عاقبة المأروضين المفسدين !!!

في معاجم اللغة العربية المَأْرُوضُ : هو الذي به خَبَلٌ من الجن وأَهلِ الأَرْض وهو الذي يحرك رأْسه وجسده على غير عَمْدٍ، حيث يفقد المأروض اتزانه الجسدي والعقلي ، ومن هنا يأتي الفساد ، وهو ــ كما قال الراغب الأصفهاني ــ خروج الشيء عن الاعتدال، قليلا كان الخروج أو كثيرا، ويضاده الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس، والبدن، والأشياء الخارجة عن الاستقامة . وفي القاموس المحيط: فسد: ضد صلح، فهو فاسد وفسيد، والفساد: أخذ المال ظلما والجدب، والمفسدة: ضد المصلحة، وفسده تفسيداًً: أفسده، وتفاسدوا: قطعوا الأرحام، واستفسد: ضد استصلح ، والفساد هو ثمرة الأهواء والطيش وعدم التثبت ، وفي ميدان الفساد الفسيح يكون خراب المجتمع ، حيث يجولون ويصولون حيثما وُجدوا ، قال تعالى : ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد...) 205 /البقرة .

وقد تجد هؤلاء المأروضين المفسدين مندسين بين الناس ، ويجعلون من أنفسهم نخبا متميزة ، فيدَّعون أنهم مصلحون ، وأنهم حريصون على خدمة الناس ، ولكن أعمالهم اليومية وسيرهم تفضحهم  (والله يعلم المفسد من المصلح)  220/ البقرة ، وحين يواجههم الناس بالحقائق عن إفسادهم وسفاهتهم يقولون بدون حياء : إنهم مصلحون ، ويصدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) 11 /البقرة . ومتى كان الإصلاح إشاعة للفتن ، وسببا للقتل وسفك الدماء ، ومكانا للإجرام وفعل المنكرات والله يعلم المفسد من المصلح كما ذكرنا قبل قليل .  فالفساد فيه تجاهل لحقوق الناس ، وفيه تغليب مادة الشر على مادة الخير ، ولا يَغُرَّنَّ الناسَ دعوى هؤلاء مايرددون من قول زائف مبطن ، أو تبريرات لاقيمة لها في موازين الحق والواقع ، فاصطناعهم التبرير هو فساد آخر وتزييف يحمله التبجح وقلة الحياء وعدم الشعور بالمسؤولية . وهؤلاء لن يفلتوا من عقاب الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة ، لأن دعواهم في الإصلاح كاذبة ، وأعمالهم لاتدل على نيَّةٍ صادقة صافية ، ولقد كشفهم ربُّهم وهدَّدهم بسوء العاقبة ، يقول المولى تبارك وتعالى : ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) 103/104/الكهف

إن أعمال وتصرفات هذه الشريحة المرجفة تعمل على إيقاظ الفتن النائمة ، وتحيي مشاعر الحقد والانتقام بين الناس ، وما نراه اليوم في بعض الأقطار من اضطرابات ماهي إلا نتيجة لِما يروِّج له هؤلاء المفسدون ، تدفعهم أطماعهم الخسيسة لنيل الحكم الذي آل إلى مَن اختارهم الناس بمحض إرادتهم وحريتهم ، حيث راحوا يشيعون أسباب الفوضى والانفلات من خلال الأكاذيب والترويج لبضاعة الأحقاد على ألسنتهم المترهلة ، يقول الله عزَّ وجلَّ : ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) 205/البقرة ، وما جزاء هؤلاء إلا المقت من الله في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة ، يقول تعالى : ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) 25/الرعد .

في قصص السابقين مواعظ وعبر لِمَن كان له قلبٌ حيٌّ وضميرٌ طاهرٌ ، فقد أهلك الله المفسدين في الأرض رغم عتوهم وجبروتهم ، مثل قابيل الذي قتل أخاه ظلما وعدوانا ، و قتلة نبيِّ الله زكريا ويحيى عليهما السلام ، ومثل فرعون ذي الأوتاد ، والذي أكثر في الأرض الفساد ، وكذلك  مثل بني إسرائيل الذين أفسدوا وما زالوا يفسدون في البلاد ... ولقد أخذ الله هؤلاء المفسدين أخذ عزيز مقتدر ، ومآلهم لايخفى على قارئي التاريخ على مرِّ العصور . وما قصة قارون ببعيدة عن متناول قارئي كتاب الله عزَّ وجلَّ ، حيث أهلكه الله بعد أن نهاه عن البطر ، وذكَّره بالأعمال الصالحات التي تقربه من رحمة الله وعفوه وجنته ، ونهاه عن الإفساد في الأرض فقال الله تعالى : ( لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) 76/القصص ، وقصص فساد هؤلاء وغيرهم تعبر عن ظلمهم واستكبارهم ، وعن مكرهم وحسدهم ، وإرهابهم للناس ، وعن حبهم لانتشار أنواع الفساد من أجل إبعاد الناس عن دينهم وأخلاقهم ، وبث الفرقة والتحزب بينهم ، مجانبين بذلك هَدْيَ الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه أجمعين ، فعلى لسان نبيِّ الله صالح عليه السلام : ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين) 73 / الأعراف ، وعلى لسان نبيِّ الله شعيب عليه السلام : ( فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) 85/الأعراف . فالفساد يكون في الحكم ويكون في السياسة ويكون في الاقتصاد ... ويمتد الفساد ليصل إلى كل مناحي الحياة حيث يتلاشى  صفاء النزاهة ، ويتراخى الفاسد عن أداء الواجبات ،  ويتم تشجيع عمليات التواطؤ لطمس الحقائق ، كما أن من معاني الفساد هذا السفور والفجور واللهو الحرام ، أي أنه هدم لمقومات المجتمع الصالح .

والمصيبة تكون في حمل هذا الداء البغيض من قِبل المأروضين السفهاء الذين يسعون لتدمير صروح الخير والتضامن في المجتمع ، ويشعلون فتيل الأعمال اللاإنسانية التي تؤدي إلى الإجرام كما يحصل الآن في مصر وفي العراق وفي تونس وسوريا ، وفي بلدان أخرى . ولا بد لهذا الداء من دواء يقطع على الموتورين أمانيهم الخبيثة ، ولابدَّ له من قوة صارمة حماية لأمن المجتمع ودفعا لهذا الشر الذي إذا ما استفحل فإنه سيكون الطاعون الذي لايبقي ولا يذر ، فجدير بالمصلحين ، وواجب على قادة الأمة الصالحين أن يعملوا بحكمة وبقوة لإيقاف هذا الفساد ، يقول الله تعالى : ( فلولا كان من القرون من قبلكم أو لو بقية ينهون عن الفساد في الأرض) 116 / هود ، وعلى الأمة أن لاتخشى مواجهة هؤلاء الضالين المضللين فإنهم غثاء لايصمدون أمام إيمان الأمة بربها ودينها وبقيمها الإسلامية ، والله عزَّ وجلَّ هو أعلم بهم : ( وربك أعلم بالمفسدين) 40 / يونس ، الله يعلم ماتنطوي عليه نفوسهم المريضة ، وما تخفيه صدورهم من غلٍّ وحقد وحسد : (  وإن الله لايصلح عمل المفسدين ) 81/ يونس . فنهاية إفسادهم وإجرامهم وبال عليهم ، وذاك ناموس الأزل الذي لايتبدل ولا يتغير : ( فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) 103 / الأعراف ، ولا بدَّ إلا أن تكون العاقبة ــ بإذن الله تعالى ــ للأمة ولعلمائها الأبرار وقادتها المخلصين الصالحين ، أولئك الذين لايريدون العُلوَّ في الأرض ، ويحاربون الفساد وأهله ابتغاء مرضاته سبحانه ، يقول عزَّ وجلَّ : ( للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين) 83 / القصص . وعلى الأمة أن تحذر من الفساد فإنه إذا تجذَّر في النفوس ، واستولى على الأهواء ... يقود إلى الكفر ، ويفتح أبواب النفاق والتدليس ، ويشجع على القتل والتدمير ، يقول تعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ ) ، فالفساد لايترجم إلا من قِبل مستهتر بدين الله ، عدوٍّ لتطبيق شريعته ، مكابر أرعن كذَّاب مهما ادَّعى الإصلاح ، يقول المولى عزَّ وجلَّ : (  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ) ، إنَّ الذين يجحدون بآيات الله ، ويحاربون حملة الشرع الحنيف ، هم المفسدون وإن تجمَّلوا بحُلو الكلام ، فالشيطان كما يُقال يتحلى دائما بأجمل الثياب ، يقول الله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) .

فيا أبناء أمتنا الكريمة احذروا من تدليس المفسدين ، لاتغرَّنكم ابتساماتهم الكئيبة ، ولا أحاديثهم الملتوية ، ولا هذا الصخب الأجوف ، وأطيعوا الله ربَّكم القائل في محكم التنزيل : ( وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ) .

وسوم: العدد 850