مما بدا لي

نواف القديمي

مما بدا لي:

- يوماً بعد يومٍ أزداد اقتناعاً، أن امتحان الحُرية أشدُّ وطأةً من امتحان القمع، وأن وهج السُلطة والثروة أكثر تغييراً للمبادئ من ظلم السجون، وأن الجزرة أكثر ابتلاءً من العصا ..

- بعض الناس، هو غير فاسد لأنه لم تُتح له الفرصة لكي يكون كذلك .. وغير مُتسلط لأنه لم يكن يوماً في موقع يسمح له بأن يتسلط .. ولم يبع ذمته لأنه لم يأته بعد عرض مناسب للشراء ..

- تكون الثقافةُ حيناً نافذةً للتنوير والتقدم، وأحياناً باباً مُشرعاً للارتزاق وتكريس التخلف والاستبداد ..

- غريب أن يستمتع صاحب السلطة أو الثروة بعلاقات وتقرّب وتودد أناس وهو يعرف أنها ما كانت لتكون لولا ما لديه، رغم كونها تحمل في ثناياها إهانة مفادها أنك بذاتك لا تستحق التقدير لولا ما لديك من مال ونفوذ ..

- سلوك سلطات الاستبداد واحد .. ولكنها تتفاوت في حجم ومستوى الامتحانات التي تتعرض لها .. وبشاعة السلطة وقمعها يتفاوت - غالباً - لا باختلاف مستوى التوحش، بل بحجم ما تتعرض له من امتحان، وما تملكه من إمكانات ..

- توقع الأسوأ ليس تشاؤماً دائماً، فقد يكون استشرافاً مبنياً على معطيات، فيما التفاؤل غالباً ليس تقديراً واقعياً بقدر ماهو وهمٌ وأُمنيات ..

.....

- غالباً، النرجسية وتضخم الذات والهوس بالشهرة هو سلوك "تعويضي" ورد فعل غير واعٍ على شعور عميق بالنقص ..

- لاشيء يُفسد عَظَمة الإبداع مثل "النرجسيّة".. ولا شيء يُزري بنضال الشريف مثل "المزايدة".. ولا شيء يُواري العيوب مثل "الكَرَم".. ولا شيء يحقِن الودّ في شرايينك تجاه إنسانٍ مثل "التواضع" ..

- أدركتُ أنه لا شيء يستطيع أن يحقن في أوردتك جرعاتٍ من الود العميق تجاه إنسان، كما يفعل سلوك "التواضع"، والتصرف بعفوية و بساطة، بعيداً عن مكياج "الأهمية" الكاذب، والادعاء، والتصنّع، وربما الشعور المُبتذل بالعظمة ..

.....

- واعلم أن من أعظم ما يُحمد للمرء هو: الوفاء ممن لا يُلام على تركه، والكرم ممن يخشى الفاقة، والشجاعة ممن يتوقع سوء العاقبة، والعِفّة ممن يقدر على ستر خطيئته، والخُلُق وقت الشدة والضيق، وصلابة المبدأ تحت سطوة الإغراء بالثروة والمجد ..

- امنح القريبين منك فرصتهم كي يغضبوا، يُخطئوا، يتناقضوا، يبتعدوا، يزهوا بأنفسهم، يكرروا حديث انتصاراتهم وإنجازاتهم .. ولا تُعاتب، ولا تقف لهم على الهفوة والزلل .. وتذكر أنك قد تكون مثلهم وهناك من يُفوِّت ويتحمّل ..

- لا شيءَ يبعثُ الرِضا والطمأنينة في داخِلك.. أكثر من أن تزهَدَ فيما يتقاتل عليه الناس ..

- ليكن لك عالمك الموازي، ومساحة خاصة خارج تفاصيل الواقع الضاغط، شيئاً تضن به على العابرين، وضوء الشمس، واختلاس الأعين ..

- اليقين، والبرود، والروتين، والثقة المفرطة، صفاتٌ تجعلك كائن ميكانيكي مُصمت .. شيءٌ من الارتباك، والقلق، والشك، والجرأة، هو اللصيق بالحياة والروح ..

- منذ صغري وبداخلي شعورٌ يزداد رسوخاً مع مضي السنين، أن الكادحين أقرب إلى الله من الأغنياء الميسورين ..

وأن الغلابا المُتعبين أكثر انسانية ممن لم يعيشوا يوماً لحظة حرمان ..

وأن أولئك الذين يفكرون بتبعة قرارهم قبل أن يُبهجوا أطفالهم بوجبة من مطعم متواضع هم أكثر شعوراً وعوناً للفقراء ممن ملوا أطباق أغلى المطاعم لكثرة الترداد ..

وأن من ينتظرون بلهفة آخر الشهر حتى يأتيهم غوث الراتب هم أعمق روحاً ممن لم يفتحوا يوماً روزنامة التقويم ..

وأن درهم عونٍ ينفقه متعففٌ نظيف القلب أعظم عند الله من قنطار ثري..

وأن النفس الإنسانية تزداد تشوهاً كلما أوغلت في عالم الثروة والسلطة ..

إلا من رحم الله .. وقليلٌ ماهم

- لو كنتَ تملك المال والوقت لتجوب كل دول العالم، لفَقَد السفر عندك كثيراً من مُتعته .. ولو كانت مسألة شراء بيت أو سيارة تتوقف عندك على اتخاذ القرار، فستفقد حينئذٍ كثيراً من زخم الفرح بشرائها .. ولو كانت أوقات التسلية عندك كثيرة، لخسرت قدراً كبيراً من وهجها ..

كي تستمتع بالأشياء، فتش عن مفهوم "النُدرة" .. وكما قال ابن زيدون: المبذول مملول، ولذةُ العيش اختلاس ..

وسوم: العدد 851