اللؤم خلق مذموم وهو أشد ذما حين يكون ممن توضع فيهم الثقة العمياء

اللؤم آفة مستقبحة ، ويطلق اللؤم على الخسة، والدناءة، والضعة ،وهوان النفس ، وقيل هو أكثر من ذلك ، وعندي أن كل خلق سيء يكون ينضوي تحت اللؤم .

وإذا كان أمرا عاديا أن يتأذى الإنسان من لؤم لئام لا صلة له بهم ويستاء منهم ، فإنه أشد استياء من لؤم لئام تربطه بهم صلة أوعلاقة . وإذا ما كان الإنسان غالبا ما يحتاط من لؤم من يتوقع منهم ، فإنه يقع ضحية لؤم من لا يخطر لؤمهم على باله .

ونظرا لما يخلفه لؤم هذا النوع من اللئام في النفس من حسرة ، وألم ، وندم على ثقة توضع فيمن لا يستحقها ، ارتأيت أن أستعرض في هذا المقال بعض ما قاله بعض الشعراء  الحكماء عن اللؤم واللئام وأقوالهم كلها حكم ونصائح من شأنها أن تنبه الغافل ، وتذكّر العاقل .

وأول ما يلاحظ في أشعار هؤلاء الشعراء أنهم يقابلون اللؤم بالكرم واللئيم بالكريم.

وأشهر بيت  يردد كثير من الناس لشهرته وشهرة قائله بيت الشاعر المتنبي :

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته = وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

هذا البيت يصور لنا رد فعل اللئيم على الإكرام ، حيث يتمرد على مكرمه بتنكره لإكرامه . وكل من تنكر لمكرم كان بالضرورة لئيما خلاف الكريم الذي  يقيده الإكرام ويجعله مملوكا للمكرم .

ومما قيل عن اللؤم أيضا قول آخر :

إن الوفاء على الكريم فريضة  = واللؤم مقرون بذي إخلاف

وترى الكريم لمن يعاشرمنصفا= وترى اللئيم مجانب الإنصاف

هذان البيتان يصوران سلوكين سيئين للئيم هو الإخلاف والإجحاف مقابل سلوكين حسنين للكريم هما الوفاء والإنصاف .

ومما قيل أيضا قول آخر :

رأيت الحق يعرفه الكريم  = لصاحبه وينكره اللئيم

هذا البيت يصور نكران اللئيم الحق  وعدم الإقرار به صاحبه مقابل عرفان الكريم له .

ومما قيل أيضا قول آخر :

إن اللئيم إذا أراك بشاشة = فالغيب منه والفعال لئيم

هذا البيت يصور نفاق اللئيم وخداعه ، فهو يظهرعكس ما يبطن .

ومثل هذا قول آخر :

ثق بالكريم إذا تهلل بشره = فهو البشير بنيل كل مراد

والبشر في وجه اللئيم تملق = فاحذر به استدراجه بفساد

هذان البيتان يصوران تملق اللئيم  حين يظهر بشرا كاذبا على وجهه ، وهو ما  يوجب الحذر منه لأن ذلك يعقبه شر، خلاف الكريم الذي يرجى خيرا من بشره الصادق.

ومما قيل أيضا قول آخر :

وما بال قوم لئام ليس عندهم = عهد وليس لهم دين إذ ائتمنوا

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا = منا وما سمعوا من صالح دفنوا

صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به = وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

هذه الأبيات تصور خيانة اللئام للعهد والأمانة ، كما تصور تنكرهم لفضل من له فضل، وميلهم إلى سماع السوء عنه مقابل كرههم سماع الخير عنه.

فإذا جمعنا الأوصاف التي وصف بها اللئام في هذه الأبيات ، نجد الخيانة، والغدر، والخداع، والكذب ،والنفاق، والحسد، والإجحاف في الحكم، ونكران الجميل ، والسعي بالوشاية ... كل هذا وغيره يجتمع في آفة اللؤم .

ولما كان اللؤم خسة، ودناءة، وضعة ،ومهانة  نفس فقد حذر الشعراء الحكماء  من مخالطة اللئام  فقال أحدهم :

احذر مصاحبة اللئيم فإنه = يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب

هذا البيت يصور اللؤم كداء خبيث معد يجب تجنب صاحبه .

ومثله قول آخر :

واحذر مصاحبة اللئيم فإنه = كالقحط في أفعال خير مجدب

هذا البيت يصور اللؤم كالجدب الذي لا خير يرجى منه .

وأفضل وسيلة لتجنب اللئام هو الإعراض عنهم كما قال أحدهم :

ولقد أمر على اللئيم يسبني = فأجوز ثم أقول لا يعنيني

هذا البيت يدعو إلى تجاهل اللئيم استصغارا لشأنه .

ومثله قول آخر :

إذا نطق اللئيم فلا تجبه = فخير من إجابته السكوت

وحذر بعضهم من مجاراة اللئام في أخلاقهم السيئة  فقال  :

إذا جاريت في خلق لئيما = فأنت ومن تجاريه سواء

هذا البيت يحذر من الاستجابة لاستفزاز اللئيم والرد عليه بالمثل .

و في الأخير أقول ما أظن غير الشعراء يبلغون مبلغهم في ذم اللؤم والتحذير من اللئام . وقانا الله وإياكم من شر اللؤم واللئام . 

وسوم: العدد 863