قراءة المنحنى البياني يجعلنا أكثر وقارا ... المشهد السوري

زهير سالم*

في تعداد صفات الخاسرين الذين يُسلكون في سقر ذكر القرآن الكريم صفة مرعبة منذرة محذرة " وكنا نخوض مع الخائضين"

والخوض مع الخائضين ، بغض النظر فيما يخوض الإنسان فيه ، يعني بطريقة من الطرق تأجير الإنسان لطوابقه العلوية ، والاستسلام للغرائز الجماهيرية أو الجماعية التي قلما فكرت أو قدرت .

وكثير من الأحيان يظل المحركون لأشكال الهياج العام ، أو المسيطرون عليه ، أو المستفيدون منه ؛ يقنعون أنفسهم أو من يليهم أنهم على " شيء " .

وكثيرا ما تعصف طرائق الحسابات اللحظية أو الآنية ببعديها الزمني والمكاني بالعقول والقلوب ، فيبنى عليها ، ويستشهد بها ، وينتشي البعض بزبيبها ، ويحسبون أنهم مقتنعون أو مقنعون .

لإطلاق الأحكام ، ولاستخلاص النتائج ، وإصدار التقويمات يلجأ العقلاء إلى الكلي العام ، ولا يعولون كثيرا على الفردي الخاص . في كل المدارس علمونا طريقة حساب الكلي لنخلص إلى الصواب الذي نحتاج إليه في حياتنا .. علمونا النسبة والتناسب ، وحساب الوسط الحسابي ورسم الخطوط البيانية التي تربط الحدث أو التغير إيجابيا أو سلبيا بالزمن .

الذين يرسمون الخطوط البيانية لانتشار وباء كورونا مثلا سوف يصدرون قرارهم بأن المرض بدأ ينحسر ، عندما يرصدون انكسارا أو انحناء في سرعة انتشار المرض يوما بعد يوم .

تقويم الصحة أو المرض لحياة فرد كذلك يعتمد على اتجاه الخط الممثل لوظائف جسمه الحيوية .

يعتمد تقويم ما يسمى بالمعدلات العامة للنجاح أو الإخفاق في التقدم أو النمو على الصعد العامة للدول والحركات والجماعات والثورات على مثل هذا من التقويم ، برسم المنحنيات العامة للإنجاز على أكثر من صعيد . إنجاز مرتبط بالزمن من جهة ، معتبر بالكلفة من جهة أخرى ...

وأمر الكلفة أمر مهم ، وهو يطرح مثلا : هل الحصول على دستور معدل في سورية مع شراكة في وزارة معرالأسد ، كل هذه التضحيات ؟! سؤال يطرح على هيئة التفاوض وأصحاب المنصات .

من الأسئلة البيانية الدالة التي طرحها هرقل على أبي سفيان ، وكانت بحق أسئلة ملك بعيد النظر ، وافي الحكمة ، سؤالان :

الأول : سؤاله عن أصحاب رسول الله أيكثرون أو يقلون ؟!

والثاني : سؤاله هل يرتد أحد منهم عن دينه ؟

وكلا السؤالين ذو دلالة مباشرة على سير الدعوة العام .

والآن وبغض النظر عن كل شيء لنعود إلى المشهد السوري . وإلى الخط البياني الذي بدأ منذ ٢٠١٥ أي منذ احتلال الروس لسورية مختلفا ..

وإلى الذين ظلوا متماهين مع السيرورة السابقة ، متجاهلين كل المعطيات ، وظلوا حسب المصطلح القرآني " يخوضون مع الخائضين "، دون أن يملكوا إرادة للمبادرة أو عزيمة

وإلى الذين ما زالوا حتى الساعة في موكب جنائزي لا يدرون من المحمول على أكتاف الناس فيه ، ولا يدرون أين يكون المستقر ولا كيف يكون ..

إلى الذين ما زالوا مصرين على أن يدفعوا ثمن تصدرهم الموكب ، وإن كان جنائزيا المزيد والمزيد من أشلاء أطفال ونساء ورجال ، ودمار مدن وبلدات ..

المطلوب المبادرة ، والمبادرة تعني فعلا إيجابيا صائبا يغير اتجاه المنحنى البياني فترتفع مؤشرات الإنجاز وتنخفض مؤشرات التضحيات .

والمبادرة العاقلة ، حتى لا يتصيد المتصيدون ، لا تعني استسلاما ولا انكسارا . والواقعية في الانطلاق من الواقع ، والبناء عليه ، وليست في الاستسلام له .

قريبا ينتهي موكبكم الجنائزي إل المقبرة حيث يترصدكم فيها نباشو القبور ....

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 863