الحكمة : وضعُ الأمور في مواضعها ..فأين منها حكّام اليوم!

عبد الله عيسى السلامة

الحكمة : كنزعظيم ، يؤتيه الله مَن يشاء ، مِن عباده .. وهي ضالّة المؤمن !

قال تعالى : يؤتي الحكمة مَن يشاء ومَن يؤتَ الحكمة فقد أوتيَ خيراً كثيراً وما يَذّكّرُ إلاّ أولو الألباب .

وقال تعالى :

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .

وقال تعالى :

ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا .

وقال تعالى :

وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا

وقال تعالى ، عن لقمان :

وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ .

قال معاوية : لا أضع سيفي ، حيث يكفيني سَوطي ، ولا أضع سوطي ، حيث يكفيني لساني !

وقال المتنبّي :

فالحكمة هي : وضعُ الأمور في مواضعها ! فأين هي ، في حياة الناس ، اليوم ؟

ولا بدّ ، من التذكير، بأن الحكمة ، لا تأتي اعتباطاً ، ولا تؤخذ ، من أحد ، اعتباطاً !

وهنا يُطرح السؤال : أين الحكمة ، في حياة الحكّام ؟

 وقبل الإجابة ، على هذا السؤال ، لا بدّ من التفرقة : بين حاكم وحاكم..وبين حكمة وحكمة.. وبين ظرف ، يقتضي نوعاً من الحكمة ، وظرف آخر، يقتضي نوعاً آخر من الحكمة ، المناسبة له ، المختلفة عن الحكمة ، التي يقتضيها الظرف المختلف .. وهكذا !

تساؤلات أوّلية مشروعة :

هل يتوقّع عاقل، الحصول على الحكمة ، من أحمق ، شديد الحماقة..أومن جاهل ، شديد الجهل؟ ونصرف النظر، عن القصة التي خلّفت لنا مثلاً ، هو : خذوا الحكمة من أفواه المجانين ؛ لأن تلك حالة خاصّة ، وإن كانت تتلاقى ، مع القول المأثور: الحكمة ضالّة المؤمن ، أنّي وجدَها، فهو أحقّ الناس بها ، ومع قول الشاعر:

لا تَحقرن الرأيَ ، وهو موافقٌ        حُكم الصواب ، إذا أتى من ناقصِ

فالدُرّ ، وهو أعزّ شيءٍ يُقتنى          ماحَطّ قيمتَه هَوانُ الغائصِ !

وهل يَتوقّع لبيب ، وجودَ الحكمة السياسية ، عند أنانيّ ، مغلوب بهواه ، في مسألة سياسية ، تتعلّق بالشأن العامّ ، تهمّ دولة ، أو شعباً ، أو قبيلة ، أو حزباً ؟

وهل يأمل حصيف ، أن يجد حكمة ، في قرار عامّ ، يصنعه صاحبه ، بأمر من بليد ، أو ساذج، أو انتهازي ، أو فاسد الخلق ، أو دنيء الطبع .. أو يُفرض عليه ، من قبل مجموعة ، مختلفة الآراء والأمزجه والطباع ، والمصالح ..؟

وأين الحكمة ، في حياة الملأ ؟

أيّة حكمة ، في قرار عامّ ، تُنتظر من مَلأ ( نُخبة ) ، خاضع لحاكم أخرق ، ينفّذ أوامره وتوجيهاته ؟

وأيّة حكمة ، تَصدر، عن ملأ ، موزّع الأهواء ، مختلف المصالح ، متعارض النزعات والتوجّهات ، متشاكس ، متنافر الطباع ، متباين الأهداف والغايات ؟

ثمّ ، بعد أن عرفنا ، أن الحكمة ، هي هبة من الله .. هل من الحكمة ، البحث عن الحكمة ، عند مَن ليس أهلاً لها ؛ سواء أكان حاكماً ، أم محكوماً ؟

وأين يجب ، على الشعوب ، المحكومة بالفاسدين والمستبدّين .. أين يجب عليها ، أن تبحث عن حكمة ، تنتشلها ، من بين براثن المجرمين ، والقتلة ، والمنحرفين !؟

وسوم: العدد 850