خلاص القلوب من الاضطراب مهما كان مصدره أو نوعه طمأنينة تحصل بذكر الله عز وجل

تسبب وباء فيروس " كورونا " في خلق حالة من الهلع والذعر في كل ربوع المعمور إثر انتقاله بسرعة كبيرة  من بلد إلى آخر عابرا للقارات ولحدود أقطارها.وتختلف درجة الخوف من هذه الجائحة حسب طبيعة قناعات الناس ، فمنهم من يبلغ خوفه أقصى الدرجات ،لأن القناعة التي يصدر عنها هي أنه مارّ مرورا عابرا بهذه الحياة الدنيا التي لا بعث ولا حياة بعدها . ويأتي من هو دون هذه الدرجة من الخوف ممن  يصدر عن قناعة مفادها  أنه بعد زوال هذه الدنيا سيكون بعث وحياة أخرى خالدة، ولكن  يكون مصدر خوفه هو عدم يقينه بالفوز برهان  النجاة في الآخرة بسبب  شعوره بتفريطه فيما  يكسبه  الفوزبذلك الرهان . ويأتي بعد ذلك من لا يتجاوز خوفه ما جبلت عليه الطبيعة البشرية دون أن ينال منه ما يناله من اليائس من البعث والحياة الآخرة  أو من المفرط مع  يقين بهما ، والذي يهون من خوفه طمأنينة القلب  التي كشف الله عز وجل سرها في كتابته الكريم عزحيث قال جل وعلا : (( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) .

ولقد ذكر المفسرون أن المقصود بالذكر، هو كلام الله عز وجل ، ويؤكد ذلك هذا الذكر نفسه  في مواطن من كتاب الله عز وجل  نذكر منها قوله تعالى: (( وإنه لذكر لك ولقومك )) وقوله أيضا : (( وهذا ذكر مبارك أنزلناه ))، وقوله أيضا : ((  الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء )) .

وقال المفسرون أن الذكر أيضا هو ما يحصل للنفس من مراقبة الله عز وجل وخشيته وطاعته بسبب احتكاكه بكلامه . وقالوا أيضا أنه  ذكر الله عز وجل باللسان الذي به ينبّه القلب إلى مراقبته .

والاطمئنان هو سكون النفس بعد اضطرابها ، ويترتب عنه يقين يدفع كل شك لأنه بهذا الأخير تفقد النفس سكونها ، وهو ما حصل  لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى فأجابه : (( أو لم تؤمن )) قال : (( بلى ولكن ليطمئن قلبي )) أي  ليذهب عنها ما يخامرها من اضطراب سببه غموض كيفية عملية الإحياء ، وليس استحالتها على الله عز وجل ،لأن ذلك كان يقينا عنده عليه الصلاة والسلام  دل عليه قوله ( بلى ) تأكيدا لإيمانه الراسخ  بأن الله عز وجل قادر على إحياء الموتى .

ومعلوم أن النفس البشرية مجبولة على نشدان الطمأنينة  لخلاصها من كل اضطراب ينتابها  كيفما كان نوعه . ولقد جعل خالقها سبحانه وتعالى طمأنينتها في ذكره الذي فيه ما به تحصل  هذه الطمأنينة . ولقد جاء التعبير عن هذه الطمأنينة بصيغة (( تطمئن )) الدالة على تجددها واستمرارها كلما صاحب أو لازم الإنسان المؤمن ذكر الله عز وجل تلاوة وتدبرا وتخلّقا، ذلك أن جارحة اللسان تلوكه ، وجارحة القلب تتأثر بذلك ، وتتفاعل معه ، فيسري التأثر والتفاعل في كل الجوارح ، وتكون النتيجة هي  حصول الطمأنينة . وقول الله تعالى : (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) حث لمن ينشد هذه الطمأنينة كأنه يقول له : إن المؤمنين يعيشون راحة بال وسكون، فما يمنعك أن يحصل لك ما يحصل لهم  من ذلك بالذكر ؟ ويدل على هذا حرف التنبيه " ألا " الذي يغري بالإقبال على الذكر طلبا لما يحدثه من طمأنية القلب .

فحين يواجه الإنسان حالة الخوف مهما كان مصدره ، يجد في الذكر ما يساعده على التخلص منه  من قبيل قول الله تعالى : (( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه  ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ))  ، ففي هذه الآية الكريمة من الذكر الحكيم  جزم قاطع بأن الخوف إنما يكون من الله عز وجل وحده  وكفى به . ومن المفروض أن من تبلغ لهم رسالات الله عز وجل، وهي ذكره يلزمهم ما لزم من بلّغوها لهم وهي تخصيص الله عز وجل بالخشية دون سواه .

ولنأخذ كمثال الخائف اليوم من جائحة هذا الوباء  الطارىء الذي حل بالناس ، فخوفه لن يبرحه إلا بطمأنينة دله الله عز وجل عليها في ذكره الذي يجد فيه قوله تعالى : (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ))، ففي هذه الآية ما يجعل النفس الخائفة المضطربة  تستيقن أنها لن تصاب بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لها ، وأنه ليس بقدرة شيء مهما كان أن يصيبها من تلقاء نفسه لأن أمره بيد الله عز وجل .

ومعلوم أن الخوف من هذه الجائحة إنما هو خوف من الموت ، ولا يطمئن النفس من الخوف منه إلا ذكر الله عز وجل الذي فيه قوله تعالى : ((  وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ))  ، ففي هذه الآية ما يجعل النفس تطمئن وتتخلص من خوفها من الموت ليقينها أنها لن تموت إلا إذا أذن لها الله عز وجل بذلك، وأن لذلك أجلا معلوما لا يؤخر كما جاء في الذكر المطمئن للقلوب المؤمنة حيث يقول الله تعالى : ((  ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها )) .

وإن الطمأنينة التي تحصل  للقلوب بذكر الله عز وجل إنما هي يقين يودعه فيها الله عز وجل ،ويقطع عنها كل شك  في أنها بيد من لا تضيع ودائعه ، ولا يضير الودائع أن تنتقل من حياة مصيرها الزوال إلى حياة أبدية لا زوال لها . وبهذه القناعة فقط يمكن للإنسان المؤمن أن يتخلص من خوف من الموت وأسبابه ، وينتقل  من  حالة الاضطراب إلى  حالة الاطمئنان .

وأخيرا نسأل من بيده سبحانه وتعالى قلوبنا أن يرزقنا طمأنينتها بذكره . وله الحمد سبحانه وتعالى بكرة وأصيلا وعشيا وحين نظهر ، وله الأمر كله ، وبيده الخير كله ، ونستعطفه جل في علاه ليكشف عنا غمة هذه الجائحة رحمة ومنة من عنده وهو سبحانه من أطلق رحمته ، فجعلها تسع كل شيء ، بينما حدّ من عذابه  ، وهو الرءوف بعباده  مصداقا لقوله عز من قائل : (( قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون )) ، اللهم اصرف عنا عذابك  العاجل والآجل ، واجعل رحمتك التي وسعت كل شيء تسعنا ، واجعلنا ممن كتبتها لهم ، وأعنا على ذكرك و تقواك . ولك الحمد سبحانك حتى ترضى ، وإذا رضيت ، وبعد الرضى ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وسوم: العدد 868