إعلام النظام السوري: درس في التطفيش…

“دمشق الآن أكثر أمناً من نيويورك”، يقول السيناريست السوري حسن م يوسف، في محاولة على ما يبدو لتشجيع اللاجئين السوريين للعودة إلى البلاد، في حلقة من برنامج “حديث الأربعاء” على شاشة التلفزيون الرسمي كان موضوعها مناقشة “شؤون المهجّرين السوريين”، الأمر الذي يبدو شاغلاً أساسياً اليوم لدى إعلام النظام. لا ندري كيف يكون ذلك صحيحاً إن “غضضنا النظر عن الظروف التي أدت إلى خروجهم..”، وهذه كانت العبارة التي افتتح بها الكاتب المقابلة، أي أنه يطالب بإغماض العيون عن مقتل نصف مليون من السوريين، وآلاف القتلى في السجون تحت التعذيب، وعشرات المدن المدمرة… بل وتجاهل الآلاف ممن يعذّبون الآن، وقد يكون بعضهم من مؤيدي النظام، في أقبية أجهزة الأمن، ربما من دون أمل لمعرفة أي شيء عن مصائرهم. في المقابل، يستخف الكاتب بالأزمات المعيشية، الكهرباء والغاز وغلاء الأسعار، رغم أنه يقرّ بوجودها، بل ويزيد عليها “الازدحام والتدافع غير المبرر على الأفران”، وأخلاق الناس في قيادة السيارات “نقود سياراتنا كأننا في حرب”، وصولاً إلى عبارته “أدخل إلى دائرة (رسمية) يعاملونني فيها كأنني مطلوب”.. ولعل م يوسف لم ينتبه إلى كمّ المهانة التي يواجهها المواطن في عبارته الأخيرة، فالمصيبة في كل تلك الأزمات هي كرامة السوريين المهدورة في سبيل لقمة أو حيّز دافئ. كل ذلك ولا يريد الكاتب للسوريين أن يتألموا، إذ إن “الذين صمدوا، وضحّوا، ساكتين.. أما اللي بيعنّوا فليسوا سوريا، ليسوا السوريين”. ويضيف “أرى في كل ذلك دلع”! مع هذا سيكون م يوسف متسامحاً حين تسأل المذيعة عن جدل دار بخصوص عبارة لأدونيس عندما قال: “لا الخارج بيتي، والداخل ضيّق عليّ”. سيقول إنه يحترم خيار أدونيس (يحق للأدونيسيين ما لا يحق لغيرهم!)، ويصفه بـ “أهم شاعر حيّ في العالم”، ويضيف “لو بقي أدونيس هنا لصار مثلي”، وهنا يسوق حكاية الشاعر السوري سليم بركات “الذي قرّر، في غرفتي بـحيّ الميسات، أن يترك البلد، وصار شاعراً كبيراً ومهماً”. يضيف الكاتب “قلت لعميد خولي (رئيس تحرير سابق لصحيفة رسمية) أنا أكبر بحجم الترابات اللي بتحطوني، بتزرعوني فيهم. مثل شجرة البلاستيك، بتحطيها بصالون البيت بتعيش على قدر الترابات اللي بالصالون، طالعيها عالحديقة بتصير شجرة عملاقة”. لا يلتفت الكاتب إلى معنى عبارته الأخيرة، وأنها ليست المثال المناسب لإعادة السوريين “المهجّرين”، ففيها معنى الخروج للضوء والحرية، لا معنى العودة إلى القفص. من يريد أن يعود كي يعيش كشجرة بلاستيك في صالون البيت؟ أن يُذّل من أجل جرة الغاز وربطة الخبز، أن يدخل إلى دائرة رسمية كما لو أنه مطلوب، ويمشي في الشوارع كما لو أنها الحرب، ويجبر على القول المزور “إنها آمنة أكثر من نيويورك”. من يريد أن يعود إلى مكان يعاني فيه المرء كل تلك المصائب، ولا يسمح له بأن “يعنّ”، وإن “عنّ” سيجد من يقول له: لستَ سوريا، لستَ السوريين!

وسوم: العدد 810