البروفيسور عبدالله بن أحمد الفَيْفي

سعد يوسف الحميداني

بداية مشوار

مجلة اليمامة

س1: ماذا تقول المعلومات المدونة في بطاقتك عن تاريخ ومكان الميلاد؟

ج1: تقول: تأريخ الميلاد: 82هـ، ومكانه: جبال فَيْفاء، جنوب المملكة العربيَّة السعوديَّة.

س2: كم كان ترتيبك بين إخوتك وأخواتك؟

ج2: ترتيبي الأوَّل والرابع.  الأوَّل على الإخوة الأشقّاء، والرابع بين الإخوة الأشقّاء وغير الأشقّاء.

س3: ما الألعاب المتوافرة في تلك الأيام التي كنتم تلهون بها؟ 

ج3: ما كان من ألعاب سوى الحجارة والتراب.  كُنّا نبني بيوتًا من حجارة وطين، ونصنع تماثيل، ونزرع، ونغرس، ونحرث، ونحصد.  كما كُنّا ربما أدرنا في الأماسي بعض المسرحيّات، محاكين أعلام المجتمع، ممثِّلين بعض الأدوار والأحداث.  ولمّا دخلنا إلى المدارس، تعلّمنا كيف نصنع طائرات ورقيَّة، وسُفُنًا ورقيَّة، وكيف نصنع مراوح ورقيَّة، وألعابًا أخرى.  إنها مهارات اضطرتنا إليها البيئة، وضيق ذات اليد، وفقدان ما يُعرف في المُدن من ألعاب.  مهارات لا يُحسِنها أطفال اليوم.  كما كانت تستأثر باهتمام الأطفال والناشئة في جيلي ألعابُ الذكاء، والخِفَّة اليدويَّة، والرياضات البدنيَّة.  لقد كانت ألعابًا تعليمية وتربويَّة، على بدائيّتها، أكثر فائدة بكثيرٍ من ألعاب الأطفال اليوم، الكسولة والبليدة، أو التي تربِّي فيهم العُنف والهلوسة.  ذاك كان في جبال (فَيْفاء) قبل سِنّ العاشرة، ثم لمّا ذهبتُ إلى مدينة (الطائف) لاستكمال دراستي للمرحلة المتوسطة، أذكر من الألعاب مثلًا لعبة "البراجون"، والعَجَلَة التي يصنعها الأطفال بأنفسهم، ويحاكون بها قيادة السيّارات، إلى غيرها من الألعاب.  

س4: هل هناك موقف لا زال يسكنك من أيام الصغر؟

ج4: ما أكثر المواقف.  لكني أذكر هنا يومًا مشهودًا، لا أنساه.  يوم أن رأينا الطائرة المروحيَّة لأوّل مرّة.  نحن الأطفال في جبال فَيْفاء الذين لم نر في ذلك العهد حتى السيارة إلّا في صور الكتب المدرسيَّة، ولم نعرف الكهرباء، ولم نر من تقنيات العصر سوى المذياع "الراديو".  ذات يومٍ هَلَّت على الجبل طائرةٌ مروحيَّة، وحطّت في مكان يُسَمَّى (نَيْد الدارة)، في عمليَّة إخلاءٍ طبِّي لم تحدث من قبل؛ وذلك لنقل قاضي فَيْفاء، (الشيخ علي بن قاسم آل طارش، حفظه الله) إلى (مدينة جازان)؛ إذ لم تكن هناك طُرق للسيّارة، وأقرب مكانٍ تصل إليه السيّارة نقطع إليه مشيًا على الأقدام ما لا يقلّ عن ثلاث ساعات، ومن بعدها رحلة شاقة مُهلِكة، عبر الطرق الرمليَّة.  في ذلك اليوم رأينا كائنًا خرافيًّا يهبط علينا، كأنما جاء من كوكبٍ آخر، ثم يُقلِع عائدًا من حيث أتى.  كان حدثًا صاخبًا، أغرب أسطوريَّةً من عنقاء مُغْرِب في أساطير العرب، تداعى له الكبار والصغار، وهرعوا إلى مكان هبوط الطائرة، لا يلوون على شيء كالمجاذيب!  ولقد أذكر أنني ظللتُ بعدئذٍ أحلم في النوم وفي اليقظة بذلك الطائر العجيب، الذي لم أر في فخامته وهوله قط، على كثرة ما رأيت من الطيور.  كان يُخيَّل إليَّ أحيانًا أن ذلك الطائر سيعود ثانية.  ولطالما جلستُ على سطح منزلنا شاخص البصر إلى الأُفق الجنوبي الغربي الذي قَدِمت منه الطائرة، ممنِّيًا نفسي كلّ يومٍ أن تعود، وربما صوّرتْ لي عيني أيَّ خيالٍ في الأُفق عودة المروحيَّة، وهيَّأت لي أذني أيَّ صوتٍ، من رعدٍ ونحوه، أنه هدير تلك المروحيَّة.  لكنها من يومها لم تعُد الطائرة؛ فكانت بيضة الدِّيك.  وتضخَّم الهوس فيَّ بذلك المشهد حتى طار بي حُلمًا بالطيران، لم يتحقَّق حتى الآن!

س5: الذهاب إلى المدرسة وحضور اليوم الأول له ذكريات ورهبة وربما فرحة كيف كانت هذه المشاعر؟

ج5: كانت صدمة حقيقيَّة، ولأسباب عِدَّة.  وقبل الصدمة، دعني هنا أشير إشارة لا بُدَّ منها، إلى أن والدي سجَّلني في المدرسة الابتدائيَّة قبل السِّنّ النظاميَّة، ربما كي يَفتكّ من شَغَبي مبكِّرًا!  ولذلك كان، رحمه الله، يضطرّ إلى حملي إلى المدرسة إذ لا أقوى على المشي.  لعلّي كنتُ في ربيعي الخامس، إن لم أكن أصغر، حين اقتادني إلى يومي الدراسي الأوّل.  وكنت قد حفظتُ من (القرآن الكريم) حتى سورة "التكاثر".  ما هالني أوَّل يوم هو، أوَّلًا، أن معظم الطلاب كانوا يكبرونني.  وأن بعض المدرسين كانوا غريبي الأزياء، نافري الأطوار.  فقد كانت كثرتهم من خارج البلاد، وكان بعضهم إلى ذلك بالغ الشراسة.  وكان جدول الضرب تلك الأيّام حلالًا بلالًا.  بل كان من واجبات المعلِّم المهنيَّة؛ فمَن لا يضرب الطلاب ضربًا مبرِّحًا، بسبب وبدون سبب، فليس بالمعلِّم اليُعْتَـدّ به!  أمّا كتابة الرقم عشرة على اللوح المدرسي، التي لم تُعجب حضرة المعلِّم، فكانت حكاية أخرى؛ إذ لم أَضَع له الصفر لدى قَدَم الرقم (واحد) تمامًا، فكان ذلك مثار انتقاده.  كانت المدارس إذ ذاك في حالة يُرثى لها تربويًّا وتعليميًّا.  لهذا فإن صدمة الطفل بدخول مدرسةٍ يومئذٍ كانت تفوق صدمته فيما لو أُدخل إلى معتقلات (جوانتانامو) بلا ذنب سوى أن الله لم يخلقه أشهل العينين!

س6: من تذكر من مدرسي تلك المرحلة؟

ج6: أذكر أن مدير المدرسة اسمه (الأستاذ علي بُهلول)، من تهامة جازان.  تغيَّر بعد عامٍ، ليُصبِح المديرَ عليٌّ آخر، هو: (الأستاذ علي بن فرحان الفَيْفي).  وهو ابن جدّي، حيث إن أباه خالٌ لأبي.  لكني لم أكن أعرف من ذلك إلّا شَدَّه أُذني في ساعات العُسرة!  غير أن له الفضل عليّ في جانبٍ تربويٍّ مهمّ، وهو تدريبي على الإنشاء والخطابة في المناسبات، لكوني أصغر من يمشي على الأرض في المدرسة، عدا الفئران.  ويُخبرني الناس، ولا أذكر، أنه لمّا زار فَيْفاء أمير العموم- كما كان يسمّى، ويعنون "أمير المنطقة عمومًا"- رفعوني على منصّة الإلقاء في سوق (النفيعة)، لأقول شيئًا لست أذكره.  ومن المدرسين السعوديين، إلى جانب المدير: (الأستاذ حسين بن جابر الفَيْفي)، رحمه الله، و(الأستاذ يحيى بن علي الفَيْفي)، رحمه الله، و(الأستاذ أحمد بريك)، الذي جاءنا في فترة لاحقة من إحدى مدارس (جازان).  وبقيّة المدرسين من (فلسطين) أو (الأردن) غالبًا.  أذكر من هؤلاء: (الأستاذ محمّد عطيَّة، والأستاذ فتحي، والأستاذ خليل، والأستاذ مهدي).  نكاد لا نعرف من أسماء مدرسينا غير السعوديين سوى الاسم الأوّل.

س7: هل هناك ذكريات ما زالت عالقة في ذاكرتكم عن بلد مسقط رأسك في تلك الأيام المبكرة من شبابك؟

ج7: أذكر أنها كانت مسقط رأسٍ، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!  بل مساقط رؤوس متكررة.  فما أكثر ما سقطتُ من حالق، وضربتُ برأسي الصخور، لسببٍ أو لآخر.  وما كان جسمي يخلو من ضربةٍ بعصا، أو شجَّةٍ من حجر، أو حرقٍ بنار.  وكان أكثر ما يؤذيني ذلك أيّامَ الأعياد، حين يأتي العيد، و"كُلٌّ جِيْد"، وجسمي لا يخلو من جراحات.  وأَعجبُ اليوم كيف كان يحدث ذلك كلّه دون إسعافات ولا رعاية ولا آثار لاحقة تُذكر؟  لكن الله هو حافظ العقلاء والمجانين!

س8: مرحلة الشباب والدراسة المتوسطة والثانوية كيف كانت؟

ج8: كانت بين مدينة (الطائف) ومدينة (عرعر).  فلقد طوَّف بي الصِّبا أرجاء المملكة، من أقصى جنوبها إلى أقصى شمالها.  لم تكن في جبال فَيْفاء مدرسة متوسطة حين أنهيت المرحلة الابتدائيّة بتفوّقٍ نِسبيّ.  بل لقد كان الطلّاب- وأقول «الطلاب»؛ فلم تكن أيّامها مدارس طالبات في فَيْفاء- يُضطرون، من أجل تأدية الاختبار النهائي الموحَّد للمرحلة الابتدائيَّة، إلى النزول من جبال فَيْفاء إلى مدينة (صبيا)، كمن يهبط من السماء إلى الأرض.  ويمكثون أيّامًا هناك لتأدية اختباراتهم في متوسطة صبيا، وإجراء بعض الفحوصات الطبيَّة اللازمة.  وأذكر أن المستشفى حينها قدَّر عمري بعشر سنوات.  فكانت الرحلة شاقّة جدًّا، بدنيًّا ونفسيًّا.  ولا سيما على طفلٍ من الجبال، لم يألف الغُربة ولا أجواء تهامة الحارة جدًّا، في زمنٍ لم تُعرف فيه مكيِّفات الهواء ولا حتى المراوح.  درستُ المرحلة المتوسطة في مدينة الطائف في المعهد العِلْمي.  كنتُ أذرع المدينة يوميًّا ذهابًا وجيئة، مشيًا من حيّ (الشُّهَداء الشماليّة) حيث أقيم مع أقرباء لي هناك إلى المعهد في حيّ (الشرقيّة).  ثم في مرحلة تالية كان يحملني معه (الأستاذ علي بن سلطان الحكمي)، وكان يومها مدرِّسًا للنحو في المعهد، ويسكن بيتًا في شارعنا نفسه.  وفي فترة من الفترات كنت أقطع نصف المسافة على درّاجة ناريَّة أو غير ناريَّة صحبة صاحبها (عبدالله بن علي بن قاسم الفَيْفي)، الذي كان طالبًا في المعهد، يتقدّمني عمرًا ومرحلةً دراسيَّة.  ولمّا يسيل (وادي وجّ) في مواسم الأمطار، ينقطع حيّ الشهداء الشماليَّة عن حيّ الشرقيَّة، فتتوقف دراستنا لأيّام.  كانت الطائف مدينة عَبِقَةً رائعةً وبسيطةً مبهجةً حقًّا.  ثمّ انتقلتُ إلى مدينة عرعر، على الحدود الشماليَّة مع (العراق)، بعد السنة الأولى من المرحلة الثانويَّة، لدى خالي (الشاعر سلمان بن محمَّد الحَكَمي الفَيْفي)، الذي كان مدرِّسًا في معهد عرعر العِلْمي.  كانت طائرة (الفوكر) هي بساط الرِّيح الوحيد بين جُدَّة و(سكاكا)، ثمَّ لاحقًا بين جُدَّة ومَدْرَجٍ تُرابيٍّ، كانوا يسمُّونه مطارًا، في ضاحية من (بَدَنَة/ عرعر).  مَن يقرأ هذا الحِوار ربما خُيِّل إليه أن عمري عمر (نوح)، وذلك للقفزة التنمويَّة الهائلة التي شهدتها المملكة في بضعة عقود.  عرعر كانت مدينة أصغر من الطائف، وأكثر بدائيَّة بكثير، وأشرس مناخًا، حَرًّا وقَرًّا.  لكنها كانت أكثر دماثة، وأعذب عفويَّة، وآنسَ إطلالًا على أجواء أخرى خارجيَّة، عراقًا وشامًا.  فأحببتها وأَنِسْت بأهلها كثيرًا، وشكّلتْ جزءًا من طفولتي وشبابي وذاكرتي الحيَّة.

س9: من تذكر من مدرسي تلك المراحل؟

ج9: الغريب أنني أذكر أسماء جميع مدرِّسي المرحلة الابتدائيَّة، ولا أذكر من مدرِّسي المرحلة المتوسطة والثانويَّة إلَّا بعضهم!  هل لذلك من دلالة؟  ربما عامل الدهشة الأولى وراء ذلك.  المدرِّسون كثر، والذكريات حاضرة، لكن الأسماء تغيب.  وإنْ أنسَ، فلا أنسى مدير معهد الطائف العِلْمي (الأستاذ حَمَد الحَبَرْدِي)، و(الأستاذ أحمد بن موسى السهلي)، الذي كان يدرِّسنا علم الحديث، و(الأستاذ علي بن سُلطان الحكمي، الدكتور لاحقًا)، الذي لم يدرِّسني، لكنه كان وراء الإعداد لإحدى المسرحيَّات التي لا أنساها، والتي قدّمناها في نهاية أحد الأعوام الدراسيَّة.  وكنت أمثِّل فيها دور الطفل الذي دخل على (عمر بن عبدالعزيز) ضمن وفد الحجاز، حينما ولي الخلافةَ عمرُ، فتصدَّر الطفل للكلام، فقال له عمر: "ليتحدَّث من هو أسنّ منك!"  فانبرى الطفل قائلًا مقولته المشهورة: "أصلح الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغرَيه، قلبه ولسانه، فإذا منحه الله لسانًا لافظًا، وقلبًا حافظًا، فقد استحقّ الكلام، ولو أن الأمر، يا أمير المؤمنين، بالسِّنّ لكان في الأُمَّة من هو أحق بمجلسك هذا منك!"  فقال عمر: "صدقتَ، قُلْ ما بدا لك!"  وقد عَلِم عمر من بعد أن الغلام الصغير هو ولد (الحسين بن علي، رضي الله عنهما).  ما زلتُ أذكر تلك المسرحيَّة التي مثَّلتُ فيها دور الغلام أمام عمر، وأحفظ تفاصيل الحِوار.  كنّا نذهب كلّ مساء لإجراء التجارب المسرحيَّة وحفظ الأدوار، تحت إشراف أستاذنا علي سلطان.  في تلك الأيام كان المسرح السعودي في المدارس والمحافل، وكان جزءًا من الحركة التربويَّة والثقافيَّة والإعلاميَّة في المملكة.  وقد تعلّمتُ وزملائي من تلك المسرحيَّة ما لم نكن لنتعلّمه من كتاب التاريخ المدرسي، المملّ جدًّا.  كان المسرح حاضرًا بصفة عامّة قبل أن يغيَّب على مختلف الصُّعُد.  حتى بتنا نسمع مثلًا عن عُروض مسرحيَّة سعوديَّة لا تُقدَّم للجمهور السعودي، بل تُقدَّم في الخارج، على سبيل الدعاية الإعلاميَّة لا أكثر، لكي يُقال، وإنْ لم يُقَل.  كما أذكر في معهد عرعر العِلْمي أستاذ اللغة الإنجليزيَّة، (الأستاذ محمود)، ذلك السوري الذي كان لأسلوبه التعليمي الخاصّ الأثر في تحبيب اللغة وتسهيلها وربطها بالحياة اليوميَّة.  كما لا أنسى خالي الشاعر (سلمان بن محمَّد الحَكَمي الفَيْفي)، الذي درَّسنا علم العَروض والأدب العربي في المرحلة الثانويَّة.  وكان شاعر الشَّمال، إذ ذاك، كما يلقّبونه.

س10: ما المادة التي كانت محببة لك؟

ج10: قد تستغرب حين أخبرك أنها ليست مادة الأدب، بل مواد الرياضيَّات والعلوم الطبيعيَّة.  لم أكن أحبّ مادة الأدب في مراحل التعليم قبل الجامعيَّة، ولا الشِّعر المقرَّر فيها.  لأنها كانت مادّة جامدة، تَفرِض على الطالب حفظَ أشياء مبهمة القيمة لديه، واستظهار نصوص غريبة، باردة، سقيمة، ومؤدلجة، بطبيعة الحال.  هكذا تُفرض اعتباطًا دون فهمٍ ولا تذوّقٍ ولا قيمةٍ أدبيَّةٍ تُذكر، وإنما تُختار لتلقين بعض القِيَم الدِّينيَّة والمُثُل الأخلاقيَّة، بغضّ النظر عن مستواها الفنّي.  وبالتأكيد أن الذين يختارونها لم يكن لهم الذوق الأدبي الجيّد، أو لا يعنيهم أن يختاروا النصوص الجيّدة، أو لا يستطيعون.  وإنما اكتشفتُ مَيلي الأدبي بنفسي، عبر القراءة، وكذلك من منابع أخرى، ومنها الإذاعة، ولا سيما من بعض البرامج والنماذج الشِّعريَّة الفصيحة المغنَّاة، وكذا من الاطّلاع الحرّ، ثمَّ لاحقًا من خلال قربي من خالي، الذي أشرتُ إليه وملازمتي له فترة طويلة من حياتي، منذ المرحلة الثانويَّة.

س11: متى اكتشفت حبك للقراءة والاطلاع؟

ج11: مع الأسف، ناشئتنا كانوا وما زالوا يفتقرون إلى التوجيه إلى القراءة والتشجيع عليها.  وإذا وُجد التشجيع، فغالبًا ما يأتي الحثّ على قراءة بعض الكتيّبات، الدِّينيَّة تحديدًا، أو أنماط منفّرة مفروضة من القراءة، إنْ لم تضرّ فإنها لا تنفع.  أذكر أن بدايتي الحقيقية في القراءة الحُرَّة كانت في المرحلة المتوسطة، من خلال مكتبة المعهد العِلْمي في الطائف.  كانت حصَّة المطالعة تتخطَّى بنا أحيانًا كتاب المطالعة المقرّر، وعنوانه: "مع الرعيل الأوّل"، وما كنّا ندري ما "الرعيل"، ولا أسباب فرض معيَّتهم علينا؟  ولكن الأوّلين محلّ فرضٍ على الآخِرين، لا مناص منه، على كلّ حال.  فكان بعض مدرِّسي المطالعة، عن قصدٍ أو عن كسلٍ، يأخذوننا في بعض حصص المطالعة إلى المكتبة.  وكنتُ ميّالًا إلى مطالعة الكتب العِلميَّة والطبيعيَّة المتاحة.  ومع ذلك أذكر، مثلًا، أنني قرأت في تلك المرحلة- وإلى جانب قصص خياليَّة للأطفال كنت أتداولها مع بعض الأصدقاء- كتاب "كليلة ودمنة"، (لابن المقفع)، أو بالأصح من ترجمته.  ولقد أحبطتُ ذات مرّة حين وُوجه هذا الاهتمام القرائي باستخفاف أحد الكبار لتضييعي الوقت في قراءة كتاب ابن المقفع الحِكائي التافه.  أين أنا من كتابٍ جادٍّ كـ"الصواعق المرسلة"، على سبيل المثال؟!  كما قرأتُ بعدئذٍ كتاب "الأيّام" (لطه حسين)، وكتابه "قادة الفكر"، وبعض روايات (نجيب محفوظ)، و(عبدالحميد جودة السحار)، وبعض دواوين لـ(نزار قباني)، وغيره.. هكذا دون تخطيط أو توجيه أو هدف مرسوم.  ثم بدأ اهتمامي كذلك بالصحف والمجلّات، وأدمنت الإذاعة، ثمَّ التلفاز، وإنْ كان محرّمًا في بعض البيوت التي سكنت.  وللمفارقة فقد كان من حُسن حظِّي أنْ كان من ضمن جائزتي، في نهاية أحد الأعوام الدراسيَّة خلال المرحلة الثانويَّة، ديوان (أبي الطيِّب المتنبِّي)، بعناية (عبدالرحمن البرقوقي)، وكتاب "تفسير أبي السعود".  أمّا الأخير، فلم أفهم منه شيئًا يُذكر، وربما فهمت من القرآن، على تواضع قُدراتي إذ ذاك، أكثر ممّا فهمته من ذلك التفسير.  لكنني أكببتُ على مطالعة ديوان المتنبِّي.  ويبدو أن تلك كانت انطلاقتي الحقيقيَّة مع الشِّعر، على أن بوادر المحاولات كانت منذ المرحلة الابتدائيَّة.

س12: ما الكتب التي كنت تحرص عليها في مرحلة بداية تعلقك بالجليس الصالح؟

ج12: تتمحور حول القصص والشِّعر وبعض الكتب العِلميّة، كما أشرتُ، وبخاصّة ما يتعلق بالفَلَك والفضاء.  ومنها ما ذكرته آنفًا.

س13: هل كان للوالد ميول أدبية؟

ج13: لا يكاد عربيٌّ ينجو من ميولات أدبيَّة.  وفي هذا إيجابيّات وسلبيّات.  كان جدِّي (علي بن سالم آل حالية) شاعرًا شعبيًّا معروفًا في فَيْفاء.  وكان والدي يروي بعض شِعره، كما كان قصّاصًا بارعًا، على الفطرة، وراويةً ذا أسلوبٍ خياليّ مشوّق، وحكّاءً معروفًا بين الناس.  غير أن تعليمه أخذه إلى مجال العلوم الدِّينيَّة.  ومعلوم أن التعليم الدِّيني التقليدي يزهِّد في الفنون والآداب، ويعدّها من لهو الحديث؛ إنْ لم تكن حرامًا، فهي من سقط القول، مردِّدين في ذلك أحاديث، لا يفقهون دلالاتها، ولا مناسباتها، ولا حتى مدى صحتها.  وبذا أقيم برزخ بين الفنون والآداب وعلوم الدِّين وسمتِ المتديِّنين في العالم الإسلامي، اللهم إلّا إذا جاء الأدب خطابًا وعظيًّا، يتّخذ النَّظْم الأدبيّ الخارجيّ وسيلةً إلى غايةٍ أخرى غير أدبيَّة، على طريقة الواقعيَّة الاشتراكيَّة في الأدب والالتزام بقضاياها، التي حاكتها حديثًا حركة ما يُسمَّى بالأدب الإسلامي، المبتدعة، التي لا أصل لها في التاريخ الإسلامي، مذ عهد النبوَّة، بل إن شاعر الرسول نفسه لا تنطبق عليه شروطها.  من أجل ذلك استعاذ الوالد من شياطين الشِّعر والشعراء مبكِّرًا، وانصرف عن هذا المجال برُمَّته.

س14: ماذا كان نوع عمل الوالد؟

ج14: تلقَّى والدي تعليمه الأوّليّ، كغيره من مجايليه، في كُتّابٍ بجبال فَيْفاء، ثمّ ترحّل لطلب العِلْم إلى تهامة، فدَرَسَ في بَيْش، (أُمّ الخَشَب)، على يد الشيخ (عبدالله القرعاوي)، ثم على يد تلميذ القرعاوي: الشيخ (حافظ بن أحمد الحَكَمي).  ويُعَدّ الوالد من روّاد التعليم في جبال فَيْفاء، قبل التعليم النظامي.  بل هو أوّل من فتح المجال لتعليم المرأة، في وقتٍ كان ذلك من المستحيلات.  وكانت لتعليم البنات في مدرسته قِصَّة طريفة، حكيتها ذات كتابة.  ويمكن القول إنه لو لم يكن قد صاهر أسرتَي شيخَي قبيلتين من قبائل فَيْفاء، ومن ثمَّ أصبحتْ له دالّة لدى الشيخَين، لَما تسنَّى له تأسيس تلك المدرسة.  فقد كانت علاقة المعلِّم بشيخَي القبيلتين وراء اختراق الموانع لتعليم البنات، إذ رغَّبَ الشيخَين بمكافآت ماليَّة لابنتيهما إذا سجّلاهما في المدرسة، فلمّا وافق الشيخان، انكسرت كلّ الحواجز العُرفيَّة، فسجَّل الآخرون بناتهم.  وبَلَغَ عدد المسجّلات في الدفعة الأولى من الطالبات: 45 طالبة.  واستمرّت مدرسة البنات من أوَّل عام 1374هـ إلى آخر عام 1377هـ تقريبًا.  وهكذا تأسّستْ أوَّل مدرسة شِبه نظاميَّة في فَيْفاء لتعليم البنات والبنين، وهي مدرسة الخَشْعَة، أو معهد الخَشْعَة، كما كانت تُسمَّى، في جبل آل بِلْحَكَم/ أبي الحَكَم.  وخرَّجتْ تلك المَدْرَسَة عددًا من المتعلِّمين والمتعلِّمات، مثَّلوا طليعة متعلِّمي فَيْفاء من الجيل الأوَّل في العصر الحديث.  ثمَّ بعد توقُّف مدارس القرعاوي في الجنوب عمل والدي في محكمة فَيْفاء الشرعيَّة.  إلى جانب عمله مقدِّرَ شجاج، يجوب محافظة فَيْفاء وما جاورها، منتدَبًا من المحكمة أو من الإمارة لتقدير الشِّجاجات التي تقع بين الناس، أو التقرير عمَّا يحدث من حوادث قتلٍ وخصومات.

س15: هل مارست العمل قبل الحصول على الجامعة؟

ج15: كلّا، لم أعمل في وظيفة إلّا بعد حصولي على شهادة البكالوريوس، معيدًا بكليّة الآداب، جامعة الملك سعود.

س16: كم كان أول مرتب حصلت عليه؟

ج16: أنا بحمد الله لست من الجيل الذي أدركوا شظف العيش.  فقد تدرَّجتُ في مراحل التعليم، حتى تخرَّجتُ، وعملت.  أمّا أوَّل راتب، فجاء بعد مِنحة ملكيَّة ماليَّة جيِّدة، قدرها خمسون ألف ريال، كانت تُصرف للمتخرِّج من الجامعة فور تخرّجه.  منها أمكنني تهيئة حياتي الجديدة، بما في ذلك شؤون الزواج، والسيارة، والمسكن.  لم يكن للمعيد إسكانٌ جامعيٌّ، ولو بالإيجار، ولا للمحاضر، ولا يحظى بذلك إلَّا حينما يصبح عضو هيئة تدريس.  فاستأجرتُ لي ولزوجتي جزءًا من بيت شعبي لإحدى السيِّدات كبيرات السنّ في حيّ (منفوحة)، وذلك بتسعة آلاف ريال سنويًّا، لغرفتين ومطبخٍ ودورتَي مياه.     

س17: هل تذكر كيف صرفت أول مرتب حصلت عليه؟

ج17: أوّل راتب كان موزَّعًا على ثلاثة بنود: ميزانيَّة البيت الجديد والزوجة والسيّارة، وقِسط لتسديد المَهر، والباقي للادخار.

س18: ما أبرز العقبات التي واجهتك بدراستك لهذا التخصص؟

ج18: لم أواجه في الدراسة نفسها عقبات، غير أن بعض العثرات كانت في الحياة الجامعيَّة.  جئتُ من عرعر في سيارة لبعض الزملاء، وسجَّلنا ومكثنا فترة حتى بدأت الدراسة، لكن مكافأة الطلبة تأخَّرت بضعة أشهر، ومطعم الجامعة لم يفتح أبوابه إلَّا بعد فترة من إقامتي في السكن الجامعي.  فواجهتُ أزمةً ماليَّةً لا أنساها، وأنا لا أعرف أحدًا في مدينة الرياض، ولا أقرباء لي فيها.  وحتى زملائي الذين قَدِموا معي كانت قد تشعَّبت بهم سُبل القبول والميولات الدراسيَّة.  فراسلتُ بالبريد خالي سلمان في عرعر للإنقاذ!  وطبعًا لا هواتف ميسورة في ذلك الوقت ولا يحزنون، فلم يأت الإسعاف إلَّا بعد حين.  والأزمة الأخرى في المستوى الدراسي الثالث تقريبًا، يوم أن تعرَّضت لسرقةٍ، إبّان انتقال السكن الجامعي من حيّ المَلَزّ إلى مقرّها الجديد على طريق الدرعيَّة، شمال الرِّياض.  ذات يوم ذهبتُ إلى الجامعة لأداء اختبار، فرجعتُ وقد فُتِحت غرفتي وسُرِق معظم ما فيها، بما في ذلك كتب مستعارة من مكتبة الجامعة.  وتكرَّر ذلك بعد ذلك.  وللأسف لم أجد من الجامعة أيامها إنصافًا، لا كشفًا عن اللصوص، ولا عونًا ما، وضاع كلّ شيء.  بل أكثر من ذلك، تمسَّكت المكتبة الجامعيَّة بضرورة إعادة كتبها إليها، وعَمِلَتْ على إيقاف مكافأتي الجامعيَّة، حتى أُحضِر الكتب أو أشتريها لها!  مع أن بعضها لم يكن متوافرًا في المملكة أصلًا.  واستمرَّ ذلك فترةً غير يسيرة، في ضائقةٍ ماليَّةٍ وشتاتٍ نفسيٍّ، ووجدتُ أني أُهدِر الوقت في المراجعات، والمسؤول أصمّ أعمى، لا يُعير الطالب التفاتًا، فضلًا عن أن يُعالج بعض ما يمرّ به من مُلمّات.  ومع أني كنت متفوِّقًا في الدراسة، فإن ذلك لم يشفع لي في شيء؛ بل صار صاحب الحقّ هو المتّهم.  إنها البيروقراطيّة المعهودة وصلافة المسؤول (اللا مسؤول).  ولا أنسى الدعاء لذلك الزميل الشَّمالي، الذي أقرضني مبلغًا ماليًّا ريثما أتدبَّر أمري.  حتى أُفرِج عن مكافأتي أخيرًا.  ومذ ذاك تعلَّمتُ درس (الطغرائي):

وإنّما رجلُ الدُّنيا وواحِدُها       مَن لا يعوِّلُ في الدُّنيا على رَجُلِ!

مع تطوير بيته.  فهو يقول "مَن لا يعوِّلُ في الدُّنيا على رَجُلِ"، وأنا سأقول: "مَن لا يعوِّلُ في الدُّنيا على أَحَدِ"، مطلقًا، إلَّا الله.  وبهذه المناسبة فإني أناشد جميع الجهات المسؤولة عن التعليم في كلّ القطاعات والمستويات بتحمّل مسؤولياتها كاملة إزاء طلبتنا، من ذكور وإناث، ومن دارسين في الداخل أو مبتعثين.  ذلك أن التعليم ليس تلقينًا معرفيًّا فحسب، ولا هو تقديم الوسيلة التعليميَّة فحسب، بل التعليم قبل ذلك وبعده بيئةٌ نفسيَّةٌ واجتماعيَّةٌ واقتصاديَّةٌ مواتية.  إنْ لم توفَّر، عصفتْ بالطلبة العواصف، وربما ظلّوا طوال العمر يدفعون عقابيل ما مرَّ بهم في المراحل التعليميَّة من ظروف.  والمسؤول الذي لا يَرْعَى هذه الأمور حقَّ رعايتها، يخون أمانته التربويَّة والوطنيَّة والإنسانيَّة. 

س19: المرحلة الجامعية مرحلة نضوج وتغير بحياة الطالب.  حدثنا عن تلك المرحلة ومن أبرز من زاملك فيها؟

ج19: زملاء الدراسة كُثر.  ومنهم من لا يزال زميلًا في الجامعة، أو في مجلس الشورى.  ومنهم من تَوزَّعَتْهم حقول العمل، ولاسيما في حقل الإعلام والتعليم.  وجميع من أعرفهم منهم بارزون، بحمد الله.  غير أن ذِكر بعضهم ونسيان آخرين غير مناسب في هذا السياق.  على أن نظام الساعات في جامعة الملك سعود كان يمنحك زملاء جددًا في كلّ فصلٍ دراسيٍّ، وربما زاملت آخرين من تخصّصات مختلفة، عبر ما كان يُعرف بالساعات الحُرَّة، التي تتيح للطالب أن يدرس موادّ في غير تخصّصه.  ومن هنا كانت الزمالات متعدِّدة ومتنوِّعة ومتجدِّدة باستمرار، وليست متمثِّلة في مجموعةٍ يُزاملها الطالب بانتظام طيلة السنوات، كما كان الحال في النظام التقليدي.

س20: دراسة الماجستير أين كانت وما نوع التخصص ولماذا اخترت تخصصك هذا؟

ج20: كانت في جامعتي، جامعة الملك سعود.  في الأدب العربي القديم، العصر الجاهلي والإسلامي والأموي، من خلال دراسة نقديَّة في شِعر (تميم بن أُبَيّ بن مُقبل العجلاني).  أمَّا اختيار التخصُّص فهو مجال رغبتي وامتيازي منذ التحقتُ بالجامعة.  وأمّا الموضوع، فجاء باقتراح من أستاذي (الدكتور شكري محمَّد عيّاد، رحمه الله)، ولاقى قبولًا منِّي بعد قراءة ديوان ابن مُقبل؛ لما يتّصف به من ثراءٍ لغويٍّ وتجربةٍ إنسانيَّةٍ وأدبيَّةٍ لافتة.  وكنتُ تقدَّمتُ بمشروع بحثٍ آخر حول شِعر الشاعر الجاهلي (بِشر بن أبي خازم)، ثمّ عَدَلْتُ عنه لأسباب عِلميَّة.

س21: رسالة الدكتورة ماذا كان موضوعها؟ ولماذا اخترت هذا الموضوع؟

ج21: كان موضوع الدكتوراه مختلفًا نوعًا ما، فهو بعنوان «الصورة البَصَريَّة في شِعر العُميان: دراسةٌ نقديَّةٌ في الخيال والإبداع».  وسبب اختيار الموضوع هو الشاعر اليَمَني (عبدالله البردُّوني)، الذي يُدهشك بعوالمه التصويريَّة، بالرُّغم من أنه ضرير، فضلًا عن أسلوبه الحداثي الأصيل.  فتتبَّعت ظاهرة التصوير البصري لدى الشعراء العُميان العرب كافّة، كُمْهًا وأضرّاء، وَفق شروط عِلميَّة للنماذج المختارة.  فدرستُ شِعر (بشّار بن بُرد)، و(علي بن جبلة العكوّك)، و(أبي العلاء المعرِّي)، و(الأعمى التُّطَيْلي)، و(الحُصْري القيرواني)، و(عبدالله البردُّوني).  مقارنةً بالشعراء المبصرين، مثل (أبي نواس)، و(ابن درّاج القسطلِّي)، و(الأخطل الصغير).  وقد كان لتشجيع أستاذي (الدكتور عبدالله الغذّامي) دورٌ مهمٌّ في مضيّي في هذا الموضوع على الرغم من دقّته واتّساعه وتعلّقه بأبعاد عِلْميَّة شتّى، كانت تقتضي جملةً من الدراسات في دراسة واحدة.  مع أن الرسالة، حسب نظام جامعتي، كانت استكمالًا لمتطلّبات الحصول على الدرجة، أي (مشروع تخرُّج)، يسبقه اجتياز مواد دراسيَّة.  وقد عُدّ البحث بعد إنجازه ونشره أوَّل كتاب عِلْمي يشمل الشعراء العرب للإجابة عن الأسئلة النقديَّة والفلسفيَّة عن عمل الذهن والنفس والذاكرة والمخيِّلة.  ومُنِح لذلك جائزة (الإبداع عام 2001) لأفضل كتاب في نقد الشِّعر، عن الجائزة العربيَّة المحكَّمة في الشِّعر والنقد (التي تمنحها مؤسسة يماني الثقافيَّة، بالقاهرة، باسم شاعر مكَّة محمَّد حسن فقي).  وكانت الرسالة تهـدف إلى: أوَّلًا- استنباط النماذج النمطيَّة للصورة البَصَريَّة في شِعر العُميان، ومن ثَمَّ خصائصها- موازنةً بالمبصرين- والمنطق الفنّي والنفسي الذي يَحكم نظامها.  وثانيًا- استغلال ما توفِّره من حقلٍ اختباريٍّ لما يطول حوله الجدل من قضايا الخيال والإبداع، من حيث علاقتهما بالواقع الحِسِّي من جهةٍ وبالتمثُّل الثقافي من جهةٍ أخرى، بغية الخلوص إلى منظورٍ عِلْمي أشمل حول المَلَكة الإنسانيَّة في التخيُّل والإبداع.

س22: بعد نيل شهادة الدكتوراه ماذا عملت؟

ج22: عملتُ عضوَ هيئة تدريس في الجامعة.  فقد تدرّجتُ في العمل الجامعي منذ تخرُّجي، معيدًا، فمحاضرًا، فأستاذًا مساعدًا، فأستاذًا مشاركًا.  حتى ترقَّيتُ إلى درجة الأستاذيَّة بتأريخ: 26/ 12/ 1430هـ.

س23: هل لديكم إصدارات أدبية؟

ج23: ثلاث مجموعات شِعريَّة، ورواية. المجموعات الشِّعرية هي: «إذا ما الليل أَغرقَني»، (1990)، و«فَـيْـفاء.. هَبَّـة الطُّفولة»، صدرت في طبعتين، الأولى عن (اتحاد الكُتَّاب العرب بدمشق، 2005)، والثانية عن (نادي جازان الأدبي، بالشراكة مع الدار العربيَّة للعلوم، 2012). والمجموعة الثالثة «متاهات أُوليس/ قيامة المتنبي» صدرت عن (نادي الرياض الأدبي، بالشراكة مع المركز الثقافي العربي، 2015).  أمّا الرواية، فعنوانها «طائر الثَّبَغْطِر»، صدرت عن (الدار العربيَّة للعلوم، 2014).  هذا في الحقل الإبداعي.  وفي مجال البحوث والدراسات العلميَّة، نشرتُ زهاء عشرين عملًا، بين كتاب ودراسة محكَّمة.

س24: هل قمت برحلات علمية وبحثية؟

س25:   ما المناسبات والمهرجانات والأمسيات التي شاركت فيها؟

ج25: لي مساهمات ثقافية كثيرة، داخل المملكة وخارجها.  من ذلك مشاركتي في:

- (مهرجان القرين)، بدولة (الكويت)، في موسمه الحادي والعشرين، خلال الفترة من الاثنين 12 يناير 2015 إلى الخميس 15 يناير 2015. بدعوة من (المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب).

- (مهرجان القلب الشاعري)، الذي أقامته (منظمة سوكا جاكاي الدوليَّة- فرع الخليج العربي)، في مدينة دُبي، خلال الفترة من السبت ٧ فبراير إلى الأحد ٨ فبراير ٢٠١٥.

- وبدعوة من (وزارة الثقافة بمملكة بلجيكا) حللتُ ضيفَ شرف على (جمعية ملتقى الفنّ ببلجيكا)، لتقديم قراءات شِعريّة، وذلك في اللقاء الذي عُقد يوم الجمعة والسبت 14- 15 فبراير 2014، بمدينة بروكسل، احتفاءً بمناسبة مرور 50 عامًا على الجالية العربيّة في بلجيكا.

- قدَّمتُ ورقة بحثٍ في (نادي جُدَّة الأدبي الثقافي)، مساء الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1434هـ الموافق 19 مارس 2013م، تحت عنوان: "جماليّات الأدب الإلكتروني التفاعلي".

- شاركتُ في (ملتقى العربي 2013)، الذي تعقده مجلّة "العربي"، بدولة الكويت، وذلك بورقة بحثٍ تحت عنوان "الحركة الشعريَّة الحديثة في المملكة العربيَّة السعوديَّة: ومَشارِفُ أَحْدَث"، مساء الأربعاء 6 مارس 2013. وكذلك في دورة سابقة للملتقى، 2010، بورقة بحث حول "مستقبل الثقافة العربية في ظلّ الوسائط الاتصالية الحديثة".

- قدّمتُ مشاركة شِعريّة ضمن المهرجان الشعري العربي الأوّل الذي نظّمه (نادي الباحة الأدبي)، الأحد 20 شوّال 1432هـ الموافق 18 سبتمبر 2011م.  

- قدّمتُ محاضرة في (بيت الشعر بمركز زايد للدراسات والبحوث بنادي تراث الإمارات العربيّة المتّحدة) في أبو ظبي، يوم الاثنين 11 أبريل 2011، ثم في (اتحاد الكتاب والأدباء في الإمارات) الشارقة، الثلاثاء 12 أبريل 2011، طارحًا أوراق نقدية حول قصيدة النثر، والنَّثْرِيْلَة، والقصّة القصيرة جدًّا.  

- المشاركة في أمسية شِعريّة في كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، 4 أبريل  2004.

- المشاركة ببحث في المؤتمر الدولي الرابع للنقد الأدبي، برعاية الجمعيّة المصريّة للنقد الأدبي، وتعاون جامعة عين شمس، القاهرة، في الفترة من 1 نوفمبر إلى 5 نوفمبر 2006.  وقبل ذلك في مؤتمر 2003.

- المشاركة في أمسية شِعريّة بكلية الآداب، جامعة جرش، الأردن، في عامَي 2000 و2003.‏

- المشاركة في أمسية شِعريّة بالقاهرة، بمناسبة احتفاليّة جائزة الشاعر محمد حسن فقي: 2001.

‏- مشاركة شِعريّة في برنامج الاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، إمارة منطقة جازان: 13/ 10/ 1419هـ.

وأكتفي بهذا، فالقائمة تطول جِدًّا، بتوفيق الله.

س26: كيف ترى واقع المثقف العربي، وعلى الأخص السعودي؟

ج26: أراه تمزِّقه الاستقطابات، فيفقد وظيفته.  قلَّما تجد المثقّف العربي المستقل.  المثقَّف الذي تسيِّره بوصلة العقل، لا الولاء والبراء.  المثقَّف العربي اليوم هو غالبًا كمشجِّع كرة القدم؛ متعصِّب لنادٍ ما، ينصره ظالمًا أو مظلومًا.  وأسوأ المثقَّفين هم أولئك المصطفُّون إديولوجيًّا، وبوسع ضمائرهم أن تغضَّ الطرف عن الظُّلم أو اللا أخلاق، ما دام الفاعل من أعضاء النادي، والمفعول به من خصومه.  إن أغلب المثقَّفين العرب أبناء قبائلهم المخلصون، لا أبناء الحضارة والإنسانيَّة.

س27: هل ثورة التطور التقني أثرت على الكتاب؟

ج27: كثيرًا جدًّا.  وسأقول لك إن دُور النشر بعد عشر سنوات تقريبًا ربما ستقفل أبوابها الورقيَّة.  قلنا ذلك قبل نحو عشر سنوات وكابر مَن كابر، واستنكر.  وها نحن هؤلاء نشهد تحوّلًا جديدًا من العصر الورقي إلى العصر الرقمي، يُضاهي التحوُّل القديم من الشفاهيَّة إلى الكتابيَّة.

س28: هل جربت الفشل يوماً ما؟ 

ج28:  لم أجرِّبه، بحمد الله.  على أن للفشل مفهومًا نِسبيًّا.  فالعثرات التي يمرّ بها السالك في سبل الحياة طبيعيَّة، ولا مفرّ منها، لكنها لا تُفشِلك إلّا إذا كانت لديك القابليَّة للفشل.

س29: ما العضويات التي عملت وتعمل بها؟   

ج29: عملتُ وأعمل في عدّة عضويّات علميَّة وعمليَّة.  أهمها عضويَّتي في مجلس الشورى السعودي، منذ 3 ربيع الأوّل 1426هـ الموافق 12أبريل 2005م.  وهي ثقة أعتز بها، وتجربة غنيّة، تخللتْها رئاستي (لجنة الشؤون الثقافيَّة والإعلاميَّة) في المجلس، منذ 6 ربيع الأوّل 1430هـ الموافق 3 مارس 2009م، وقبل ذلك عملي نائبًا لرئيس اللجنة نفسها، منذ 29 صفر 1428هـ الموافق 19 مارس 2007م.  كما عملتُ عضوًا في عددٍ من لجان المجلس.  وشاركتُ في وفود المجلس إلى الخارج، كما سبقت الإشارة.  هذا بالإضافة إلى أنني عضو الجمعيّة العلميّة السعوديّة للأدب العربي.  وعملت باحثًا مستكتبًا في أحد فصول "موسوعة المملكة العربيّة السعوديّة"، التي صدرت عن مكتبة الملك عبدالعزيز العامّة بالرِّياض.  وأنا عضو المركز العربي للثقافة والإعلام.  وعضو الجمعيّة المصريّة للنقد الأدبي.  وشاركت في عضوية اللجنة العلميّة في "موسوعة القِيَم ومكارم الأخلاق"، الآمر بنشرها صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز.  إلى غير ذلك.

   

س30: لك العديد من البحوث القيمة نود منكم إلقاء الضوء على تلك البحوث؟

ج30: من المؤلَّفات المنشورة، عدا المجموعات الشعريَّة والرواية، المذكورة في إجابة سابقة:

إلى غير ذلك من البحوث المحكّمة المنشورة.

س31: بودي تسليط الضوء على الأولاد والبنات وما تخصصاتهم الدراسية؟

ج31: بنتي (صَبا)، وهي أوّل العنقود، تحمل شهادة الماجستير في الحاسب الآلي، وتعمل معلِّمة حاليًّا.  وأخوها (عُمر): طبيب مخّ وأعصاب.  وأخوهما (أسامة): مهندس معماري، يعمل في الهيئة الملكيّة للجبيل وينبع.  وأختهم (رؤى): قُبلت هذه السنة في جامعة الملك سعود، في مجال العلوم الصحيَّة.

س32: ما أخر هدية حصلت عليها وما مناسبتها؟

س33: رسالة تحب أن توجهها عبر هذا الحوار الممتع؟

ج33: لا عطر بعد عروس!

س34: أختم هذا الحوار بطريقتك؟

ج34: أشكركَ وأشكر مجلّة "اليمامة"!  وبالمناسبة، فقد كانت "اليمامة" من أوائل المطبوعات التي نشرت لي في بداية مشواري الشِّعري والنقدي. 

_______________________________

وسوم: العدد 648