أزمة مصطلحات .. وأمة أمة – 3

د. حامد بن أحمد الرفاعي

أجل إن حالة التأزم في الأداء التي تعاني منها أمتنا اليوم على كافة المستويات الأمنية, والسياسية, والاجتماعية, والاقتصادية .. هي انعكاس لحالة التأزم الذهني والفكري التي تعتري البناء الثقافي لغالب أجيالنا.. وبتقديري فإن أزمة اضطراب الفهم الديني.. تبقى الجذر والأساس لكل هذه الأزمات المدمرة. ومن أهم مصادر أزمة الفهم الديني :اختلال فهم المصطلحات والتعامل مع دلالاتها ..حيث يختزل البعض موسوعية المصطلح الديني القرآني والنبوي – بالمزاج أو بسوء الفهم - لصالح أحد دلالاته ومعانيه.. أو لصالح معاني يستحدثها البعض ما أنزل الله بها من سلطان .. ومن أبرز هذه المصطلحات التي يمارس بحق موسوعيتها مثل هذا الاختزال المخل المدمر:

التعارف.. الذي يُختَزلُ عِنْدَ البعض بالحوار .. ولكن لماذا نحاور..؟ وعلى ماذا نحاور؟ وما هي غايات التحاور..؟ وغيرها من الأسئلة فكل ذلك متروك للمزاج والأهواء.. علمًا أن التعارف في الإسلام: هو سبيل للتفاهم والتعاون والتنافس بين النَّاس من أجل بناء الحياة الكريمة المشتركة.التدافع.. يُختزلُ هذا المصطلح ُعندَ البعض بعبارة الصراع مع الآخر.. ونفي الآخر.. وربما شطب الآخر من الوجود..! علمًا أن علة التدافع في القرآن: هي صَرفُ الفَسادِ والإفسَادِ عن الأرض.. فهو كلُّ جَهْدٍ جمعي بشريِّ يُبْذَلُ من أجل ذلك.3.الجهاد.. مصطلح قرآني جليل يَخْتَزِلَهُ البعض بإحدى وسائله المكروه.. ألا وهي القتال.. ويصر أن الجهاد والقتال كلمتان مترادفتان .. فإذا ذُكر الجهادُ فهو بفهمهم قطعًا القتال ولا شيء غير القتال..؟!البراءُ والولاءُ.. يُعممُ البعض دلالاتهما لتطالَ كُلَّ علاقةٍ بين المسلم وغير المسلم.. ويختزل دلالاتِهما بتأكيد نزعةِ الكراهيةِ والبغضاءِ للآخر أيًا كان وعلى أي حال كان..! فليس للآخر عنده مع المسلم إلا أحد خيارات ثلاثة (الإسلام, أو الجزية, أو القتل ..!).التسابق بالخيرات.. عدّل البعض المقاصد الجليلة لهذا المصطلح ..فحولَّها إلى تسابق في القتل والتدمير.. فليس للآخر عندهم حق في العيش والكرامة.. ثم طوروا حماقتهم في التطرف والعدوانية.. فاستباحوا لأنفسهم اقتراف كبيرة تقْتيل المسلمين وتدمير حياتهم بأشد وأبشع الجرائم ..؟!التداخلُ المخلُ عند البعض بين دوائر العقيدة, والشريعة, والرسالة من الدين .. حيث يُوسِّعُ البعض دائرة العقيدة وهي دائرة ( التمايز الديني بين أتباع الأديان ) على حساب دائرتي الشريعة والرسالة وهي دوائر (نظم الحياة والمصالح ) .حتى أصبحت دائرة العقيدة عندهم هي النافذة الوحيدة التي يطلون منها على الآخر .. فهو إمَّا مسلم له الأمن والحياة .. وإمَّا غير مسلم فليس له إلا البغضاء والكراهية والموت.. حقًا نحن بحاجة إلى مراجعة جادة وملحة ..لإعادة مجموع الأمة إلى حالة من التوازن الراشد في فهم دينها على الوجه الصحيح.. الذي يؤهلها لتكون بحق خيرَ أمةٍ أخرجتِ للنَّاس .. وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين. رسولنا وسيدنا محمد وعلى آل بيته وصحبه.

وسوم: العدد 809