بدر الكبرى والديمقراطية في الشورى
المسلمون لم يحرفوا القرآن، لكنهم لم يسلكوا طرقه، بل ذهبوا أبعد من هذا إذ استحدثوا ما ليس من أصل فكره خصوصا في المسائل المدنية مدنية المجتمع والدولة، وتعاملوا مع المتغيرات تعاملهم مع ثوابت بينما تحولت بعض الثوابت إلى متغيرات، من هذه المتغيرات؛ توريث الحكم بدل الشورى واستمر هذا الحال قرونا عديدة، ثم انتقلت الأمة لتقر وتعترف بحكم المتغلب الذي جعلته النظم الانقلابية مطيتها في تغيير قناعات الناس. فكثيرا ما يعتمد هؤلاء في الانقلاب على خيارات الشعب بهذه الأدلة، لتغييب رأي الأمة وحقها في اختيار حكامها. فالديمقراطية اليوم هي ر الوسيلة المتاحة حاليا لتنفيذ حكم الشورى.
ففي معركة بدر الكبرى، والتي أفهم تسميتها بالكبرى لأنها ثبتت رسائل متعددة في المنهج الإداري المدني والمعارك العسكرية، وكيف يكون مبدأ الشورى فاعلا في هذه الأحكام، ولعلنا إن أضفنا معركة أحد، وصلح الحديبية فسنجد تكاملا في تطبيق عملي لنوع الديمقراطية الممارسة فعلًا قبل أن يتبع في الغرب، وتحت عنوان قرآني يضعها وصفا لثبات الايمان وتفاعله بل علامة استجابة للقيم الإسلامية، وهو ما لم ينتبه إليه الكثر، فقيمة الشورى أصيلة في المجتمع الإسلامي، انطلاقا من الأسرة فالعائلة فالمنطقة فالمدينة فالدولة (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38))، وضعت بعد الصلاة التي هي علاقة مع الله، لتكون العلاقة بين الناس فلا استبداد ولا إبعاد أو تهميش ومن حق الإنسان أن يفكر بإرادة تامة، لكنه يستشير ويتفق مع الآخرين، نظام مؤسساتي يعلي من شأن الفرد والجماعة والمجتمع.
أولا: أنواع الشورى في بدر ومدلولاتها:
شورى التفويض:
هنالك عملية في اتخاذ القرار والتفويض القيادي والإداري، والتي ليست تفويضا مطلقًا، فالأنصار منحوا الحماية لرسول الله والمهاجرين طالما هم في المدينة، ومنحوا القرار للرسول كقائد وحاكم في المدينة، والآن الرسول يريد الحرب، وخارج المدينة إذن هو خارج حدود التفويض، ولم يستغل التفويض، ولم يقل أنا نبي ورسول ومن حقي أن آمركم بالحرب إن كنتم مؤمنين، بل طلب الرأي فكان من يجيبه الأنصار إلى أن انتبه إليه سعد بن معاذ فقال (لعلك تريدنا يا رسول الله) قال: نعم. فالرأي والقرار يجب أن يكون رسميا من الجميع في تفويض الحالة، وستكرر هذه الحالة مرات، فقرار الحرب يعود إلى الشعب وممثليهم وليس ضمن التفويض للحاكم.
قرار الخبرة:
عندما نزل الناس في أرض المعركة واختار الرسول مكانا للتخييم، تقدم الحباب بن المنذر قائلا: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم (قريش) فننزله ونغوّر نخرّب ما وراءه من القُلَب (الآبار) ثم نبني عليه حوضاً فنملأه، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.... المسألة هنا فيها درس، لم يتكبرّ القائد على صاحبه وإنما نفّذ ما اقتنع بصوابه، في ذات الوقت كان صاحب الرأي يسأل أهو وحي ام مسالة مدنية متعلقة بالحرب وفنون العسكرية، فأعطى رأيا ليعطينا نموذجا آخر من المنهج الديمقراطي.
قرار لم ينزل به حكم حينها:
عندما أسر من المشركين مجموعة، نظر القائد إلى أولوية التعليم وحاجة المسلمين للقراءة والكتابة فكانت تلك فدية من يجيدهما من الأسرى. وكان هنالك آراء عدة لكنه أخذ بما وجده يفيد المجتمع، فالأولوية لحاجات المجتمع وليس للمال، او الانتقام، عند القائد ما لم يكن حكما، والدليل على الرغم من نزول آيات تشير إلى أنه لا أسري قبل التمكين، لكن قرار الدولة سار ليس مخالفة ولكن لا أثر رجعي فيما قضي وهو سار على الأرض.
ثانيا: الشورى نجدها في أحد:
اتفق الشباب على الخروج إلى العدو ورفضوا البقاء في المدينة رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رأيه البقاء داخل المدينة للدفاع عنها، وانتهى القرار، وعندما استنكر أحد الصحابة هذا الأمر تراجع البعض، وكان هنالك نوعا من التردد واشارة انقسام، الرسول اعتمد راي الأكثرية واتخذ القرار، ولا تراجع عندما يتخذ راي الأكثرية، حتى لو كان الاعتراض ايدلوجيا عندما قال الصحابي: (ما أفلح قوم خالفوا نبيهم).
ثالثا: الشورى في الحديبية:
عندما تأخر عثمان رضي الله عنه وظنّ الناس ومنهم الرسول أنه قتل، دعا الرسول المسلمين إلى بيعة تحت الشجرة، فهم لم يخرجوا لحرب وسلاحهم سلاح مسافر، والموقف يقتضي ردا عسكريا، فقد قتل رسول الرسول، أي أن التفويض الذي في المدينة ليس مطلقا، بل للوقائع أحوال متعددة... لكن كانت عواطف الناس مشحونة، فعندما أتى مفاوض قريش، ووضع شروطه، وقبلها الرسول لأنها تجنبهم حربا وتعطيهم ميزات إدارية، فالحرب ليست غاية، والتنازلات مطلوبة، وإن بدت للبعض أنها ليست تنازلات وإنما هي إذعان، فهنا دور القائد يسير بتفويض القيادة إلى مفاوضة فيقر ما يرى، وكان الرأي خيرا كبيرا، هو وحي حينها ام قرار رجل دولة؟! لا نعلم، ولكن ظاهر الأمر يشبه الإذعان، ليمضي عام وتنقضي الاتفاقية، فيأتي بأضعاف مضاعفة من الأعداد التي دخلت في الإسلام وليفتح مكة ليكون عصرا جديدا من مرحلة أخرى لنظام استفتاءات متعددة، إلى أن سيطر على الحكم الملك العضوض.
فعلينا أن نفهم ونحن نتكلم عن الأساليب المتاحة حيننا لقياس الراي، واليوم نحن نمتلك من التقنيات ما يمكن أن نأخذ رأي أي انسان على الكرة الأرضية بكل يسر وبوقت لا يذكر، إن دولة المواطنة أول من سنها هو رسول الله بوثيقة المدينة عند دخوله، وإن الاستفتاء والاقتراع ليس بدعة كما يحلو للبعض أن يعتبر عصور الملوك والتغلب هي الإسلام...، بل الإسلام حكم مدني علمي وشرعي قيمي في ذات الوقت، فهو يفيد من تراكم الجهد البشري والخبرة والوسائل لإقامة مؤسسات، وأن العصور كلما تقدمت سيجد كل عصر عند الباحثين أن الإسلام هو الأنسب لهذا التطور العلمي والتقني وارتفاع التكنولوجيا وتطورها، وأن الصحوة مطلوبة والمراجعة لهذه الأمة وما تعتقد سواء من السلفية المتزمتة، او الأفكار الوضعية والمستوردة، الكل يجب أن يراجع ليتناغم الجميع على تثبيت هوية للامة والعمل على التنمية والإدارة بالأساليب الحديثة.
وسوم: العدد 825