الأشياء والسنن والنواميس والظواهر والموجودات والتعرّف عليها.

إنّ كل قارئ وكلّ مسلم، بشكل عام، مدعوّ اليوم لأن يمضي في درب المعرفة الإيمانية، وأشدّد على الكلمة، معرفة الذّات، معرفة الآخر، ومعرفة العالم من أجل أن يتبيّن خرائطه جيداً، ويرى بوضوح موضع قدميه في عالم تصطرع فيه القوى، والويل لمن لا يحمل رايته المستقلة في خضم هذا الصراع.