ويبقى الحل دائما في شرع الله عز وجل حتى في الكوارث

هنالك نوع من الناس ممن لم يهدهم الله عز وجل إلى هدي الإسلام، كلما ذكر شرع  هذا الأخير في أمر من الأمور واجهوا ذلك بالامتعاض والسخرية ، واتهموه بالشرع  الماضوي المتجاوز بشرائع العصر الوضعية التي يضفون عليها هالة من التقديس والتمجيد والمشروعية ذات المعايير الدولية التي لا تناقش والتي يلزم بها الناس في كل أرجاء المعمور ، وتفرض عليهم فرضا  .

وها هو الوضع  اليوم في العالم بسبب وباء فيروس " كورونا " يثبت أن الحل المخلص من هذه الجائحة إنما يوجد في شرع الله عز وجل الذي يتضمن قانونا صارما للتعامل مع الأوبئة المعدية التي تتسع رقعة انتشارها .

ويكفي أن نذكّر مرة أخرى بالحديثين النبويين الشريفين اللذين تناولا وباء الطاعون لتأكيد نجاعة الاحتياط من جميع الأوبئة في شرع الله عز وجل .

أما الحديث الأول، فهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين سألته عائشة رضي الله عنها عن  وباء الطاعون :

" عذاب يبعثه الله على من يشاء ،وأن الله جعله رحمة للمؤمنين ، ليس من أحد يقع الطاعون ، فيمكث في بلده صابرا محتسبا ، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد "  .

إن هذا الحديث النبوي الشريف يتضمن الإشارة إلى أمور في غاية الأهمية وهي:

1 ـ يحمل بشارة للمؤمنين بأن الله عز وجل خصهم بفضل منه  حيث  جعل لهم في عذاب الوباء رحمة ، والدليل على ذلك أن من مات به  أو من لم يغادر الأرض التي فشا فيها، كان أجره كأجر شهيد ، وهل توجد رحمة أكبر من هذه ؟

2 ـ الدعوة إلى حجر إرادي يرغب فيه وازع الإيمان  الذي يكون في التماس رحمة الله عز وجل ، و في احتساب الأجر عنده سبحانه وتعالى .

وأية شرائع وضعية في الدنيا  فيها هذا  الذي في شرع الله عز وجل ؟  وفي أ ي  إنسان في غير هذا الشرع  يقبل  البقاء  في أرض الوباء القاتل صابرا محتسبا وهو على يقين تام بأنه لن يصيبه إلا ما كتب  الله عز وجل له  وأنه مأجور بأجر الشهادة سواء مات أو مد الله في عمره ؟

أليس الناس على اختلاف مللهم ونحلهم اليوم في المعمور يلحون في الخروج من الأقطار التي فشا فيها طاعون " كورونا " ، وهو ما تسبب في انتشاره على أوسع نطاق حتى صار وباء عالميا ،وهذا ما نهى عنه شرع الله عز وجل من خلال الحديث النبوي الشريف  ؟  أليس غياب الإيمان أو غياب الوازع الديني هو السبب في تفكير الناس في الخروج من أقطار هذا الوباء إلى غيرها وهم يعلمون عن عمد وسبق إصرار أنهم سيتسببون في انتشاره ،وفي زيادة عدد ضحاياه ؟ الشيء الذي يعتبر في حكم القتل العمد في شرع الله عز وجل .

أما الحديث الثاني فهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" الطاعون غدة كغدة البعير ، المقيم بها كالشهيد ، والفار منها كالفار من الزحف".

فهذا الحديث الشريف يحمل نفس البشارة التي في الحديث السابق، وهي بشارة أجر الشهادة مقابل المكوث بأرض غدة الوباء مع الصبر والاحتساب والإيمان الراسخ بأنه لا يصيب الماكث الصابر المحتسب  إلا ما كتب الله عز وجل له .

وفضلا عن ذلك يتضمن الحديث تحذيرا خطيرا  من عقاب يكون كعقاب الفار من الزحف أو من الجهاد في سبيل الله عز وجل، وهو كما جاء في قوله تعالى غضب  في العاجل وسوء مصير في الآجلا :

(( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ))  .

وهذا الحديث يعتبر الوباء الفاتك  بمثابة عدو زاحف يجب الثبات أمامه بصبر واحتساب وإيمان كثبات وصبر واحتساب وإيمان من يواجه عدوا بشريا . وكما أن فرار الإنسان المؤمن أمام زحف العدو الكافر يعتبر ذنبا في شرع الله عز وجل ،لأنه يكون سببا في ظهور الكفر على الإيمان ،مع تعريض المؤمنين للهلاك مستضعفين ونساء وولدانا ، فإن الفرار من أرض الوباء يكون سببا في انتشاره  وفي تعريض المؤمنين للهلاك ، لهذا كان حكم الفرار منه كحكم الفرار من الزحف أوالجهاد.

والملاحظ في شرع الله عز وجل من خلال هذين الحديثين أنه يراهن على  الإيمان في مواجهة الوباء بحجر إرادي  ، ولا يراهن على الحجر الإجباري الذي تفرضه الشرائع الوضعية .

ومؤسف جدا أن نرى المحسوبين على شرع الله عز وجل ،منهم الفار من أرض وباء " كورونا " ، ومنهم ناقله إلى أرض أخرى متعمدا ، ومنهم مصاب بالهلع الشديد منه حتى أنساه استحضار أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله عز وجل له ، وجعل خوفه منه أشد من خوفه من الله تعالى الذي بيده حياته وموته والذي جعل له أجلا لا يؤخر إذا جاء .

 ومؤسف جدا  أيضا أن يتهافت المحسوبون على شرع الله عز وجل كالمحسوبين على الشرائع الوضعية على الأسواق النموذجية  وغيرها لاقتناء المأكولات والمشروبات والحاجيات... كأنهم في حالة حرب تمنع من الوصول إلى الطعام والشراب مع توفرهما ومع التحذير في خطبة منبرية  من هذا التهافت الناتج عن الهلع من مصير بيد الله عز وجل  .

إن هذا المؤسف الذي حدث ونقلته وسائل التواصل الاجتماعي ، وعاينه من عاينه ليؤكد انخفاض أرصدة  الإيمان إلى درجة غير مسبوقة  لدى المحسوبين على دين الإسلام ، ولم يبق بينهم وبين من لا يدينون به فرق .

وأخيرا نقول إن مواجهة خطر هذا الوباء إنما تكون بالعودة إلى شرع الله عز وجل ، والصلح معه ، والتوبة النصوح ، واستحضار قوله تعالى  :

((  ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ))  .

صدق الله العظيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 

وسوم: العدد 868