إنجاز هائل في السودان: إغلاق قناة “طيبة”!

وبينما الشعب السوداني الشقيق يتطلع إلى نجاح “حكومة الثورة”، لرفع أعباء المعيشة عنه، وحل مشكلاته الحياتية، بعد اسقاط حكم “الكيزان” جمع “كوز”، فقد أقدم أهل الحكم هناك على اغلاق قناتين فضائيتين، وثلاث صحف، ومحطة إذاعية، اعمالاً لقانون إزالة التمكين، فهل هذه من أولويات الشعب السوداني، أم أن القوم يتحركون بدوافع انتقامية ومن منطلقات أيدولوجية، وبهذه السرعة، وكأنهم يسابقون الزمن؟!

يتصرف أهل الحكم من قوى الحرية والتغيير (قحت) كما لو كانوا يأكلون آخر زادهم، والزاد في بعض الثقافات هو الطعام، ويطلق التعبير “يأكل آخر زاده”، على من يأكل بسرعة ونهم، وكذلك القوم في معركتهم مع خصومهم السياسيين، وبدلاً من أن يهتموا بإقامة حياة ديمقراطية سليمة، والعمل على رفع الأعباء عن كاهل الناس الذين أثقلتهم ثلاثون سنة من الفشل، فإنهم يذهبون بعيداً، لإغلاق وسائل الإعلام، وبضربة واحدة، نجحوا في زيادة أعداد العاطلين بعدد (2063) هم من يعملون في صحف “السوداني” و”الرأي العام” و”سودان فيشن”، وإذاعة “الفرقان”، وقناتي “طيبة” و”الشروق”، وهو انجاز هائل ومعتبر، عند أولئك الذين يرون أن الثورة السودانية قامت لاستبدال استبداد باستبداد وإقصاء بإقصاء، وفشل بفشل!

ويدرك المرء أنه عند كتابة أي نقد لاتجاه السلطة الحاكمة في السودان الآن ورافدها، فإن الرد يكون بإلقاء الاتهام المريح لأعصاب القوم، هو أن كاتب هذه السطور، وما دام ينتمي لجبهة الرفض للانقلاب العسكري في مصر، فهو إذن من “الكيزان ” المصريين، وما دام “كوزا” فمن الطبيعي أن يتحرك دفاعاً عن “الكيزان” في السودان، وتعليقات في هذا الاتجاه أطالعها كلما انتقدت مسلكا استبداديا للسلطة الجديدة في الخرطوم، وهو دفاع يهدر انحيازي للثورة السودانية منذ اليوم الأول، ورفضي لحكم الانقلاب العسكري في السودان وجرائمه في دارفور مبكراً، ثم إن رفضي لحكم العسكر في مصر، مبعثه أن من أمارات الحكم العسكري هو السلوك الاستبدادي، ويؤسفني أن يتشابه في الأداء مع الحكم الذي تديره قوى سياسية، وليست عسكرية، في السودان!

علامات الاستبداد

وفي اللحظة التي كان فيها وزير الدفاع المصري الفريق عبد الفتاح السيسي يلقي بيان الانقلاب على الرئيس المدني المنتخب، كانت قوات الأمن تجتاح مدينة الإنتاج الإعلامي، وتغلق القنوات التلفزيونية “المشتبه فيها”، وتعتقل ضيوفها والعاملين فيها، كما اجتاحت مكتبي قناتا “الجزيرة” و”الجزيرة مباشر مصر”، وهذا المشهد الى جانب مشهد آخر هو اقتحام منزل “خيرت الشاطر” فجراً بالطريقة التي جرت، رأيت فيهما عنواناً على أننا أمام انقلاب عسكري، وليس مجرد استجابة من الجيش لنداء الشعب المصري، وذهبت إلى القنوات التلفزيونية من “الحرة” إلى “سكاي نيوز” أدلل على أنه انقلاب في هاتين الواقعتين، وكنت من أوائل من وصفوه بالانقلاب العسكري، وطلبت أن نسمي السيسي ومن معه بأسمائهم بدون لف أو دوران، فهم “الانقلابيون” قولاً واحداً، وإن كنت لا أذكر أن أحداً سبقني إلى ذلك!

إيمانا مني أنه في المعارك الكبرى يلزم الحسم، فاللف والدوران إنما يعطي الطرف الآخر براحاً يصول فيه ويجول، وعندما كنت بعد عشر دقائق من إعلان وفاة الرئيس محمد مرسي، على الهواء، وكان الحوار يدور في جدل عقيم مع ضيف من القاهرة، يتحدث عن أن الرئيس محمد مرسي يتلقى عناية فائقة في سجنه، ويعامل وفق القانون، انتقلت بالحوار خطوات إلى الأمام، لاحظتها في المداخلات التالية عندما قلت: “مات الرئيس محمد مرسي قتلته الفئة الباغية، وعند شرحي لهذا قلت إن عدم العناية الصحية به ووضعه في ظروف حبس بالغة السوء والرجل يعاني من عدد من الأمراض، فالمعنى أن قراراً بالقتل البطيء قد صدر، ليصبح وقوع الوفاة هو تحصيل حاصل!

لا بأس، إن تصرفت كالبخيل، الذي نشر نعياً لإبنه في إحدى الصحف، وانتهز الموقف وأعلن بالمناسبة أنه “يصلح ساعات”!

فما أريد قوله، أن الاستبداد هو عنوان الانقلابات العسكرية، ومن هنا فلا يحتاج المدني المستبد إلا أن يضع فوق رأسه “كاب”، وعلى أكتافه “دبورة ونجمة”، ومرحلة حكم البشير شهدت تطوراً لافتاً من حيث منح المدنيين الألقاب العسكرية!

وأرى أن الأيدي، التي امتدت وأغلقت وسائل الإعلام تستحق عن جدارة الرتب العسكرية، لاستيفاء الشكل، وليس كل العسكريين مع الاستبداد، فعندما ألغت حركة الضباط الأحرار في سنة 1952 الحياة النيابية والتعددية الحزبية، وتجاوب معها مدنيون كبار مثل طه حسين وعبد الرزاق السنهوري وعباس محمود العقاد نكاية في حزب الأغلبية “الوفد”، فإن سلاح الفرسان وهو جزء من الجيش المصري هو من دعا الجيش للعودة للثكنات وعودة الحياة النيابية وتسليم الحكم للمدنيين!

النسخة الرديئة

يقول القوم، إن وسائل الإعلام، التي أغلقت على علاقة بالنظام البائد، وأن الأموال التي تنفق عليها من أمواله، ومن المؤسف أنهم هنا يقلدون النسخة الرديئة من الانقلابات العسكرية، في طبعتها في مصر الآن، فالنسخة الأولى في سنة 1952، لم تفعل هذا، لكنها أنشأت إعلامها في البداية، فلماذا لم يقدم أهل الحكم في السودان على ذلك؟! بدلا من ارتكاب “الحرام الثوري” بإغلاق صحف وقنوات تلفزيونية وإذاعة لشبهة التمويل من النظام السابق، ولماذا لا يعملون على مراقبة حساباتها والتضييق عليها إن كان الخوف هو من المال الحرام؟!

ثم إذا حدث انحراف في الرسالة الإعلامية، وجب تطبيق القانون عليه، بدلاً من صدور مثل هذه القرارات الجائرة، وهي جائرة لأنها غير خاضعة لرقابة القضاء؟!

لقد قرب جمال عبد الناصر الصحف وأصحابها منه، واستطاع عن طريق أصحاب “الأهرام” أن يعين محمد حسنين هيكل رئيساً للتحرير، ليبدو كما لو كان الاختيار تم بإرادة حرة من أصحابها.

وكان يدرك أن بعض الصحف وبعض الصحافيين على علاقة سابقة بملك البلاد، وأنهم كان يحصلون على عطايا سميت بالمصاريف السرية، وكتب عنها “هيكل” في حملة تلويح بكشف المستور، وهددت نقابة الصحافيين بإحالته للتحقيق، وتحداها أن تفعل، وكان الهدف من هذا هو التهديد والتلويح بالفضيحة!

ولم تصادر ثورة يوليو، إلا صحيفة “المصري”، وقد نقل عن عبد الناصر ندمه على ذلك ما دام قادراً على اخضاعها لقرارات التأميم، التي صدرت بعد الحركة في ثماني سنوات، انتقلت بملكيتها من أصحابها إلى الدولة، ولكن بدون إغلاق وتشريد العاملين فيها، ومن بينهم مهنيون ليس لهم في العير ولا في النفير!

ولست أرى في تجربة عبد الناصر مع الإعلام ما يستحق التقليد، من ثورة شعبية وليست انقلاباً عسكرياً، فمعظم الإعلام، الذي كان قبل ثورة يناير في مصر كان خاضعاً للسلطة وعمل على تشويه الثورة، فتم تغيير القيادات، وإن انحرف بعد هذا، فلأن العسكر كانوا يبغونها عوجاً، ثم إن أطرافا إقليمية دخلت على الخط، وأطلقت صحفاً وقنوات تليفزيونية، استعداداً للانقلاب العسكري، وكان يمكن مواجهتها بالقانون لكن لم تكن هناك رغبة سياسية من النظام الحاكم لعدم وعيه بكثير من التفاصيل.

اجتثاث البعث

والاختراق يمكن أن يحدث مع الإعلام، الذي لم يؤخذ بشبهة الانحياز مع البشير، ليبقى دائما القانون هو القادر على التعامل مع هذه الإشكاليات، وليس من بينها قانون إزالة التمكين، الذي يذكرنا بقانون اجتثاث البعث في العراق، فليس منطقيا أن يتم الغاء قوى متغلغلة في الجسم الشعبي العام، في الخرطوم وفي بغداد، باسم محاربة النظام البائد!

وعندما تغلق قناة للقرآن الكريم، فإن الأمر يكون كاشفاً عن أنها ليست الانحيازات الثورية، ولكنها الحرب والرأي والمكيدة، فهل الشيخ عبد الحي يوسف من النظام البائد وينبغي استئصاله وقطع دابره، والفريق أول “حميدتي” قائد الثورة البلشفية مثلاً؟!

عموما، طال الزمان أم قصر، فسوف يذهب السودان للانتخابات، وسيرى القوم أثر سياستهم هذه في صناديق الانتخابات لصالح الخصم، الذي يعملون على استئصالهم، إن لم يكونوا بممارساتهم سببا في التعجيل بانقلاب عسكري تؤيده شريحة كبيرة من الشعب!

ويبدو أنهم يدركون هذا لذا فانهم يسارعون إلى استئصال خصمهم وكأنهم يأكلون آخر زادهم!

أرض – جو:

• وبعد حملة التسخين، ودفع المصريين لتمني الحرب لدحر العدوان التركي على ليبيا، تم الدفع بسمير غطاس ليحذر في اطلالة مع عمرو أديب من الانجرار للحرب، في اليوم التالي قال السيسي إنه لن ينجر للحرب، كأني أنا من قمت بتسخين الناس!

• وعلى ذكر عمرو أديب، فقد أبدى دهشة كبيرة لأن الإمام خامئني دعا لضحايا الغارة الأمريكية باللغة العربية. وذهب يبحث عن مدلول هذا وأسبابه. قل للقوم في الرياض يطمئنوا.. لأن الدعاء يكون باللغة العربية.. وقراءة القرآن أيضاً، فلا توجد نسخة فارسية من القرآن الكريم.

• خليفة حفتر يطلق فضائية من مصر، لماذا يغضب القوم في القاهرة، لأن تركيا تستضيف قنوات خاصة بالثورة المصرية؟!

• في الأحداث تظهر “الجزيرة” عملاقة وتتضاءل القنوات الأخرى فلا تُرى بالعين المجردة. لقد دفعت تغطية الجزيرة للأحداث الأخيرة حسن هيكل نجل الكاتب الراحل لأن يبدي أسفه لعدم وجود شبكة مصرية ولو لتغطية الأحداث الخارجية؟ فاته أن النظام الحاكم في مصر قد أصابه الارتباك في هذه الأحداث، فلا يعرف إن كان ينحاز كلية لترامب ويشمت في إيران، أم يقف على الحياد في انتظار من ينتصر؟ فكيف يمكنه أن يغطي هذه الأحداث وحاله كذلك؟ إنك تريد أن تبعث من في القبور!

وسوم: العدد 859